الشخصية الفطنة
1- أنَّها تدلُّ العبد على حكم الله وسننه الشَّرعية والكونيَّة، فتبصِّره بها، كما أنَّها تدعوه إلى التَّفكر في آلاء الله، فيزداد خشوعًا لله وتعظيمًا له، وإيمانًا ويقينًا به.
قال علي رضي الله عنه: (اليقين على أربع شعب: تبصرة الفِطْنَة، وتأويل الحِكْمة، ومعرفة العبرة، وسنَّة الأولين، فمن تبصَّر الفِطْنَة، تأوَّل الحِكْمة، ومن تأوَّل الحِكْمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة فكأنَّما كان في الأوَّلين) [3083] ((موضح أوهام الجمع والتفريق)) للخطيب البغدادي (1/214). .
2- الفطنة من أسباب السلامة والخروج من المآزق.
3- أنَّها تدعو إلى فعل صنائع المعروف، وتقديم الفضل إلى محتاجيه:
قال الأبشيهي: (يُستدلُّ على عقل الرَّجل بأمور متعدِّدة منها: ميله إلى محاسن الأخلاق، وإعراضه عن رذائل الأعمال، ورغبته في إسداء صنائع المعروف، وتجنُّبه ما يكسبه عارًا، ويورثه سوء السُّمعة) [3084] رواه العدني في ((الإيمان)) (ص 118)، وانظر: ((المستطرف)) للأبشيهي (ص 20). .
ويقول الرَّازي: (العقل يدعو إلى الله تعالى والهوى يدعو إلى الشَّيطان، ثمَّ إنَّ الرُّوح أخرج الفِطْنَة إعانة للعقل، فأخرج الشَّيطان في مقابلة الفِطْنَة الشَّهوة، فالفِطْنَة توقفك على معايب الدُّنْيا، والشَّهوة تحركك إلى لذات الدُّنْيا، ثمَّ إنَّ الرُّوح أمدَّ الفِطْنَة بالفكرة لتقوى الفِطْنَة بالفكرة) [3085] ((تفسير الرازي)) (22/40). .
4- الفطن ينتفع بفطنته، وينتفع بها غيره، ويفيدون منها.
5- ومن فوائدها وفضائلها -في نفس الوقت-: أنَّها ميَّزت هذه الأمَّة عن سواها، قال ابن الجوزي: (اعلم أنَّ فضيلة هذه الأمَّة على الأمم المتقدِّمة، وإنْ كان ذلك باختيار الحقِّ لها وتقديمه إيَّاها، إلَّا أنَّه جعل لذلك سببًا، كما جعل سبب سجود الملائكة لآدم علمه بما جهلوا، فكذلك جعل لتقديم هذه الأمَّة سببًا هو الفِطْنَة والفهم واليقين وتسليم النُّفوس) [3086] ((التبصرة)) لابن الجوزي (1/495). .
ولا يعني هذا أنَّ هذه الأمَّة اختصت بالفِطْنَة دون غيرها من الأمم، وإنَّما المقصود هو: أنَّ الله حباهم من الفِطْنَة ما يميِّزون به بين الحقِّ والباطل، والخير والشَّرِّ، والهداية والضَّلال.
7- هي مقوِّم من مقوِّمات الشَّخصية النَّاجحة، فقد يتمتَّع الرَّجل بالقوَّة والأمانة، إلَّا أنَّه لا يتمتَّع بالفِطْنَة، وفي هذه الحالة قد لا يستطيع أن يسيِّر أعماله بالطَّريقة المطلوبة، قال الرَّازي: (القُوَّة والأمانة لا يكفيان في حصول المقصود ما لم ينضمَّ إليهما الفِطْنَة والكَيَاسة) [3087] ((تفسير الرازي)) (24/591). .
الفطنة في الاسلام
– قال الله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ . فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ . وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ . وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} [الأنبياء:78-81]. – عن ابن مسعود في قوله: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} قال: كَرْمٌ قد أنبتت عَنَاقيده، فأفسدته. قال: فقضى داود بالغنم لصاحب الكَرْم، فقال سليمان: غير هذا يا نبي الله! قال: وما ذاك؟ قال: تَدْفَع الكَرْم إلى صاحب الغنم، فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكَرْم، فيصيب منها، حتى إذا كان الكَرْم كما كان، دفعت الكَرْم إلى صاحبه، ودفعت الغنم إلى صاحبها، فذلك قوله: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} (تفسير ابن كثير: [5/255]). – قَرَأَ الحسن: “{وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} فحَمَد سليمان، ولم يَلُم داود، ولولا ما ذكر الله من أمر هذين، لرأيت أنَّ القضاة هلكوا، فإنَّه أثنى على هذا بعلمه، وعذر هذا باجتهاده” (البخاري: [9/67]). – وقال ابن الجوزي: “كان لسليمان من الفِطْنَة ما بان بها الصَّواب في حُكْمه دون حُكْم أبيه في قصَّة الحرث وغيره، قال الله عزَّ وجلَّ: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}” (التبصرة لابن الجوزي: [1/296]). ثانيًا: في السنة النبوية: – عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم النَّاس، وقال: «إنَّ الله خيَّر عبدًا بين الدُّنْيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله». قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خُيِّر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخَيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أمنَّ النَّاس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا -غير ربِّي- لاتَّخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودَّته. لا يبقين في المسجد باب إلا سُدَّ، إلا باب أبي بكر». (رواه البخاري [466]، ومسلم [2382]، واللفظ للبخاري) . قال ابن الجوزي: “هذا الحديث قد دلَّ على فِطْنَة أبي بكر، إذْ عَلِم أنَّ المخَيَّر هو رسول الله صلى الله عليه وسلم”. (كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي: [3/146]). – عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ من الشَّجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنَّها مَثَل المسلم، فحدِّثوني ما هي؟» فوقع النَّاس في شجر البوادي، قال عبد الله: ووقع في نفسي أنَّها النَّخلة، فاستحييت. ثم قالوا: حدِّثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: فقال: «هي النَّخلة». قال: فذكرت ذلك لعمر. قال: لأن تكون قلت: هي النَّخلة، أحبُّ إليَّ من كذا وكذا. (رواه البخاري: [61]، ومسلم: [2811] واللفظ له). – عن أمِّ سلمة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّكم تختصمون إليَّ، ولعلَّ بعضكم أَلْحَن بحجَّته من بعض، فمن قضيت له بحقِّ أخيه شيئًا، بقوله: فإنَّما أقطع له قطعة من النَّار فلا يأخذها». (البخاري: [2680]، ومسلم: [1713]). قال ابن القيِّم: “اللَّحن ضربان: صواب وخطأ. فلحن الصَّواب نوعان، أحدهما: الفِطْنَة. ومنه الحديث: «ولعلَّ بعضكم أن يكون أَلْحَن بحجَّته من بعض»” (مدارج السالكين لابن القيم: [2/452-453]). وقال المناوي: “أَلْحَن -بفتح الحاء-: الفَطَانَة، أي: أَبْلغ وأَفْصح وأعلم في تقرير مقصوده، وأَفْطن ببيان دليله، وأقدر على الـبَرْهنة على دفع دعوى خصمه، بحيث يُظنُّ أنَّ الحقَّ معه، فهو كاذب، ويُحْتمل كونه من اللَّحن، وهو الصَّرْف عن الصَّواب، أي: يكون أَعْجز عن الإِعْرَاب بحجَّته من بعض” (فيض القدير: [2/564]).
