نتعرض من خلال هذا المقال لتفسير سورة القلم كما نسلط الضوء على فضل هذه السورة وأسباب نزولها في محاولةٍ منا لتدبر معانيها واستنباط الحكمة منها، فتدبر القرآن الكريم وما يحمله من معاني مختلفة هو أمر يجب على كل المسلمين والمسلمات تحريه إن أرادوا نيل مرضاة الله عز وجل، فآياته تحمل الكثير من التعليمات التي ينبغي عليهم اتباعها والعديد من الأوامر الربانية التي يجدر بهم الامتثال لها، فضلاً عن قصص وأخبار الأمم الغابرة التي يتوجب عليهم التعلم منها كي لا يقعوا فيما وقعوا فيه من أخطاء ويلقوا نفس المصير، فالقرآن الكريم هو كتاب نهتدي به لطريق الحق ليرضى عنا رب العالمين.
سورة القلم
- سورة القلم تندرج تحت قائمة السور المكية، أي أنها نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة قبل هجرته للمدينة المنورة وذلك بإجماع أهل العلم.
- من أوائل السور التي نزل بها الوحي على المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وفي هذا الأمر هناك رأيان لأهل العلم فيذهب البعض لنزولها بعد فواتح اقرأ وآخرون يرجحون بأنها نزلت بعد سورة المدثر.
- تبدأ سورة القلم بحرف “ن” وبذلك تعد أول سورة أنزلت مبدوءة بحرف مقطع.
- هي السورة الثامنة والستين في القرآن الكريم، وعدد آياتها هو اثنان وخمسون آية.
تفسير سورة القلم (1)
- تبدأ سورة القلم بحرف النون وهو من الحروف المتقطعة التي لا يعلم تفسيرها سوى الله سبحانه وتعالى، ثم يقسم رب العباد بالقلم الذي تسطر به الملائكة ما يفعله كل شخص من خير وشر وما يستخدمه الناس أجمعين لتسطير مختلف العلوم.
- ثم ينفي رب العزة ادعاء المشركين بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- مجنون ويعده ربه على ما يتحمله من مشقة وعناء في تبليغ الرسالة بأجر عظيم ويبيّن له أنها صاحب خلق عظيم، ويخبره بأنه سيرى وسيرى الكافرون ما يؤكد لهم من هو المفتون المجنون، ويؤكد له بأنه أعلم بمن ضل عن سبيله وأعلم بمن اهتدى واتبع تعاليم الدين.
- ويأمر الله سبحانه وتعالى نبيه بالثبات على دعوة الحق ومخالفة المكذبين ممن يودون لو أنه يجاريهم فيما هم عليهم من ضلال، كما ينبهه لألا يطيع من يكثر الحلف فهو كاذب “وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ ” ولا يطع من يغتب الناس وينقل الأخبار للإيقاع بينهم “هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ”، ومن يمنع الخير عن الناس ويعرف بالبخل وباعتدائه على الحرمات وارتكابه الكثير من الآثام “مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ” ومن هو قاسي القلب غليظ الطباع لا يعرف له أصل ولا نسب “عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ”.
- ويبيّن المولى لنا أن هؤلاء المشركين ما طغوا واستكبروا على الخلق والخالق إلا لأنهم أصحاب أموال طائلة وأولاد كثر “أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ” من إذا تليت عليه آيات القرآن قال بأنها محض أساطير “إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ”، وتوعد الله من تنطبق عليه هذه الصفات بأن سيعذبه ويجعل على وجهه علامة لا تفارق على أنفه “سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ”.
تفسير سورة القلم (2)
- ويحدثنا المولى عز وجل بأنه ابتلا هؤلاء المكذبين بالخير والأموال والأنفس كما ابتلى بها قبلهم أصحاب الجنة “إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ”، فاختبر الله سبحانه وتعالى أصحاب الجنة فيما وهبهم من خير وثمار في حديقتهم وبدلاً من أن يشكروا الله عليها اتفقوا جميعًا فيما بينهم على حصاد ثمارها في الصباح الباكر قبل أن يراهم الفقراء كي لا يأخذوا منها شيئًا، لكن الله سبحانه وتعالى أبادها بما تحمله من ثمار في الليل وهم نائمون، وفي الصباح حينما خرجوا إليها وجدها جرداء حتى ظنوا أنهم أخطئوها في البداية فلم يتمكنوا من التعرف عليها، فعلموا حينها أن عذاب الله نزل بهم فاعترفوا بذنبهم وتابوا إلى الله، ثم يبين لنا سبحانه بأن هذا العذاب جزاءً للظالمين وأن عذاب الآخرة أشد منه.
