أنواع الثقافة العامة
الثقافة المادية
تختلف الثقافة المادية من مجتمع إلى آخر بشكل واضح وتتطوّر مع مرور الزمن، حيث أحدثت التكنولوجيا تغيّراً كبيراً في ثقافة البشر المادية، وساهمت الثورة الصناعية والزراعية في ذلك، ومن الأمثلة على الأشياء التي تدلّ على ثقافة بعض الشعوب: الأسلحة، والآلات والمعدّات، والأبنية، والفن والرسومات، والمخطوطات المكتوبة،والمساجد، والكنائس، والملابس، وأيّة أشياء أخرى يمكن أن تنتج أو تُستخدم من قبل البشر.
الثقافة غير المادية
تُعرَف الثقافة غير المادّية بأنّها تشكيل الأفكار والمشاعر والسلوك بناءً على القيم والقواعد واللغة، حيث تُشير إلى الأفكار غير الملموسة التي يمتلكها الناس عن ثقافتهم، مثل: المعتقدات، والقيم، والقواعد، والأعراف، والأخلاق وما إلى ذلك، فعلى سبيل المثال تتكوّن الثقافة الدينية من مجموعة من الأفكار والمعتقدات حول الخالق وعبادته، وبناءً على ذلك يتمّ الاستجابة للموضوعات الدينية، وقضاياها، وأحداثها.
الثقافة العامة
تتنوع الحصيلة المعرفية للبشر، بحسب اختلاف اهتماماتهم، فالبشر مختلفون بطبائعهم ومعارفهم، فهناك من يهتم بتحقيق الإنجازات فقط والتي تتجسد من وجهة نظره بكسب المال وجمعه فقط، فتجده شخصاً مفرغاً من الداخل قميئاً لا يتحصل على أدنى مستويات الثقافة والمعرفة، وهناك من تجده مهتماً بتطوير ذاته وتحصيل أكبر قدرٍ من المعارف لأنه يعتقد اعتقاداً جازماً بأنه خليفة الله في أرضه وأن ساعاته محدودة على هذه الأرض فهو بذلك يهتم بما يفيده وبما يفيد الآخرين بعد وفاته وانقضاء أجله.
فثقافة الشخص هي مؤشرٌ جيد عمَّا يحتويه هذا الشخص وعن شخصيته، وتتحصل هذه الثقافة عن طريق القراءة وحب الاطلاع وحب معرفة الجديد، وحب استكشاف الوجود والتنقل بين سهوله ومحيطاته والعيش مع كل الأمم ومعرفة الحضارات جميعها ومحاولة العيش فيها والتفاعل معها. لذلك يعتبر الكتاب الوسيلة الأساسية لزيادة الثقافة العامة عند الأشخاص الراغبين بذلك. حيث أن القراءة تبلور الأفكار وتمكن الشخص من تحصيل كافة الخبرات السابقة وكافة العلوم المختلفة.
وهناك خلط واضح ما بين الثقافة والتخصص المتحصل عليه عن طريق الدراسة الجامعية، فالتخصص يكسب الشخص معلومات في مجال واحد فقط أما الاطلاع والقراءة فتكسبه معلومات في مجالات مختلفة وفي شتى الميادين، فالشهادة الجامعية ضرورية لكنها لا تكسب الأشخاص ثقافة، فلم نجد أن عالماً من العصر القديم كان جامعاً للشهادات والألقاب ولكننا نجده قد أسهم بشتى الطرق في إحداث نقلات نوعية لدى البشر على مر العصور، فقد كان قديماً مصطلح العالم الموسوعي يطلق بكثرة على العلماء وذلك نظراً لإتقانهم علوماً مختلفة في شتى المجالات والأغرب أنك قد تجد إنجازات واضحة في كل مجال منها، فقد يكون العالم متقناً للرياضيات والفيزياء والطب والرسم والموسيقى والهندسة. يمكن للإنسان أن يجمع بين زيادة معرفته في تخصصه وزيادة ثقافته عن طريق قراءة كتاب في التخصص وكتاب في أي مجال آخر.
