مفهوم الاسرة في الاسلام
يعتبر الاسلام الأسرة من أهم ركائز ودعائم المجتمع، وبأبسط مفهوم تُعرَّف أنّها وحدة اجتماعية مكوّنة من زوج وزوجة وأولادهما، أو هي تتشكل من اتحاد بين رجل وامرأة إلى أمدٍ بعيد، ولا يُمكن أن ينعقد هذا الاتحاد والسكون بين كلّ منهما إلا باكتمال وتحقق جميع أركان الزواج الشرعي.
اهمية الاسرة
تعتبر الأسرة اللِّبنة الأساسيّة في بناء المجتمع فهي كالخليّة الحيّة، وهي أوَّل وعاء تربوي وثقافي يَحتَضِن الأبناء، وَالأُسرة هي بيئَة الطفل الأولى، وهي حجر أساس المجتمع، حيثُ إنَّها تتكون من مجموعة مِن الأشخاص الذين ترتبط بينهم روابط الرَّحم والقرابة، والمقياس الذي تُقاس عليه قوّة تماسُك المجتمع أو ضعفه هوَ تماسُك الأسرة، كما أنَّ لها دوراً فعّالاً في بناء المجتمع السَّوي المتكامل والمُترابط، فالأبناء هم قُرّة عين الآباء، وسبب سعادَتُهُما، فالأسرة كالتُّربة الصالحة وإذا كانت هذه التّربة صالحة يصلح نباتُها، والعكس صحيح، فإذا كان الأبوان صالِحان كان أولادهم صالحين.
التنظيم الاسري
طلق هذه الكلمة على مجموعة الإجراءات والممارسات والوسائل التي يستخدمها الأزواج لمنع حدوث حمل غير مخطط له، أو لتنظيم توقيت حدوث الإنجاب، وتحديد مرات الإنجاب والمسافة الفاصلة بين كل طفل والذي يليه. ولكي يصبح لدينا معلومات كافية عن الأمر يجب أن نعلم أن لجوء الأزواج لتنظيم الأسرة قرار ليس بالسهل، ولا يعني المرأة أو الزوجة وحدها، ولكنه قرار مشترك بين الزوجين يتضمن مسؤوليات عديدة، نفسياً وصحياً لكنه في المقابل يؤدي للكثير من الفوائد والمنافع التي تحسن من حالة الأسرة كلها واجتماعياً.
إن الرغبة في تنظيم الأسرة مسألة تدفع إليها مجموعة من الأسباب التي تؤثر على حالة الأسرة ككل، وحالة الزوجة تحديدا وذلك من خلال التالي:
1 -الرغبة في تأخير الإنجاب عقب الزواج إلى حين تحقيق الاستقرار النفسي والمادي داخل منظومة الزواج، أو علاج أي مرض أو مشكلة صحية لدى أي من الزوجين، أو حتى لإعطاء المرأة الفرصة لإكمال دراستها لو تم زواجها قبل الانتهاء من رحلة التعليم.
2 -الرغبة في تحديد عدد الأطفال بشكل عام بما يتناسب مع إمكانيات الأسرة المادية.
3 -الرغبة في تحديد الفترة الزمنية بين الطفل والذي يليه وذلك لإعطاء الطفل الحالي حصته الكافية من الاهتمام والرعاية.
4 -الرغبة في تأجيل الإنجاب بعد خسارة طفل بالوفاة أو الإجهاض وذلك حتى تستعيد الأم صحتها وعافيتها الجسدية قبل الدخول في تجربة حمل وولادة مرة أخرى.
من الملاحظ أن الكثير من الأزواج قد يلجأ لاستخدام وسائل لتنظيم الأسرة دون استشارة متخصص مما قد يتسبب في عواقب وخيمة مثل فشل الوسيلة وحدوث حمل غير مرغوب به، أو حدوث اختلال هرموني يترتب عليه الاحتياج لعلاج مطول، ناهيك عن تسبب بعض الوسائل في مضاعفات مرضية غير محسوبة.
لذلك فإن التقييم الجيد للحالة الصحية للزوجين، ودراسة التاريخ المرضي للزوجة تحديداً وتحديد النوع الملائم لكل زوجين من وسائل تنظيم الأسرة خطوة هامة لنجاح هذا الإجراء.
تنظيم النسل في الاسلام
لا تمنع الشريعة الإسلامية من التنظيم المؤقت للنسل ما دام سيتم برضا وموافقة الزوجين، لكن لا يجوز فرض هذا التنظيم بقانون ملزم؛ لأنه سيتحول حينها إلى تحديد للنسل والتحديد محرم شرعا، بل يجب ترك هذا الأمر لحاجة وظروف الزوجين، ليتخذا قرارهما بعد الرجوع إلى المتخصصين من الأطباء ممن يوثق بدينهم وعلمهم؛ لمعرفة مدى مناسبة هذه الوسائل لهما، وهل هناك ضرر صحي جراء استخدام هذه الوسائل أم لا؛ حيث “لا ضرر ولا ضرار”.
