التفسير

الحج

تعريف الحج

تعريف الحج

الحجُّ لغةً

الحجُّ في اللغة من الجذر اللغوي حجج، فالحاء والجيم جذٌر دالٌّ على أربعة أصولٍ (والأصل الأول هو المراد هنا)، وهي:القصد، ومنه حج بيت الله الحرام؛ أي قصده بالزِّيارة. السَّنَة، فالحِجَّة مرة واحدة في السَّنَة، منه قول الله تعالى على لسان والد الفتاتين لنبي الله موسى -عليه السَّلام-: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ)، وقيل أنَّ هذا الأصل راجعٌ للأصل الأول، لأنَّ الحج لا يكون إلا مرَّةً في السَّنة. الحجاج؛ وهو العَظمُ المستدير حول العينين. الحجحجة؛ أي النُّكوص.

الحجُّ اصطلاحاً

الحجُّ في الاصطلاح الشَّرعي هو قصد بيت الله الحرام وجبل عرفة في شهورٍ معلوماتٍ للقيام بأعمالٍ مخصوصةٍ، وهذه الأعمال عند جمهور الفقهاء هي: الوقوف بعرفة، والطَّواف ببيت الله الحرام، والسَّعي بين الصفا والمروة، وذلك وفق شروطٍ وهيئةٍ مخصوصةٍ. وقد جاء في قول الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).

أهمية الحج

عويد المسلم على تحمّل المشاق والصبر؛ لأنّ شعائر الحج تتطلّب التعب والمشقة والسفر. … تقوية صلة العبد بالله سبحانه وتعالى، وذلك يظهر مدى التزام المؤمن بأوامر الله وحرصه على أداء الفروض، حيث يترك المسلم عمله ووطنه وأهله من أجل التفرغ لطاعة الله وعبادته.

أركان الحج

أركان الحج للحج أربعة أركان عند جمهور العلماء:

  •  الإحرام:

هو أول ركن من أركان الحج، وهو بمثابة النية للدخول في النسك، والحج يحتاج إلى نية لكون صحيحاً، ويجب أن تكون خالصة لوجه الله تعالى. يقوم الحاج بالإحرام من المواقيت التي حدّدها الرسول صلى الله عليه وسلم للقادمين إلى مكة، مرتدين اللباس الخاص بالرجال؛ وهو منشفة غير مخيطة، وللنساء لباس ساتر لكل جسمها عدا الكفّين والوجه.

  • الوقوف بعرفة:

لقول النبي عليه السلام: (إنّما الحج عرفة من جاء ليلة جَمْع قبل طلوع الفجر فقد أدرك) رواه أبو داود. يبدأ وقت عرفة من طلوع شمس اليوم التاسع من ذي الحجة وحتى زوال شمس يوم عرفة، فيقوم جميع الحجاج بالوقوف هناك في اليوم التاسع من ذي الحجة من طلوع الشمس حتى غروبها، ويحلّ له الوقوف بعرفة كلها وليس على جبل عرفة فقط. يُستحبّ عند الوقوف على عرفة الإكثار من الدعاء، وخاصة ما حثّ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير.

  • طواف الإفاضة:

لقوله سبحانه وتعالى: (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق) سورة الحج،29 . بعد أن ينزل الحاج من جبل عرفة ويبيت بمزدلفة، يتوجه إلى بيت الله الحرام لتأدية ركن الطواف؛ وهو عبارة عن سبعة أشواط يُشترط فيها النية عند البداية، والطهارة من الحدث، وستر العورة كما المصلي، وتكون الكعبة على يساره، ويُردّد: (بسم اللّه واللّه أكبر، اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك واتباعاً لسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-)، ويكون هذا عند بدء الشوط الأول.

  • السعي بين الصفا والمروة:

لقول الرسول عليه السلام: (اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي) رواه أحمد . بعد أن يُنهي الحاج الطواف يتوجّه إلى السعي بين الصفا والمروة حتى يُتمّم أركان الحج جميعاً، وصفة السعي تبدأ بالصفا، إذ وقف عليه السلام حتى رأى البيت، فوحَّد اللهَ وكبَّره، وقال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلْك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده، أَنْجَز وعدَه، ونصر عبدَه، وهَزَم الأحزاب وحدَه)، ثم دعا بين ذلك، فقال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى انصبَّت قدماه في بطن الوادي. وبهذا يكون الحاج تمّم أركان الحج الأربعة الواجبة عليه، ولا يصح حجّ المسلم دونه.

خطوات الحج بالترتيب

يشرع جميع الحجَّاج في المناسك الآتية على الترتيب:

المبيت في مِنى:يخرج الحجَّاج إلى مِنى في اليوم الثَّامن من ذي الحجَّة وهو اليوم المسمَّى بيوم التَّروية، يبيتون فيها ويصلُّون فيها الظُّهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر اليوم الذي يليه وهو اليوم التَّاسع من ذي الحجَّة أي يوم عرفة.