يجب البدء باكتساب الثقافة المتنوعة من الصغر حيث يجب التركيز على ما يتلقونه من تعليم منذ بدء عمليتهم التعليمية، وذلك عن طريق ترسيخ قواعد اللغات عندهم منذ بداية حياتهم. كما أن اللغات وسيلة مهمة لزيادة الحصيلة المعرفية واكتساب الثقافة في المجالات المختلفة، إذ يجب قراءة الكتب في لغاتها الأصلية فالترجمة قد تضعف المعاني التي يقصدها المؤلف عند تأليفه الكتب خصوصاً إذا كان المؤلف غير متقن للغة التي يترجم منها.
في هذا العصر تتنوع وسائل الحصول على الثقافة فبجانب الكتب هناك المقالات وهناك التسجيلات الصوتية ومقاطع الفيديو للعلماء والمثقفين والتي بدورها تسهم في إثراء المعارف عند المتلقي، خصوصاً وإن كان المتحدث قارئاً نهماً للكتب وذو ثقافة عالية جداً.
تعبير عن الثقافة
تعريف الثقافة لغة واصطلاحاً
تُعرّف الثقافة (Culture) لغة على عدّة أوجه، وتعني العمل السيف، والثقاف هي الخشبة التي تُسوَّى الرماح بها، فعند قول جملة (تثقيف الرماح) يعني تسوية الرمح بآلة الثقاف، ومن جهة أخرى تُعرَّف الثقافة على أنّها الفطنة، فعند القول (ثقف الرجل ثقافة) يعني أنّه صار رجلاً حاذقاً وذا فطنة، وتعني كلمة ثقافة، كل ما يضيء العقل، ويهذب الذوق، وينمي موهبة النقد، وباشتقاق كلمة ثقافة من الثقُّف يكون معناها الاطلاع الواسع في مختلف فروع المعرفة، والشخص ذو الاطلاع الواسع يُعرَف على أنّه شخص مثقّف.
أمّا في الاصطلاح فتُعرَّف الثقافة على أنّها نظام يتكوّن من مجموعة من المعتقدات، والإجراءات، والمعارف، والسلوكات التي يتمّ تكوينها ومشاركتها ضمن فئة معينة، والثقافة التي يكوّنها أيّ شخص يكون لها تأثير قوي ومهم على سلوكه،[٢] وتدلّ الثقافة على مجموعة من السمات التي تميّز أيّ مجتمع عن غيره، منها: الفنون، والموسيقى التي تشتهر بها، والدين، والأعراف، والعادات والتقاليد السائدة، والقيم، وغيرها.
أهمية الثقافة
توجد العديد من الأسباب التي تجعل الثقافة مهمة جداً، فيما يأتي ذِكر لها:
- الأجداد: تُعدّ الثقافة مصدراً مهماً للحصول على معلومات تتعلّق بالأجداد والتاريخ، وكأنّها بوابة تساعدنا على الوصول إلى تاريخ أسلافنا والتعرُّف عليه، ومعرفة التقاليد الثقافية التي كانت سائدة في وقتهم، فالثقافة قادرة على تخليد تلك الأمور.
- فهم الذات: تساعد دراسة الثقافة السائدة في المجتمع الذي ينتمي إليه الفرد على التعرُّف على نفسه بصورة أفضل من خلال معرفة أصله وتاريخه بصورة واضحة، وبما يُعزز كرامة الفرد، واحترامه لذاته، وشعوره بالفخر بانتمائه إلى تلك الثقافة.
- التنوّر ومعرفة تطوّر الفرد: يُساعد التعمق بدراسة الثقافة على إلقاء نظرة على العصور القديمة، والتعرُّف على الثقافات الأخرى، وتوضيح مراحل التطوّر التي مرّ بها الإنسان.
