قصة طالوت وجالوت pdf
https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%B7%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AA-%D9%88%D8%AC%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AA-pdf
قصة طالوت وجالوت إسلام ويب
موقع القصة في القرآن الكريم:
ورد ذكر القصة في سورة البقرة الآيات 246-251.
قال تعالى :
(( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) ))
القصة:
ذهب بنو إسرائيل لنبيهم يوما.. سألوه: ألسنا مظلومين؟
قال: بلى..
قالوا: ألسنا مشردين؟
قال: بلى..
قالوا: ابعث لنا ملكا يجمعنا تحت رايته كي نقاتل في سبيل الله ونستعيد أرضنا ومجدنا.
قال نبيهم وكان أعلم بهم: هل أنتم واثقون من القتال لو كتب عليكم القتال؟
قالوا: ولماذا لا نقاتل في سبيل الله، وقد طردنا من ديارنا، وتشرد أبناؤنا، وساء حالنا؟
قال نبيهم: إن الله اختار لكم طالوت ملكا عليكم.
قالوا: كيف يكون ملكا علينا وهو ليس من أبناء الأسرة التي يخرج منها الملوك -أبناء يهوذا- كما أنه ليس غنيا وفينا من هو أغنى منه؟
قال نبيهم: إن الله اختاره، وفضله عليكم بعلمه وقوة جسمه.
قالوا: ما هي آية ملكه؟
قال لهم نبيهم: يسرجع لكم التابوت تجمله الملائكة.
ووقعت هذه المعجزة.. وعادت إليهم التوراة يوما.. ثم تجهز جيش طالوت، وسار الجيش طويلا حتى أحس الجنود بالعطش.. قال الملك طالوت لجنوده: سنصادف نهرا في الطريق، فمن شرب منه فليخرج من الجيش، ومن لم يذقه وإنما بل ريقه فقط فليبق معي في الجيش..
وجاء النهر فشرب معظم الجنود، وخرجوا من الجيش، وكان طالوت قد أعد هذا الامتحان ليعرف من يطيعه من الجنود ومن يعصاه، وليعرف أيهم قوي الإرادة ويتحمل العطش، وأيهم ضعيف الإرادة ويستسلم بسرعة. لم يبق إلا ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا، لكن جميعهم من الشجعان.
كان عدد أفراد جيش طالوت قليلا، وكان جيش العدو كبيرا وقويا.. فشعر بعض -هؤلاء الصفوة- أنهم أضعف من جالوت وجيشه وقالوا: كيف نهزم هذا الجيش الجبار..؟!
قال المؤمنون من جيش طالوت: النصر ليس بالعدة والعتاد، إنما النصر من عند الله.. (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ).. فثبّتوهم.
وبرز جالوت في دروعه الحديدية وسلاحه، وهو يطلب أحدا يبارزه.. وخاف منه جنود طالوت جميعا.. وهنا برز من جيش طالوت راعي غنم صغير هو داود.. كان داود مؤمنا بالله، وكان يعلم أن الإيمان بالله هو القوة الحقيقية في هذا الكون، وأن العبرة ليست بكثرة السلاح، ولا ضخامة الجسم ومظهر الباطل.
وكان الملك، قد قال: من يقتل جالوت يصير قائدا على الجيش ويتزوج ابنتي.. ولم يكن داود يهتم كثيرا لهذا الإغراء.. كان يريد أن يقتل جالوت لأن جالوت رجل جبار وظالم ولا يؤمن بالله.. وسمح الملك لداود أن يبارز جالوت..
وتقدم داود بعصاه وخمسة أحجار ومقلاعه (وهو نبلة يستخدمها الرعاة).. تقدم جالوت المدجج بالسلاح والدروع.. وسخر جالوت من داود وأهانه وضحك منه، ووضع داود حجرا قويا في مقلاعه وطوح به في الهواء وأطلق الحجر. فأصاب جالوت فقتله. وبدأت المعركة وانتصر جيش طالوت على جيش جالوت.
بعد فترة أصبح داود -عليه السلم- ملكا لبني إسرائيل، فجمع الله على يديه النبوة والملك مرة أخرى. وتأتي بعض الروايات لتخبرنا بأن طالوت بعد أن اشتهر نجم داوود أكلت الغيرة قلبه، وحاول قتله، وتستمر الروايات في نسج مثل هذه الأمور. لكننا لا نود الخوض فيها فليس لدينا دليل قوي عليها.
قصة طالوت وجالوت وحقيقة الهيكل
https://www.deezer.com/en/track/65043894
قصة طالوت وجالوت تفسير ابن كثير
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)
يقول تعالى مخبرا عن طالوت ملك بني إسرائيل حين خرج في جنوده ومن أطاعه من ملأ بني إسرائيل وكان جيشه يومئذ فيما ذكره السدي ثمانين ألفا فالله أعلم ، أنه قال : ( إن الله مبتليكم [ بنهر ] ) قال ابن عباس وغيره : وهو نهر بين الأردن وفلسطين يعني : نهر الشريعة المشهور ( فمن شرب منه فليس مني ) أي : فلا يصحبني اليوم في هذا الوجه ( ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده ) أي : فلا بأس عليه قال الله تعالى ( فشربوا منه إلا قليلا منهم ) قال ابن جريج : قال ابن عباس : من اغترف منه بيده روي ، ومن شرب منه لم يرو . وكذا رواه السدي عن أبي مالك ، عن ابن عباس . وكذا قال قتادة وابن شوذب .