معني الرفق
الرِّفق ضد العنْف، وهو لين الجانب، ويقال: رَفَق بالأَمر وله وعليه يَرْفُق رِفْقًا، ومرفقًا: لان له جانبه وحسن صنيعه. ورَفُقَ يَرْفُقُ ورَفِقَ لطف ورفَقَ بالرجل وأَرْفَقه بمعنى وكذلك تَرفَّق به [1467] ((النهاية)) لابن الأثير (2/246)، ((لسان العرب)) لابن منظور (10/118)، ((المعجم الوسيط)) (1/362). .
معنى الرِّفق اصطلاحًا:
قال ابن حجر في تعريف الرِّفق: (هو لين الجانب بالقول، والفعل، والأخذ بالأسهل، وهو ضد العنف) [1468] ((فتح الباري)) لابن حجر (10/449). .
وقال القاري: (هو المداراة مع الرفقاء، ولين الجانب، واللطف في أخذ الأمر بأحسن الوجوه، وأيسرها) [1469] ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (8/3170). .
أسباب الفطنة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم النَّاس، وقال: “إنَّ الله خيَّر عبدًا بين الدُّنْيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله”. قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خُيِّر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخَيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ أمنَّ النَّاس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا -غير ربِّي- لاتَّخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته. لا يبقين في المسجد باب إلا سُدَّ، إلا باب أبي بكر”. (رواه البخاري ).
ولا شك أن هذا من فطنة الصديق رضي الله عنه؛ إذ الفِطْنَة تعني العلم بالشَّيء من وجه غامض. أو التَّنَـبُّه للشَّيء الذي يُقْصد معرفته.
من أمثلة الفطنة في القرآن الكريم
قال الله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ . فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ . وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ . وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}.(الأنبياء:78-81).
وقد ورد في تفسيرها عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كَرْمٌ قد أنبتت عَنَاقيده، فأفسدته. قال: فقضى داود بالغنم لصاحب الكَرْم، فقال سليمان: غير هذا يا نبي الله! قال: وما ذاك؟ قال: تَدْفَع الكَرْم إلى صاحب الغنم، فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكَرْم، فيصيب منها، حتى إذا كان الكَرْم كما كان، دفعت الكَرْم إلى صاحبه، ودفعت الغنم إلى صاحبها، فذلك قوله: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}.(تفسير ابن كثير).
– قال الحسن رحمه الله: فحَمد سليمانَ، ولم يَلُم داود، ولولا ما ذكر الله من أمر هذين، لرأيت أنَّ القضاة هلكوا، فإنَّه أثنى على هذا بعلمه، وعذر هذا باجتهاده.
– عن أمِّ سلمة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّكم تختصمون إليَّ، ولعلَّ بعضكم أَلْحَن بحجَّته من بعض، فمن قضيت له بحقِّ أخيه شيئًا، بقوله: فإنَّما أقطع له قطعة من النَّار فلا يأخذها”. (البخاري، ومسلم). قال المناوي: “أَلْحَن -بفتح الحاء-: الفَطَانَة، أي: أَبْلغ وأَفْصح وأعلم في تقرير مقصوده، وأَفْطن ببيان دليله، وأقدر على الـبَرْهنة على دفع دعوى خصمه، بحيث يُظنُّ أنَّ الحقَّ معه، فهو كاذب، ويُحْتمل كونه من اللَّحن، وهو الصَّرْف عن الصَّواب، أي: يكون أَعْجز عن الإِعْرَاب بحجَّته من بعض”.
نماذج في الفِطْنَة
– قال ابن عبَّاس: (لما شبَّ إسماعيل، تزوَّج امرأة من جُرْهم، فجاء إبراهيم فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته، فقالت: خرج يبتغي لنا. ثمَّ سألها عن عَيْشهم، فقالت: نحن بِشَرٍّ، في ضيق وشدَّة، وشكت إليه. فقال: فإذا جاء زوجك فاقرئي -عليه السَّلام- وقولي له يغير عتبة بابه. فلما جاء فأخبرته، قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك).
– وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: “بينما امرأتان معهما ابناهما، جاء الذِّئب، فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها: إنَّما ذهب بابنك أنت. وقالت الأخرى: إنَّما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السَّلام فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسِّكِّين أشقُّه بينكما. فقالت الصُّغرى: لا، يرحمك الله هو ابنها. فقضى به للصُّغرى”.(رواه مسلم).
قال ابن الجوزي: (أمَّا داود عليه السَّلام فرأى استواءهما في اليد، فقدم الكبرى لأجل السِّنِّ، وأما سليمان عليه السَّلام فرأى الأمر محتملًا، فاستنبط، فأَحْسَن، فكان أَحَدَّ فِطْنَةً من داود، وكلاهما حَكَم بالاجتهاد، لأنَّه لو كان داود حكم بالنَّص، لم يسع سليمان أن يحكم بخلافه، ولو كان ما حَكَم به نصًّا، لم يَخْفَ على داود، وهذا الحديث يدل على أنَّ الفِطْنَة والفهم موهبة لا بمقدار السِّنِّ ).
