ديني

السيدة سودة رضى الله عنها

فضائل السيدة سودة

وقد وردت لأم المؤمنين سودة رضي الله عنها فضائل ومناقب تدل على جلالة قدرها وعظيم شأنها رضي الله عنها ومن تلك المناقب:

  • حرصها على البقاء في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم وإيثارها يومها في القسم لعائشة رضي الله عنهن إيثاراً منها لرضاه عليه الصلاة والسلام وحباً في البقاء معه لتكون من أزواجه في الدنيا والآخرة.
    فقد روى الترمذي بإسناده إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ((خشيت سودة أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: لا تطلقني وأمسكني وأجعل يومي لعائشة ففعل فنزلت فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء: 128]. فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز)) .
    وروى البخاري بإسناده إلى عائشة: (أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة) .
    وعن عائشة رضي الله عنها أيضاً قالت: ((كان رسول الله، إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم)) .
    قلت: ففي طلب سودة رضي الله عنها من النبي صلى الله عليه وسلم إمساكها مع إيثار لضرتها بقسمها ما يدل على رجاحة عقلها ونبل مقصدها.
    وقد تضمنت موافقة رسول صلى الله عليه وسلم على إمساكها فضيلة ظاهرة لسودة رضي الله عنها حيث بقيت في عصمته عليه الصلاة والسلام وتوفي وهي في عداد زوجاته الطاهرات.
    قال ابن القيم رحمه الله: (فلما توفاها الله –يقصد خديجة- تزوج بعدها سودة بنت زمعة.. وكبرت عنده وأراد طلاقها، فوهبت يومها لعائشة رضي الله عنها فأمسكها وهذا من خواصها أنها آثرت بيومها حب النبي صلى الله عليه وسلم تقرباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحباً له، وإيثارا لمقامها معه، فكان يقسم لنسائه ولا يقسم لها وهي راضية بذلك مؤثرة لرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها)  .
  •  ومن مناقبها رضي الله عنها أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تمنت أن تكون في مثل هديها وطريقتها:
    فقد روى مسلم بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة قالت فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة قالت: يا رسول الله قد جلعت يومي منك لعائشة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومين ويوم سودة)) .
    قال ابن الأثير: (كأنها تمنت أن تكون في مثل هديها وطريقتها)  .
    وقال النووي: (وقولها من امرأة، قال القاضي: من هنا للبيان واستفتاح الكلام، ولم ترد عائشة عيب سودة بذلك بل وصفتها بقوة النفس وجودة القريحة وهي الحد بكسر الحاء)  فرضي الله عنها وأرضاها

قصة سودة وعائشة

كانت خديجة رضي الله عنها من أحب خلق الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان رحيلها مصاحبا لرحيل عمه أبو طالب، الذي كان، رغم كفره، يمنع عنه أذى قريش، حتى سمّي العام الذي توفيت فيه بعام الحزن، فأشفق الصحابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من بقائه وحيدا فأرسلوا إليه الصحابية الجليلة خولة بنت حكيم زوجة عثمان بن مظعون تقترح عليه الزواج مجددًا فدار بينهما الحوار التالي كما نقله ابن كثير في “البداية والنهاية”:

فقالت: يا رسول الله، ألا تتزوَّج؟

فقال: “ومَنْ؟”

قالت: إنْ شئتَ بكرًا، وإنْ شئتَ ثيِّبًا.

فقال: “ومَنِ الْبِكْرُ وَمَنِ الثَّيِّبُ؟”

قالت: أمَّا البكر فابنة أحبِّ خلق الله إليك، عائشة رضي الله عنها، وأما الثيِّب فسودة بنت زمعة، قد آمنت بك واتبعتك.

قال: “فَاذْكُرِيهِمَا عَلَيَّ”.

فذهبت بالفعل السيدة خولة -رضي الله عنها- إلى السيدة سودة، فقالت: ما أدخل الله عليك من الخير والبركة.

