ديني

أهمية بناء المساجد وعمارتها في الإسلام

فضل بناء المساجد عند الله

يظل بناء المساجد من أكثر المسائل التي يُقبل عليها الناس خاصة خلال شهر رمضان المبارك، فهذا فاعل خير يرغب في بناء مسجد وإعماره، وذاك يرغب في المساهمة في رعايته بالصيانة وتوفير الوسائل، لما ذلك من نفعٍ عظيم على المتصدق طلباً للأجر والثواب وعلى المجتمع المسلم الذي يُعتبر المسجد فيه ركيزة مهمة لضبط مختلف جوانب المجتمع المسلم. وحتى نحفز عزيمة المؤمنين على الإقدام على هذا العمل الجليل، دعونا ننطلق من التساؤل الجوهري: ما هو أجر من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله؟

1- بناء المساجد اقتداء بهدي نبينا عليه الصلاة والسلام

إن أول عمل قام به رسول الله عليه أفضل الصلوات وأزكى التسلم، بعد أن دخل “قباء” وهو أنه بنى فيها مسجداً قبل أن يكمل طريقه إلى المدينة. وبعد أن أقام فيها أياماً سار إلى المدينةِ، فأدركتْه صلاةُ الجمعة في بني سالم بن عوف، فبنى مسجداً هناك. وعندما وصل إلى المدينة كان أول عمل يقوم به هو بناء مسجده، بل شارك عليه الصلاة والسلام بنفسه في البناء.

فهذا من أكبر الدلائل على المكانة المهمة للمساجد من الناحية التعبدية والاجتماعية في حياة المسلمين. يقول تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) [النور: 36]. فعلاقتهم بالمسجد لا تنقضي بانتهاء الصلاة، بل هو المكان الذي يستمدون منهم طاقتهم الروحية، لينطلقوا بعد ذلك في القيام بواجبهم الاجتماعي والإنساني، فتأتي رسالة المسجد كصورة مصغرة عن رسالة الإسلام.

2- دليل على صحة إيمان المسلم

ودليل فضل بناء المساجد عند الله تعالى أنه أثنى سبحانه على من يعمر مساجده فقال: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة:18].

وقد فسَّر الإمام القرطبي قوله تعالى “إنما يعمر مساجد الله” بقوله أنه دليل على أن الشهادة لعمار المساجد بالإيمان صحيحة؛ لأن الله سبحانه ربطه بها وأخبر عنه بملازمتها، وقد قال بعض السلف: “إذا رأيتم الرجل يعمر المسجد فحسنوا به الظن”

وإن من عمارة المساجد إقامتها، وترميمها وتعاهدها وصيانتها. كما أن من فضل الإنفاق على المساجد وتعميرها والمساهمة في استمرارها وبنائها ما ورد عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).

3- ثواب بناء مسجد: بُشرى بالجنة

من بنى مسجدا لله يبتغي به وجه الله مبشر له بالجنة. بل أن أهل العلم قالوا أنه حتى من ليس في مقدوره تحمل تكاليف بناء مسجد لوحده، فعليه أن يساهم في بنائه بقدر ما يستطيع، بل أن يحاول ما استطاع أن يرتب مكانًا للناس لأداء فرائضهم، فيشمله الوعد بإذن الله تعالى، على قدر استطاعته، لكن بشرط الإخلاص لله تعالى.

ما هو أجر من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله؟ سؤال يكرره المسلمون باستمرار. والإجابة تأتي مباشرة من سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام. فقد روى مسلم عن محمود بن لبيد أن عثمان بن عفان أراد بناء مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فكره الناس ذلك وأحبو أن يدعه على هيئته التي كان عليها في زمن النبي عليه الصلاة والسلام. فقال عثمان رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ)). قال ابن حجر: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى دُخُولِ فَاعِلِ ذَلِكَ الْجَنَّةَ، إِذْ الْمَقْصُودُ بِالْبِنَاءِ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهُ، وَهُوَ لَا يَسْكُنُهُ إِلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ.

كما أنه قوله (مسجدًا) منكرًا فيه بشارة أخرى لمن لا يتمكن من بناء المسجد بمفرده، فالتنكير فيه لِلشُّيُوعِ؛ فيدخل في معنى “بنى الله في الجنة مثله” كل من ساهم في بناءه كبيراً أو صغيراً غنياً أو فقيراً.

4- بناء مسجد صدقة جارية في ثواب الميت

فلا شد أن بناء المساجد وعمارتها هو من أعمال الصدقة الجارية التي يجري أجرها للعبد بعد ما ينقطع عمله بالموت.

فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (ِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ، إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ).

