أدبيات

قصة اهل الكهف

قصة أهل الكهف

قصة اهل الكهف

وَصَفَ القرآنُ الكريمُ أصحابَ الكهفِ بأوصافٍ مُحبَّبةٍ تَعكِسُ ما يَحمِلهُ شُخوصُ القَصَّةِ وأبطالُها من قِيَمٍ تُمثِّلُ مَطلبَ الإيمانِ بالله وحده، قال تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى). وفي خبرِ أصحابِ الكهفِ أنَّهم فرُّوا بدينِهم من مَلكٍ ظَهرَ في مدينَتهم فعبَد الأصنامَ وعبَّدَ قومهُ، فانصرفَ هؤلاء الفتية عنه إلى كهفٍ خارج المدينةِ فارّين بدينهم. تجتمعُ الرِّواياتُ على أنَّ الفتيةَ كانوا على دينِ عيسى ابن مريم عليه الصَّلاةُ والسَّلام، وأنَّ اسم الملك الكافر دَقيوس أو دَقَنيوس، واسمُ المَدينةِ التي يحكُمُها أفسوس أو يُقالُ طَرَسُوس، ومنها خرج الفتيةُ خوفاً من الملكِ على دينهم وأنفسهم، وكانَ تعدادُهم سبعةً كما رجَّحَ المفسِّرونَ استشهاداً بما ذكره القرآن الكريم، قال تعالى: (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا)،[٤] وفي ذلك قيل إنّ نفيَ التِّعدادينِ الأول والثّاني ظهر بإتّباعهما جملة (رجماً بالغيب)؛ بمعنى قذفاً بالغيب بغير تثبُّتٍ أو دليلٍ، ثم استأنف التّعدادَ ليفصِحَ عن العددِ الحقيقي، فكانوا سبعةً وثامنهم كلبهم، والله أعلم.

خروجُ الفتيةِ إلى الكهف

قيل في أحوالِ الفتيةِ أنَّهم كانوا من أبناء الأكابِر أو من أبناء المُلوكِ، وأنَّهم كانوا صغار العمر، وأنَّ الملك دقنيوس كانَ طوَّافاً على مدن الرُّومِ فلا يُبقي فيها أحداً على دين عيسى ابن مريم عليه الصَّلاة والسَّلامُ إلا قتله، وكان الفتيةُ قد أنكروا ما كانَ عليهِ الملك دقنيوس وقومه من عبادةِ الأصنامِ واستخفُّوا حالهم، فذُكِروا عند دقنيوس أنَّ من أبناء حاشيتك من يعصي أمرك ويُسفِّه آلهتك، فَجمعَ دقنيوس الفتية وأمرهم باتِّباعِ آلهته والذّبح لها، ثمَّ توعَّدهم بالقتلِ بعدما رأى منهم ثباتاً على دينهم وعزيمةً منهم على التشبُّثِ به والدِّفاع عنه، ثمَّ رأى أن يجعلَ لهم موعداً يلتمسُ فيهِ عودَتَهم إليه وإلى آلهته، وما كان ليؤخِّرَ حسابهم إلا لاعتبارِ حداثةِ سنِّهم وجهلهم بما قد يُعمِلُ فيهم من القتل وسفك الدِّماءِ وتعليقِ أشلائهم على أبواب المدينةِ كما يَفعَل بمن على غير دينِه، وانطَلَق دقنيوس خارج المدينةِ يلتمسُ أمراً، فاجتمعَ الفتيةُ على اعتزالِ النَّاسِ والهربِ إلى كهفٍ في جبلٍ على أطراف المدينة يقال له بنجلوس، فجعلوا يعبدون اللهَ ويُشغلون سائر أوقاتهم بالدُّعاء والذِّكر، وجعلوا أحدهم على طعامِهم واسمه يمليخا، فكانَ إذا أراد الخروج إلى سوق المدينة وضعَ عنه ثيابهُ التي كان يُعرف بها بشرفه ونسبه ويلبس أثواباً ممزَّقةً يتخفَّى بها عن أهلِ مدينتِه، فيعود إلى أصحابه بطعامٍ ورزقٍ دون أن يشعُر به أحد.

