مقولة عمر بن الخطاب الشهيرة
أشهر أقوال عمر بن الخطاب
- لا يعجبكم من الرجل طنطنته، ولكن من أدى الأمانة وكف عن أعراض الناس، فهو الرجل.
- استعيذوا بالله من شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر.
- أغمِضْ عن الدُّنيا عينَكَ، وولِّ عنها قَلبَكَ، وإيَّاكَ أن تُهلككَ كمَا أهلكَت مَن كان قَبلكَ، فقد رأيتُ مصَارعَها، وعاينتُ سوءَ آثارِهَا على أهلها، وكيف عَريَ مَن كَسَت، وجَاعَ مَن أطعمت، ومات مَن أحيت.
- من قال أنا عالم فهو جاهل.
- عليك بالصدق وإن قتلك.
- كل عمل كرهت من أجله الموت فاتركه، ثم لا يضرك متى مت.
- إذا كان الشغل مجهدة فإن الفراغ مفسدة.
- تعلموا المهنة فإنه يوشك أن يحتاج أحدكم إلى مهنته.
- مكسبة فيها بعض الدناءة خير من مساءلة الناس.
- عليكم بذكر الله تعالى فإنه دواء وإياكم وذكر الناس فإنه داء.
- نحن أُمّة أراد الله لها العِزّة.
- تعلموا العلم وعلموه الناس وتعلموا الوقار والسكينة وتواضعوا لمن تعلمتم منه ولمن علمتموه ولا تكونوا جبارة العلماء فلا يقوم جهلكم بعلمكم.
- اللهم اقدرني على من ظلمني لأجعل عفوي عنه شكراً لك على مقدرتي عليه.
قصص عمر بن الخطاب مع الفقراء
رحمة عمر بن الخطاب
في ظلال رحمة عمر بن الخطاب:
الرعية هم عِبَاد الله، وحق على كل من تولى أمرهم أن يحسن إليهم ويرعى أمورهم ويقضي حوائجهم، وقد قام الفاروق بذلك قيامًا حسنًا، واجتهد في الوصول إلى تلك البغية اجتهادًا شديدًا.
يروي ابن عباس رضي الله عنهما يقول: كان عمر بن الخطاب كلما صلى صلاة جلس للناس، فمن كانت له حاجة نظر فيها، فصلى صلوات لا يجلس فيها، فأتيت الباب فقلت: يا يرفأ، فخرج علينا يرفأ، فقلت: أبأمير المؤمنين شكوى؟
قال: لا. فبينا أنا كذلك إذ جاء عثمان فدخل يرفأ، ثم خرج علينا فقال: قم يا ابن عفان، قم يا ابن عباس. فدخلنا على عمر وبين يديه صبر من مال، على كل صبرة منها كتف.
فقال: إني نظرت فلم أجد بالمدينة أكثر عشيرة منكما, خذا هذا المال فاقتسماه بين الناس، فإن فضل فضل فردّا. فأما عثمان فحثا، وأما أنا فجثيت لركبتي فقلت: وإن كان نقصانًا رددت علينا؟
فقال: شنشنة من أخشن -قال سفيان يعني حجرًا من جبل- أما كان هذا عند الله إذ محمد r وأصحابه يأكلون القد؟! قلت: بلى، ولو فتح عليه لصنع غير الذي تصنع. قال: وما كان يصنع؟ قلت: إذًا لأكل وأطعمنا. قال: فرأيته نشج حتى اختلفت أضلاعه، وقال: لوددت إني خرجت منه كفافًا، لا علي ولا لي.
وكان الفاروق t يمر في الطرقات، ويدخل إلى الأسواق ليتعرف على أحوال الرعية، ويختبر أحوالهم ويقضي حوائجهم.
وفي البخاري بسنده عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ t إِلَى السُّوقِ، فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا، وَاللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا وَلا لَهُمْ زَرْعٌ وَلا ضَرْعٌ، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمْ الضَّبُعُ، وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيْمَاءَ الْغِفَارِيِّ، وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ r. فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ وَلَمْ يَمْضِ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلأَهُمَا طَعَامًا، وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا، ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللَّهُ بِخَيْرٍ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَكْثَرْتَ لَهَا. قَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا فَافْتَتَحَاهُ ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيه .
