قصة سورة البقرة محمد العريفي
قصة صاحب البقرة
{ قصة الفتى صاحب ا لبقرة وبره لأمه }
خلاصتها بما فيها من العجائب، أنه كان في بني إسرائيل رجل غني، وله ابن عم فقير لاوارث له سواه، فلما طال عليه موته، قتله ليرثه، وحمله إلى قرية أخرى فألقاه بنفائها ثم أصبح يطلب ثأره،وجاء بناس إلى موسى عليه السلام فسألوا موسى أن يدعوا الله ليبين بدعائه أمر القتيل،
فأمرهم بذبح بقرة قائلاً لهم: ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزواً ) أي أتستهزئ بنا، ونحن نسألك عن أمر القتيل فتأمرنا بذبح البقرة،فقال موسى: ( أعوذ با لله أن أكون من الجهلين ) أي من المستهزئين بالمؤمنين، فلما علم الناس أن ذبح البقرة عزم من الله تعالى. استوصفوه، وكان تحته حكمة عظيمة، وذلك لأنه كان في بني إسرائيل رجل صالح له ابن طفل، وله عجلة أتى بها إلى غيضة،وقال:اللهم إني استودعك هذه العجلة لابني حتى يكبر، ومات الرجل فصارت العجلة في الغيضة أ عواما، وكانت تهرب من كل من رآها،فلما كبر الابن، كان باراً بوالديه،وكان يقسم الليل ثلاثة أقسام يصلي ثلثاً وينام ثلثاً ويجلس عند رأس أمه ثلثاً،فإذا أصبح احتطب على ظهره فيأتي السوق فيبيعه بما شاء الله ثم يتصدق بثلثه،ويأكل بثلثه،ويعطي والدته ثلثه،
فقالت له أمه يوماً:إن أبأك ورثك عجلة استودعها الله في غيضة كذا فانطلق فادع إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق أن يردها عليك، وعلامتها أنك إذا نظرت إليها تخيل لك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها، وكانت تسمى المذهبة لحسنها وصفوتهاــ فأتى الغيضة فرآها ترعى فصاح بها. وقال: أعزم عليك بإله إبراهيم وإسماعيل ويعقوب فأقبلت تسعى ،حتى قامت بين يديه فقبض على عنقها يقودها فتكلمت البقرة بإذن الله ـــ تعالى.
وقالت: أيها الفتى البار بوالديه،اركبني فإن ذلك أهون عليك.
فقال الفتى: إن أمي لم تأمرني بذلك ولكن قالت: خذ بعنقها. فقالت البقرة:بإله بني إسرائيل لوركبتني ماكنت تقدر علي أبداً، فانطلق فإنك لوأمرت الجبل أن ينقلع من أصله وينطلق معك لفعل،لبرك بأمك فسارالفتى بها إلى أمه.
فقالت له أمه:إنك فقير لامال لك، ويشق عليك الاحتطاب بالنهاروالقيام بالليل،فانطق فبع هذه البقرة قال:بكم أبيعها.
قالت: بثلاثة دنانير،ولا تبع بغير مشورتي.
وكان ثمن البقرة ثلاثة دنانير، فانطلق بها إلى السوق،فبعث الله ملكاً، ليرى خلقه وقدرته وليختبر الفتى وكيف بره بأمه،وكان الله به خبيراً. فقال الملك:بكم تبيع هذه البقرة.
فقال:بثلاثة دنانير وأشترط عليك رضاء والدتي.
فقال الملك:لك ستة دنانير ولا تستأمروالدتك.
فقال الفتى:لوأعطيتني وزنها ذهباً لم آخذه، إلا برضا أمي،فردها إلى أمه وأخبرها بالثمن.
فقالت له: ارجع فبعها بستة دنانير، على رضا مني، فانطلق بها إلى السوق وأتى الملك.
فقال: استأمرت أمك فقال الفتى: إنها أمرتني أن لا أنقصها عن ستة دنانيرعلى أن أستأمرها.