الوقوف بعرفة: بعد طلوع فجرِ يوم عرفة وهو اليوم التَّاسع من ذي الحجَّة يسير الحجَّاج من مِنى إلى جبل عرفة، ويقفون فيه ويؤدون صلاتي الظهر والعصر قصراً وجمع تقديمٍ، ويعكفون على الذِّكر والدُّعاء حتى غروب الشَّمس.

المبيت في مزدلفة:عند غروب شمس يوم عرفة يزلف الحجَّاج وينتقلون إلى مزدلفة، فيصلُّون فيها المغرب والعشاء جمع تأخيرِ، ويبيتون ليلتهم فيها.

يوم النَّحر:في هذا اليوم وهو اليوم العاشر من ذي الحجَّة يسير الحجَّاج من مزدلفة إلى مِنى ويسنُّ أن يكون سيرهم إليها قبل طلوع الشَّمس ويقومون فيها بأعمالٍ شعائر عدَّة؛ أوَّلها رمي جمرة العقبة وتسمَّى الجمرة الكبرى، فيرمي الحجَّاج فيها بسبع حصياتٍ ويكبِّرعند رمي كلِّ واحدةٍ، ومع الرَّمي يتوقَّف الحجَّاج عن التلبية، ثمَّ يقوم من كان من الحجَّاج متمتعاً أو قارناً بذبح الهدي، ويكون ذبح الهدي في حقِّهما واجباً، أمَّا في حقِّ غيرهم من الحجَّاج فسنَّة، ويحلق الحجَّاج رؤوسهم أو يُقصِّرونها والحلق أفضل للرجال، فيتحلَّلون بذلك من إحرامهم التَّحلل الأول، فيحلُّ لهم كلُّ ما كان محظوراً عليهم إلا مباشرة النِّساء، ثمَّ ينزل الحجَّاج إلى مكَّة، ويطوفون طواف الإفاضة ويسمى طواف الزيارة، ويسعى من لم يسع منهم بين الصفا والمروة عند أول وصوله لمكة، وبعدها يحقُّ لهم التَّحلُّل الثَّاني من الإحرام، وبه يحلُّ لهم كلُّ ما كان محظوراً عليهم حتى مباشرة النِّساء.

أول وثاني أيام التَّشريق: يعود الحجَّاج إلى منى في أول وثاني أيام التَّشريق أي ثاني وثالث أيام النَّحر، ويبيتون فيها هاتين الليلتين، والمبيت في منى هذان اليومان واجبٌ عند الجمهور وسنة عند الحنفية، ويقومون في هذين اليومين برمي الجمرات الثَّلاث: الجمرة الأولى وتعرف بالجمرة الصغرى وهي أقرب الجمرات إلى مسجد الخْيف الموجود بمِنى، ثمَّ الجمرة الثَّانية أو الوسطى، ثمَّ الجمرة الثالثة وهي جمرة العقبة أو الجمرة الكبرى، فيرمون في كلِّ واحدةٍ منها بسبع حصياتٍ، ويدعون بين كلِّ جمرتين، ثمَّ إذا انتهى الحجَّاج من الرَّمي في اليوم الثَّاني من أيام التَّشريق يتاح لهم الخِيار بين التَّعجل والعودة لمكة وبين البقاء والمبيت في مِنى ليلة الثَّالثة من أيام التَّشريق.

ثالث أيام التَّشريق: يرمي الحجَّاج غير المتعجلين الذين باتوا في منى هذ الليلة الجمرات الثلاث كما فعلوا في اليومين السَّابقين، ثمَّ ينفرون إلى مكَّة بعدها.

طواف الوداع: عند عودة الحجَّاج إلى مكَّة إن أرادوا الرجوع إلى بلادهم فيطوفون بالكعبة المشرَّفة سبعةً أشواطٍ في طوافٍ يسمَّى طواف الوداع إيذاناً بانتهاء أدائهم لمناسك الحجِّ وتوديعاً لبيت الله الحرام، وهو طوافٌ واجبٌ عند جمهور الفقهاء، والحكمة منه أن يكون آخر عهد الحجَّاج بحجَّتهم التي حجُّوها ومناسكهم التي أدوها بيت الله الحرام.

حكم الحج

الحج ركن أساسي من أركان الإسلام الخمسة، ولا يجوز إنكاره ويكفّر من أنكره، ويعدّ مرتداً إنْ لم يتوب ويرجع عن ذلك، والحج واجب على كل مسلم مكلف شرعاً بشرط الاستطاعة ويجب على كل مسلم أنْ يعجّل بأداء هذه الفريضة العظيمة، أدلة حكمة واضحة في الكتاب والسنّة النبوية، قال تعالى: (وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)،ومن السنّة قوله عليه الصلاة والسلام: (بُنِيَ الإسلامُ على خَمْسٍ. شهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ. وإقامِ الصلاةِ. وإيتَاءِ الزكاةِ. وحجِّ البيتِ. وصومِ رمضانَ).