فما أروع الفاروق الذي يقدر لغيره فضله وسابقته، ويكرم بذلك أهله وقومه.
مواقف من رحمة عمر بن الخطاب بالرعية وشفقته بهم:
يقول أسلم مولى الفاروق رحمه الله: خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى حرة واقم حتى إذا كان بصرار إذا نار، فقال: يا أسلم، إني لأرى هاهنا ركبًا قصر بهم الليل والبرد، انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا امرأة معها صبيان، وقدر منصوبة على نار، وصبيانها يتضاغون.
فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء، وكره أن يقول: يا أصحاب النار. فقالت: وعليك السلام، فقال: أَدْنُو؟ فقالت: ادْنُ بخير أو دَعْ. قال: فدنا، وقال: ما لكم؟ قالت: قصر بنا الليل والبرد. قال: وما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: الجوع. قال: فأي شيء في هذه القدر؟ قالت: ماء، أسكتهم به حتى يناموا، والله بيننا وبين عمر.
قال: رحمك الله. وما يدري عمر بكم؟ قالت: يتولى أمرنا ثم يغفل عنا؟! قال: فأقبل عليّ، فقال: انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج عدلاً من دقيق، وكبة شحم، فقال: احمله عليّ.
فقلت: أنا أحمله عنك. فقال: أنت تحمل وزري يوم القيامة، لا أم لك. فحملته عليه، فانطلق وانطلقت معه إليها نهرول، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئًا، فجعل يقول لها: ذري علي وأنا أُحَرِّك لك، وجعل ينفخ تحت القدر، ثم أنزلها فقال: ابغني شيئًا، فأتته بصحفة فأفرغها فيها ثم جعل يقول لها: أطعميهم وأنا أَسْطَح لهم (أَي أَبْسُطه حتى يَبْرُدَ) فلم يزل حتى شبعوا وترك عندها فضل ذلك، وقام وقمت معه، فجعلت تقول:
جزاك الله خيرًا، كنت أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين. فيقول: قولي خيرًا، إذا جئت أمير المؤمنين، وجدتني هناك -إن شاء الله- ثم تنحى عنها ناحية، ثم استقبلها فربض مربضًا.
فقلت: إن لك شأنًا غير هذا. فلا يكلمني حتى رأيت الصبية يصطرعون، ثم ناموا وهدءوا. فقال: يا أسلم، إن الجوع أسهرهم وأبكاهم، فأحببت ألا أنصرف حتى أرى ما رأيت.
وفي رواية أخرى: يا أسلم، أتدرى لم ربضت حذاءهم؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين، قال: رأيتهم يبكون، فكرهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون، فلما ضحكوا طابت نفسي.
إنه سمو في الإحساس بالأمانة، وارتقاء في الشعور بالمسئولية، وقد صاغ شاعر النيل حافظ إبراهيم قصة المرأة وأبنائها في أبيات رقيقة، فقال:
وَمَنْ رَآه أَمَامَ الْقِدْرِ مُنْبَطِحًا *** وَالنَّارُ تَأْخُذْ مِنْهَ وَهْـوَ يُـذْكِيـهَا
وَقَدْ تَخَلَّلَ فِي أَثْنَاءِ لِحْيَتِهِ *** مِنْهَا الدُّخَانُ وَفُـوهُ غَـابَ فِي فِيـهَا
رَأَى هُنَاكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى *** حَالِ تَرُوعُ لَعَمْـرُ اللَّهِ رَائِـيـهَا
يَسْتَقْبِلُ النَّارَ خَوْفَ النَّارِ فِيِ غَدِهِ *** وَالْعَيْنُ مِنْ خَشْيَةٍ سَالَتْ مَآقِيهَا
أين حكام الشرق والغرب، بل الدنيا بأسرها ليشاهدوا حال الخليفة المسلم في العهد الأول؟
إنها عظة، ويالها من عظة!!