فقال الملك: فأني أعطيك اثني عشر دنياراً،فأبى الفتى،ورجع إلى أمه وأخبرها بذلك
فقالت:إن الذي يأتيك ملك في صورة آدمي،ليختبرك فإذا أتاك فقل له: أتأمرنا أن نبيع هذه البقرة أم لا؟
ففعل فقال الملك:اذهب إلى أمك، وقل لها أمسكي هذه البقرة فإن موسى بن عمران سيشتريها منكم، لقتيل يقتل من بني إسرائيل ،فلا تبيعوها إلا بملء مسكها دنانير فأمسكوها.
وقضى الله على بني اسرائيل ذبح تلك البقرة بعينها،فما زالو يستوصفون حتى وصف لهم تلك البقرة ماكافأة له على بره بوالديه،
فضلاً ورحمة فاشتروها بملء مسكها ذهباً فذبحوها،وضربوا القتيل ببعض منها كما أمرالله ـــ تعالى.؟
فقام القتيل حيًا بإذن الله تعالى وأوداجه تشخب دمًا وقال: قتلني فلان.
ثم سقط ، ومات مكانه فحرم قاتله الميراث…….
وقفات مع قصة البقرة
قصة البقرة دروس وعبر (67-73)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِين * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ اِنَّهُ يَقُولُ اِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِنْ شَآءَ اللّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَشِيَةَ فِيهَا قَالُوا الاَنَ جَئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * َفقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذلِكَ يُحْيِ اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ ءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (البقرة/67-73)
قصة البقرة دروس و عبر
هدى من الايات :
عندما تنتشر في الامة روح التكاسل ، تبدأ بالالتفاف على الاحكام الشرعية ، لتنفلت منها انى استطاعت . فتراها تتشبث بطائفة من القشريات و تجعلها بديلة عن الحقائق الواقعية . و قصة بني اسرائيل مع البقرة تمثل هذه الحالة فيهم .
و قصة البقرة تدل على ان بني اسرائيل لم يصبحوا آنئذ كفارا بالرسالة جملة واحدة ، بل بالعكس كانوا يريدون تطبيق تعاليم الله . بيد ان التردد و الضعف واضح في تصــرفاتهم مما يجعلهم يؤخرون تنفيذ الواجبات ، تحت غطاء التشبث بقشور التعاليم . فهم كانوا يتساءلون عن لون البقرة ، و طبيعتها ، و مقدار عمرها ، وسائر خصائصها .. بينما تركوا الجوهر – وهو ذبح البقرة – كذلك الامة الاسلامية في بعض مراحلها المتأخرة من تاريخها ، كانت تتوغل في التفاصيل و تترك روح التعاليم و الاهداف المتوخاة من ورائها .
بينات من الايات :
[ 67] [ و اذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة ]
في البداية استغربوا من الطلب و زعموا انها هزو لمجرد انهم لم يعرفوا فلسفة الحكم .
[ قالوا اتتخذنا هزوا ]
بالرغم من ان موسى ( عليه السلام ) كان جديا مع قومه و صارما ، ولكن بني اسرائيل كانوا قد اصيبوا بضعف في الايمان . الايمان الذي يريد من صاحبه التنفيذ من دون سؤال و دون البحث عن العلل و الاهداف ، لذلك قال لهم موسى :
[ قال اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين ]
[ 68] وهنا بدأت سلسلة التساؤلات التي استهدفت معرفة خلفيات الحكم و اهدافه البعيدة المختلفة .
[ قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ]
هل هي بقرة كسائر الابقار ؟ ام هي بقرة معينة ؟ وهنا شدد الله عليهم وقال لهم موسى :
[ انه يقول انها بقرة لا فارض ]
قد اكلتها السنون و انهكتها الحياة .
[ ولا بكر ]
صغيرة السن . انما هي بين البكر و الفارض مما عبر عنه القرآن بـ .
[ عوان بين ذلك ]
ثم شدد عليهم بتطبيق الامر بحزم و قال :
[ فافعلوا ما تؤمرون ]
[ 69] ولكنهم عادوا يتساءلون انطلاقا من تشبثهم بالقشور .
[ قالــوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال انه يقول انها بقرة صفراء فاقع لونها ]
شديدة الصفار ثم زاد عليهم شرطا اخر وقال :
[ تسر الناظرين ]
بسب اكتمالها وسلامة بنيتها .
[70] عادوا مرة ثانية يسألون عن ذات البقرة .
[ قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ان البقر تشابه علينا ]
وهنا انتبهوا الى ان اسئلتهم قد تعني عند موسى (ع) انهم لا يريدون تنفيذ الامر وكان هذا هو الواقع بالرغم من ادعائهم غير ذلك فقالوا :
[ وانا ان شاء الله لمهتدون ]
[71] [ قال انه يقــول انهــا بقرة لا ذلول تثير الارض ولا تسقي الحرث مسلمة ]
في لون واحد .
[ لاشية فيها ]
لا يكون فيها لون غير لونها الاصلي .
[ فذبحوها وما كادوا يفعلون ]
لانهم تحولوا من مجتمع الايمان الذي ينطلق من واقع الثقة بالقيادة و تنفيــذ اوامــرها فورا ، الى مجتمع الجدل و محاولة فهم علل الاحكام و اسبابها و طريقة تنفيذها .
[ 72] وبعد ان ذبحوها بين لهم الله سر الامر ، وان تساؤلاتهم لم تكن صحيحة ابدا ، وان القضية كانت ترتبط بقصة القتيل الذي لم يعرف قاتله و الذي يقول عنه ربنا :
[ واذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون ]
لقد اصبح مجتمعهم فاسدا ، وقد برعوا في تنفيذ الجرائم حتى انهم لا يخلفون اثرا يدل على فاعلها ، وقد ابتعدوا عن مسؤولية المحافظة على الامن ، فاخذوا يكتمون عن السلطات الشرعية اخبار البلد بيد ان الله يقول لهم و بصراحة :
[ و الله مخرج ما كنتم تكتمون ]
[ 73] [ فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى و يريكم آياته لعلكم تعقلون ]
فلما ضربوا عضوا من اعضاء القتيل ببعض لحم البقرة الذبيحة ، احيى الله القتيل ، وبين من قتله و انتهت المشكلة .
الخلاصة :
ان قصة البقرة تبين لنا جانبا من جوانب الضعف الايماني الذي اصاب بني اسرائيل ولكن هذا الضعف لا يزال هينا بالنسبة الى ما ينتظرهم في المستقبل حيث يكادون يفقدوا الايمان رأسا .
و القرآن يحذرنا – بذلك – من ان الضعف الايماني المتمثل في التواني عن تطبيق الاوامر قد ينتهي بصاحبه الى مرحلة اخطر هي الابتعاد كليا عن الايمان ، وذلك في المجموعة التالية من الايات .
قصة البقرة وبر الوالدين
قصة سورة البقرة PDF
اضغط هنا لتحميل ملف تفسير سورة البقرة
فضل سورة البقرة
لسورة البقرة فضائل كثيرة وردت في القرآن والسنة الصحيحة منها:
فيها أعظم آية في القرآن:
• سورة البقرة فيها أعظم آية في القرآن وهي آية الكرسي قال تعالى:
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].
• وعن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟”. قال: قلت الله ورسوله أعلم قال: “يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟”. قال: قلت (الله لا إله إلا هو الحي القيوم..).
قال فضرب في صدري وقال: “والله ليهنك العلم أبا المنذر”.
الحافظة والكافية لمن قرأها:
وهي حافظة وكافية من شياطين الأنس والجن ودليل ذلك:
• حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال “وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقص الحديث فقال إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال معك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح وقال النبي صلى الله عليه وسلم صدقك وهو كذوب ذاك شيطان
• وحديث أبي مسعود - رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه) .
طاردة للشياطين من البيوت:
سورة البقرة وآياتها تطرد الشياطين من البيوت عند سماعها لأن وقعها عليهم شديداً ودليل ذلك:
• حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) .
تشفع للعبد يوم لا ينفع مال ولابنون:
وثبت في السنة الصحيحة أنها تشفع للمسلم يوم القيامة لمن قرأها لبركتها ودليل ذلك:
• حديث أبي أمامة – رضي الله عنه – قال: “سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ”.
المواظبة على قراءة أية الكرسي بعد الصلوات سبباً لدخول الجنة:
وسائل دخول الجنة كثيرة ومن الوسائل العظيمة والمؤيدة بالدليل من السنة قراءة آية هي من أعظم آيات سورة البقرة دبر كل صلاة مكتوبة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت).