الصبر في الإسلام
عرّف أهل العلم الصبر في اللغة على أنّه الحبس، وأمّا في الاصطلاح فأشار ابن تيمية -رحمه الله- إلى أنّ الصبر هو الذي لا يُرافقه شكوى الإنسان ولا جزعه، وقال ابن مسعود إنّ الصبر نصف الإيمان، كما أنّ سعادة الإنسان مرتبطة بشكلٍ كبيرٍ بتحقيق معنى الصبر، فلا سعادة دون صبر؛ وذلك لأنّ الحياة داء ابتلاءاتٍ، وكذلك لأنّ المشاقّ والمتاعب التي تواجه الإنسان فيها كثيرة، فالإنسان يحتاج إلى الصبر في الدعوة إلى الله تعالى، وربّ الأسرة والأم يحتاجان إلى الصبر في تربية الأبناء وتعليمهم، والمعلّم لا بُدّ أن يتحلّى بخلق الصبر ليُوصل العلم إلى الطلبة على خير وجهٍ، والطالب يحتاج إلى الصبر في دراسته، والموظف في عمله، والمريض يحتاج الصبر على مرضه، والمبُتلى على بلواه، وغير ذلك الكثير، وممّا لا شكّ فيه أنّ الصبر من أعظم الأخلاق، وأرفعها مكانةً، فهو أساس الأخلاق وخير عطاءٍ من الله عزّ وجلّ، وممّا يدلّ على ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (ما أعطي عبد عطاء خيراً وأوسع من الصبر)، فلولا الصبر لضاق الإنسان في الكروب والخطوب، ولصعبت عليه دنياه، وبالصبر يُحقّق الإنسان الدرجات العُلى في الدنيا وفي الجنة، فبالصبر يصل إلى الإنسان إلى مبتغاه، ويجدر بالذكر أنّ الله -عزّ وجلّ- جمّل أنبياءه -عليهم الصلاة والسلام- بخُلق الصبر، وهذا ما يؤكدّه أمر الله -تعالى- لنبيّه محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- في الآية الكريمة بقول الله عزّ وجلّ: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوْ الْعَزْمِ مِنَ الْرُّسُلِ)، وقوله أيضاً: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ)، وقد امتدح الله -تعالى- عباده الصابرين، حيث قال: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)، وتجدر الإشارة إلى أنّ الصبر مشروط بأن يكون لله تعالى، وابتغاء مرضاته، وكذلك أن يكون في الأوقات التي يُحبّ الله -تعالى- أن يرى فيها عبده صابراً؛ كالصبر عند الصدمة الأولى، وفي الحقيقة لا يتنافى الحزن والبكاء مع الصبر إن كانا من غير سخطٍ أو جزعٍ، وكان نبيّ الله يعقوب -عليه السلام- يبثّ حزنه وشكواه إلى الله، وما يدلّ على ذلك قول الله تعالى: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ).
تعريف الصبر الجميل
الصبر الجميل هو الصبر بلا شكوى، ولكن الشكوى إلى الله لا تنافيه، وقال نبي الله يعقوب عليه السلام: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ)، وهذا النوع من الصبر هو صبرٌ دون قلقٍ، وهو من الفضائل الذي ذُكرت في القرآن الكريم ما يجاوز التسعين مرّةً، وهو من سمات الأنبياء، وهو رغبةٌ متأصلةٌ في اليقين بوعد الله، والرضا بقضائه، ولا تنافي هذه الصفة الكرامة، ولا تعني الضعف أو الانهزام.
الصبر في العمل
الصبر له أهمية خاصة، إذ كل أمور الحياة تحتاج إلى ملازمة صفة الصبر لها، فالعمل يحتاج إلى الصبر حتى يمكن أداؤه بإتقان، ومعاملات البشر تحتاج إلى الصبر، حتى نتمكن من التواصل والعمل معـًا بأسلوب صحيح فعال وبنّاء.. ومن تراوده الأمنيات والأحلام والأهداف فى حياته يحتاج إلى الصبر لتحقيقها.. ولكى يثمر الإنسان فى حياته أعمالاً صالحة، ينبغى له أن يزرع الخير بالصبر إلى أن يؤتى ثماره. وعندما ننظر إلى الحياة، نجدها تمتلئ منذ القدم وتقدم نماذج لأشخاص يسعَون بالعمل والجَهد فى طريق الصبر.