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي:”لا مانع من ذلك إذا اتفق عليه الزوجان، ولم يضر الزوجة، وقد كان الصحابة يعزلون لأعذار وأسباب، ولم ينههم الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث الصحيح.
فلا ريب أن بقاء النوع الإنساني من أول أغراض الزواج أو هو أولها وبقاء النوع إنما يكون بدوام التناسل، وقد حبب الإسلام في كثرة النسل، وبارك الأولاد ذكورا وإناثا ولكنه رخص للمسلم في تنظيم النسل إذا دعت إلى ذلك دواع معقولة وضرورات معتبرة.
مسوغات تنظيم النسل:
– الخشية على حياة الأم أو صحتها من الحمل أو الوضع، إذا عرف بتجربة أو إخبار طبيب ثقة؛ لأن الإسلام نهى عن ذلك؛ قال تعالى:(ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (البقرة: 195). وقال سبحانه:(ولا تقتلوا أنفسكم، إن الله كان بكم رحيما) النساء (29).
– الخشية في وقوع حرج دنيوي قد يفضي به إلى حرج في دينه فيقبل الحرام، ويرتكب المحظور من أجل الأولاد، قال تعالى:(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (البقرة: 185).
ومن الضرورات المعتبرة شرعا:
الخشية على الرضيع من حمل جديد ووليد جديد، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الوطء في حالة الرضاع وطء الغيلة أو الغيل لما يترتب عليه من حمل يفسد اللبن ويضعف الولد، وإنما سماه غيلا أو غيلة، لأنه جناية خفية على الرضيع فأشبه القتل سرا، مع التأكيد على أن ذلك الأمر لا يصل حد الحرمة بحال من الأحوال.
وقد استحدثت في عصرنا من الوسائل التي تمنع الحمل ما يحقق المصلحة التي هدف إليها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي حماية الرضيع من الضرر- مع تجنب المفسدة الأخرى- وهي الامتناع عن النساء مدة الرضاع وما في ذلك من مشقة.
وعلى ضوء هذا نستطيع أن نقرر أن المدة المثلى في نظر الإسلام بين كل ولدين هي ثلاثون أو ثلاثة وثلاثون شهرا لمن أراد أن يتم الرضاعة.
تحديد النسل في الاسلام حلال ام حرام
لا يجوز تحديد النسل، بل ينبغي للرجل والمرأة الحرص على المزيد من الذرية؛ لأن الرسول عليه السلام قال: تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة، وفي اللفظ الآخر: فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، فالرسول ﷺ حث على تزوج الولود الودود، ثم المؤمن ينبغي له أن يحرص على أن يكون له ذرية صالحة تنفعه في الدنيا وتنفعه في الآخرة، تكثر جمع المسلمين ويحرص على الزوجة الصالحة، وعلى العناية بالذرية وأن يربيهم التربية الإسلامية الطيبة، فتحديد النسل لا وجه له، ومعنى تحديد النسل، يعني: أن يتفق مع المرأة على عدد معلوم لا، بل يجتهد مع المرأة جميعًا أن الله يعطيهما المزيد من الذرية على وجه لا يضرها، فإذا كان هناك ضرر، كونها تحمل هذا على هذا وعليها ضرر لا بأس أن تتعاطى أشياء تمنع الحمل وقتًا معينًا مثل وقت الرضاعة، أو بعض وقت الرضاع حتى تقوى على التربية لا بأس بهذا من غير أن يحدد النسل بعدد معلوم، لكن لا بأس أن تتعاطى أشياء تمنع الحمل وقتًا معينًا دفعًا للضرر الذي عليها، وحرصًا على تربية الأولاد التربية الإسلامية.
طرق منع الحمل في الاسلام
طرق منع الحمل كثيرة ومتعددة، لكن غير مضمونة مائة بالمائة. إذ يمكن استخدام طرق لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، طالما الجنين لم يتكون بعد أو لم يتم الإلقاح، مثل الحبوب التي تمنع الإباضة من المبيضين. أما الحبوب الدوائية التي تمنع تعشيش البيضة في الرحم فقد تتعارض مع الشريعة، لأن الإلقاح تم والجنين يكون بمرحلة التكاثر الخلوي.
الطرق الأخرى لمنع الحمل هي ارتداء الواقي المطاطي سواء الذكري أو الأنثوي، أو وضع المراهم القاتلة للنطف، لكن وجد في الإحصائيات الأميركية الحديثة ان هذه الطرق لا تمنع الحمل مائة بالمائة، لانه يمكن دائماً حدوث حمل بعد استخدام الواقي الذكري بنسبة 12 في المائة والواقي الانثوي بنسبة 20 في المائة. وأكثر الطرق سلامة هي حبوب منع الحمل التي يمكن أن تقي من الحمل بمعدل 98 في المائة.