وقال السدي : كان الجيش ثمانين ألفا فشرب ستة وسبعون ألفا وتبقى معه أربعة آلاف كذا قال .
وقد روى ابن جرير من طريق إسرائيل وسفيان الثوري ومسعر بن كدام عن أبي إسحاق السبيعي ، عن البراء بن عازب قال : كنا نتحدث أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يوم بدر ثلاثمائة وبضعة عشر على عدة أصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر ، وما جازه معه إلا مؤمن . ورواه البخاري عن عبد الله بن رجاء عن إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق عن البراء قال : ” كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت ، الذين جازوا معه النهر ، ولم يجاوز معه إلا مؤمن بضعة عشر وثلاثمائة ” .
ثم رواه من حديث سفيان الثوري وزهير ، عن أبي إسحاق عن البراء بنحوه ولهذا قال تعالى : ( فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ) أي : استقلوا أنفسهم عن لقاء عدوهم لكثرتهم فشجعهم علماؤهم [ وهم ] العالمون بأن وعد الله حق فإن النصر من عند الله ليس عن كثرة عدد ولا عدد . ولهذا قالوا : ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين )
وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)
أي : لما واجه حزب الإيمان وهم قليل من أصحاب طالوت لعدوهم أصحاب جالوت وهم عدد كثير ( قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا ) أي : أنزل علينا صبرا من عندك ( وثبت أقدامنا ) أي : في لقاء الأعداء وجنبنا الفرار والعجز ( وانصرنا على القوم الكافرين )
قال الله تعالى : ( فهزموهم بإذن الله ) أي : غلبوهم وقهروهم بنصر الله لهم ( وقتل داود جالوت ) ذكروا في الإسرائيليات : أنه قتله بمقلاع كان في يده رماه به فأصابه فقتله ، وكان طالوت قد وعده إن قتل جالوت أن يزوجه ابنته ويشاطره نعمته ويشركه في أمره فوفى له ثم آل الملك إلى داود عليه السلام مع ما منحه الله به من النبوة العظيمة ; ولهذا قال تعالى : ( وآتاه الله الملك ) الذي كان بيد طالوت ( والحكمة ) أي : النبوة بعد شمويل ( وعلمه مما يشاء ) أي : مما يشاء الله من العلم الذي اختصه به صلى الله عليه وسلم ثم قال تعالى : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) أي : لولاه يدفع عن قوم بآخرين ، كما دفع عن بني إسرائيل بمقاتلة طالوت وشجاعة داود لهلكوا كما قال : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ) الآية [ الحج : 40 ] .
وقال ابن جرير ، رحمه الله : حدثني أبو حميد الحمصي أحمد بن المغيرة حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا حفص بن سليمان عن محمد بن سوقة عن وبرة بن عبد الرحمن عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء ” . ثم قرأ ابن عمر : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) وهذا إسناد ضعيف فإن يحيى بن سعيد [ هذا ] هو أبو زكريا العطار الحمصي وهو ضعيف جدا .
ثم قال ابن جرير : حدثنا أبو حميد الحمصي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عثمان بن عبد الرحمن عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله ، ولا يزالون في حفظ الله عز وجل ما دام فيهم ” .
وهذا أيضا غريب ضعيف لما تقدم أيضا . وقال أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم أخبرنا علي بن إسماعيل بن حماد أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد أخبرنا زيد بن الحباب ، حدثني حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان رفع الحديث قال : ” لا يزال فيكم سبعة بهم تنصرون وبهم تمطرون وبهم ترزقون حتى يأتي أمر الله ” .
وقال ابن مردويه أيضا : وحدثنا محمد بن أحمد حدثنا محمد بن جرير بن يزيد ، حدثنا أبو معاذ نهار بن عثمان الليثي أخبرنا زيد بن الحباب أخبرني عمر البزار ، عن عنبسة الخواص ، عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الأبدال في أمتي ثلاثون بهم تقوم الأرض ، وبهم تمطرون وبهم تنصرون ” قال قتادة : إني لأرجو أن يكون الحسن منهم .
وقوله : ( ولكن الله ذو فضل على العالمين ) أي : من عليهم ورحمة بهم ، يدفع عنهم ببعضهم بعضا وله الحكم والحكمة والحجة على خلقه في جميع أفعاله وأقواله .
فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)
قال الله تعالى : ( فهزموهم بإذن الله ) أي : غلبوهم وقهروهم بنصر الله لهم ( وقتل داود جالوت ) ذكروا في الإسرائيليات : أنه قتله بمقلاع كان في يده رماه به فأصابه فقتله ، وكان طالوت قد وعده إن قتل جالوت أن يزوجه ابنته ويشاطره نعمته ويشركه في أمره فوفى له ثم آل الملك إلى داود عليه السلام مع ما منحه الله به من النبوة العظيمة ; ولهذا قال تعالى : ( وآتاه الله الملك ) الذي كان بيد طالوت ( والحكمة ) أي : النبوة بعد شمويل ( وعلمه مما يشاء ) أي : مما يشاء الله من العلم الذي اختصه به صلى الله عليه وسلم ثم قال تعالى : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) أي : لولاه يدفع عن قوم بآخرين ، كما دفع عن بني إسرائيل بمقاتلة طالوت وشجاعة داود لهلكوا كما قال : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ) الآية [ الحج : 40 ] .