قالت: وما ذاك؟

قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطبك إليه.

قالت: وَدِدْتُ، ادخلي إلى أبي فاذكري ذلك له. وكان شيخًا كبيرًا قد أدركه السنُّ قد تخلَّف عن الحجِّ، فدخلت عليه، فحيَّته بتحية الجاهليَّة، فقال: مَنْ هذه؟

قالت: خولة بنت حكيم.

قال: فما شأنك؟

قالت: أرسلني محمد بن عبد الله أخطب عليه سودة.

فقال: كفء كريم، ما تقول صاحبتك؟

قالت: تحبُّ ذلك.

قال: ادعيها إليَّ. فدعتها.

قال: أيْ بُنَيَّة، إنَّ هذه تزعم أنَّ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قد أرسل يخطبكِ، وهو كفء كريم، أتحبِّين أنْ أزوِّجَكِ به؟

قالت: نعم.

قال: ادعيه لي.

فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوَّجها إيَّاه.

لكن على الرغم من أن الشائع أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج من سودة بنت زمعة أولًا إلا أن ابن كثير رجح في “البداية والنهاية” أنه تزوج عائشة أولًا، حيث يقول ابن كثير أن دخول النبي على سودة كان بمكة، أما دخوله على عائشة فتأخر إلى المدينة في السنة الثانية من الهجرة، لكنه يقول إن عقده على عائشة كان متقدمًا على تزوجه بسودة بنت زمعة رضي الله عنها.

فمن هي سودة بنت زمعة؟ وكيف كان حالها مع عائشة؟

تزوجت سودة بنت زمعة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمها السكران بن عمرو بن عبد شمس وهو اخو سهيل بن عمرو، وكان السكران من ضمن من هاجروا إلى الحبشة في الهجرة الثانية، ومات حين عودته بأهله إلى مكة، وكانت عمر سودة حين تزوجها النبي خمسة وخمسين عامًا، وكان لها من زوجها خمسة أو ستة أبناء من الذكور.

كانت السيدة سودة بنت زمعة ترغب في إرضاء النبي صلى الله عليه وسلم، وخشت عندما أسنت أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم فتحرم أن تبعث مع نساءه، فوهبت يومها للسيدة عائشة رضي الله عنها ابتغاءًا لرضا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “خَشِيَتْ سَوْدَةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: اجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ، فَفَعَلَ”.

أما عن علاقة عائشة بها، فروي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلَاخِهَا -أي جلدها- مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، مِنِ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَّةٌ”؛ وتفسر لنا ذلك دار الإفتاء في موقعها الرسمي بأن السيدة عائشة رضي الله عنها تمنت أن تكون في مثل هديها وطريقتها، فلم ترد أن تعيبها بذلك بل كانت تصفها بقوة النفس وهي الحدة.

بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم رفضت سودة أن تخرج لتحج وتعتمر مع نساء النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: “قد حججت واعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأنا أقعد في بيتي كما أمرني الله”. وظلت بالفعل في بيتها حتى توفيت في شوال سنة أربع وخمسين هجريًا بالمدينة، وكان ذلك خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بعد أن أوصت ببيتها لعائشة.

قصة سودة زوجة الرسول مع الحجاب

قصة سودة فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة أما والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين، قالت: فانكفأت راجعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وإنه ليتعشى وفي يده عرق، فدخلت فقالت: يا رسول الله إني خرجت لبعض حاجتي، فقال لي عمر كذا وكذا، قالت: فأوحى الله إليه ثم رفع عنه وإن العرق في يده ما وضعه، فقال: “إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن”.