هكذا كان خلفاء المسلمين يعملون على مصالح الرعية، ويعرفون أنهم مسئولون يوم القيامة عن الكبير والصغير. والغني والفقير، والرجال والنساء على حد سواء.
لقد ارتقى شعور الفاروق في الاهتمام برعيته إلى الدواب، حتى كان يقول: لو مات جمل في عملي ضياعًا على شط الفرات، لخشيت أن يسألني الله عنه.
عدل عمر بن الخطاب
لعلَّ من أجلِّ الصفات وأعظم المناقب التي أُثرت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- وعُرف بها صفة العدل، لما كان منه -رضي الله عنه- من تمسُّكٍ بالحقِّ وعدم حيادةٍ عنه لأي سببٍ وتحت أي ظرفٍ كان، فقد وصفه النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- فقال عنه: (إنَّ اللهَ جعَل الحقَّ على لسانِ عُمَرَ وقلبِه) كما أنَّ عدله -رضي الله عنه- تمثَّل في معاملته مع رعيته وتعاملاته مع أمرائه وولاته، فلم يكن يفرِّق بين أحدٍ منهم، وكانوا جميعاً سواسيةً في الحقوق والواجبات، والشواهد والأمثلة الدَّالة على عدل عمر -رضي الله عنه- كثيرةٌ جداً، منها على سبيل الذكر لا الحصر:
- كان من عدل عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- أنَّه إذا أمر عامَّة المسلمين بشيءٍ أو نهاهم عن شيءٍ، جمع أهل بيته فأعلمهم، وشدَّد عليهم بعدم إتيان ما نُهي عنه وإلا كانت عقوبتهم أشدَّ وأغلظ، فقد روى ابنه عبد الله أنَّه كان إذا نهى النَّاس عن شيءٍ جمع أهل بيته فقال لهم: (إنِّي نهيت النَّاس كذا وكذا، أَوَ إنَّ الناس لينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، وأيمُ الله، لا أجد أحداً منكم فعله إلا أضعفت له العقوبة ضعفين).
- كان من عدل عمر -رضي الله عنه- إقامة الحدود والعقوبات على مستحقِّيها، مهما بلغ مستحقوها من منزلة ومكانةٍ، فلا يحابي أحداً حتّى وإن كان ابنه، وقد روي في الآثار أنَّه -رضي الله عنه- أقام حدَّ شرب الخمر على ابنه عبد الرحمن، وقيل إنَّ عمرو بن العاص -رضي الله عنه- وقد كان أميراً ولَّاه عمر على مصر، أقام الحدَّ على عبد الرحمن بن عمر لكن ليس أمام النَّاس وعلى مشهدٍ منهم، إذ الأصل أن يقام الحدُّ على الملأ، فلمَّا قدم ابن عمر إليه أعاد عمر الحدَّ عليه؛ فلم يقبل عمر -رضي الله عنه- لعدالته وورعه أن يحابى ابنه فلا يقام عليه حدُّ الله، ولا حتَّى أن يقام عليه بغير الصُّورة التي حدَّدها الشَّرع للحدِّ.
- كان من عدل عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- عدم تمييزه في الحكم ولا تفريقه في القضاء والفصل بين مسلمٍ وغيره، فقد كان العدل هو أساس الحكم ومنطلقه، وتشهد لذلك وقائع كثيرةٌ، منها: (أنَّ مسلمًا ويهوديًّا اختصما إلى عمرَ رضِي اللهُ عنه، فرأَى الحقَّ لليهوديِّ، فقضَى له عمرُ به، فقال له اليهوديُّ: واللهِ لقد قضيْتَ بالحقِّ، فضربه عمرُ بالدِّرَّةِ وقال: وما يُدريك؟ فقال اليهوديُّ: واللهِ إنَّا نجِدُ في التَّوراةِ ليس قاضي يقضي بالحقِّ إلَّا كان عن يمينِه ملَكٌ وعن شمالِه ملَكٌ يُسدِّدانه ويُوفِّقانه للحقِّ ما دام مع الحقِّ، فإذا ترك الحقُّ عرجا وتركاه).