- القيم الأخلاقية: تمتلك كل ثقافة مجموعة من القيم والمعتقدات والمعارف الخاصة بها، والتي تساعد على إنشاء مجتمع أفضل، لذا فإنّ اتّباع ثقافة ما يغرس تلك القيم الثقافية في الشخص، ويجعل منه شخصاً مسؤولاً وقادراً على التفاعل مع مجتمعه ومع الآخرين.
- الانضباط: تشتمل كل ثقافة على مجموعة من القواعد والقوانين الخاصة بها، والتي يؤدي اتّباعها إلى الحصول على سلوك سليم ومنضبط، فقد وُضِعت كل قاعدة في الثقافة لسبب ما، لذا من المهم التقيُّد بها بشكل صحيح وعدم إهمال التقاليد الثقافية السائدة.
- المعرفة: تُوفر دراسة جميع جوانب الثقافة التي ينتمي إليها الفرد معرفة عميقة له عن ماضية، فيصبح هذا الفرد أكثر دراية ووعياً به، إذ إنّ كل شيء تمّ شرحه في التاريخ.
- التعاطف: تهدف التقاليد الثقافية ضمن أيّ ثقافة إلى انتشار السلام بين سكان الأرض، فهي تُعلِّم الناس كيفيّة التعايش مع الثقافات الأخرى السائدة في جميع أنحاء العالم، واحترام الجميع والتعاطف معهم حتى يسود السلام والأمان.
- فهم معنى الحياة: تساعد دراسة الثقافة على فهم المعنى الحقيقي للحياة التي نعيشها، وفهم كافة مراحلها، فالثقافة توجّه الأشخاص نحو الطريق الصحيح الذي ينبغي اتّباعه في كلّ مرحلة تحتاج إلى تصرُّف مُختلف من قِبل الشخص.
- حماية الأجيال المقبلة: يُمكِن حماية الأجيال القادمة من الابتعاد عن ثقافتهم من خلال نقل التقاليد الثقافية القيّمة التي تركها الأجداد والتي تتميز بالخبرة إليهم؛ لجعل حياتهم أسهل.
- المسؤولية: يساعد انتماء الشخص لثقافته ومجتمعه والتزامه بما فيه من عادات وتقاليد، وقوانين، وغيرها على أن يكون شخصاً مسؤولاً تجاه نفسه وتجاه مجتمعه.
خصائص الثقافة
يوجد العديد من الخصائص المميِّزة لأيّ ثقافة، منها ما يأتي:
- الثقافة اجتماعيّة: تُعدّ الثقافة ظاهرة اجتماعيّة، فهي نتاج أيّ مجتمع ولا تتشكّل كظاهرة فردية، أي أنّها تحتاج إلى وجود مجتمع كامل حتى يستطيع أيّ فرد تشكيل وتطوير ثقافته من خلال تفاعله الاجتماعي مع الآخرين ضمن المجتمع.
- الثقافة سلوك متعلّم: لا تُعدّ الثقافة إرثاً بيولوجيّاً يُورَث من الآباء، كما أنّها ليست أمراً يُكتسب بالفطرة، لكنّها موروث اجتماعي، أيّ يتمّ تعلّم السلوكات السائدة في المجتمع من خلال التفاعل والتواصل مع الأفراد الآخرين فيه.
- انتقال الثقافة: تنتقل الثقافة من جيل إلى آخر من خلال انتقال الصفات الثقافية من الآباء إلى أطفالهم، والذين بدورهم ينقلونها إلى أطفالهم مستقبلاً، وهكذا، والجدير بالذكر أنّ انتقال الثقافة ليس المقصود به انتقالها بالوراثة عن طريق الجينات، إنّما من خلال التفاعل واللغة، إذ تُعدّ اللغة الأداة الرئيسية في أيّ ثقافة.
- قدرة الثقافة على إرضاء أفراد المجتمع: تقدِّم الثقافة وسائل عديدة وفرصاً مناسبة من أجل تلبية الاحتياجات والرغبات بما يتوافق مع الطرق الثقافيّة السائدة في المجتمع، منها الاحتياجات البيولوجيّة، أو الاجتماعيّة، كما تساعد الثقافة على إشباع احتياجات الفرد من غذاء، وملابس، ومأوى، وتلبي رغباته من مال، ومكانة، وشهرة.