وقد كانت أحد أهم سمات أنبياء الله أنهم صابرون على أداء رسالتهم وثقتهم بالله مهما اعترضت طرقهم الضيقات والمشقات.. ولعل “يوسُف الصدِّيق” هو أحد نماذج رجال الله فى الصبر، فقد صبَر على الظلم الذى تعرض له حتى أتاه الله كل خير، وأصبح الرجل الثانى بعد فرعَون ملك مِصر، وبات البطل الذى أنقذ مِصر والعالم من الهلاك جوعـًا.
ومن هٰذه النماذج المضيئة، نجد أن الحياة امتلأت بكثير من الأشخاص الذين استطاعوا بصبرهم أن يجتازوا المِحَن والصعاب، بل صاروا عظماء.. وإحدى هٰذه الشخصيات هو إنسان بدأ العمل بالتجارة حين كان فى الثالثة والعشرين من عمره، بعد أن قام هو وشريكه بشراء متجر صغير فى مدينة “نيو سالم” فى ولاية “إلينوى”.. إلا أنه تعرض للفشل؛ فأعاد المحاولات مرة تَلو الأخرى ليتكرر الفشل!! فاتجه إلى العمل بالمجال السياسى، ثم حاول الحصول على مِقعد فى مجلس النواب الأمريكى ولٰكنّ الفشل أيضـًا لازمه!! وأخيرًا نجح فى أن يصبح عضوًا فى مجلس النواب الأمريكى عن المقاطعة السابعة لولاية “إلينوى” مدة عامين 1847-1849م.. ولم يدخل اليأس قلبه، بل استمر فى محاولاته وسعيه حتى نجح، بمواصلته العمل والصبر، فى أن يكون رئيسـًا للوِلايات المتحدة الأمريكية فى عام 1861م، وهو لم يكُن قد تعدَّى الحادية والخمسين بعد!! إنه أحد أعظم الرؤساء للولايات المتحدة الأمريكية، محرِّر العبيد “أبراهام لينكولن”، وإن كان “لينكولن” استطاع بصبره وعدم يأسه وعمله الجاد أن يصبح رئيسـًا على بلاده، فإنه نموذج لكثير من العظماء فى مناحى الحياة كافة، ساروا على الخطى عينها. يقول الكاتب الصحفى “أنيس منصور” عن العظماء: “ولٰكن من المؤكد أن العظماء جميعـًا يشتركون فى صفة واحدة وهى القدرة على العمل والصبر؛ فلا يوجد عظيم واحد ليس من صفاته العمل الشاق والاحتمال، احتمال الحياة واحتمال العذاب، من أجل مبادئه السياسية أو الفلسفية أو العقلية”.
وأختِم حديثى عن الصبر، بأن دَورنا فى الحياة أن نُدرِك أسرارها كى نعبرها فى هدوء، وأن نواصل لنصل إلى تحقيق النجاح، ونتمم رسالتنا التى خُلقنا من أجلها. إن لكل إنسان دَور وعمل ورسالة مؤتَمن عليها، وسيحاسَب عليها أمام الله. فلا تدَع، يا عزيزى، اليأس أو الفشل يهزمك فى الطريق، بل استعد دائمـًا متسلحـًا بالعمل والصبر، تاركـًا مصباحك فى الطريق يضىء لكل سائر على خُطى الدرب.