وقال ابن جرير ، رحمه الله : حدثني أبو حميد الحمصي أحمد بن المغيرة حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا حفص بن سليمان عن محمد بن سوقة عن وبرة بن عبد الرحمن عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء ” . ثم قرأ ابن عمر : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) وهذا إسناد ضعيف فإن يحيى بن سعيد [ هذا ] هو أبو زكريا العطار الحمصي وهو ضعيف جدا .
ثم قال ابن جرير : حدثنا أبو حميد الحمصي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عثمان بن عبد الرحمن عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله ، ولا يزالون في حفظ الله عز وجل ما دام فيهم ” .
وهذا أيضا غريب ضعيف لما تقدم أيضا . وقال أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم أخبرنا علي بن إسماعيل بن حماد أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد أخبرنا زيد بن الحباب ، حدثني حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان رفع الحديث قال : ” لا يزال فيكم سبعة بهم تنصرون وبهم تمطرون وبهم ترزقون حتى يأتي أمر الله ” .
وقال ابن مردويه أيضا : وحدثنا محمد بن أحمد حدثنا محمد بن جرير بن يزيد ، حدثنا أبو معاذ نهار بن عثمان الليثي أخبرنا زيد بن الحباب أخبرني عمر البزار ، عن عنبسة الخواص ، عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الأبدال في أمتي ثلاثون بهم تقوم الأرض ، وبهم تمطرون وبهم تنصرون ” قال قتادة : إني لأرجو أن يكون الحسن منهم .
وقوله : ( ولكن الله ذو فضل على العالمين ) أي : من عليهم ورحمة بهم ، يدفع عنهم ببعضهم بعضا وله الحكم والحكمة والحجة على خلقه في جميع أفعاله وأقواله .
طالوت وجالوت وداوود
التابوت كان نعمة من نعم الله على بني إسرائيل؛ حيث كان لهذا التابوت عندهم شأن عظيم، ونبأ ظريف، كانوا إذا اشتبكوا مع أعدائهم في قتال أو التقوا بهم في ساحة نزال، يحملونه بين أيديهم ويقدمونه في صفوفهم، فينشر في قلوبهم سكينة واطمئنانًا، ويبعث في أعدائهم هلعًا ورعبًا لسر عجيب فيه ومزايا خصّه الله بها، ولكنهم لما انحرفوا عن شريعتهم وغيروا ما بأنفسهم سلط الله عليهم أهل فلسطين، فغلبوهم على أمرهم، وأخرجوهم من ديارهم، وحالوا بينهم وبين أبنائهم، وأخيرًا أخذوا التابوت منهم، فانفصمت عروتهم، وتصدعت وحدتهم، ثم استكانوا إلى ذل وهوان، وظلوا على ذلك حقبة من الدهر، حتى كان نبيهم صمويل، ففزع إليه نفر منهم أرادوا أن يتجافوا بأنفسهم عن مطارح الهوان، وينزعوا بها من معرة الامتهان، وطلبوا إليه أن يختار لهم ملكًا يأتلفون حول رايته، ويجمعون أمرهم تحت زعامته، لعلهم به يغلبون العدو، ويكتب الله لهم النصر، فقال لهم -وهو يعرف الضعف فيهم-: إني أتوقع تخاذلكم إذا كتب عليكم القتال، قالوا: كيف نتخاذل وقد أخرجنا من ديارنا وحيل بيننا وبين أبنائنا؟! وأي حال أسوأ مما نحن فيه؟! وأي ذل أشد مما ابتلينا به؟! قال صمويل: دعوني أستخير الله في أمركم، وأستوحيه في شأنكم، فلما استخار الله -عز وجل- أوحي إليه أني قد اخترت عليهم طالوت ملكًا، قال صمويل : يا رب: إن صمويل رجل لم أعرفه بعد، ولم أره من قبل، فأوحى إليه: إني مرسله إليك وسوف لا ترى عسرًا في لقائه، ولا جهدًا في تعرف ملامحه، فولِّه الملك، وسلِّمه راية الجهاد. وكان طالوت رجلاً طويلاً فارعًا، قوي الجسم ذكيًا، ولكنه لم يكن معروفًا أو مذكورًا، كان يقيم مع أبيه في قرية من قرى الوادي، يرعى له الماشية، ويفلح الأرض، ويصلح الزرع، وفيما هو في شأنه في الحقل مع أبيه ضلت منه الأتن -أنثى الحمار-، فخرج مع غلامه ينشدانها في شعاب الوادي، وبحثا عنها أيامًا حتى تعبا، فقال طالوت لغلامه: هيا بنا نعود أدراجنا، فإني أعتقد أن القلق استولى على أبي، وأخشى أن يهمل الأتن فيخرج للبحث عنا، قال الغلام: إنا الآن قد وصلنا إلى أرض صوف موطن صمويل، وهو فيما أعلم نبي يأتيه الوحي وتهبط عليه الملائكة، هلم إليه نستوضحه بشأن الأتن لعلنا نستضي برأيه، أو نهتدي بوحيه، فارتاح طالوت لهذا الرأي، وتجدد لديه الأمل بأن يجد الأتن.