لماذا طلق النبي سودة

فقد نص غير واحد من أهل العلم على أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد طلاق زوجته أم المؤمنين سودة رضي الله عنها، لكنها آثرت البقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم وأعطت يومها لأم المؤمنين عائشة، قال القرطبي في تفسيره نقلاً عن ابن أبي مليكة: إن سودة بنت زمعة لما أسنت أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلقها فآثرت الكون معه فقالت له أمسكني واجعل يومي لعائشة ففعل صلى الله عليه وسلم وماتت وهي من أزواجه. انتهى.
وبهذا استدل العلماء على جواز طلاق المرء زوجته إذا كره منها كبرا أو دمامة أو نحو ذلك، وفي البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها: وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو اعراضاً قالت: الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها، فتقول أجعلك من شأني في حل، فنزلت هذه الآية في ذلك.
وروى القرطبي عن ابن أبي شيبة أن علياً رضي الله عنه سأله رجل عن هذه الآية فقال: هي المرأة تكون عند الرجل فتنبو عيناه عنها من دمامتها أو فقرها أو كبرها أو سوء خلقها وتكره فراقه فإن وضعت له من مهرها شيئاً حل له أن يأخذ وإن جعلت له من أيامها فلا حرج. انتهى.
قال ابن العربي في آيات الأحكام عند ذكر الآية السابقة: وفيها رد على الرُّعُن الذين يرون الرجل إذا أخذ المرأة وأسنت لا ينبغي له أن يتبدل بها، فالحمد لله الذي رفع حرجا وجعل من هذه الضيقة مخرجا.

معنى اسم سودة

سودة اسم علم مؤنث ذو أصول عربية ولها معان كثيرة طيبة، فهو يعني الأرض التي يكثر بها النخيل، ويشير أيضا إلي الخير الوفير من المال والعدد، ويطلق أيضا علي الأرض المستوية، كما أنه يعني المكان المستوي الذي يكثر فيه الحجارة ويغلب عليها السواد، ويقال سود الكبير أي جعلوه عليهم سيدا، فهو من الأسماء الراقية ذات القيمة التي لا تنقص كلما مر عليها الزمن.

عمر سودة بن زمعة

تزوج النبى صلى الله عليه و سلم سودة بنت زمعة، وعمرها في حدود ست وستين، كما قال أبو زهرة في كتابه خاتم النبيين: تزوج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من بعدها قبل الهجرة سودة بنت زمعة، وكانت نحو سن خديجة، أي في ست وستين من عمرها.

سيرة سودة زوجة الرسول

هذه الزوجة الطاهرة أسلمت بمكة قديماً، وهاجرت هي وزوجها إلى الحبشة، وينبغي أن نتصور: ما معنى أن يترك الإنسان بلده التي ولد فيه؟ ما معنى أن يدع الإنسان مسقط رأسه ؛ لسببٍ بسيط، لمضايقةٍ يسيرة، لضغطٍ خفيف أم لشيءٍ لا يحتمل، شيءٍ لا يطاق؟ .
أيها الأخوة, الصحابة الكرام الذين أسلموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ذكوراً وإناثاً، في أول الدعوة الإسلامية, لهم عند الله مقامٌ كبير، لأنهم تحمَّلوا، وتحملوا الشيء الكثير ، حتى إن الهجرة إلى الحبشة, كانت متنفَّساً لهم, من شدة الضغط الذي تحمَّلوه .
لو أن أحدنا سأل نفسه هذا السؤال: هل تحمَّل واحد بالمليار مما تحمَّله الصحابة؟ تدخل إلى المسجد؛ تصلي، وتحضر درس علم، وتقرأ القرآن، وتعود إلى بيتك آمناً، تصلي قيام الليل إذا شئت، لا أحد يعترضك، تفعل في بيتك ما تشاء، لا أحد يأخذ عليك أنك مسلم، ماذا ذاق المسلمون في جنب ما ذاق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم؟ .
أسلمت بمكة قديماً، وهاجرت هي وزوجها إلى الحبشة، ومات زوجها هناك، وقد ورد أنه ما عُبد الله في الأرض بأفضل من جبر الخواطر، الإنسان أحياناً يتزوج امرأةً لجمالها، وقد يتزوّجها لمالها، وقد يتزوجها لدينها، وقد يتزوجها جبراً لخاطرها .
هذه الزوجة الطاهرة روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أحاديث كثيرة، وروى عنها ابن عباس، وتوفيت رضي الله عنها في آخر زمان عمر بن الخطاب .