كما روى البزار من حديث أنس مالك مرفوعا: (سبع يجري للعبد أجرها بعد موته وهو في قبره، من علم علمًا، أو أجرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجدًا، أو ورث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته). (حسنه الألباني في صحيح الجامع).

أهمية المسجد في الإسلام

مكان للذكر

المساجد كأماكن للذّكر والتّعليم الشّرعي، فقد كان دأب الصّالحين والعلماء أن يجتمعوا في المساجد من أجل الذّكر وتلاوة القرآن وتدارس العلم الشّرعي، وإنّ اختيار المساجد من أجل إعطاء دروس الشّريعة نابع من كونها بيوت الله تعالى التي تحفّها الملائكة بأجنحتها وحيث تتنزّل فيها السّكينة من ربّ العالمين.

مكان للتكافل بين المسلمين

وقد كان فقراء المسلمين أيّام النّبي عليه الصّلاة والسّلام يبيتون في مسجد رسول الله وكانوا يسمّون بأهل الصّفة، وهذا يعبّر عن الوظيفة الإجتماعيّة للمسجد في الإسلام وأنه مكان للتّكافل بين المسلمين والتّراحم من خلال جمع الزكاة والصّدقات وتنظيم توزيعها على الفقراء والمساكين .

مكان للتعبد

أكّد الإسلام على معنى عمارة المساجد بالذّكر وإقامة الصّلوات وتلاوة القرآن، كما أكد على دور المساجد في حياة المسلمين، واعتبر الإسلام منع المساجد من أداء دورها هو نوع من التّخريب لها، قال تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [البقرة: 114]

مكان يُنزل الرحمات

المسجد موضع تنزل به الرحمات، واستجابة للدعوات، ومنسكاً للأعمال الصالحة لقول الله تبارك وتعالى: (فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ) [آل عمران: 39]، لذلك أثنى الله تعالى على الذين يعمرون المسجد بالطاعات وبشرهم بالثواب العظيم قال تعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [النور:36-38].

فضل بناء المساجد وعمارتها

قصص عن فضل بناء المساجد

قصة تحكي عن بناء المسجد

يحكى أنه كان هناك ملك من الملوك أراد أن يقوم ببناء أحد المساجد في المدينة التي كان يحكمها، وقد أراد الملك أن يكون له الفضل الاول والاخير في بناء المسجد، فأمر الملك بأن لا يشاركه في بناء المسجد أحد، كما أراد الملك ان يتم بناء المسجد من ماله هو فقط دون مساعدة من أحد.

وبالفعل أستطاع الملك اتمام بناء المسجد بماله الخاص وبدون مساعدة من احد، حتى أنه قد كتب اسمه على المسجد، وفي احدى الليالي قد رأى الملك رؤية في المنام، فقد رأى الملك ملك من الملائكة قد نزل من السماء فقام بمسح اسم الملك من على المسجد وقام بكتابة اسم امرأة بدل منه.

أستيقظ الملك من النوم وهو مفزوع للغاية، وقد أمر جنوده على الفور بالذهاب إلى المسجد ورؤية ما إذا كان اسمه لازال موجود ام لا، وبالفعل ذهب الحرس وتأكدوا من أن اسم الملك لازال موجود، هنا اطمئن الملك بعدما قال له وزرائه انها مجرد اضغاث أحلام.

ولكن في الليلة التالية شاهد الملك نفس الرؤية، وان الملك نزل من السماء ليقوم بمسح اسمه من على المسجد وكتابة اسم امرأة على المسجد، وفي الصباح أمر جنوده مرة أخرى بالذهاب الى المسجد ورؤية، ولما رجع الجنود أكدوا أن اسمه لازال موجود، فتعجب الملك بشكل كبير من تلك الرؤية.

وفي الليلة الثالثة رأى الملك مرة اخرى نفس الرؤية وشاهد أيضا الملك وهو ينزل من السماء ليزيل اسم الملك ويكتب بدل منه اسم امرأة اخرى، استيقظ الملك ولكن تلك المرة قد كان تذكر أسم المرأة التي يراها في المنام، وعلى الفور قد امر الملك جنوده بإحضار تلك المرأة على الفور، فذهب الجنود لإحضارها وبالفعل جاءت تلك العجوز الفقيرة التي كانت ترتعش من شدة الخوف والقلق.

وهنا سألها الملك، هل ساعدتي في بناء المسجد الذي تم بناءه في المدينة، فردت عليه المرأة العجوز وقالت انا امرأة عجوز فقيرة لا املك المال حتى اساعد في بناء ذلك المسجد، حتى انني قد سمعتك وانت تحذر من عدم المساعدة في بناءه وانا لا يمكنني عصيانك.