ولقيا في طريقهما إلى صمويل فتيات خرجن يستقين الماء، فطلبا إليهن أن يرشدهما إلى نبي الله صمويل، فقلن لهما: إن الشعب ينتظره فوق هذا الجبل، وهو يوشك الآن يجيء، وبينما هما في الحديث معهن إذ طلع صمويل يفوح منه رائحة النوبة، وتحدث ملامح وجهه عن نبي كريم ورسول أمين، والتقت عينا طالوت بصمويل فتعارفت أرواحهما، واتصلت نفوسهما، ووقع في قلب صمويل أن هذا طالوت الذي أوحى الله إليه بتمليكه، وأعلمه بأنه يحمل أعباء الزعامة والسلطان.
قال طالوت: إنني طلبتك -يا نبي الله- مستوضحًا مسترشدًا، إن لأبي أتنًا ضلت في شعاب هذا الوادي، وقد خرجت في إثرها مع هذا الغلام نتعرف الطريق ونقفو الأثر، فما ظفرنا بعد ثلاث إلا بخيبة، وما عندنا إلا بكواذب الآمال، وقد جئناك لعل فيضًا من علمك يهديننا إليها أو يدلنا عليها.
قال صمويل: أما الأتن فهي في طريقها إلى أبيك، فلا تربط قلبك بها، ولا تعلق جبال ذهنك فيها، ولكني أدعوك لأمر أجل خطرًا وأعظم قدرًا؛ إن الله قد اختارك على بني إسرائيل ملكًا، تجمع كلمتهم، وتحزم أمورهم، وتخلصهم من أعدائهم، وسيكتب الله لك -إن شاء الله- النصر، ولأعدائك الكبت والخذلان، قال له طالوت: ما أنا والملك والرياسة والزعامة والسلطان؟! أنا من أبناء بنيامين آخر الأسباط ذكرًا، وأقلهم مالاً، فلكيف أصبر إلى الملك أو أمسك بحبال السلطان؟! قال صمويل: هذه إرادة الله ووحيه وأمره وكلمته، فاشكر له هذه النعمة، واجمع رأيك على الجهاد، وأمسك بيد طالوت وقف به على القوم، يقول: إن الله قد بعث لكم طالوت هذا ملكًا له حق الرياسة والسلطان، وعليكم الطاعة والإذعان، فأجمعوا أموركم، واستعدوا للقاء عدوكم.
فذهلوا لذلك لقلة ماله وسوء الحال، وأنه ليس له ذكر، فزموا بأنوفهم وقالوا: كيف يكون له الملك علينا؟! فلا نسبه عريق، ثم كيف تولّى علينا رجل فقير ونحن لدينا ثروة وجاه وسطوة؟! وما يجدي النسب لمن لا يعرف من تصريف الأمور شيئًا؟! وما يغني المال من لا يفهم في سياسة الجيوش حولاً ولا طولاً؟! ولكن هذا طالوت فضله الله عليكم لما فيه من الكفاية والقدرة، وأنتم ترونه رجلاً بسط الله في جسمه وزاده عقلاً حكيمًا، بصير بالحروب، خبير بمواطن الكفاح، وفوق هذا وذاك فهذا اختيار الله له، والله يؤتي ملكه من يشاء، وما كان يليق بكم، وقد اختار لكم أن تكون لكم الخيرة من أمركم أو النفرة من جانبكم، عند ذلك قالوا: أما إذا قضى الله بشيء أو صدر عنه أمر أو نهي فلا معقب لحكمه، ولا معدل عن أمره، ولكن هات لنا آية نعرف بها أمره ونعلم قضاءه.
قال صمويل: إن الله قد علم لجاجكم وعنادكم، فجعل لكم علامة وآية أن تخرجوا إلى ظاهر المدينة، فتروا التابوت الذي ذللتم بعد ذهابه، ولقيتم الخسف والهوان بعد ضياعه، قادمًا إليكم وفيه سكينة لكم تحمله الملائكة، وفي ذلك آية لكم إن كنتم مؤمنين، وخرجوا كما واعدهم فوجدوا التابوت، ونزلت عليهم السكينة، وصحت عندهم العلامة، فبايعوا طالوت وأقروا له بالملك والسلطان.