عودة الملك

عند عودة الملك دقنيوس إلى المدينة طلب الفتية إلى أجلهم الذي أخَّره لهم، فذكر له النَّاس ما كان من أمرهم، فجمَعَ جنده ثم انطلق إلى الكهف فبنى عليه ليموتوا داخله، وكانَ الله قد ضرب على آذانهم، فكانَ في نومِهم فقدانٌ للسّمعِ الذي هو أشدُّ الحواسِّ تأثُّراً أثناء النَّوم. ثمَّ بعثَ الله ملكاً على دين عيسى ابن مريم عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فكان في عهدهِ أن أذنَ الله بفتحِ الكهفِ بيدِ راعٍ يقصِد الكهفِ ليحميَ أغنامه من المطر، فأرسَل الله أصحاب الكهفِ فاختلفوا في مدَّة نومِهم، ثمَّ أرسلوا يمليخا القائم على طعامهم ليشتري لهم، فكان كلّما مرَّ بمعلَمٍ أنكَرهُ، حتّى إذا وصل السُّوقَ وأظهرَ دراهمه أنكرهُ النَّاس واجتمعوا يسألون عن أمره، ثم رفعوا أمره إلى الملك فقصَّ عليهِ القصصَ، فأتبعهُ الملكُ وقومه إلى الكهفِ ليشهدوا مَبعثَ أصحابِه، فلمَّا وصلوا أسبقهم يمليخا إلى أصحابه فضرب الله عليهم فماتوا، فاستبطأه الملك فدخل ومعه قومه فوجدوهم على حالهم وعجلوا أمرهم، فأقاموا عليهم كنيسةً ومسجداً يُصلَّى فيه.

مناسبة قصة أهل الكهف

في القرآن الكريم نَزلَت سورةُ الكَهفِ تثبيتاً لرسولِ الله عليه الصَّلاةُ والسَّلام وتصديقاً لرسالته، ذلك أنّ كفَّار قريش بعثوا النَّضْر بن الحارث وعُقبةَ بن أبي مَعيَط إلى أحبار اليهود يستفتونهم في النَّبي محمد عليه الصَّلاة والسَّلام، فرجع النَّضر وعُقبةَ إلى أهليهم يحملون من اليهودِ ثلاثة أسئلةٍ؛ أولاها شأن الفتيةِ أهل الكهف، وثانيها الرَّجل الطوَّاف، وثالثها الرُّوح، فأبطأ الوحيُ على رسولِ الله خمسة أيامٍ، ثمَّ جاءه بسورة الكهفِ، وأخبار أصحاب الكهفِ، وذي القرنين، ونَزلت الآية: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ).

أسماء أصحاب الكهف

فقد ذكرت أسماء أصحاب الكهف في بعض كتب الأخبار والتفسير، وخاصة تفسير الطبري والقرطبي وغيرهما، كما ذكر فيها اسم كلبهم .. وغير ذلك من تفاصيل قصتهم مما لا يصح، كما قال القرطبي عند ذكر أسمائهم قال: وأما أسماؤهم فأعجمية والسند فيها واه. وبإمكانك أن ترجع إلى أسمائهم في بعض المراجع التي أشرنا إليها مع العلم أنه لا يترتب على معرفتها كبير فائدة ولا ينبني عليها عمل ولا حكم شرعي… ولو كان في ذلك فائدة لنا لقصه علينا القرآن الكريم أو لحدثنا به نبينا صلى الله عليه وسلم. وينبغي للمسلم أن يكتفي بما جاء في كتاب الله تعالى وبما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذه القصص… التي بين القرآن الكريم ما تضمنته من دروس وعظات وعبر.. ويتوقف عن التفاصيل الجزئية التي لا فائدة منها. 

والله أعلم.

السابق
ما هي رياضة اليوغا
التالي
اشهر القنوات العالمية

اترك تعليقاً