- كان من عدل عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- محاسبته ومساءلته لأمرائه وعمَّاله وولاته على الأمصار والمدن، حيث كان يسأل النَّاس ويستطلع إن كان أحدهم قد ظُلم من أحد الأمراء أو الولاة، فلم يكن يسمح بأن يُظلم هو أو يظلم من عيَّنهم في الإمارة والولاية؛ لذا كان يتابعهم ويحاسبهم، وقد رُوي عنه أنَّه قال: (أيُّما عاملٍ لي ظلم أحداً، فبلغتني مظلمته فلم أغيِّرها فأنا ظلمته) وتوضِّح ذلك القصَّة الشهيرة عن ابن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- الذي تسابق مع رجلٍ من أهل مصر فسبقه الرجل، فضربه ابن عمرو بن العاص، فأتى الرجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب، وشكى له ما كان من ابن عمرو بن العاص، فاستدعى عمر عمرو بن العاص وابنه، وحضرا إليه، فأمر عمر بن الخطَّاب الرجل المصري بأن يضرب ابن عمرو بن العاص كما ضربه، وقال عمر مقولته الشَّهيرة التي غدت مثلاً يتردَّد في مواقف عدَّة: (مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟).
قصة عمر بن الخطاب
مواقف عمر بن الخطاب مع الرعية
خشية عمر من تضييعه حقوق رعيته
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه شديد الخشية والمراقبة لله عز وجل في جميع أحواله، ولقد كان في تعامله مع رعيته أشد خشية لله وخوفًا من أن يضيع ما استرعاه الله عز وجل.
قدم معاوية بن حديج رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه بفتح الإسكندرية، وأناخ راحلته، فخرجت جارية لعمر رضي الله عنه فرأته وعليه أثر السفر، فأدخلته، فقربت إليه خبزًا وزيتًا وتمرًا، فأكل، فقال عمر لمعاوية رضي الله عنهما: ماذا قلت يا معاوية حين أتيت المسجد؟ قال: قلت: إن أمير المؤمنين قائل (نوم القيلولة)، قال عمر: بئس ما قلت أو بئس ما ظننت، لئن نمت النهار لأضيعن الرعية، ولئن نمت الليل لأضيعن نفسي، فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية ؟! [1].
وقال عمر رضي الله عنه: لو مات جمل من عملي ضياعًا، خشيت أن يسألني الله عنه [2]، ولما كانت أخر حجة حجها عمر رضي الله عنه أناخ بالأبطح ثم كوم كومة من بطحاء ثم طرح عليها رداءه، ثم استلقى ومد يديه إلى السماء، فقال: “اللهم قد كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مفرط ولا مضيع” [3].
ولما حضرته الوفاة رضي الله عنه جعل الناس يثنون عليه بعدله في إمارته وقيامه بحقوق رعيته، فقال رضي الله عنه: “أبالإمارة تغبطوني، فوالله لوددت أني نجوت منها كفافًا لا عليَّ ولا لي”.
ومن الآثار الدالة بمجموعها على خشية عمر رضي الله عنه من التفريط في رعيته ما روي من أنه رضي الله عنه كان يدخل يده في دَبَرَةِ البعير (قرحتها)، ويقول: إني أخاف أن أسأل عما بك [4].
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: بينما أنا أمشي مع عمر رضي الله عنه ذات يوم وهو يضرب وحشي قدمه بالدرة، تنفس تنفسة ظننت أنها قد فضت أضلاعه فقلت: سبحان الله، وما أخرج هذا منك يا أمير المؤمنين إلا أمر عظيم، قال: ويحك يا ابن عباس، والله ما أدري كيف أصنع بأمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
قلت: والله إنك بحمد لله لقادر على أن تصنع ذاك منها في البقية، قال: إنه والله يا ابن عباس ما يصح هذا الأمر إلا القوي في غير عنف، اللين في غير ضعف، الجواد في غير سرف، الممسك في غير بخل، يقول ابن عباس: والله ما أعرف غير عمر [5].