ومن فِطْنَة النَّبي صلى الله عليه وسلم الفِطْرِيَّة ما كان في غزوة بدر وأخبر به علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما قدمنا المدينة، أصبنا من ثمارها فاجتَوَيناها (أي كرهنا المقام بها)، وأصابنا بها وَعْكٌ، وكان النَّبي صلى الله عليه وسلم يتخبَّر عن بدر، فلمَّا بلغنا أنَّ المشركين قد أقبلوا، سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر -وبدر بئر-، فسبقنا المشركون إليها، فوجدنا فيها رجلين منهم، رجلًا من قريش، ومولى لعقبة بن أبي مُعَيط، فأمَّا القرشي: فانفلت، وأمَّا مولى عقبة: فأخذناه، فجعلنا نقول له: كم القوم؟ فيقول: هُمْ -والله- كثير عددهم، شديد بأسهم، فجعل المسلمون -إذ قال ذلك- ضربوه حتى انتهوا به إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: “كم القوم؟” قال: هُمْ -والله- كثير عددهم، شديد بأسهم. فجهد النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يخبره كم هم؟ فأبَى، ثمَّ إنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم سأله: “كم ينحرون من الجُزر؟” فقال: عشرًا كلَّ يوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “القوم ألف، كلُّ جَزُور لمائة وتبعها”.
ومن أمثلة الفطنة ما كان من عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ من الشَّجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنَّها مَثَل المسلم، فحدِّثوني ما هي؟” فوقع النَّاس في شجر البوادي، قال عبد الله: ووقع في نفسي أنَّها النَّخلة، فاستحييت. ثم قالوا: حدِّثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: فقال: “هي النَّخلة”. قال: فذكرت ذلك لعمر. قال: لأن تكون قلت: هي النَّخلة، أحبُّ إليَّ من كذا وكذا. (رواه مسلم).
فوائد الفِطْنَة
1- أنَّها تدلُّ العبد على حكم الله وسننه الشَّرعية والكونيَّة، فتبصِّره بها، كما أنَّها تدعوه إلى التَّفكر في آلاء الله، فيزداد خشوعًا لله وتعظيمًا له، وإيمانًا ويقينًا به.
قال علي رضي الله عنه: (اليقين على أربع شعب: تبصرة الفِطْنَة، وتأويل الحِكْمة، ومعرفة العبرة، وسنَّة الأولين، فمن تبصَّر الفِطْنَة، تأوَّل الحِكْمة، ومن تأوَّل الحِكْمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة فكأنَّما كان في الأوَّلين).
2- الفطنة من أسباب السلامة والخروج من المآزق.
3- أنَّها تدعو إلى فعل صنائع المعروف، وتقديم الفضل إلى محتاجيه:
قال الأبشيهي: (يُستدلُّ على عقل الرَّجل بأمور متعدِّدة منها: ميله إلى محاسن الأخلاق، وإعراضه عن رذائل الأعمال، ورغبته في إسداء صنائع المعروف، وتجنُّبه ما يكسبه عارًا، ويورثه سوء السُّمعة).
ويقول الرَّازي: (العقل يدعو إلى الله تعالى، والهوى يدعو إلى الشَّيطان، … فالفِطْنَة توقفك على معايب الدُّنْيا، والشَّهوة تحركك إلى لذات الدُّنْيا، ثمَّ إنَّ الرُّوح أمدَّ الفِطْنَة بالفكرة لتقوى الفِطْنَة بالفكرة).
4- الفطن ينتفع بفطنته، وينتفع بها غيره، ويفيدون منها.
5- ومن فوائدها وفضائلها -في نفس الوقت-: أنَّها ميَّزت هذه الأمَّة عن سواها، قال ابن الجوزي: (اعلم أنَّ فضيلة هذه الأمَّة على الأمم المتقدِّمة، وإنْ كان ذلك باختيار الحقِّ لها وتقديمه إيَّاها، إلَّا أنَّه جعل لذلك سببًا، كما جعل سبب سجود الملائكة لآدم علمه بما جهلوا، فكذلك جعل لتقديم هذه الأمَّة سببًا هو الفِطْنَة والفهم واليقين وتسليم النُّفوس).
ولا يعني هذا أنَّ هذه الأمَّة اختصت بالفِطْنَة دون غيرها من الأمم، وإنَّما المقصود هو: أنَّ الله حباهم من الفِطْنَة ما يميِّزون به بين الحقِّ والباطل، والخير والشَّرِّ، والهداية والضَّلال.
7- هي مقوِّم من مقوِّمات الشَّخصية النَّاجحة، فقد يتمتَّع الرَّجل بالقوَّة والأمانة، إلَّا أنَّه لا يتمتَّع بالفِطْنَة، وفي هذه الحالة قد لا يستطيع أن يسيِّر أعماله بالطَّريقة المطلوبة، قال الرَّازي: (القُوَّة والأمانة لا يكفيان في حصول المقصود ما لم ينضمَّ إليهما الفِطْنَة والكَيَاسة).
أقسام الفِطْنَة
تنقسم الفِطْنَة إلى قسمين:
1- فِطْنَة موهوبة من الله -تبارك وتعالى-، يهبها الله من يشاء من عباده، فينير بصيرته، ويُفَهِّمه ما لا يفهم غيره، فتراه قويَّ الملاحظة، سريع الفهم، نافذ البصيرة، ذكيَّ القلب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
2- فِطْنَة مكتسبة تجريبيَّة تتحصَّل للمرء باجتهاده، وكثرة تجاربه، ومعاشرته لأهل العلم والذَّكاء والفِطْنَة والاستفادة منهم ومن تجاربهم، فيتولَّد عنده من الذَّكاء والفِطْنَة ومعرفة الأمور ما لم يكن لديه. ولعلَّنا نستشهد بقول الإبشيهي عن العقل الغريزيِّ والعقل المكتسب قال الإبشيهي: (العقل: ينقسم إلى قسمين: قسم لا يقبل الزِّيادة والنُّقصان، وقسم يقبلهما، فأمَّا الأوَّل: فهو العقل الغريزيُّ المشترك بين العقلاء، وأما الثَّاني: فهو العقل التجريبيُّ، وهو مكتسب، وتحصل زيادته بكثرة التَّجارب والوقائع، وباعتبار هذه الحالة، يقال: إنَّ الشَّيخ أكمل عقلًا، وأتمُّ دِرَاية، وإنَّ صاحب التَّجارب، أكثر فهمًا وأرجح معرفة).