- اختلاف الثقافة من مجتمع إلى آخر: الثقافة ليست واحدة في جميع المجتمعات، فكلّ مجتمع له ثقافته الفريدة وطرقه الخاصة التي تميّزه عن غيره من المجتمعات، كاختلاف العادات والتقاليد، والمعتقدات من مجتمع إلى آخر.
- الثقافة مستمرة وتراكميّة: يمكن اعتبار الثقافة بأنّها ذاكرة العرق البشري، فهي لا تسود في المجتمعات لفترة زمنيّة معينة ثمَّ تُنسى، إنمّا تُعدّ عملية مستمرة تنتقل من جيل إلى آخر مع إمكانيّة إضافة سمات ثقافية جديدة عليها.
- الثقافة ديناميكيّة: تتغيّر الثقافة من مجتمع إلى آخر ومن جيل إلى آخر عبر الزمن، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ تلك التغيّرات تتمّ بسرعات مختلفة.
مكونات الثقافة
مكونات الثقافة
تتكوّن الثقافة من مجموعة من العناصر الرئيسية، والتي تختلف وتتغيّر من ثقافة إلى أخرى، وتتطوّر بتطوُّر المجتمع،[٥] وفيما يأتي توضيح لتلك العناصر:
- الثقافة الماديّة: تُشير الثقافة المادية إلى الأمور المادية التقنية كالاتصالات، والنقل، والطاقة التي تتوفر في مجتمع ما، والتي يؤدي توافرها أو عدمه إلى إحداث تغيّرات مرغوبة أو غير مرغوبة في ثقافة أيّ مجتمع.
- اللغة: تعكس اللغة قيم وطبيعة المجتمع، وتمتلك بعض الدول أكثر من لغة أو العديد من اللهجات التي من المهم أن تؤخذ بعين الاعتبار؛ لأنّ عدم فهم اللغات أو اللهجات قد يؤدي إلى مشاكل في التواصل، وإذغ وُجد شخص ضمن ثقافة مختلفة عن الثقافة الأصلية يكون من المهم تعلّم اللغة السائدة ضمن الثقافة الجديدة، أو على الأقل يجب أن يكون هناك من يفهمها ويترجمها.
- الجماليّات: تُشير الجماليات إلى كلّ ما يتعلّق بالجمال والذوق الرفيع داخل أيّ ثقافة، كالموسيقى، والفن، والرقص، والدراما السائدة في مجتمع ما، وغيرها من الأمور، ويؤدي اختلاف هذا العنصر بين مجموعة من الثقافات إلى الاختلاف في التصاميم والألوان، وغيرها من الأمور الجمالية داخل كلّ ثقافة.
- التعليم: يُشير التعليم إلى الأفكار، والمهارات، والمواقف التي يتمّ نقلها إلى الأفراد، إضافة إلى التدريب في مجالات معينة، ويهدف التعليم إلى إحداث تغيير في المجتمع، كما يتمتع كل مجتمع بمستوىً من التعليم يختلف عن المجتمعات الأخرى.
- الدين: يساعد الدين السائد ضمن أيّ ثقافة في مجمتع ما على تفسير الكثير من سلوكات الأفراد الذين يعيشون فيه، وهو أفضل وسيلة تساعد على الإجابة عن سبب تصرُّف الأشخاص بتصرُّفات معينة بدلاً من الإجابة عن كيف يتصرَّف الأشخاص ذلك.
- القيم والاتجاهات: تنشأ القيم في معظم الأوقات من أساس دينيّ، أمّا الاتجاهات فتدلّ على الموروث الاجتماعي للسلوك البشري الذي ساعد على تشكيل الثقافة.
- التنظيم الاجتماعي: يُشير التنظيم الاجتماعي إلى الأسلوب والطريقة التي يتعامل بها أفراد المجتمع مع بعضهم البعض، والتي تنظِّم حياتهم. والجدير بالذكر أنّ هناك عناصر أخرى تتكوّن منها الثقافة، لكن يُمكن اعتبار العناصر السابقة أنّها عناصر رئيسيّة في كلِّ ثقافة.