- ويخبرنا سبحانه وتعالى من بعد ذلك بما أعده للمتقين المتعبدين من جنات ونعيم، فالله عز وجل لن يساوي بين المسلمين المتعبدين له وبين الكافرين العاصين، فمن يظن ذلك من المشركين فهو على ضلال بيّن وأنهم حتى وإن ادعوا ذلك بالباطل فلا يوجد كتابٌ يقول بأنهم من أهل الجنة وأن لهم فيهم ما طلبوا واختاروا “مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ”.
- ويخبر الله نبيه بأن يسأل هؤلاء المشركين من منهم يضمن تحقق هذا الأمر لهم بالفعل أم أن لهم آلهة ستحقق لهم مزاعمهم بأنهم من أصحاب الجنة إذًا فليظهروا هذه الآلهة إن كان ما يدعونه صدق وليس ضلال، ثم يحدثنا الله بأنهم يوم القيامة سيدعون للسجود فلن يتمكنوا من ذلك وقد ضربت عليهم ذلةٌ من الله فكانوا في الدنيا أصحاء يؤمرون بالسجود فيأبون عن طاعة الله ورسول.
- ويحدث الله نبيه بأن يدع أمر هؤلاء المشركين المكذبين بآيات الله فسيمهلهم في الدنيا ويمدهم بأموال وبنين ثم يعذبهم في الآخرة ويمحض كذبهم وما يدعون من ضلال، ويأمره بالصبر وألا يتعجل لهم العذاب كما فعل نبي الله يونس -عليه السلام-.[1]
الدروس المستفادة من سورة القلم
هناك الكثير من الدروس التي يمكن الخروج منها من سورة القلم ومنها :
- أولها الاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التمسك بمكارم الأخلاق،فقد حدثنا الله سبحانه وتعالى عن عظم أخلاقه من خلال هذه السورة في قوله “وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ”.
- وجه الله سبحانه وتعالى لنبيه الأمر بألا يصدق من يكثر الحلف فهي من علامات الكاذبين، وألا يتبع الفاسقين العاصين لله سبحانه وتعالى ممن يمنعون الخير عن الناس ويرتكبون ألوان متعددة من الفواحش، وهي إن كانت رسالة خاصة للنبي -عليه الصلاة والسلام- فيمكننا اعتبارها رسالة عامة للجميع لابتعاد عن صحبة الفاسدين التي لا تجلب سوى السوء والشر ولتحري مصادقة الصالحين من الناس واتباع ما يؤمرون به فلن يأتي من وراهم سوى الخير.
- كذلك بيّن الله جل وعلا لنا من خلال هذه السورة كيف يكون في منح المال للعباد اختبارٌ لهم، فضرب لنا بأصحاب الجنة مثلاً ممن منحهم الخير الوفير والمال الكثير فجحدوا بنعمة الله ونسوا أنها قادر على حرمانهم منها، وقرروا حرمان الفقراء من نصيبهم فيها فأباد الله جنتهم وحولها لصحرا جرداء، ومن هذه القصة نتعلم درسًا أن البخل لا ينفع صاحبه وأن المال لله وللفقراء نصيب منهم يجب أن يحصلوا عليه كي يبارك الله فيه، وأنه نعمة إن لم يحفظها المرء انقلبت وصارت نقمة تسوقه لعذاب الله.
- من الدروس المستفادة منها كذلك هي ضرورة الاهتمام بالتعلم والإطلاع، فإقسام المولى عز وجل بالقلم يوحي بعظم مكانة ومنزلة العلم وأهميته.
- أيضًا من السور التي ترسخ في نفوسنا بشكل عميق مدى عدل الله في خلقه وأنه لا يظلم من عباده أحدًا، فذكر الرحمن أنه لن يتساوى مصير اللذين آمنوا به بمصير من أشركوا.
- ومما يستفاد أيضًا ضرورة اتباع أوامر الله ما جاءت في القرآن والسنة لمن أراد الفوز بالجنة التي وعد الله بها المتقين.