واضطلع طالوت بالملك، وأحسن قيادة الجنود، وأظهر حزمًا وعزمًا وفطنة وذكاءً، قال: يا قوم: لا ينتظمن جيشي إلا من كان خاليًا من الهواجس، فارغًا من الصوارف، فلا يدخل من كان قد شرع في بناء لم يتمه، أو خطب عروسًا ولم يبنِ بها -أي لم يدخل بها-، أو له تجارة وعقله مشغول بها، فلما تم له ما أراد وكون جيشًا متلاحمًا أراد أن يتحوط لنفسه بعدما بدا له منهم الشك في أمره والجدل حول تمليكه، فأراد أن يختبرهم مخافة أن يخذلوه ساعة اشتباك القنا -أي الرماح في الحرب-، أو يفروا حين الزحف وتقابل الأقران، فقال: إنكم ستلقون نهرًا، فمن كان صابرًا محتسبًا فلا ينهل إلا بمقدار ما يبرد كبده، ويبل ريقه، وأما من خالف أمري فليس مني ولا تسكن إليه نفسي، فوقع ما خافه طالوت، فقد شربوا منه إلا قليلاً منهم، هم الصابرون المؤمنون المخلصون المجاهدون، وأصبح الجيش أوزاعًا -أي فرقًا- من ضعفاء العزيمة وخائريها، ومن صادقي النية وكاذبيها، ولكنه صابر المترددين وخرج بالجميع للقاء العدو مجاهدًا في سبيل الله.
ولما خرجوا لقتال عدوهم فإذا هم رجال أشداء جاؤوا لخوض الحرب وغمراتها، ويفوقونهم عدة مرات، يقودهم جالوت شُجاعهم يصول بينهم، فانقسم أصحاب طالوت إلى شعبتين: شعبة منهم خار عودهم وانخلع فؤادهم وتخاذلت قوتهم وقالوا: (لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) [البقرة:249]، وشعبة منهم ظلت صابرة صامدة، وهم الذين عمر قلوبهم الإيمان، وقالوا لطالوت: امضِ لشأنك، واستعدوا للموت، ولم تزعجهم كثرة أعدائهم وقالوا: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:249]. ونكمل في الخطبة الثانية إن شاء الله تعالى.
عندما خرج طالوت بجنوده وزادُهم الإيمان وتوجهوا إلى الله تعالى طالبين منه النصر والعزة والتمكين، أنه لما التقى الجمعان، وحمي وطيس القتال، واشتدت الحرب، برز جالوت يدعو للمناجزة والمبارزة، فخاف الباقون بطشه، وهابوا صولته، وكان في جيش طالوت داود -عليه السلام- الذي كان أبوه يقيم في بيت لحم وكان شيخًا كبير السن وله أبناء، فلما وقعت الحرب واستنفر طالوت بني إسرائيل للجهاد، وانتخب ذلك الرجل من كبار أبنائه، ثم قال لأصغر أبنائه: لا تقرب ساحة الحرب، فلست من رجالها وفتيانها، وكان ذلك الغلام هو داود -عليه السلام-، وكان مع حداثة سنه وضيء الطلعة، أبلج الغرة، متسعر الذكاء، له قلب متوقد بين الجوانح، سار مع إخوته إلى ساحة القتال، حتى وجد رجلاً راعه أنه عملاق طاغية يتحدى، ولكن الشجعان تخشاه، فسأل عنه فقيل له: هذا جالوت رئيس الأعداء وزعيمهم، وما برز إليه شخص إلا ردّه جريحًا، وقد جعل طالوت جزاءً لمن يقتله ويقي المؤمنين كيده وشره أن يزوجه إحدى بناته ويوليه الملك من بعده، فثارت الحفيظة في نفس داود، وهاجت الحمية في قلبه، فذهب إلى طالوت وطلب منه الإذن في منازلة جالوت، لعل مصرعه يكون بيديه، فاستصغر طالوت شأنه، وخاف عليه وطلب إليه أن يترك الأمر لمن عساه أن يكون أكبر سنًّا وأقوى جسمًا وأمضى عزمًا وأجمع قلبًا.
قال داود: لا يخدعنك ما تراه من صغر سني، عن حرارة الإيمان التي تجيش في صدري، ونار الحنق التي تلتهب في قلبي، ولقد هجم بالأمس القريب أسد على غنم أبي فعدوت وراءه حتى أصبته فقتلته، وصادفني دب فنازلته ثم أرديته، والعبرة بقوة النفس لا بكبر السن، وبمضاء العزم لا بضخامة الجسم.
ورأى طالوت في لهجته الصدق والحزم والعزم في نيته فقال له: دونك ما تريد والله حافظك وهاديك، ثم ألبسه ثيابه وقلده سيفه وتوَّجَهُ خوذة فوق رأسه، ولكن داود لم يكن قد لبس الدرع ولا عالج السيف، فناء بما حمل، وثقل عليه ما اشتمل، فخلع كل ذلك واحتمل عصاه واحتقب مقلاعه واصطحب أحجارًا ملسًا وتهيأ للخروج.
قال له طالوت: كيف القتال بالحبل والمقلاع وهذا مقام السيف والنشاب؟! قال داود: إن الله الذي حماني من أنياب الدب ومخالب السبع سيمنع عني بلا شك ما يريد لي هذا الطاغية من كيد أو نكال.