تاريخ الحج

بداية الحجّ عندما يصل الحاج إلى مكّة المكرّمة محرماً من المكان الذي مرّ به، يكون قد حدد نوع النسك الذي يريد؛ أي التمتّع أو القِران أو الإفراد، فيبقى في مكّة المكرّمة منتظراً التوقيت المحدد لبداية مناسك الحج وهو اليوم الثامن من شهر ذي الحجّة، ويُطلق على هذا اليوم بيوم التّروية، وفي هذا اليوم وقبل حلول وقت الظّهر على الحاج أن ينطلق إلى مِنى والصّلاة فيها جميع صلوات اليوم الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وكل صلاة في وقتها دون الجمع بين الصّلوات.

تُقصر الصّلاة الرباعيّة؛ أي الظهر والعصر والعشاء إلى ركعتين، وينام الحاج في مِنى لمدّة ليلتين، وهما الليلة التي ينزل بها الحاج وليلة التّاسع من شهر ذي الحجّة، ويصلّون فيها صلاة الفجر، ويَبقى الحاج فيها حتى تطلع الشّمس؛ فعند طلوع الشّمس يوم التاسع من ذي الحجة يسير الحاج إلى عرفات بهدوء وسكينة ذاكراً وملبياً لله عزّ وجل، ويفضّل الإكثار من التَّلبية، والتَّهليل، والتَّكبير، والحمد والشُّكر لله ربّ العَالمين؛ حيث قال تعالى في كتابه الكريم:(الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلا جِدَالَ في الحَجِّ، وَمَا تَفْعَلوا مِنْ خَيْر يَعْلَمْهُ اللهُ، وَتَزَوَّدوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقوى، وَاتَّقُونِ يا أُولي الاَلْبابِ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُم، فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفات فَاذْكُروا اللهَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ، وَاذْكُروهُ كما هَدَاكُم وَإِنْ كُنْتُم مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّين * ثُمَّ أَفيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِروا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُم فَاذْكُروا الله كَذِكْرِكُم آباءَكُمْ أَو أَشَدَّ ذِكْراً). [البقرة:197ٍ]

وقت الحج

تبدأ مناسك الحجّ في أشهر الإحرام التي يُحرِم الحاجّ فيها، والإحرام هو أوّل النسك،[٣] وأشهُر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجّة،[٤] وتنتهي مناسك الحجّ بالتحلّل من الإحرام، ويكون التحلّل على قسمين:[٥] التّحلُّل الأول: ويُسمّى أيضاً بالتّحلل الأصغر، ويحلُّ للحاجّ بعد هذا التّحلُّل محظوراتُ الإحرام جميعها ما عدا النِّساء. ويتمّ هذا التّحلُّل بالرّمي عند الحنابلة والمالكيّة، وبالحلقِ عند الحنفيّة، وبأداءِ ثلاثةِ أعمالٍ من أعمال يومِ النّحر ما عدا الذّبح عند الشافعية. التّحلُّل الثاني: ويُسمّى أيضاً بالتّحلل الأكبر، ويَحلُّ للحاجّ بعد هذا التّحلل كلّ محظورات الإحرام بما فيها النّساء. ويتمّ هذا التّحلُّل بأداء طواف الإفاضة والسّعي عند الحنابلة والمالكيّة، وبأداء طواف الإفاضة فقط بشرط الحلقِ عند الحنفيّة، وبأداء الأعمال الأربعة عند الشافعيّة.

شروط الحج

يشترط بوجوب الحج على المسلم ما يلي:

الإسلام: فلا يصح الحج من الكافر لأنه غير مأمور به، وإنما يكون تكليفه بأداء ما افترض عليه حال دخوله الإسلام، وهذا الشرط هو في جميع العبادات.

البلوغ والعقل: ففي الحديث الصحيح (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ).فمن لم يبلغ لا يكون الحج عليه واجباً، ولكن إذا حجَّ به وليه صح حجه.

الحرية: فالحج غير واجب على العبد المشغول بحق سيده.

الاستطاعة: دليل هذا الشرط قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا ).وهذه الاستطاعة تتضمن الاستطاعة المادية وهي أن يملك الرجل مالاً يزيد عن حاجاته الأصلية، ونفقة من يعول، وأن يكون ماله الذي ينفقه على حجه خالياً من الدين، وأن يملك الزاد في رحلته، وأجرة الركوب الذي يوصله إلى البيت الحرام ذهاباً وإياباً، كما تتضمن الاستطاعة أن يكون مستطيعاً بدنياً أي صحيحاً في بدنه، قادراً على تحمل مشاق السفر إلى بيت الله الحرام.

السابق
تمرين الضغط وفوائده
التالي
تعرف علي فوائد البابونج

اترك تعليقاً