ما هو الصبر المر
صبر المرّ أو المرّ هو مادة صمغية تتكون من خليط متجانس من الزيوت الطيارة والصمغ والمواد الراتنجية التي تفرزها أغصان أشجار Commiphora molmol، وهذه الشجرة لها أغصان شائكة ومتفرعة، ويبلغ ارتفاعها حوالي ثلاثة أمتار، ويُستخرج صبر المرّ منها عن طريق إحداث جروح في ساق الشجرة، فتتدفق العصارة الموجودة في الساق، والتي تُعرف بالمرّ أو صبر المرّ. ينتشر وجود صبر المرّ في العديد من المناطق؛ مثل: شمال أفريقيا، والصومال، والمناطق الجنوبية الغربية من المملكة العربية السعودية، وعُمان، واليمن، كما يوجد أنواع عديدة من صبر المرّ؛ منها: مرّ بطارخ إفريقي، ومر حجازي، وأجود الأنواع تلك التي يكون لونها بنياً فاتحاً، أما الأنواع الرديئة فلونها يكون مخلوطاً ما بين الأسود والبني، وتمنع الحامل من تناول صبر المرّ؛ لأنه ينشط الرحم، ويسبب حدوث إجهاض.
بحث عن الصبر وانواعه
الصَّبْر الواجب على المسلم ثلاثة أنواع:
- الصَّبْر على فعل الطّاعات وأداء الواجبات: حيث إنّ النفس بطبعها تميل إلى الشّهوات، وهذا مانع للعبد من الانقياد السريع لفعل الطّاعة، لذا يلزم المرء في هذا النوع من أنواع الصَّبر أنْ يعوّد نفسه على خُلُق الصَّبر في ثلاثة مواضع؛ الأوّل: قبل البدء بالطّاعة يَحْسُن بالمسّلم أنْ يتفقّد نيّته ويطهّرها من كل شائبة رياء، ويستحضر الإخلاص لله -تعالى- وحده، والثّاني: الصَّبْر أثناء قيامه بالطّاعة، فيحرص المسّلم على أدائها على الوجه المشّروع وفق ما جاء به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والثّالث: الصَّبْر بعد أداء الطّاعة، فيحرص أنْ لا يُدخل لنفسه العَجب أو محبّة ثناء الخَلْق؛ فيُفسِد على نفسه عمله، وعلى الدّاعية إلى الله -تعالى- أنْ يعلم أنّ الصَّبْر سلاحه في طريق الدّعوة، وأنْ يستذكر خطى الأنبياء وسيرتهم في تحمّل الأذى وصنوف الصدّ عن الدّعوة، من نوح -عليه السّلام- إلى خاتم الأنبياء محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
- الصَّبْر عن فعل المعاصي وارتكاب المحرّمات:حيث إنّ الدنيا بملذّاتها وشهواتها تُشكّل ابتلاء من نوع آخر في مسيرة حياة المسلم، لذا فإنّ العبد محتاج لسلاح الصَّبْر لمواجهة هذه المُغريات الكثيرة والمتنوعة التي تعرضُ له في حياته، ومن شهوات الدنيا التي يدفعها المسّلم عن نفسه بالصَّبْر كي لا تُعْسِر عليه سلامة المسير وفق مراد الله -تعالى- شهوة النّساء والمال والمتاع وغيرها، ويستذكر المسّلم في هذا المقام قصة قارون ومصيره بعد أنْ أغدق الله -تعالى- عليه من صنوف المال والذّهب والفضة، ثمّ أنكر فضل الله -سبحانه وتعالى- عليه؛ فخسف الله به الأرض، وجعله عبرة لأولي القلوب والأبصار، قال الله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ الله خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ).
- الصَّبْر على أفعال الله والابتلاءات والنّوازل العصيبة:حيث إنّ من طبيعة الحياة الدنيا أنّها لا تصفو لأحد، ولا يسلم من آلامها وبلائها بَرّ ولا فاجر، ولكنّ المؤمن بدافع الرّضا عن أفعال الله -سبحانه- وأقداره يواجه كلّ الابتلاءات بثبات وجَلَد، وهو بذلك هادىء النّفس مطمئن البال؛ لأنّه على يقين أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ويرى المؤمن أنّ أنبياء الله -تعالى-وهم صفوة خَلْقه، وأفضل إنسه قد ابتلاهم المولى -سبحانه- بأنواع كثيرة من الابتلاءات، لكنّهم واجهوها بالرّضا والتّسليم والصَّبْر الجميل، ولقد صبر أيوب -عليه السّلام- على المرض وفقدان الأهل والولد، وصبر يوسف -عليه السّلام- على ما حلّ به من بلاء السّجن والافتراء إلى أن حصحص الله -تعالى- الحقّ وأظهره، أمّا النبيّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- فقد صبر في مواقف كثيرة منذ بعثته إلى وفاته.