وروي أن مالك الدار (مالك بن عياض مولى عمر وخازنه) قال: غدوت على عمر رضي الله عنه يومًا، فقال لي: يا مالك، كيف أصبح الناس؟ قلت: أصبح الناس بخير، قال: هل سمعت من شيء؟
فقلت: ما سمعت إلا خيرًا، قال: ثم غدوت عليه اليوم الثاني فسألني، فأخبرته، واليوم الثالث سألني وأبرمني، فقلت: وما تخشى من الناس؟ فقال: ثكلتك أم مالك، هل خشيت أن يكون عمر يضرب عن بعض حقوق المسلمين فيغدون عليه براياتهم يسألون حقوقهم[6].
وروي أن عمر رضي الله عنه لما ولي الخلافة خطب فقال: “يا أيها الناس إني قد وليت عليكم، ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم، وأقواكم عليكم، وأشدكم استطلاعًا بما ينوب من مهم أموركم ما توليت ذلك منكم، ويكفي عمر مُهِمّا محزنًا انتظار موافقة الحساب بأخذ حقوقكم كيف آخذها، ووضعها أين أضعها، وبالسير فيكم كيف أسير، فربي المستعان، فإن عمر أصبح لا يثق بقوة، ولا حيلة إن لم يتداركه الله عز وجل برحمته وعونه وتأييده” [7].
تعرفه رضي الله عنه على أحوال رعيته
وقد قام عمر رضي الله عنه بواجباته نحو رعيته خير قيام وأتمه، فقد كان عمر رضي الله عنه دائم التعرف على أحوال رعيته بنفسه يجلس للرعية، ويلتقي بهم ويعرضون عليه حاجاتهم، كبيرهم وصغيرهم، شريفهم ووضيعهم، ولم يكن رضي الله عنه يحتجب عنهم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان عمر بن الخطاب كلما صلى صلاة جلس للناس، فمن كانت له حاجة نظر فيها، وكان رضي الله عنه يجلس بعد صلاة الفجر للنظر في أمور رعيته حتى ترتفع الشمس، ثم يقوم فيدخل بيته [8].
وكان بعض الرعية لا يستطيع أن يعرض حاجته على عمر رضي الله عنه هيبة منه، فاجتمع عدد من الصحابة رضوان الله عليهم لإعلامه بذلك، وهم: علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وكان أجرأهم عليه عبد الرحمن بن عوف.
فقالوا له: لو كلمت أمير المؤمنين للناس، فإنه يأتي الرجل طالب الحاجة، فتمنعه هيبتك أن يكلمك في حاجته حتى يرجع ولم يقض حاجته، فدخل على عمر رضي الله عنه، فكلمه، فقال: يا أمير المؤمنين، لن للناس، فإنه يقدم القادم فتمنعه هيبتك أن يكلمك في حاجته حتى يرجع ولم يكلمك.
فقال عمر رضي الله عنه: يا عبد الرحمن أنشدك الله أعلي وعثمان وطلحة والزبير وسعد أمروك بهذا؟ فقال: اللهم نعم، قال: يا عبد الرحمن، والله لقد لنت للناس حتى خشيت الله في اللين ثم اشتددت عليهم حتى خشيت الله في الشدة، فأين المخرج؟ فقام عبد الرحمن يبكي يجر رداءه، يقول بيده أف لهم بعدك، أف لهم بعدك [9].
وأما من كان من الرعية بعيدًا عن المدينة كأهل العراق والشام وغيرهما من أقطار المسلمين، فإن عمر كان يسأل عن أحوالهم ويستخبر عنها ويتعرف عليها ومن ثم يقضي حاجتهم. كتب عمر رضي الله عنه إلى عامله بالعراق: أن ابعث إلي برجلين جليدين نبيلين أسألهما عن العراق وأهله، فبعث إليه بلبيد بن ربيعة، وعدي بن حاتم.