إليكم قصة زواجها من رسول الله عليه الصلاة والسلام :
فمن التي خطبتها لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم؟ خطبتها خولة بنت حكيم، المرأة نفسُها التي خطبت السيدة خديجة لرسول الله .
يروي الإمام الطبري في تاريخه أنّ خولة بنت حكيم, قالت:

((يا رسول الله ألا تتزوج؟ النبي عليه الصلاة والسلام يقول: من أفضل الشفاعة أن تشفع بين اثنين في نكاح))

دافع الأمومة أقوى دافع في الجنس البشري
أخواننا الكرام, الزواج جبر، فتاة، طاهرةٌ، عفيفةٌ, تنتظر زوجاً، تنتظر أن يطرق بابها خاطب، هكذا خلقها الله عزَّ وجل، جعل فيها دافع الأمومة, أقوى دافعٍ في الجنس البشري, دافع الأمومة, الفتاة أحياناً بخلاف ما تتصورون، طلبها للزواج ليس كطلب الزوج للزواج، شهوة الرجل حسيَّة, لكن المرأة رغبتها في الزواج أن تكون أماً، أن يخطبها خاطب، إذاً: هي مرغوبٌ فيها، إذاً: هي مطلوبة، لذلك:

((من أفضل الشفاعة أن تشفع بين اثنين في نكاح))

جميل جداً أن تتعرَّف إلى أخوانك، هذا الأخ عنده بنات، فإن رأيت شابًا مؤمناً مستقيماً، طاهراً عفيفاً، دللته على امرأةٍ طيبةٍ طاهرةٍ عفيفة, هذا أعظم عملٍ تفعله,

((من أفضل الشفاعة أن تشفع بين اثنين في نكاح))

قال تعالى:

﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً﴾

[سورة النساء الآية: 85]

قالت هذا الكلام بعد وفاة السيدة خديجة بثلاث سنوات، معنى ذلك النبي عاش وحيداً، والأزواج يعرفون؛ المرأة سكنٌ لزوجها، ومن أصعب الحالات أن يفقد الرجل زوجته، والنبي عليه الصلاة والسلام بموت السيدة خديجة فقد الدَعم الداخلي، وبموت عمِّه أبي طالب فَقَدَ الدَعم الخارجي، إذاً: ذاق النبي الوحدة، ذاق الوحشة، ذاق موت النصير، ذاق موت القريب، ذاق موت أحب الناس إليه .

((إن الدنيا دار التواء لا دار استواء ، منزل ترحٍ لا منزل فرح، من عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى وجعل الآخرة دار عقبى))

فقال عليه الصلاة والسلام:

((ومن؟ قالت: إن شئت بكراً, وإن شئت ثيِّباً، قال: فمن البكر؟ قالت: ابنة أحب خلق الله إليك، عائشة بنت أبي بكر، قال: ومن الثيِّب؟ قالت: سودة بنت زُمعة, قد آمنت بك، واتبعتك على ما أنت عليه .

-نقطة دقيقة: الإنسان يتزوج، هذه الزوجة أقرب الناس إليك، إن لم تكن على شاكلتك ، إن لم تؤمن بما تؤمن، إن لم توقِّر ما توقِّر، إن لم ترجو ما ترجو، إن لم تكن على الشكل الذي يرضيك، كيف تعيش معها؟ فهذا الذي يذهب إلى بلاد الغرب، ويقترن بامرأة راق له شكلُها، لكن أهلها طباعهم، عاداتهم، تقاليدهم، قيمهم، مبادئهم، ديانتهم، فكيف تستطيع العيش معها؟ .
فما من علاقة أقرب من الزوج إلى زوجته، يسمونها علاقة حميمة، أي أنها علاقة من أعلى درجات العلاقات، أيعقل أن تكون زوجتك على غير شاكلتك، تؤمن بما لا تؤمن، أو تكفر بما تؤمن، تحب ما لا تحب، ترضى بما لا يرضيك؟ مستحيل- .