من الوسائل المعينة على اكتساب الفِطْنَة
1- الإيمان:
الإيمان طريق عظيم من طرق اكتساب الفِطْنَة، يقول الطَّاهر بن عاشور: (الإيمان يزيد الفِطْنَة؛ لأنَّ أصول اعتقاده مبنيَّة على نَبْذ كلِّ ما من شأنه تضليل الرَّأي، وطمس البصيرة).
ومن وسائل اكتسابها -أيضًا-: التَّفقُّه في الدِّين، وطلب العلم الذي ينير البصيرة، ويُعْمِل الفِكَر، وينمِّي الفِطْنَة.
2- إعمال الفكر ومحاولة الفهم:
ومن الوسائل -أيضًا-: محاولة التَّفكر في الأشياء وفهمها، وإعمال الفِكْرة فيها، فإنَّ ذلك ينمِّي الفِطْنَة. يقول ابن القيِّم: (الفِكْر هو الذي ينقل من موت الفِطْنَة إلى حياة اليَقَظَة).
3- ترك فضول الطعام والشراب والنوم:
فإنَّ فضول هذه الأشياء تجعل الفِكْر راكدًا خاملًا، لا يكاد يَتَفَطَّن للأشياء، إلَّا بصعوبة بالغة، ومشقَّة شديدة.
عن مكحول قال: (خصال ثلاث يحبُّها الله عزَّ وجلَّ وثلاث يبغضها الله عزَّ وجلَّ، فأما اللاتي يحبُّها: فقلَّة الأكل، وقلَّة النَّوم، وقلَّة الكلام، وأمَّا اللاتي يبغض: فكثرة الأكل، وكثرة الكلام، وكثرة النَّوم، فأمَّا النَّوم، فإنَّ في مداومته طول الغفلة، وقلَّة العقل، ونقصان الفِطْنَة، وسهوة القلب).
قال شمس الدِّين السَّفاريني: (والبِطْنَة تُذْهِب الفِطْنَة، وتجلب أمراضًا عَسِرة، ومقام العدل أن لا يأكل حتى تُصدَّ الشَّهوة، وأن يرفع يده، وهو يشتهي الطعام). وقال أبو حامد الغزالي: (الشِّبَع يثقل البدن ويقسِّي القلب، ويزيل الفِطْنَة، ويجلب النَّوم، ويُضعف صاحبه عن العبادة).
و(الجوع إِذَا ساعدته القناعة، فَهُوَ من مزرعة الفِكْر، وينبوع الحِكْمة، وحياة الفِطْنَة، ومصباح القلب).
4- محاسبة النفس:
ومن وسائل اكتساب هذه الصِّفة: محاسبة النَّفس، قال الحارث بن أسد: (المحاسَبة تورث الزِّيادة في البصيرة، والكَيْس في الفِطْنَة، والسُّرعة إلى إثبات الحجَّة، واتِّساع المعرفة).
الفطنة في القرآن
– قال الله -تعالي-: وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ [الأنبياء: 78-81].
– عن ابن مسعود في قوله: وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ قال: كَرْمٌ قد أنبتت عَنَاقيده، فأفسدته. قال: فقضى داود بالغنم لصاحب الكَرْم، فقال سليمان: غير هذا يا نبي الله! قال: وما ذاك؟ قال: تَدْفَع الكَرْم إلى صاحب الغنم، فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكَرْم، فيصيب منها، حتى إذا كان الكَرْم كما كان، دفعت الكَرْم إلى صاحبه، ودفعت الغنم إلى صاحبها، فذلك قوله: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ (1) .
– قَرَأَ الحسن: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا فحَمَد سليمان، ولم يَلُم داود، ولولا ما ذكر الله من أمر هذين، لرأيت أنَّ القضاة هلكوا، فإنَّه أثنى على هذا بعلمه، وعذر هذا باجتهاده) (2) .
– وقال ابن الجوزي: (كان لسليمان من الفِطْنَة ما بان بها الصَّواب في حُكْمه دون حُكْم أبيه في قصَّة الحرث وغيره، قال الله عزَّ وجلَّ: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ) (3) .
معني الفطنة والذكاء
معنى الفِطْنَة لغةً: أصل هذه المادة يدلُّ على ذكاءٍ وعلم بشيء. والفِطْنَة والفَطَانَة كالفهم، وهي ضِدُّ الغَباوة، ورجل فَطِنٌ: بَيِّنُ الفِطْنَة، وفَطُنَ -بالضم- إذا صارت الفَطَانَة له سجيَّة، ورجل فَطِنٌ بخصومته، عالم بوجوهها حاذق، ويتعدَّى بالتَّضعيف، فيقال: فَطَّنتُهُ للأمر. (انظر مقاييس اللغة لابن فارس: [4/510]، والصحاح للجوهري: [8/35]، ولسان العرب لابن منظور: [13/323]، والمصباح المنير للفيومي: [2/477]) معنى الفِطْنَة اصطلاحًا: قال العسكري: “الفِطْنَة: العلم بالشَّيء من وجه غامض”. (الفروق اللغوية: [1/85]). وقال الرَّاغب: “الفِطْنَة: سرعة إدراك ما يُقْصد إشكاله”. (الذريعة إلى مكارم الشريعة ص: [143]). وقال الكفوي: “الفِطْنَة: التَّنَـبُّه للشَّيء الذي يُقْصد معرفته”. (الكليات: [1/456]، والتعريفات للجرجاني ص: [143]). معنى الذَّكاء لغةً: الذَّكاء: سُرْعة الفِطْنَة، مِنْ قولك: قلب ذَكِي وصَبِي ذكِي، إذا كان سريعَ الفِطْنَة، وقد ذَكِيَ -بالكسر- يَذْكَى ذَكًا. وَيُقَال: ذَكا يَذْكُو ذَكاءً، وذَكُوَ فهو ذكِيٌّ. (لسان العرب لابن منظور: [14/287]). معنى الذَّكاء اصطلاحًا: قال المناوي: “الذَّكاء: سرعة الإدراك، وحِدَّة الفهم”. (التوقيف على مهمات التعريف ص: [171]). وقال الكفوي: “الذكاء: شدَّة قُوَّة النفس، مُعدَّةٌ لاكتساب الآراء بحسب اللغة. وفي الاصطلاح: قد يستعمل في الفطانة، يقال: رجل ذكي، وفلان من الأذكياء، يريدون به المبالغة في فطانته، كقولهم: فلان شعلة نار”. (الكليات: [1/456]). الفرق بين الفِطْنَة