الثقافة الاجتماعية
يهتمّ الكثير من الناس بأن يكونوا مثقّفين وملمّين بكافّة مجالات الحياة، فالثقافة بشكل عام هي الأمور التي تجعل الإنسان قادراً على بناء فكر وروح معطاءة، وتدفعه للتحرك نحو الحياة ومواجهة كافة الأمور بالشكل العقلاني والصحيح، حيث إنّها مجموعة متكاملة من الآداب، والعلوم، والفنون، كالعقائد والتاريخ والرسم، والثقافة الاجتماعيّة بشكل خاص هي كل ما يدور في المجتمع من عادات وتقاليد وعلوم ودراسات.
الثقافة الإنسانية
ما الذي تعنيه الثقافة الإنسانية؟ وما أهمية التأكيد الدائم عليها؟
بداية، يُمكن التنويه إلى أن الثقافة الإنسانية لا تمثل معنى رديفاً للفكر الإنساني. الثقافة ليست هي الفكر ذاته، إن على مستوى الدلالة أو الاصطلاح.
يُمكننا تعريف الثقافة الإنسانية بأنها القيم (والعادات والتقاليد) المشتركة بين بني البشر.
وهي: المثل المضيئة، العابرة للأقاليم والأعراق والأديان.
وهي: السلوكيات التي تجد مرجعيتها في الفطرة الإنسانية ذاتها.
وهي: قيم الأخوة، والمحبة، والتسامح، والعطاء، والتضحية من أجل الآخر.
إنها “ثقافة” الخير -كما في التعبير الشرقي، و”ثقافة” الأمل- كما في التعبير الغربي.
الثقافة الإنسانية لا جغرافية لها، ولا انتماء عرقيا، ولا أي تأطير خاص.
في المدركين الشرقي والغربي، تُعد الثقافة الإنسانية انعكاساً (أو انسياباً) طبيعياً للفطرة ذاتها.
ومن هنا، فإن التأكيد على هذه الثقافة يُعد تأكيداً على الفطرة البشرية، وهو عودة حقيقية لها.
وما الذي يربط بين أحمد شوقي ووليام شكسبير، وبين المهاتما غاندي ومارتن لوثر كنغ؟
إنها الثقافة الإنسانية. ثقافة الأمل.
الثقافة الإنسانية هذه، تعني الانتقال من الخاص إلى العام، ومن الحيز الصغير إلى الأوسع مدى، ومن الانتماء الجزئي (المؤطر بثقافة محددة) إلى الانتماء الكلي – أي الانتماء للإنسان ذاته.
هي إذاً ثقافة خلاقة، تنسجم مع الروح ومكنونها الأكثر عمقاً وعظمة. هي ثقافة نحو الأعلى، في مقابل ثقافة الأنا المتجهة نحو الأسفل، نحو التراب، بما يجسده من تساقط وهبوط.
لقد خلق الإنسان من نفحة من روح وحفنة من تراب، والروح تدفعه نحو الأعلى والتراب يشده نحو الأسفل. والصراع بين الروح والتراب هو جوهر الإرادة الإنسانية، بل هو كنهها ومنبعها. وبالقدر الذي تتقدم فيه الروح، بالقدر الذي تتجلى لدى الفرد المثل العليا، التي نعبر عنها بالثقافة الإنسانية.
ولماذا التأكيد على هذه الثقافة في هذا الوقت بالذات؟
هذا سؤال جوهري.
اليوم، تواجه البشرية طوفاناً من ثقافة الكراهية، ثقافة الأناء المنغلقة، التي لا ترى في الآخر سوى تمايزه واختلافه: دينه أو عرقه أو لون شعره.
هذه الثقافة تُعد في جوهرها مسيرة تدمير، تُقوض القيم وتميت الروح.