بل لقد عزم رضي الله عنه على أن لا يدع بلدًا من بلاد المسلمين إلا ويأتيه ويطلع على أحوال أهله بنفسه، ويقضي حاجاتهم، قال عمر رضي الله عنه وقد عزم على قضاء حوائج رعيته قويهم وضعيفهم شريفهم ووضيعهم: لئن سلمني الله لأدعن أرامل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي [10].
ومن الأقوال المروية عن عمر رضي الله عنه في اهتمامه برعيته قوله: إني والله لأكون كالسراج يحرق نفسه ويضيء للناس.
وروي أن عمر رضي الله عنه قال في أول خطبة خطبها: إن الله ابتلاكم بي وابتلاني بكم، وأبقاني فيكم بعد صاحبي، فوالله لا يحضرني شيء من أمركم فيليه أحد دوني، ولا يتغيب عني فآلوا عن الجزء والأمانة، ولئن أحسنوا لأحسنن إليهم، ولئن أساؤوا لأنكلن بهم[11].
وفاة عمر بن الخطاب
مرّت قصّة وفاة الخليفة عمر -رضي الله عنه- بعدّة مشاهد وأحداث، منها:
- في العام الذي توفّي فيه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان قد أدّى مناسك الحج، وجاء الأثر أنّه دعا ربّه -سبحانه- حُسن الخِتام، قال سعيد بن المُسيّب رضي الله عنه: (لمّا صدر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من منى أناخ بالأبطح، ثمَّ كوّم كومة من بطحاء، ثمّ طرح عليها رداءه، ثمّ استلقى ومدّ يديه إلى السماء، فقال: اللهمّ كبُرَت سنّي، وضعُفَت قوَّتي، وانتشرت رعيّتي، فاقبضني إليك غير مضيِّع ولا مفرِّط) وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: (عن عمرَ -رضي اللهُ عنه- قال: اللهمّ ارزقني شهادةً في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك صلّى الله عليه وسلّم).
- كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يمنع السبايا من دخول المدينة المنورة، إلّا أنّ المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- والي الكوفة طلب من عمر بن الخطاب أن يسمح بدخول فتى مجوسيّ يُكنّى بأبي لؤلؤة إلى المدينة المنورة؛ لإجادته العديد من الصنائع، مثل: الحدادة، والنجارة، وغيرها، فوافق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على دخوله. شكا أبو لؤلؤة المجوسيّ إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من الخراج الذي فرضه عليه المغيرة بن شعبة، إلّا أنّ عمر بن الخطاب بيّن له أنّ خراجه ليس بالكبير مُقارنةً بما يقوم به من أعمال، فحقد أبو لؤلؤة المجوسيّ على عمر بن الخطاب، وبيّتَ النيّة لقتله.
- في السادس والعشرين من شهر ذي الحجّة من عام ستّة وعشرين للهجرة، صلّى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بالناس صلاة الفجر في المسجد، وكان أبو لؤلؤة المجوسيّ متّخذاً مكاناً في المسجد يكمنُ فيه، فلمّا كبّر عمر -رضي الله عنه- للصلاة طعنه أبو لؤلوة في كتفه وخاصرته بخنجر ذي نصلَين، فقال عمر رضي الله عنه: (وَكَانَ أَمرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقدُورًا) وأخذ بيد عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- وقدّمه لإتمام الصلاة بالناس، وأخذ المجوسيّ يطعن المُصلّين فطعن ثلاثة عشر رجلاً، ثمّ طعن نفسه ومات. تيقّن عمر -رضي الله عنه- أنّه يعيش أيّامه الأخيرة في هذه الدنيا، فأرسل إلى أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- يستأذنها بأن يُدفَن بجوار صاحبَيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، فأذِنت له.
- لبِث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بضعة أيّام إلى أن توفّي شهيداً، فحِزن عليه المسلمون حزناً شديداً، وصلّى عليه صهيب الروميّ -رضي الله عنه- صلاة الجنازة إماماً بجموع المصلّين.