أنواع الصبر - صبر على الطاعة، فيصبر العبد ويجاهد ليفعل الطاعة المأمور بها، ويجاهد ما ظهر وما بطن من أعدائه، فبقدر هذا الصبر يكون فعله لهذه الأوامر والمستحبات.
- الصبر على المعصية، وما نُهي عنه، فيصبر على ما تزين له النفس والشياطين وقرناء السوء من المعصية، فبمقدار صبره وقوته يكون تركه للمنهي عنه.
- الصبر على المصائب التي تصيبه دون اختياره، وهي قسمان، الأولى لا اختيار لأحد فيها، كالمرض، والمصائب الكونية، فيصبر هنا اضطرارًا أو اختيارًا، والقسم الثاني هو الصبر على ما يحصل له بفعل الناس، فيصاب بماله، أو نفسه، أو عرضه، وهو نوع من المصائب من الصعب الصبر عليها، حيث تعرف النفس الجهة المؤذية، وتطلب الانتقام، وهو نوع قليل، لا يصبر عليه إلّا الأنبياء والصديقين.
فوائد الصبر في الدنيا والآخرة
- المصائب في الحياة لا تأتي وتذهب بدون هدف او نتيجة لابد ان تتعلم ان المصائب تعم القوة والنجاح والشجاعة فكثيرا مانقول ان المصيبة لاتقتل وانما تقوي .
- عندما يفشل الانسان في أمر ما ويصبر فان الله يعوضه عن مافقده كما ان فقد الشيئ او خسارته تمنحك فرصة كبيرة لاعادة التفكير والتدبير والتخطيط اذا كنت تردي هذا الأمر.
- يجب ان تعلم ان دوام الحال من المحال لذا فلا تقنط بل اصبر واحتسب لتنال ثواب الدنيا والآخرة .
- الصبر يدل على قوة ايمان وتسليم المومن الموحد بالله وبأقدار البشر.
- الصابرين لهم منزلة كبيرة في الآخرة كما قال الله تعالى : انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب : وغيرها من الآيات القرآنية التي تدل على مكانة الصابرين في الدنيا والآخرة.
- الله ورسوله الكريم يصلوا على الصابرين وماأشرفها من صلاة وتقدير.
- الانسان الصابر عادة مايتمتع بالهدوء الداخلي والسلام النفسي مما يساعده على تقلب ومواجهة تقلبات الحياة المتعددة بل وتساعده على اتخاذ التدابير الكافية واللازمة لمواجهة مصائب الدنيا والتغلب عليها .
- الصبر يساعد الانسان على التغلب على التوتر والضغط العصبي اللذان عادة ما يصيبان الانسان بعدد من الأمراض فأغلب الأمراض مصدرها الرئيسي القلق والتوتر.
- أكبر دليل على وجود الصبر في الطبيعة في دودة القز التي تنسج منزلها ببطء شديد ولكن يكون محكم وقوي على عكس العنكبوت الذي ينسج منزله سريعا ولكنه أضعف البيوت : ان أوهن البيوت لبيت العنكبوت.
- الصبر يساعد الانسان على التعايش مع الأخرين والتسامح مما يجعل الحياة سهلة ومرنة.
- الاستعجال من أشر الأمور التى من الممكن ان تصيب الانسان فالاستعجال عاقبته سيئة وغير مضمونة على الاطلاق ولاننسى من تعجل الشيء قبل آوانه عوقب بحرمانه .
- تذكر ان الكثير من الأشياء الجميلة في الحياة تأتي بعد القليل من الصبر والمثابرة فالنجاح يأتي بعد المذاكرة والمجهود وهكذا .
- اجعل الفشل في حياتك حافز ودافعا لتحقيق التقدم والنجاح.