والذَّكاء: قال العسكري: “الذَّكاء تمام الفِطْنَة، من قولك: ذَكَت النَّار إذا تمَّ اشتعالها، وسُمِّيت الشَّمس ذكاءً؛ لتمام نورها. والتَّذكية: تمام الذَّبح، ففي الذَّكاء معنى زائدٌ على الفِطْنَة” (الفروق اللغوية: [1/85]. قال الشَّاعر في الذَّكاء -الذي معناه تَمام الفِطْنَة-: شهم الفؤادِ ذكاؤه ما مِثْلُهُ *** عند العزيمةِ في الأَنامِ ذَكاءُ الفرق بين الفِطْنَة والصِّفات الأخرى: – الفرق بين الفِطْنَة، والعِلم، والحِذْق، والكَيْس: قال العسكري: “الفِطْنَة: هي التَّنبُّه على المعنى، وضدُّها: الغفلة، ورجل مغفَّلٌ: لا فِطْنَة له. وهي الفِطْنَة والفَطَانَة، والطَّبانة مثلها، ورجل طَبِنٌ: فَطِنٌ. ويجوز أن يقال: إنَّ الفِطْنَة ابتداء المعْرِفة من وجه غامض، فكلُّ فِطْنَة علمٌ، وليس كلُّ علمٍ فِطْنَةً، ولما كانت الفِطْنَة عِلْمًا بالشَّيء من وجه غامض، لم يَجُز أن يقال: الإنسان فَطَن بوجود نفسه، وبأنَّ السَّماء فوقه”. (الفروق اللغوية: [1/85]). وأما “الكَيْس: هو سرعة الحركة في الأمور، والأخذ في ما يعني منها دون ما لا يعني، يقال: غلام كَيِّسٌ، إذا كان يُسْرع الأَخْذ في ما يؤمر به، ويترك الفُضُول، وليس هو من قبيل العلوم. والحِذْق أصله: حِدَّة القَطع، يقال: حَذَقَه، إذا قطعه. وقولهم: حَذَقَ الصَّبيُّ القرآن، معناه: أنَّه بلغ آخره، وقطع تعلُّمه، وتناهى في حفظه. وكلُّ حَاذِق بصناعة، فهو الذي تناهى فيها، وقطع تعلُّمها، فلمَّا كان الله تعالى لا توصف معلوماته بالانقطاع، لم يَجُز أن يُوصف بالحِذْق”. (الفروق اللغوية: [1/85]). – الفرق بين الفِطْنَة والنَّفَاذ: قال العسكري: “أنَّ النَّفَاذ أصله في الذَّهاب، يقال: نَفَذ السَّهم، إذا ذَهَب في الرَّمِيَّة، ويُسمَّى الإنسان نافذًا، إذا كان فِكْره يبلغ حيث لا يبلغ فِكْر البَلِيد، ففي النَّفَاذ معنى زائد على الفِطْنَة، ولا يكاد الرَّجل يُسمَّى نافذًا، إلا إذا كَثُرت فِطْنَته للأشياء، ويكون خرَّاجًا ولَّاجًا في الأمور”. (الفروق اللغوية
صفات الانبياء عليهم السلام
الحمد لله الذي اصطفى من خلقه ما شاء، وجعل فيهم رسلًا وأنبياء، وفضلهم على خلقه بالنبوة والاصطفاء، وصلى الله وسلم على نبينا محمد أبي الزهراء، وعلى جميع إخوانه النبيين الكرماء.
يقول الله تبارك وتعالى بعد ذكر عدد من الأنبياء: { وكلًا فضلنا على العالمين } ويقول سبحانه وتعالى: { أولئك الذين ءاتيناهم الكتاب والحُـكم والنبوة } ويقول عز وجل: { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } .
وبعد: لما كان الأنبياء قدوة للناس وقد جملهم الله بالصفات الحميدة، فإنه كذلك عصمهم ونزههم عن الصفات الذميمة، فالأنبياء هم خيرة خلق الله وهم صفوة البشر اصطفاهم الله تعالى ليبلغوا الناس رسالاته، فلذلك خصهم بصفات كالصدق والأمانة والفطانة، ونزههم عن صفات كالكذب والخيانة والبلادة والسفاهة، وعصمهم من الكفر والكبائر وصغائر الخسة قبل النبوة وبعدها.
واللهُ تعالى بعثَ الأنبياءَ رحمةً للعِبادِ إذْ ليسَ في العقْلِ ما يُستَغنى بهِ عنهم لأن العقلَ لا يَسْتَقِلُّ بِمَعرِفَةِ الأشياءِ المُنْجِيَةِ في الآخِرة، فالعقلُ وحدَهُ لا يكفي للنَّجاة، الكُفّارُ فيهم عقلٌ طبيعيٌّ لكنْ مع ذلك هم من أهل النّارِ لأنهم لم يشكروا المُنعِمَ وهو الله، فإنَّ شُكْرَ المُنعِمِ لا يكونُ إلا بالإيمانِ به وبرسولهِ الذي أرسَلَهُ ليتَّبعه الناس، الكافِرُ مهما أحْسَنَ إلى الناسِ وأعانَ الفقراءَ والملهوفينَ لا يكونُ شاكِرًا لله، ففي بِعثَةِ الأنبياء مصلحَةٌ ضرورِيَّةٌ لِحاجَتِهِم لذلك، فاللهُ مُتَفَضِّلٌ بها على عِبادِهِ .
الفرقُ بين الأنبياء والرُّسُل :
إنَّ النبيَّ والرسولَ يشتَرِكانِ في الوحْيِ فَكُلٌّ قد أوْحى اللهُ إليه بِشَرْعٍ يُعمَلُ بهِ لِتَبليغِهِ للناس، غيرَ أنَّ الرسولَ يأتي بِنَسْخِ بعضِ شرعِ مَنْ قبلَهُ أو بِشَرعٍ جديد، فالرسولُ يَنزِلُ عليهِ الوَحْيُ بِشَرْعٍ يُعمَلُ بهِ ويوحى إليه بِنَسْخِ بعضِ شرعِ مَن قَبله، أي بِنَسخِ بعضِ الأحكامِ التي كانت في زَمَنِ الرسولِ الذي قبلَهُ أو يَنْزِلُ عليهِ حُكْمٌ جديدٌ لَم ينزِلْ على مَن قبلهُ مِن الأنبياء هذا يُقالُ له رسول، أمّا الذي لَم ينزِلْ عليهِ شىءٌ جديدٌ إلا أن يعملَ بِشَريعَةِ الرسولِ الذي كان قبلَهُ كأنْ أُمِرَ فقيلَ لهُ بَلِّغْ شريعَةَ موسى مثلًا فهذا يُقالُ لهُ نبيٌّ ولا يُقالُ له رسول، هذا الفَرْقُ بين النبيِّ والرسولِ هو الصَّحيحُ، وأما ما ذكَرَهُ البعضُ في مُؤلَّفاتِهِم مِنْ أنَّ النبيَّ مَنْ أُوحِيَ إليه بِشرعٍ ولم يؤمَر بِتَبليغِهِ فهو فاسِدٌ بعيدٌ مِن معنى النُبُوَّةِ ، ولذلك قال العُلَماءُ ( كُلُّ رسولٍ نبيٌّ وليسَ كُلُّ نبيٍّ رسول).
وقد وردَ أنَّ عددَ الأنبياءِ مائةٌ وأربعةٌ وعشرونَ ألفَ نبيّ، فيهم ثلاثمائة وثلاثةَ عشرَ رسولًا في الحديث الذي أخرجَهُ ابنُ حِبّانَ وصححه، أوَّلُهُم سيدنا آدمُ عليه السلام وآخِرُهُم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وخِيارُهُم محمد ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم نوح صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهؤلاءِ نسميهم أولي العزم مِن الرُسُل أي الذين بلَغوا مِن الصَّبْرِ المُنْتَهى، وورد في صحيح ابن حبان من حديث أبي ذر أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال:(أربعَةٌ من الأنبياءِ من العرب هود وصالح وشعيب ومحمد) .
ما يَجِبُ للأنبياءِ وما يسْتَحيلُ عليهم :
يَجِبُ للأنبياءِ الصِّدْقُ ويستحيلُ عليهم الكَذِب، وتَجِبُ لهم الفَطانةُ ويستحيلُ عليهم البلادَةُ والغباوَة، وتَجِبُ لهم الأمانة ويستحيلُ عليهم الخِيانَةُ وكُلُّ ما يُنَفِّرُ عن قَبولِ الدَّعوةِ منهم.
فأنبياء الله كلهم صادقون يستحيلُ عليهم الكذِبُ، فلا يحصل من أحد منهم كذب بالمرة، وقد كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم معروفًا بين أهلِ مكّةَ بالأمين لِما عُرِفَ به من الصِّدقِ والأمانةِ والنَّزاهة، لَم تُجَرَّب عليهِ كِذبَةٌ قط كلّ المُدَّةِ التي قضاها قبل أن ينزِلَ عليه الوَحْيُ وهي أربعونَ سنة، فالكذِبُ نَقْصٌ يُنافي منْصِبَ النُبُوَّة، وأما حديث : “كذب إبراهيم ثلاث كذبات” فقد اعترض عليه بعض العلماء وأوله بعضهم بأن صورته صورة كذب وهو في الحقيقة ليس كذبا بل صدق من حيث الباطن ومن حيث الحقيقة.
ويجبُ للأنبياءِ الفَطانَةُ أي الذّكاءُ فكُلُّهُم كانوا أذكِياءَ فُطَناءَ أصحابَ عُقولٍ كامِلَةٍ قويَّةِ الفَهْم، ويستحيلُ عليهم البَلادَةُ والغَباوَةُ فليس فيهِم بليدٌ أي مَنْ هو ضعيفُ الفَهْمِ لا يفهَمُ الكلامَ بِسُرعةٍ إلا بعدَ أنْ يُكَرَّرَ عليه عِدَّةَ مرّاتٍ ولا هو ضعيفٌ عن إقامَةِ الحُجَّةِ لِمَنْ يعارِضهُ بالبيان، وليس فيهِم مَن هو غبِيٌّ أي فهمُهُ ضعيفٌ لأنهم لو كانوا أغبِياءَ لَنَفَرَ الناسُ منهم لِغباوَتِهِم، والله حكيمٌ لا يفعَلُ ذلك فلا يرسل رسولا فيه صفة تنفر الناس عن قبول الدعوة منه ، فإنَّهُم أُرْسِلوا لِيُبَلِّغوا الناسَ مصالِحَ ءاخِرَتِهِم ودُنياهُم، والبَلادَةُ تُنافي هذا المطلوبَ منهم.
ويجبُ للأنبياءِ الأمانَةُ فيستحيلُ عليهِم الخِيانةُ في الأقوالِ والأفعالِ والأحوالِ فإذا اسْتَنْصَحَهُم شخصٌ لا يكذِبونَ عليهِ فيوهِمونَهُ خِلافَ الحقيقة، وإذا وضعَ عندهم شخصٌ شيئًا لا يُضَيِّعونه.
وتجب للأنبياءُ العصمة من الكُفرِ والكبائِرِ وصغائِرِ الخِسَّةِ أي التي تَدُلُّ على دناءةِ النَّفسِ كَسَرِقَةِ حبَّةِ عِنَبٍ قبلَ النُبُوَّةِ وبعدها، ويجوزُ عليهم ما سُوى ذلكَ مِن المعاصي، أي قد يفعل نبي من أنبياء الله معصية صغيرة ليس فيها خسة، لكنْ يُنَبَّهونَ فوْرًا للتَّوْبَةِ قبلَ أن يقتدي بهم فيها غيرهم.
وأما قوله تعالى حكاية عن سيدنا يوسف عليه السلام : {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } فقد قيلَ فيهِ نحْو خمس تأويلات، لكن لايجوز أن يفسر على أن يوسف عليه السلام قصد الفاحشة والعياذ بالله، وأحسَنُ ما قيلَ في ذلكَ أنْ قوله تعالى(وَهَمَّ بِهَا) مَربوطٌ بِما بعدَهُ بـ (لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)فيكونُ على هذا التَّفسيرُ ما همَّ يوسف بِالْمرَّةِ لأنه رأى البُرهان، والبُرهانُ هو العِصْمَةُ أي أنه أُلْهِمَ أن الأنبياءَ معصومونَ عن مِثلِ هذا الشىء وأنه سَيُؤتى النُبُوَّةَ فلم يحصل منه هم بالمعصية أصلا، وقال بعضُ العلماءِ معنى(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ)أي هَمَّتْ بِأنْ تدفَعَهُ لِيَزني بها وهَمَّ يوسفُ بِدَفعِها لِيَخْلصَ منها ، فأراه الله البرهان أنك يا يوسف لو دفعتها عن نفسك لمزقت قميصك من قُبُلٍ وقالت دفعني ليزني بي وأنا أدافع عن نفسي ، لكنه بعد أن أراه الله البرهان ذهب عنها تاركا لها ومزقت قميصه من دُبُرٍ فتبين أنه ما أرادها ولا هَمَّ بالفاحشة وذهب عنها وهي التي كانت تطلبه فلذلك مزقت قميصه من دُبُرٍ .