قال: فاذهبي فاذكريها علي, -أي اخطبيها لي- .
فجاءت فدخلت بيت أبي بكر, قالت: ثم خرجت, فدخلت على سودة, فقالت: أي سودة, ماذا أدخل الله عليكِ من الخير والبركة؟

لابد من التوافق حتى تسمو العلاقة الزوجية
-فقياساً على ذلك إذا كان طالب العلم إنسانًا ملتزمًا، مؤمنًا يحب الله ورسوله، يخشى الله، يُرضي الله، يتحرَّى الدخل الحلال، إنفاقه حلال، جوارحه مضبوطة، هذا إذا خطب, ينبغي ألا يتردد في الموافقة عليه، هذا مكسبٌ كبير، طالب العلم كفءٌ لأيَّة فتاةٍ على الإطلاق- .

قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يخطبكِ عليه، فقالت: وددت، -أي تمنيت، أرأيت هذا الأدب أيضاً؟ في إنسان تعرض عليه شيء يتأبَّى، ومن الداخل يذوب شوقاً إليه، لكنه يتأبَّى لكبرٍ فيه- قالت: وددت, ادخلي على أبي, فاذكري له ذلك .
قالت: وهو شيخٌ كبير، فدخلت عليه، فحييته بتحية الجاهلية، ثم قلت: إن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب, أرسلني أخطب عليه سودة، قال: كفءٌ كريم .

-نقطة دقيقة: جاءته الرسالة، لو أن الناس يعلمون عنه شيئاً في الجاهلية قبل الإسلام لذكروه بصوتٍ عالٍ، الأنبياء معصومون قبل النبوة، لا يستطيع أحدٌ أن يتكلَّم عنهم كلمة-

قال : كفءٌ كريم، فماذا تقول صاحبته, أي مخطوبته؟ قالت: تحب ذلك، قال: ادعيها لي، فدُعيت له .
قال أبوها: أي سودة، زعمت هذه أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب, أرسل يخطبكِ ، وهو كفء كريم، أفتحبين أن أزوِّجْكِهِ؟ قالت: نعم، قال: فادعيه لي، فدعته، فجاء فزوجه .

-طبعاً صاحب الحاجة هو الذي يأتي، هذا أدب أيضاً-

جاء النبي عليه الصلاة والسلام إلى أبيها، وخطبها منه، وتزوجها))

ما ذكره ابن كثير والإمام أحمد بشأن موضوع زواج السيدة سودة من رسول الله :
يروي الحافظ ابن كثير, والإمام أحمد في المسند, محاورةً جرت في هذا الموضوع، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ:

((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِهِ, يُقَالُ لَهَا: سَوْدَةُ, وَكَانَتْ مُصْبِيَةً,

-أي لها صبيان-

كَانَ لَهَا خَمْسَةُ صِبْيَةٍ أَوْ سِتَّةٌ مِنْ بَعْلٍ لَهَا مَاتَ,

-هناك من يدَّعي، ومن يتهم النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان مغرماً بالنساء، هذه امرأةٌ متقدمةٌ في السن، مُصْبِيَة-

فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَمْنَعُكِ مِنِّي؟ قَالَتْ: وَاللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ, مَا يَمْنَعُنِي مِنْكَ أَنْ لَا تَكُونَ أَحَبَّ الْبَرِيَّةِ إِلَيَّ, وَلَكِنِّي أُكْرِمُكَ أَنْ يَضْغُوَ هَؤُلَاءِ الصِّبْيَةَ عِنْدَ رَأْسِكَ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً,