خرج داود في حزم وفي أمنع حِرز وهو صدق الإيمان، ورآه جالوت فاحتقره وهزئ به وقال: ما هذه العصا التي تحملها؟! أكلب تطارده أم غلام مثلك تناجزه؟! أين سيفك وترسك؟! وأين سلاحك وعدتك؟! يخيل إليّ أنك كرهت حياتك وسئمت عيشك مع أنك لا تزال حديث السن ولم تحتمل بعد تكاليف العيش ولا نصب الحياة، فقال: ادنُ مني، فإنه بعد لحظة ستسيل نفسك وتطوى صحيفة عمرك، وأقدمك لحمًا طريًا لوحوش البرية وطيور السماء، قال داود: لك درعك وترسك وسيفك ونشابك، أما أنا فإني أتيتك باسم الله إله بني إسرائيل الذين أذللتهم وأخضعتهم، وسترى عما قريب أهو السيف الذي يصرع ويقتل أم هي إرادة الله وقوته، ومد يده إلى كتفه وأخرج الحجر، ووضعه في المقلاع وسدده نحو جالوت، فإذا هو مشجوج الرأس سائل الدم مثخن الجراح، ثم قفاه بحجر وحجر حتى خر صريعًا على اليدين والفم، وارتفعت راية النصر وانكسرت بعد جالوت شوكة العدو، وولوا منهزمين يتبعهم المؤمنون ضربًا وطعنًا وتقتيلاً، وثأروا لأنفسهم واستردوا عزهم الذاهب ومجدهم التليد؛ قال الله تعالى: (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) [البقرة250 :252].
قصة طالوت وجالوت للاطفال
خصَّ الله تعالى النبي داود -عليه السلام- بأنْ أنزل عليه أحدَ الكتب السماوية الأربعة، حيث نزل عليه الزبور كي يسبح الله -عز وجلّ- بما جاء فيه، وقد وهب الله تعالى سيدنا داود -عليه السلام- صوتًا غاية في الجمال، وكان يستخدم هذا الصوت في تسبيح الله -سبحانه وتعالى- وذكره، وكان داود قد خرج من جيش طالوت الذي قاتلَ الملك جالوت الذي تجبَّر في الأرض والذي كان شديد البأس ويخشاه كل الناس، ليقتله جالوت بحجر وينتصر بنو إسرائيل بقيادة طالوت على جالوت وجنوده بأمر الله تعالى وتوفيقه، وبعد ذلك مرت الأيام وكَبُر نبي الله داود -عليه السلام- وآتاه الله المُلْك على بني إسرائيل. وبالرغم من إيتاء المُلْك للنبي داود -عليه السلام- من قبل الله سبحانه وتعالى إلا أنه كان يجتهد في عمله، حيث كان لا يأكل إلا من عمل يده، فكان يعمل في صناعة الدورع الحديدية ويكسب منها رزقه، وكانت الدروع التي يصنعها النبي داود -عليه السلام- محكمة الصنع تقي المقاتلين من طعنات الرماح ورميات السهام وضربات السيوف، وكان داود -عليه السلام- دائم الذكر لله -سبحانه وتعالى-، وكانت الطيور والجبال تسبح رب الأرض والسماوات معه بأمرٍ منه -سبحانه-. وفي أحد الأيام كان يجلس النبي داود في المحراب، يصلّي لربّه ويسبح بحمده، وأمر حرّاسه بألّا يسمحوا لأحد بالدخول عليه إذ إنه يريد أن لا يقطعه أحدٌ عن الخشوع في الصلاة والدعاء، وإذ برجلين يدخلان محرابه، ففزع منهما نبي الله داود -عليه السلام-، فطلبا منه ألّا يفزع منهما فقد أتياهُ للفصل بينهما في مسألة، فقال له الأول بأن لأخيه تسعة وتسعين نعجة، وله نعجة واحدة فقط، فطلبها منه كي يُكمل نعاجه إلى الرقم مئة، فأخبره داود -عليه السلام- بأنه قد ظلم أخاه بسؤال نعجته إلى نعاجه، وأن هذا من بغي الناس على الناس بالباطل، وبعد ذلك رحل الرجلان من عند النبي داود -عليه السلام-، وبعد أن ذهب الرجلان عنه استغفر رب الأرض والسماوات وسجد لربه طلبًا لمغفرته. وفي يوم آخر جاءه رجلان لِيَحتكما إليه فقال له الرجل الأول بأن غريمه قد أدخل غنمه إلى حقله، وقامت الأغنام بأكل جميع المحاصيل التي كانت مزروعة في الحقل، ولم يبقَ شيء منها، فسأل نبي الله داود -عليه السلام- الرجل الثاني عن صحة هذا القول، فأجاب الرجل الثاني بأن هذا الكلام صحيح، وأن هذه الأغنام هي أغنامه فعلًا، فحكم نبي الله داود -عليه السلام- بأن يُعطي الرجل الثاني أغنامه للرجل الأول تعويضًا له على ما فقده من محاصيل زراعية داخل حقله، وقد رزق نبي الله النبي داود -عليه السلام- بسليمان، وآتاه الله المُلك والنبوة من بعد أبيه، وأوصى سليمان -عليه السلام- بعبادة الله حق العبادة والابتعاد عن الكفر والضلال. الدروس المستفادة من قصة النبي داود -عليه السلام- أنه يجب على الإنسان أن يداوم على طاعة الله تعالى وذكره وتسبيحه؛ لأنه بذلك ترتفع درجته عند الله تعالى، وأن الإنسان ينبغي عليه أن يجتهد في عمله، وأن يأكل من عمل يده، وألّا يدفعه المنصب إلى التواكل والتقاعس عن العمل، كما يُستفاد من هذه القصة ضرورة أن يسمع المحكّم بين المتخاصمين إلى الطرفين، وأن ينصر الظالم على المظلوم، وألّا تأخذه في ذلك لومة لائم.