البشرية أمام خيارين لا ثالث لهما: تنتصر الثقافة الإنسانية، بما تعبر عنه من قيم عليا، أو تهيمن ثقافة الكراهية.
ومن سيقرر النتيجة ويحسم اتجاهها؟
هناك تحدٍ مشترك، أو خطر عام، والقوى الحرة في هذا العالم لا تمتلك من خيار سوى أن تتحد وتتكاتف.
الناس، في الشرق والغرب، يشعرون الآن بالخطر، أكثر من أي وقت مضى.
هناك قوى ظلامية، معادية للتطور، غاشمة ومتوحشة، يسرها تقويض الحضارة والرفاه البشري. لا تريد لأحد أن يعيش وفق تقاليده وقيمه التي اعتادها هو وأباؤه، بل كما تريد هي.
هذا الواقع، لا يُمكن مواجهته بسياسات أحادية، بل برؤية كونية واضحة، تلحظ الأسباب والخلفيات، وتعي المداخل والوسائل والآليات.
بالطبع، هناك خصوصيات يفرضها واقع الحال، لكن هذه الخصوصيات لا تحول، ولا يجب أن تحول، دون تأكيد المنظور العالمي للتحدي، وكيفية مقاربته.
وقد يعتقد البعض أن هذه معركة الدول لا الشعوب. وهذا خطأ كبير. هذه معركة القوى المتنورة في مواجهة قوى الظلمة والردة الاجتماعية.
القضية هنا تبدأ بإنارة العقل وإضاءة الروح. بتأكيد الثقافة الإنسانية وتعميمها على أوسع نطاق، بمختلف الوسائل العصرية، وهي متاحة وكثيرة.
إن المطلوب دائماً هو زرع ثقافة احترام الإنسان لأخيه الإنسان. وأن ينظر كل فرد للآخر من زاوية مشتركه الإنساني، لا من زاوية تمايزه العرقي أو الديني أو الجغرافي، أو أي تمايز آخر.
إن البشرية اليوم بصدد معركة مقدسة. وعلى الجميع تحمل مسؤولياته بوعي وأمانة.
العوامل الثقافية
ان العوامل الثقافية مثل الافكار والمعتقدات والقيم هي التي تحدد هوية الفرد وشخصيته وتجعله جزءاً من الحياة الكلية للجماعة التي ينتمي اليها. ومن الطبيعي ان تقع خلافات داخل الجماعة الواحدة كما يحدث في الجماعات التي تنتمي الى ثقافات مختلفة، ولكنها حتماً لا تتخذ المنحى المتطرف.
ان الدراسة السوسيولوجية للثقافة غاية في الأهمية، لا لفهم الجماعات والمجتمعات فحسب، بل كذلك لاستيعاب ما يدور حولنا وفهم علاقات القوى ضمن جماعات ومجتمعات معينة. ان الثقافة بالغة الأهمية ويستحيل فهم الحياة الاجتماعية والانسانية ما لم نفهم العوامل المختلفة المحيطة بهذا المفهوم.
إن الثقافة تتعلق بكل شؤون حياتنا وهي في كل مكان حولنا، وهي كلمة ذات معان عديدة ومن الصعب حصرها بمعنى ثابت.
كيف نحدّد ماهية الثقافة؟ وكيف نميّز ثقافة ما عن الثقافات الأخرى؟ كيف نصفها وكيف نفهمها؟ ومع ان الثقافة تبدو محيطة بنا، لكن معناها ينزلق من بين أيدينا كلما حاولنا تعريفها.
إن الثقافة واحدة من تلك الكلمات التي تصف الكثير من جوانب الانسانية، ولكنها أيضاً واحدة من الكلمات التي يصعب علينا تحديدها بتعريف واحد.
ومن المعاني الحديثة للكلمة، انها: “الثقافة العليا” والفن والحضارة، تهذيب النفس، المنتجات الثقافية كالكتب والافلام، “الحياة الكلية” لمجموعة معينة من الأفراد، ومن ثم فان كلمة ثقافة قد تشير الى “الثقافة العليا” والثقافة الشعبية، والى أفكار الأفراد في مجتمع معين وقيمهم، وكذلك الى قدرات الفرد الشخصية… أي ان الثقافة تغطي مجالات وساعة من الأفكار والموضوعات.