فقال الملك لها، أسألك بالله ماذا صنعت في بناء المسجد، ردت عليه العجوز وقالت والله ما عملت شيء قط في بناء ذلك المسجد الا…

فرد عليها الملك مسرعا الا ماذا، فقالت له، انني كنت امر ذات مرة في يوم من الايام من جانب المسجد، وقد رأيت احد الدواب الاي كانت تحمل الاخشاب وأيضا أدوات البناء للمسجد، وقد تم ربطها بحبل من وتد في الأرض وكان بالقرب منها سطل به ماء، وذلك الحيوان يريد أن يشرب وكان شديد العطش ولكنه لا يستطيع أن يقترب من السطل، وهنا اقتربت و قدمت اليه سطل الماء حتى يستطيع أن يشرب، ووالله ذلك فقط ما صنعت وقد عملته لوجه الله تبارك وتعالى.

وهنا قال الملك لها أي والله لقد فعلت تلك الفعلة لوجه الله تعالى فقط وقد قبلها الله منك، وانا الذي عملت على بناء ذلك المسجد الكبير حتى يقال ان الملك قد استطاع بناء ذلك المسجد بمفرده فلم يقبله الله تعالى مني، وهنا أمر الملك حراسه بأن يقوموا بتغيير اسم المسجد ويكتبوه بأسم تلك العجوز.

أهمية المسجد في حياة المسلمين

ممّا يدلّ على عظم أهميّة المسجد في حياة المسلمين، أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- استهلّ بناء دولته عند وصوله إلى قباء ببناء المسجد، بالإضافة إلى ما حصل في المدينة حال وصوله حيث استقبله أهلها، وأخذوا يتسابقون ليأخذوا بخطام ناقته، وكلّ واحدٍ منهم يطمع بنزول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عنده، فأمرهم النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- بترك الناقة؛ لأنّها مأمورةٌ من الله تعالى، فلمّا بركت الناقة قام ببناء المسجد النبويّ فيه، هكذا علّم رسول الله الأمّة أنّ للمسجد أهميّةً عظيمةً، وأنّ أمر الأمّة الإسلاميّة يبدأ ببناء المسجد، وأنّه لا قيام لها إلا بتفعيل دور المسجد، ويتجلّى دور المسجد وأهميته في ما يأتي:

  • المسجد مكانٌ لاجتماع المسلمين، وسببٌ لتقوية الأواصر والروابط بينهم، حيث إنّ الحاكم يصلي بجانب المحكوم، والغفير بجوار الوزير، فتزول الطبقيّة وتذوب الفوارق بين المسلمين، بالإضافة إلى أنّ الصلاة في المسجد خمس مرّاتٍ في اليوم تقوّي علاقة المصلين ببعضهم البعض.
  • المسجد مكانٌ للتعلّم كثيرٍ من أمور الحياة.
  • المسجد سببٌ لتقوية إيمان المسلمين والحفاظ عليه، فهو المكان الذي يؤدّون فيه الصلاة، والعباداتٍ أخرى، ويكونون في تسليمٍ ورضوخٍ كاملٍ لله تعالى.
  • المسجد مركزٌ لقيادة الأمّة، كما كان الأمر في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقد كان يدير سياسة الأمّة الإسلاميّة من المسجد، ويرسل الجيوش منه، ويتمّ فيه استقبال الوفود، وكان مقرّ الحكم الذي تتمّ فيه المعاهدات وقرارات الحرب والقضاء، وكذلك كان الأمر في عهد الخلفاء الراشدين من بعده، وأبطال الأمّة وقادتها الذين نهضوا بالإسلام، وقد توعّد الله تعالى من منع الناس من تفعيل دور المسجد في حياتهم، فقال: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
  • كان المسجد في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مكاناً لإعلان أفراح المسلمين، ومركزاً لاستقبال الفقراء، وعابري السبيل، ومكاناً لتربية الأطفال.

مكانة المسجد في الإسلام

لا شك أن للمساجد أهمية عظمى، ومكانة سامية رفيعة في المجتمع المسلم أعطاها لها ديننا الحنيف، ورتَّب ثواباً جزيلاً على عمارتها، والاعتناء بها، ومن الأمور التي تدل على هذه المكانة العظيمة ما يلي:

  1. أن المسجد يسمى بيت الله تبارك وتعالى، وفي هذا دلالة على قدسية المسجد ونزاهته، وخلِّوه من الأغراض والمقاصد الدنيوية، وأن من يدخله لابد أن يجعل عمله خالصاً لله تبارك وتعالى وحده لا شريك له قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}(الجن:18) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: “يقول تعالى آمراً عباده أن يوحدوه في مَحَالِّ عبادته، ولا يُدعى معه أحد، ولا يشرك به”1.
  2. فضل إنشاء المساجد وعمارتها، ونظافتها والاهتمام بشؤونها وتزويدها بما تحتاجه من خدمات، وأن ذلك العمل دلالة على الإيمان والبشرى بالرحمة والرضوان من الله الكريم المتعال قال جل جلاله في محكم التنزيل: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ}(التوبة:18)، وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه عندما قال الناس فيه حين بنى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم: إنكم أكثرتم (أي: في الإنكار على ما فعلته)، وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من بنى مسجداً (قال بكير: حسبت أنه قال: يبتغي به وجه الله) بنى الله له مثله في الجنة)) رواه البخاري برقم (439)؛ ومسلم برقم (533).
  3. فضل إتيان المسجد والذهاب إليه في كل صلاة، حتى يصير قلب الإنسان معلقاً به قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}(الأعراف:29)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلكم الرباط)) رواه مسلم برقم (251)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من غدا إلى المسجد وراح أعدَّ الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح)) رواه البخاري برقم (631)؛ ومسلم برقم (669)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)) رواه البخاري برقم (629)، واللفظ له؛ ومسلم برقم (1031)، والشاهد قوله: “ورجل معلق قلبه بالمساجد”.
  4. أن المساجد أحب البقاع إلى الله تبارك وتعالى، وفي هذا دلالة على فضل المسجد والاهتمام به، ومحبته، وإيثار البقاء، وانتظار الصلاة فيه ففي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أحبُّ البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها)) رواه مسلم برقم (671).
  5. أن المسجد موضع تنزل الرحمات، واستجابة الدعوات، والبشرى بالطيبات، ومنسكاً للأعمال الصالحات لقول الله تبارك وتعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}(آل عمران:39)، وقد عظم الله شأن المساجد، وأثنى على الذين يعمرونها بالطاعة، ووعدهم جزيل الثواب قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(النور:36-38).
  6. اعتناء النبي صلى الله عليه وسلم حين قدومه المدينة ببناء المسجد النبوي، وكان هذا هو أول عمل أقامه بعد وصوله عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، وجعله مكاناً لانطلاق دعوة الإسلام الحنيف إلى مشارق الأرض ومغاربها، كما جعل منه صلى الله عليه وسلم بيت المسلمين الكبير، وجامعتهم العظيمة، ومأواهم في السراء والضراء، فكانت إذا نزلت نازلة أو حدث أمرٌ أمرَ بلالاً رضي الله عنه فينادي الصلاة جامعة.

بناء مسجد

أجر بناء المساجد

يُعتبر بناء المساجد في الإسلام من الأعمال الصالحة التي رتّب الله -عزّ وجلّ- عليها الأجر الكبير والفضل العظيم، فقد أثنى الله -سبحانه- على معمّري المساجد بقوله: (إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ)،[١] كما ورد فضل تعمير المساجد ورعايتها في السنة النبوية باعتبار ذلك العمل صدقةً جاريةً، قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَنْ بَنَى مسجِداً، يَبْتَغِي بِهِ وجَهَ اللهِ، بَنَى اللهُ لَهُ مثْلَهُ في الجنَّةِ) وذكر النووي في تفسير الحديث عظمة بناء المسجد من وجهين؛ الأول: مكافأة من بنى المسجد بأن يبني له الله بيتاً مشابهاً في الجنة من ناحية المسمّى، أمّا من ناحية الصفة فإنّ بيت الجنة بلا شكٍ يختلف عن بيوت الدنيا؛ لأنّ النعيم الذي فيها لم تره عينٌ ولم تسمع به أذنٌ ولم يخطر على قلب بشرٍ، والوجه الثاني يتجلّى في أنّ الله -تعالى- فضّل البيوت التي يبنيها لعباده على بيوت الجنّة، كما تفاضلت بيوته في الأرض على مساكن الدنيا.

وورد فضل المشاركة في بناء المساجد بقول النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن بَنى مَسجداً للَّهِ كمِفحَصِ قَطاةٍ، أو أصغرَ، بَنى اللَّهُ لَهُ بيتًا في الجنَّةِ) وورد عن ابن حجر في المقصود من الحديث السابق المبالغة؛ لأن المكان الذي تفحص عنه القطاة لتضع بيضها لا يكفي للصلاة فيه، وقيل إنّ الحديث يُحمل على معناه الظاهر، والمقصود به أنّ من شارك في بناء المسجد بقدر مفحص قطاةٍ فتكون له حُصةٌ في بنائه بالقدر الذي شارك فيه، ويقصد بالقطاة نوعٌ من أنواع طير اليمام.

السابق
دواء بروماكس – promax علاج موضعي للالتهاب والحكة
التالي
دواء بروليكسان – prolixan لتخفيف الألم

اترك تعليقاً