قصة طالوت وجالوت عند الشيعة
ففي تفسير علي بن إبراهيم بإسناده إلى أبي جعفر عليه السلام: أن بني إسرائيل بعد موسى عملوا بالمعاصي وغيروا دين الله وعتوا عن أمر ربهم وكان فيهم نبي يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه.
و روي أنه أرميا النبي فسلط الله عليهم جالوت وهو من القبط فأذلهم وقتل رجالهم وأخرجهم من ديارهم وسلب أموالهم واستعبد نساءهم ففزعوا إلى نبيهم وقالوا اسأل الله أن يبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله وكانت النبوة في بني إسرائيل في بيت والملك والسلطان في بيت آخر لم يجمع الله لهم الملك والنبوة في بيت فمن ذلك قالوا ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله فقال لهم نبيهم هل عسيتم إن كتب عليكم القتال أن لا تقاتلوا قالو وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارن وأبنائنا.
و كان كما قال الله تبارك وتعالى ﴿ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ف قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكا﴾ً فغضبوا من ذلك وقالوا أنى يكون له الملك علين ولم يؤت سعة من المال.
و كانت النبوة في ولد لاوي والملك في ولد يوسف وكان طالوت من ولد ابن يامين أخي يوسف لأمه لم يكن من بيت النبوة ولا من بيت المملكة.
فقال لهم نبيهم إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء وكان أعظمهم جسم وكان شجاعا قوي وكان أعلمهم إلا أنه كان فقيرا فعابوه بالفقر فقالوا لم يؤت سعة من المال فقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك موسى وآل هارون تحمله الملائكة وكان التابوت الذي أنزله الله على أم موسى فوضعته فيه أمه وألقته في اليم فكان بنو إسرائيل يتبركون به.
فلما حضرت موسى عليه السلام الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه وما كان عنده من آيات النبوة وأودعه يوشع وصيه فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفوا به وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات فلم يزل بنو إسرائيل في عز وشرف ما دام التابوت عندهم فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله منهم.
فلما سألوا النبي وبعث الله إليهم طالوت ملكا يقاتل معهم رد الله عليهم التابوت كما قال الله تعالى ﴿ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ﴾.
قال البقية ميراث الأنبياء.
قوله ﴿ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ فإن التابوت كان يوضع بين يدي العدو وبين المسلمين فيخرج منه ريح طيبة لها وجه كوجه الإنسان.
و عن الرضا عليه السلام قال: السكينة ريح من الجنة لها وجه كوجه الإنسان.
و كان التابوت إذا وضع بين يدي المسلمين والكفار فإن تقدم التابوت رجل لا يرجع حتى يقتله ويغلب ومن رجع عن التابوت قتله الإمام.
فأوحى الله إلى نبيهم أن جالوت يقتله من يستوي عليه درع موسى عليه السلام وهو رجل من ولد لاوي بن يعقوب اسمه داود بن آشي راعي وكان له عشرة بنين أصغرهم داود.
فلما بعث طالوت إلى بني إسرائيل وجمعهم لحرب جالوت بعث إلى آشي أن احضر وأحضر ولدك فلما حضر ودعا واحدا واحدا من ولده فألبسه الدرع درع موسى عليه السلام فمنهم من طالت عليه ومنهم من قصرت عنه فقال لأشي هل خلفت من ولدك أحدا قال نعم أصغرهم تركته في الغنم راعيا فبعث إليه فجاء به فلما دعاه أقبل ومعه مقلاع فنادته ثلاث صخرات في طريقه فقالت يا داود خذنا فأخذها في مخلاته وكان شديد البطش قويا.
فلما جاء إلى طالوت ألبسه درع موسى عليه السلام فاستوى عليه ففصل طالوت بالجنود وقال لهم نبيهم يا بني إسرائيل إن الله مبتليكم بنهر في هذه المفازة فمن شرب منه فليس من الله ومن لم يشرب فهو من الله إلا من اغترف غرفة بيده.
فلما وردوا النهر أطلق الله لهم أن يغرف كل واحد منهم غرفة فشربوا منه إلا قليلا منهم فالذين شربوا كانوا ستين ألف والقليل الذين لم يشربو ولم يغترفوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا.
فلما جاوزوا النهر ونظروا إلى الجنود قال الذين شربوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده وقال الذين لم يشربوا ربنا أفرغ علينا صبر وثبت أقدامن وانصرنا على القوم الكافرين. فجاء داود فوقف بحذاء جالوت وكان جالوت على الفيل وعلى رأسه التاج وفي جبهته ياقوتة يلمع نوره وجنوده بين يديه فأخذ داود من تلك الأحجار حجرا فرمى به ميمنة جالوت فمر في الهواء ووقع عليهم فانهزمو وأخذ حجرا آخر فرمى به ميسرة جالوت فانهزمو ورمى جالوت بحجر فصكت الياقوتة في جبهته ووصلت إلى دماغه ووقع إلى الأرض ميتا. وهو قوله ﴿ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ﴾.
