تعريف اتقان العمل
اتقان العمل يعني إتمام وإنجاز العمل المطلوب من الشخص كما طلب من الشخص دون نقص بل بالشكل الكامل دون أي خلل بدقة ومهارة وإخلاص، والالتزام بالمتطلبات والتقيد بالضوابط المتعلقة باستعمال تقنيات معينة، مع الحرص على القيام به في الوقت المحدد مسبقاً ودون تأخير، والتفكير بتطوير العمل لاحقاً لمستويات أفضل.
اتقان العمل في القران
قال تعالى {وَقُلِ آعْمَلُوآْ فَسَيَرَى آللّهُ عَمَلَگُمْ وَرَسُولُهُ وَآلْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَآلِمِ آلْغَيْپِ وَآلشَّهَآدَةِ فَيُنَپِّئُگُم پِمَآ گُنتُمْ تَعْمَلُونَ }آلتوپة105.
الإتقان من أسس التربية في الإسلام، وهو هدف تربوي في حد ذاته؛ لأن الإتقان في المجتمع المسلم ظاهرة سلوكية تلازم المسلم في حياته، والمجتمع في تفاعله وإنتاجه، فلا يكفي الفرد أن يؤدي العمل صحيحا بل لا بد أن يكون صحيحا ومتقنا، حتى يكون الإتقان جزءا من سلوكه الفعلي اليومي وعندها تتميز الأمة بالإخلاص في العمل وتقوى المراقبة الداخلية وتجرد العمل من مظاهر النفاق والرياء، حيث ما زال كثير من الناس يتقن عمله ويجوّده إن كان مراقبا من رئيس له، أو قصد به تحقيق غايات له أو سعى إلى السمعة والشهرة؛ لأنه يفتقد المراقبة الداخلية التي تجعله يؤدي عمله بإتقان في كل الحالات دون النظر إلى الاعتبارات التي اعتاد بعضهم عليها.
إن الإتقان في المفهوم الإسلامي ليس هدفا سلوكيا فحسب، بل هو ظاهرة حضارية تؤدي إلى رقي الجنس البشري، وعليه تقوم الحضارات، ويعمر الكون، وتثرى الحياة، وتنعش، ثم هو قبل ذلك كله هدف من أهداف الدين يسمو به المسلم ويرقى به في مرضاة الله والإخلاص له؛ لأن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه، وإخلاص العمل لا يكون إلا بإتقانه.
ولعلنا نلحظ أن من أسباب التخلف في المجتمعات الإسلامية افتقادها خاصية الإتقان كظاهرة سلوكية وعلمية في الأفراد والجماعات، وانتشار الصفات المناقضة للإتقان كالفوضى والتسيب وفقدان النظام وعدم المبالاة بقيمة الوقت واختفاء الإحساس الجمعي والإهمال والغش والخديعة، وهذا منعكس في فقدان المسلمين للثقة في كل شيء ينتج في بلادهم مع ثقتهم فيما ينتج في غير بلاد المسلمين مع أن صفة الإتقان وصف الله بها نفسه لتنقل إلى عباده {صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} (النمل: 88).
احاديث عن اتقان العمل
- قال رسول اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (إِنَّ الله يُحِبُ إذا عَمِل أحَدُكُم عَمَلا أنْ يُتْقِنَه)[٣] والمقصودُ بالإتقانُ هنا هو الإخلاصُ في العملِ، أي أنّ اللهَ عز وجلَ لا يقبلُ عملَ امرئ حتى يُخلّصهُ من الرياءِ، فعلى العامل أن يُتقنَ العملَ الذي كلفهُ بهِ صاحبُ العملِ أو الحِرفةِ، بقصدِ نفعِ خَلقِ اللهِ عز وجلَ، وألا يعملَ على مقدارِ الأجرةِ التي تُدفعُ إليهِ، بل بحسبِ ما تقتضيهِ الصنعةُ من إتقانٍ.[
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُم راعٍ وكُلُّكُم مسؤولٌ عن رعيتهِ)[٥] ودلالة هذا الحديث أنّ إتقان العمل واجبٌ على كل موظفٍ مهما كانت وظيفتهُ؛ فالحاكمُ عليهِ إتقانُ عملهِ، والرجلُ في بيتهِ مسؤولٌ عن بيتهِ ورعايتهِ رعايةً سليمةً، وكذلك الزوجةُ فهي راعيةٌ في مالِ زوجها، وعليها صونُ الأمانةِ التي كُلّفت بحملها، وإتقانُ العملِ الذي وُكِّل إليها من حفظٍ لبيت الزوجيةِ ورعاية لصغارها وتربيتهم، تربيةً سليمةً تُسألُ عنها أمامَ اللهِ عز وجل.
- حديثُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ، فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ) وموضعُ الاستدلال هنا أنَّ على العبدِ إتقانُ العملِ الذي يقومُ بهِ، حتى وإن كانَ في القتلِ أو الذبحِ، فمن باب أولى باقي الأعمال الأخرى.
- قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (إن الْعَبْدُ إِذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ، فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ). فالقيامَ بالعملِ على أتمِّ وجهٍ عبادة تُضاعِفُ الأجرَ، ولم يُقصد بهذا الحديث العبد فقط بنصحه وإتمام عمله، وإنما هو ينطبقُ على جميعِ الأعمالِ، وعلى كلِ من وُلِّيَ أمراً من أمورِ المسلمين، فالعبرةُ بعمومِ اللفظِ لا بخصوصِ السببِ.