وأما قوله تعالى حكاية عن أحد الخصمين اللذين اختصما إلى داود عليه الصلاة والسلام : { إن هذا أخي له تسعٌ وتسعونَ نعجةً وليَ نعجةٌ واحدةٌ فقال أكْفلنيها وعَزَّنىِ في الخطاب} سورة ص / 23 ، فقد كانت العرب تكني بالنعاج عن النساء، لكن لا يجوز تفسير النعاج في هذه الآية بالنساء كما فعل بعضهم، فقد أساءوا بتفسيرهم لهذه الآية بما هو مشهور من أن داود كان له تسع وتسعون امرأة، وأن قائدًا كان له واحدة جميلة فأعجب بها داود، فأرسل هذا القائد إلى المعركة ليموت فيها ويتزوجها هو من بعده، فهذا فاسد لأنه لا يليق ما ذكر فيه بنبي من أنبياء الله، قال الإمام ابن الجوزي في تفسيره بعد ذكر هذه القصة المكذوبة عن سيدنا داود: وهذا لا يصح من طريق النقل ولا يجوز من حيث المعنى، لأن الأنبياء منزهون عنه، وأما استغفار داود ربه ، فهذا لأنه حكم بين الإثنين بسماعه من أحدهما قبل أن يسمع من الآخر.
وأما قول سيدنا إبراهيم عن الكوكب حين رءاه { هذا ربي } فهو على تقدير الاستفهام الإنكاري فكأنه قال: أهذا ربي كما تزعمون، أي هذا ليس ربي، أي لايصلح أن يكون إلها، فهو عليه السلام لم يعتقد أن هذا الكوكب هو الله، ولا شك في ذلك، بل كان يعتقد الحق وأن الله وحده هو الخالق المستحق للعبادة، قال تعالى:{ ولقد ءاتينا إبراهيم رشده من قبلُ }.
ومما يجِبُ للأنبياءِ الصِّيانَةُ فيستحيلُ عليهم الرَّذالَةُ كاختِلاسِ النَّظَرِ إلى الأجنَبِيَّةِ بِشَهْوَةٍ وكسَرِقَةِ حبَّةِ عِنب، وكذلك يستحيلُ عليهم السَّفاهةُ كالذي يقولُ ألفاظًا شنيعَة، وإنَّ مما يجِبُ للأنبياءِ التَّبليغَ فكلُّ الأنبياءِ مأمورونَ بالتَّبليغِ فلا يكتمون شيئا مما أمرهم الله بتبليغه.
ومما يستحيلُ عليهم تأثيرُ السِّحْرِ في عُقولِهِم فلا يجوزُ أن يُعتَقَدَ أن الرسولَ أثَّرَ السِّحرُ في عقلِهِ ، وأما تأثيرُ السِّحرِ على جسَدِ النبيِّ فقد قال بعضُ العُلماءِ إنه جائِز، فقد ورد أن يهودِيًّا عَمِلَ السِّحرَ لرسول الله فتألَّمَ الرسولُ مِن أثَرِ ذلك.
وكذلك يستحيلُ على الأنبياءِ الجُبْنُ فهُم أشْجَعُ خَلْقِ الله فلا يوصَفُ أحدٌ منهم بالجُبن، وقد قال بعض الصحابة:كُنّا إذا حَمِيَ الْوطيسُ في المعركة نحتمي برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد أعطى اللهُ نَبِيَّنا محمدا عليه الصلاة والسلام قُوَّةَ أربعينَ رجلًا من الأشِدّاء، أما الخَوْفُ الطّبيعيُّ فلا يستحيلُ عليهِم، الخوفُ الطّبيعيُّ موجودٌ فيهِم وذلك مِثْل النُّفورِ مِن الحَيَّةِ وما أشْبَهَ ذلك مثل التَّخّوُّف من تكالُبِ الكفار عليهم حتى يقتلوه فإنَّ ذلك جائِزٌ عليهم، ولكن لا يُقالُ عن النبيِّ هربَ لأن هربَ يُشعِرُ بالجُبن، أما إذا قيلَ هاجرَ فِرارًا من الكفارِ أي من أذى الكفارِ فلا يُشعِرُ بالجُبن بل ذلك جائِزٌ ما فيه نقص.
وكذلك يستحيلُ عليهم كُلُّ مرَضٍ مُنَفِّر، فالأنبياء يصابون بالأمراض كالحمى والألم الشديد، لكن لا يصابون بمرض منفر يؤدي إلى نفور الناس عنهم لأن الله تعالى لايسلط عليهم هذه الأمراض المنفرة ، لذلك فليحذر مايقوله بعض الجهال أن سيدنا أيوب عليه السلام مرض حتى أكل الدود من جسمه فكان الدود يتساقط ثم يأخذ الدودة ويعيدها إلى جسده ويقول لها: يامخلوقة ربي كلي من رِزقك الذي رزقك الله إياه، نعوذ بالله هذا ضلال مبين لايجوز أن يعتقد لأن من كان حاله هكذا ينفر منه الناس عادة .
وليعلم أن كلَّ الأنبياء فُصَحاءُ فليس فيهِم أرَتّ وهو الذي يكونُ في لِسانِهِ عُقْدةٌ وحَبْسةٌ فلا يُطاوِعُهُ لِسانُه، ولا تأتاءُ ولا ألْثَغ، وأما الألثغُ فهو الذي يُصَيِّرُ الرّاءَ غَيْنًا أو لامًا والسّينَ ثاءً، وأنه يستحيلُ عليهِم سَبْقُ اللسانِ في الشّرْعِيّاتِ والعادِيّات لأنه لو جازَ عليهِم ذلك لارتفعَت الثِّقَةُ في صِحَّةِ ما يقولونَهُ ولَقالَ قائِلٌ لَمّا يَبْلُغُهُ كلامٌ عن النبيِّ ما يُدرينا أنه يكونُ قالَهُ على وجْهِ سَبْقِ اللسان، فلا يحصُلُ من النبيِّ أن يَصْدُرَ منه كلامٌ غيرُ الذي أرادَ قَوْلَه، أو أن يصدُرَ منه كلامٌ ما أرادَ قَوْلَهُ بالمرّةِ، ومما يستحيلُ على الأنبياء أيضا الجنون وأما الإغْماءُ فيجوزُ عليهِم، فقد كان يُغمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن شِدَّةِ الألَمِ في مرَضِ وفاتِهِ ثم يُصَبُّ عليهِ الماءُ فَيُفيق.