و قال أمين الإسلام الطبرسي في قوله ﴿ وقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمُْ﴾ اختلف في ذلك النبي.
فقيل اسمه شمعون بن صفية من ولد لاوي.
و قيل: هو يوشع.
و قيل: هو أشموئيل وهو بالعربية إسماعيل عن أكثر المفسرين وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام.
و قوله ﴿ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ فاختلف في سبب سؤالهم.
فقيل كان سببه استذلال الجبابرة لهم لما ظهروا على بني إسرائيل وغلبوهم على كثير من ديارهم بعد أن كانت الخطايا كثرت في بني إسرائيل فبعث لهم أشموئيل نبيا فقالوا له إن كنت صادقا ﴿ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهُِ﴾. وقيل أرادوا العمالقة فسألوا ملكا يكون أميرا عليهم.
و عن أبي الحسن عليه السلام قال: السكينة ريح تخرج من الجنة لها صورة كصورة الإنسان ورائحة طيبة وهي التي أنزلت على إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم فأقبلت تدور حول أركان البيت وهو يضع الأساطين وهذه السكينة كانت في التابوت وكان فيها طشت يغسل فيها قلوب الأنبياء وكان التابوت يدور في بني إسرائيل مع الأنبياء عليه السلام.
ثم أقبل علينا فقال فما تابوتكم قلنا السلاح قال نعم هو تابوتكم.
و عنه عليه السلام: قال كان تابوت موسى عليه السلام ثلاثة أذرع في ذراعين وكان فيه عصا موسى والسكينة روح الله يتكلم كانوا إذا اختلفوا في شيء كلمهم وأخبرهم ببيان ما يريدون.
و روي أنه لما غلب الأعداء على التابوت أدخلوه بيت الأصنام فأصبحت أصنامهم منكسة فأخرجوه ووضعوه في ناحية من المدينة فأخذهم وجع في أعناقهم وكل موضع وضعوه ظهر فيه بلاء وموت ووباء فأشير عليهم بأن يخرجوا التابوت فاجتمع رأيهم أن يأتوا به ويحملوه على عجلة ويشدوها إلى ثورين ففعلوا ذلك وأرسلوا الثورين فجاءت الملائكة وساقوا الثورين إلى بني إسرائيل.
و قال ابن الأثير في الكامل لما انقطع إليا عن بني إسرائيل بعث الله اليسع وكان فيهم ثم قبض وعظمت فيه الأحداث وعندهم التابوت يتوارثونه فيه السكينة فكانوا لا يلقاهم عدو فيقدمون التابوت إلا انهزم العدو وكانت السكينة شبيهة برأس الهر فإذا صرخ في التابوت بصراخ الهر أيقنوا بالنصر.
فلما عظم أحداثهم نزل بهم عدو فخرجوا إليه وأخرجوا التابوت فاقتتلوا فغلبهم عدوهم على التابوت وأخذه منهم وانهزموا فمات ملكهم تحسر ودخل العدو أرضهم ونهب وسبى وعادوا فملكوا على اضطراب من أمرهم واختلاف.
و كان مدة ما بين وفاة يوشع إلى أن رجعت النوبة إلى أشموئيل ستين سنة.
و كان من خبر أشموئيل أن بني إسرائيل لما طال عليهم البلاء وطمع فيهم وأخذ التابوت عنهم فصاروا لا يلقون ملكا إلا خائفين.
فقصدهم جالوت ملك الكنعانيين وكان ملكه ما بين مصر وفلسطين فظفر بهم وضرب عليهم الجزية وأخذ منهم التوراة فدعوا الله أن يبعث لهم نبيا يقاتلون معه وكان سبط النبوة هلكو ولم يبق منهم غير امرأة حبلى فحبسوها في بيت رهبة أن تلد جارية فتبدلها بغلام لما ترى من رغبة بني إسرائيل في ولدها فولدت غلاما سمته أشموئيل ومعناه سمع الله دعائي.
و سبب تسميته أنها كانت عاقر وكان لزوجها امرأة أخرى قد ولدت له عشرة أولاد فبغت عليها بكثرة أولادها فانكسرت العجوز ودعت الله أن يرزقها ولدا فرحم الله تعالى انكساره وحاضت لوقته وقربت زوجها فحملت فولدت غلاما سمته أشموئيل فأرسلته إلى بيت المقدس يتعلم التوراة وكفله شيخ من علمائهم.
فلما بلغ بعثه الله تعالى نبيا إلى قومه فكذبوه تارة وأطاعوه أخرى فأقام يدير أمرهم أربعين سنة وكانت العمالقة مع ملكهم جالوت قد عظمت مكانتهم في بني إسرائيل حتى كادوا يهلكونهم. فلما رأى بنو إسرائيل ذلك قالوا ﴿ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ فدعا الله فأرسل لهم طالوت.
فلما قتل داود جالوت أعطاه طالوت ابنته وزوجها.
و عن أبي عبد الله عليه السلام: إنما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل.
أي كل من وجد التابوت على بابهم أوتوا النبوة فمن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة.
طالوت وجالوت قصص الإنسان في القرآن