الاحسان في العمل
حث القرآن والسُّنة على الإحسان ، ووردت كلمة الإحسان بمشتقاتها المختلفة مرات كثيرة في القرآن الكريم، منها ما ورد بصيغة المصدر اثنتي عشرة مرة، بينما وردت كلمة المحسنين ثلاثاً وثلاثين مرة، وبصيغ اسم الفاعل أربع مرات، واللافت للنظر أنها لم ترد بصيغة الأمر إلا مرة واحدة للجماعة: {وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”195″}(البقرة).
فالإحسان مراقبة دائمة لله تعالى، وإحساس بقيمة العمل، وعلى هذا تندرج كل عبادة شرعية، أو سلوكية أو عائلية تحت مصطلح الإحسان.. وقد ركز القرآن الكريم في طلب الإحسان في أمور، منها: الإحسان إلى الوالدين، مع دوام الإحسان في كل شيء، يقول الله تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا “36”}(النساء).
والرسول “صلى الله عليه وسلم” يربط بين الإتقان والإحسان فيقول: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة»، فالإحسان هنا مرادف لكلمة الإتقان، وقد أراد الرسول “صلى الله عليه وسلم” أن يزرع بذلك الرحمة في قلب المسلم، ويكسبه عادة الإتقان في العمل حتى ولو لم يكن للعمل آثار اجتماعية كالذبح الذي ينتهي بإتمام العمل كيفما كان. الإتقان في ميزان الإسلام حثنا ديننا الإسلامي على إتقان العمل بشدة، فبين لنا الله عز وجل أنه سائلنا عن الأعمال التي نقوم بها، وأينا أحنها في اختيار الصالح منها وفي إجادة هذا الصالح وأينا لم يحسنها فقال: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)}(الملك)؛ أي أيكم أفضل عملاً، من حيث العمل الصالح، وجودة ما عمل، وإتقان الإنسان لما عمل من الخير، ويشمل هذا الاختبار في العمل: عمل الدنيا والآخرة، وأمرنا به نبينا “صلى الله عليه وسلم” في الحديث: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء»، ولا يخفى أن كتب بمعنى فرض، والإحسان: الإتقان. وإتقان العمل قيمة إسلامية كبرى، إذ به تعظم الأعمال ويثقل وزنها، والعبرة في الآخرة بقيمة الأعمال ووزنها لا بكثرتها، وقد اهتم القرآن الكريم والسُّنة النبوية المطهرة بالإتقان، فخلْق الله عز وجل للكون بما فيه ومن فيه قائم على الإتقان، دلنا على ذلك قول ربنا تبارك وتعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ “88”}(النمل)، وقوله: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (4)}(الملك). والسيرة النبوية بكامل مواقفها تدل على أن رسولنا الكريم “صلى الله عليه وسلم” كان ديدنه الإتقان في كل أموره يأخذ بالأسباب متوكلاً على الله تعالى، ويراقب ربه عز وجل، ويراعي الأولويات.. إلخ، وما حادث الهجرة عنا ببعيد في تجهيزه للرحلة سراً، واختياره لعلي رضي الله عنه في المبيت مكانه، والخروج هو وأبو بكر رضي الله عنه ليلاً، وترتيبه للأدوار، واجتهاده في اختيار الزمان والطريق.. إلخ، وهكذا في كل أموره، حتى أنه كان يسمع لمن يجتهد من أصحابه رضي الله عنهم في أشد المواقف، وخير دليل سماعه لرأي الحباب بن المنذر بل والأخذ به. الصحابة الذين عاشوا فيما بعد تعودوا الإتقان، ومن ثمرات إتقانهم انتصاراتهم وفتوحاتهم شرقاً وغرباً، وجمع الصحابة للقرآن الكريم، واجتهادهم في إتقان ذلك العمل، ومن بعدهم التابعون وتابعو التابعين وجهدهم المتقن في جمع الحديث وضوابطهم في ذلك.
اتقان العمل للاطفال
لكل أم وأب عليكم أن تنشئوا أطفالكم على الاتقان منذ الصغر والحرص عليه وعلى التأكيد على معناه في كل عمل .
وذلك بأخذ تلك النصائح في الاعتبار :
اشرح لابنك مفهوم الاتقان من خلال القصة ليتعلم أن الاتقان هو أن نحسن مانعمل .
ازرع فيه أن العمل المتقن عبادة تقربنا من الله .
أن تجعل طفلك يشاركك بعض الأعمال المناسبة لسنه وتوضح له المهمة المطلوبة منه بطريقة واضحة
كمثال : نظّف حجرتك أي رتّب سريرك – قم بالتخلص من الأتربة والقاذورات وضعها في أكياس القمامة لنضعها بالمكان المخصص – رتب ملابسك مابين الدولاب أو تعليقها في شماعة خلف باب الحجرة.
ازرع في طفلك حب الله ومراقبته في كل قول وعمل .
كونوا لأطفالكم خير قدوة فالأطفال تتعلم بالقدوة والمحاكاة .
زرع حب العمل وأن الأنبياء جميعهم كانوا يعملون بأيديهم ولايوجد مهنة أفضل من مهنة فنحن نحتاج في حياتنا جميع المهن.