الحاصِلُ أن أنبياءَ اللهِ كلُّهم أصحابُ خِلْقَةٍ سَوِيَّةٍ لم يكُن فيهِم ذو عاهَةٍ في خِلقَتِهِ ولم يكُنْ فيهِم أعرج ولا كسيح ولا أعمى إنما يعقوبُ عليه الصلاة والسلام مِن شِدَّةِ بُكائِهِ على ابنه يوسفَ عليه السلام ابيضَّت عيناهُ من شِدَّةِ الحُزنِ فعَمِيَ ثم ردَّ اللهُ تعالى عليه بصرَهُ لَمّا أرسلَ يوسفُ عليه السلام بِقَميصِهِ من مصرَ إلى مديَنْ وهي البلْدَةُ التي فيها أبوه فشَمَّ يعقوبُ ريحَ يوسف في هذا القميص، اللهُ تعالى جعلَهُ يَشُمُّ ريحَ يوسفَ فارتدَّ بصيرًا، هو لم يكن أعمى من أصلِ الخِلقَةِ ولا كان به عمىً قبل هذه المُصيبة التي أصابتْهُ بِفَقْدِ ابنه يوسف.
وأما الذي يقولُ إنَّ ءادمَ عليه السلام كان مُتوَحِّشًا قصيرَ القامَةِ شبيهًا بالقِردِ فهذا افتراء وتكذيب للقرءان، وكذلك من قال إنه كان يمشي في الأرض عُريانًا كالبهائِمُ، قال تعالى:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} أي في أحسنِ صورَة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما بعثَ اللهُ نبِيًّا إلا حسنَ الوجْهِ حسنَ الصَّوْتِ وإنَّ نبيَّكُم أحسَنُهُم وجهًا وأحسَنُهُم صوْتًا) رواه الترمذي، فالأنبياءُ كلُّهُم كانوا ذَوي حُسْنٍ وجمال.
كيف تعرف الشخص الفطن
يشير مصطلح الذكاء إلى وجود قدرات عقلية عديدة ومختلفة في آن واحد، والتي تتعلق بالتحليل والتخطيط والفهم وحل المشكلات، ولكن في نفس الوقت يواجه علم النفس صعوبة في وجود تعريف واحد للذكاء، ولكنّه يتضمن القدرات العقلية المختلفة بشكل عام، وهناك طرق عديدة لقياس الذكاء، ولكن في نفس الوقت لا يوجد ارتباط بين مفهوم الذكاء وعلم الفراسة وما شابهه من الأمور والمواضيع، وفي هذا المقال سوف يتم استعراض علامات الذكاء في الوجه، ورؤية ما إذا كان الأمر حقيقيًا أم لا.[١] أنواع الذكاء لا يقتصر الذكاء على مجال واحد من مجالات الحياة، أو قدرة واحدة من القدرات العقلية، فالسلوك الإنساني واسع ومعقد ونظرًا لهذا الاتساع فهناك الكثير من أنواع الذكاء التي يصعب حصرها جميعًا ولكن أهمها:[٢] الذكاء العاطفي: وهو القدرة على التعبير عن المشاعر بطريقة مناسبة لكل شخص، وعدم اتباع النمط الواحد في التعامل مع الأفراد. الذكاء اللغوي: وهو القدرة على صياغة الكلمات والقدرة على التحدث بها أمام الجموع الصغيرة أو الكبيرة، وإظهار اللباقة والإقناع. الذكاء الذاتي: وهو الوعي بالذات واحتياجاتها والوعي بأنّ الإنسان يمتلك الصحة النفسية أم لا، والوعي أيضًا بمشاكله النفسية الخاصة. الذكاء الموسيقي: ويعني هذا الذكاء وقدرة على التلحين والتناغم ما بين الموسيقى المراد تأليفها وصفاؤها عند سماع الأذن البشرية لها. الذكاء الرياضي المنطقي: القدرة على التعامل مع الأرقام والقوانين بشكل منطقي وحل المشكلات بالرموز كما يحدث في قوانين الفيزياء. علامات الذكاء في الوجه لا يوجد ما يسمى علميًا علامات الذكاء في الوجه، فالذكاء موضوع علمي يعتمد على قدرات الإنسان العقلية والسلوك الإنساني المنضبط في المواقف الانفعالية، ولكن هناك عناصر من الممكن أن تكون علامات على الذكاء، ولكن ليس علامات الذكاء في الوجه، وهذه العناصر هي:[٣] القدرة على فهم المواقف التعليمية والاحتفاظ بها. التعرف على المشكلات والتوصل إلى الحلول. القدرة على التعامل مع المشكلات بطريقة عقلانية. القدرة على التعامل مع المواقف الانفعالية. ما زال مفهوم الذكاء يرهق علماء النفس والباحثين فيه حتى الآن، ولم يتم التوصل إلى إجابة واحدة أبدًا عن الذكاء، إلّا أنّ هناك اختبارات ومقاييس للذكاء، والتي تم الاختلاف عليها بدورها أيضًا، وبما أنّ علم النفس من العلوم الحديثة فمن الطبيعي أن يحدث هذا الصراع في تعريفات المفاهيم والسلوك الإنساني، فهناك من يرى من العلماء بأنّ الذكاء هو قدرة عامة واحدة، وقد مال القدماء إلى هذا التعريف، أمّا حديثًا فأصبح العلماء يؤمنون بعدم وجود الذكاء الواحد، وإنّما تعدد أنواع الذكاء والقدرات العقلية التي يتمتع بها الإنسان، وعلى الصعيد الآخر هناك العديد من الشائعات وعلوم ما بعد الطبيعة التي يتم طرح مواضيعها وكأنّها مواضيع تخص علم النفس، كالتخاطر والحب من أول نظرة وكل هذه المواضيع التي لا تقوم أبدًا على أي أساس علمي وإنّما يتم تسميتها علميًا بالعلوم الزائفة.