ويكشف الكتاب عن تضاد في وجهات النظر بين بعض السوسيولوجيين “الذين يتساءلون عن الترابط بين “الثقافة” و”الطبيعة”. ويدرس “سوسيولوجيا الثقافة” عن طريق تحليل ما تتضمنه هذه الدراسة والنظر في ما اذا كانت نتائج البحث ذات أهمية. إذاً تشمل الثقافة ما تعتقده وتفكر فيه أو تشعر به مجموعة من الأفراد.
وفي العلاقة بين السوسيولوجيا والثقافة، اذا كانت الثقافة فكر مجموعة معينة من الافراد وعقيدتهم ومشاعرهم، فان العلاقات الاجتماعية هي ما يفعله الافراد من أنشطة وسلوكيات يشكلها المجتمع لهم. أما المجتمع فيتكون من الأنماط السلوكية للافراد والتفاعلات التي تجرى في ما بينهم.
يتبنى الكتاب تعريفاً عاماً للثقافة يتكون من ستة اجزاء، هي:
– الثقافة ذات أنماط فكرية وقيم ومعتقدات شائعة بين مجموعة من الأفراد، دون اعتبار لحجم المجموعة او عددها، سواء أكانت جزءاً من مجتمع معين أم المجتمع كله، حتى إذا كانت المجموعة مرتبطة بمجموعات أخرى خارج حدودها الوطنية. فالثقافة هنا جزء لا يتجزأ من الحياة الكلية لمجموعة معينة من الأفراد. تتكرر الانماط الثقافة من الأفكار والقيم والمعتقدات، التي تستمر لحقبة من الزمن او تغير أو تتغير.
– ثقافة المجموعة. فلكل مجموعة ثقافتها الخاصة بها (لبنان أنموذج متكامل في هذا المجال) اما في غيره فهي ثقافات: أمة، وطن، اتنية، طبقة عاملة، او ثقافة مجتموعة خارجة عن التيار العام كثافة “البنكس” و”القوطيين”. لكن هذه المجموعات على تمايزها الثقافي، فان أفكارها وقيمها ومعتقداتها يتداخل بعضها ببعض وتشترك في جوانب معينة في ما بينها.
– تحتوي الثقافة على معنى، بواسطته يستطيع الفرد ان يفهم ويستوعب ويستجيب فكرياً وعاطفياً لما يدور حوله من أمور.
– تتجسد الافكار والقيم والمعتقدات في الرموز وفي نتاج من صنع الانسان، وقد تكون هذه الرموز تصويرية او قد تكون جزءاً من لغة مكتوبة.
– الثقافة تعلم: تنتقل الثقافة عبر الأجيال، الأمر الذي يجعل الأفكار والقيم والمعتقدات عادة مفروغاً منها وطبيعية أكثر منها مادة تعليمية.
– الثقافة اعتباطية، فهي نتاج النشاط الانساني وليست فعلاً من أفعال الطبيعة، لذلك هي معرّضة للتغيير اذا ما تغيّرت ظروف حياة المجموعة.
ان البند الأخير مثير للجدل، اذ يرى معظم السوسيولوجيين ان “الثقافة” تتعدى “الطبيعة” والبيئة الطبيعية التي يعيش فيها الانسان.
ويبحث الكتاب في الطرق الكثيرة التي اتبعتها السوسيولوجيا والمتخصصّون بهذا الميدان وآخرون لهم اهتمامات مماثلة لاهتمامات السوسيولوجيين في درس موضوعات البنود السابقة.
ان سوسيولوجيا الثقافة هي السعي الى فهم العلاقة بين العوامل الاجتماعية والعوامل الثقافية ومعظم مناهج الكتاب تهتم بفهم العلاقة بين ما تسميه العوامل “الاجتماعية” و”الثقافية” عند دراسة الثقافة.