-أي أن يمنعوا راحتك، خمسة أولاد، كان قدوةً عليه الصلاة والسلام، امرأةٌ مسنَّة يتزوجها، وعندها خمسة أولاد، هي نفسها خافت أن تزعج النبي عليه الصلاة والسلام، هي نفسها خافت أن يكون أولادها عبئاً على النبي عليه الصلاة والسلام-

قَالَ: فَهَلْ مَنَعَكِ مِنِّي شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ, قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَرْحَمُكِ اللَّهُ, إِنَّ خَيْرَ نِسَاءٍ رَكِبْنَ أَعْجَازَ الْإِبِلِ, صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرٍ, وَأَرْعَاهُ عَلَى بَعْلٍ بِذَاتِ يَدٍ))

[أخرجه الإمام أحمد عن عبد الله بن عباس في مسنده]

الزوجة الصالحة تخدم زوجها حين يمرض أو يهرم
فالإنسان إذا تقدَّم في السن تكثُر حاجاته، لذلك الزوجات الطاهرات المخلصات: هنَّ اللواتي يضاعفن من خدمة أزواجهن, إذا تقدَّمت بهم العمر، طبعاً حينما يكون شاباً يخدمنه خدمةً عالية، أما إذا تقدَّمت به السن ضعفت الخدمة، فقال عليه الصلاة والسلام:

((إِنَّ خَيْرَ نِسَاءٍ رَكِبْنَ أَعْجَازَ الْإِبِلِ, صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرٍ, وَأَرْعَاهُ عَلَى بَعْلٍ بِذَاتِ يَدٍ))

[أخرجه الإمام أحمد عن عبد الله بن عباس في مسنده]

أي خير النساء من جمعت بين رعاية أولادها ورعاية زوجها .
هناك مشكلتان في بيوت المسلمين؛ الأولى أن الزوجة تعتني بزوجها عنايةً فائقة, وتهمل أولادها، تدعهم في الطُرقات، ثيابهم غير نظيفة، أعمالهم غير مرتَّبة، دراستهم متخلِّفة ، لكنها تعتني بزوجها, لأنه مصدر سعادتها، هذا مرض .
المرض الثاني: تعتني الزوجة بأولادها على حساب زوجها، تهمله, تهمل طعامه، وشرابه، وثيابه، كل همها لأولادها، هذا خطأ, وهذا خطأ، هذا تطرُّف وذاك تطرُّف، خير النساء من جمعت بين رعاية أولادها ورعاية زوجها، وقد لا تصدقون أن المرأة التي تحسن تبعُّل زوجها هذا العمل, يعدل الجهاد في سبيل الله، ولكن من هي هذه المرأة التي تتفهَّم هذا الحديث الصحيح الذي رواه النبي عليه الصلاة والسلام:

((انصرفي أيتها المرأة, وأعلمي من وراءك من النساء, أن حسن تبعل إحداكن لزوجها, وطلبها مرضاته, واتباعها موافقته, يعدل ذلك كله))

أي الجهاد في سبيل الله .

زوجات الرسول

  • خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-.
  • سودة بنت زمعة -رضي الله عنها-.
  • عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنها-.
  • حفصة بنت عمر بن الخطاب -رضي الله عنها-.
  • زينب بنت خزيمة -رضي الله عنها-.
  • أم سلمة -رضي الله عنها-.
  • زينب بنت جحش -رضي الله عنها-.
  • جويريّة بنت الحارث -رضي الله عنها-.
  • صفيّة بنت حُيَيّ -رضي الله عنها-.
  • أم حبيبة -رضي الله عنها-.
  • ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها-.

 

السابق
دواء جلادوس glados علاج السكري من النوع الثاني
التالي
ما هي صودا الغسيل

اترك تعليقاً