الأسرة في الإسلام

ما هو عقوق الاباء للابناء

عقوق الآباء للابناء إسلام ويب

عقوق الآباء للأبناء لم تقتصر الشريعة الإسلامية على تحذير الأبناء من خطر عقوق الآباء، بل حذرت الآباء من عقوق أبنائهم أيضاً، حيث قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (ألا كُلّكُم راعٍ، وكلّكُم مسئولٌ عن رعيّتهِ، فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ، وهو مسئولٌ عن رعيّتهِ، والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتهِ، وهو مسئولٌ عنهم)، ويمكن القول أنّ عقوق الآباء لأبنائهم من أمراض المجتمع التي لا بُد من الانتباه إليها، فثمّة صورٌ عديدةٌ لذلك العقوق، منها:

التفرقة في المعاملة: من المعروف أنّ الإنسان لا يملك قلبه، فمن الممّكن أن يحبّ الأبّ أو الأمّ بعض أبنائهم أكثر من الآخرين وهذا أمرٌ فطريّ لا بأس فيه، ولكن تبدأ المشكلة إذا ظهر ذلك الحب في معاملتهم لذلك الابن بصورةٍ مميّزةٍ عن باقي إخوانه، ممّا يورث الحقد في قلوب باقي الإخوة على والديهم وأخيهم عند شعورهم بالتمييز، وقد حصل ذلك مع أحد الأنبياء الذين هم خير البشر، حيث إنّ يعقوب -عليه السّلام- كان يحبّ ابنه يوسف -عليه السّلام- أكثر من أبنائه الآخرين، ولكنّه كان حريصاً على أن يخفي ذلك عنهم؛ لأنّه كان يعلم أنّ معرفتهم بحبّه ليوسف سيزيد من حقدهم على أخيهم، وممّا يدلّ على ذلك قول الله تعالى روايةً عن يوسف عليه السّلام: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)،[٨] فرد عليه يعقوب عليه السلام قائلاً:(قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)، فأمر يعقوب ابنه يوسف بإخفاء الرؤيا عن إخوته، ثمّ فسرها له، وهذا يدلّ على ضرورة إخفاء الوالدين حبّ أحد أبنائهم أكثر من الآخرين، ومن الجدير بالذكر أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنكر تمييز أحد الآباء لولده، ورفض الشهادة على هبةٍ منه لذلك الولد، حيث سأل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الرجل: (ألَكَ ولَدٌ سِوَاهُ، فقال: نعم، فقال:لا أَشْهَدُ على جَوْرٍ).

الاستبداد بالرأي: ويكون الاستبداد في الرأي من أشدّ صور العقوق، إذا كان يتعلّق بمستقبل الأولاد؛ كاختيار التخصص الذي سيدرسونه في الجامعة، أو طبيعة عملهم، أو تزويج الفتاة دون رضاها، كما حصل عندما جاءت فتاةٌ إلى الرسول -عليه الصّلاة والسّلام- تشكو إليه أنّ أباها يريد تزويجها من أحد أقاربها؛ ليرفع به خسيسته، فرفض رسول الله ذلك وردّ الزواج، فلمّا رأت الفتاة أنّ الأمر لها، قالت: (يا رسول الله قد أجزت ما أجاز أبي، غير أنّي أحببت أن أعلم من ورأي من النساء أن ليس للأباء في هذا الأمر من شيء).

العلاقات المحرّمة:حيث إنّ العلاقات المحرّمة التي يقيمها بعض الآباء تعتبر من العقوق بأبنائهم، فربّما تنعكس هذه العلاقات؛ كالحب والعشق المحرم على تربية الأولاد، وربما تنهار صورة الأب المثاليّة أمام أولاده في حال اكتشفوا أمر تلك العلاقات، ولذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (اتَّقِ المحارمَ تكن أَعْبدَ الناسِ)

 الاهتمام بالطعام والشراب على حساب التربية: إذ إنّ إهمال تربية الأولاد بحجة الانشغال بجمع الأموال؛ لتحسين حياتهم يعتبر من العقوق، فالتربية أهمّ من الحرص على جمع المال.

عقوق الآباء للابناء عمر عبد الكافي

https://youtu.be/ca8433pBurk

عقوق الأبناء للامهات

كثر عقوق الأمهات في هذه الآونة الأخيرة من الزمان ، بسبب البعد عن دين الواحد الديان ، ونتيجة لكثرة مغريات الحياة الدنيا ، وتهافت الكثيرين عليها ، ونسياناً لرد الجميل ، ورغبة عن مقابلة الإحسان بمثله ، حتى نشأ لدينا جيل تنكر لدينه وأهله ووطنه _ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم _ .
كم من الرجال والشباب من يضرب أُمه ويهينها ويطردها من بيته أو بيتها أو ربما قتلها ، يالله . . ضربها وطردها وقتلها ، ياله من عاق ، إنه جاهل غافل سفيه لا عقل له .
طرد أُمه التي أفنت عمرها لأجل تربيته وتنشئته ، أحبته أكثر من نفسها ، وأيم الله أكثر من نفسها ، تفديه بروحها ، جاعت ليأكل ، وسهرت لينام ، وتعبت ليرتاح ، وشقيت ليسعد ، تحبه ويكرهها ، وتجله ويهينها ، ما هذه المفارقات ؟ وما هذا التباين ؟
أزالت عنه الأقذار والأوساخ ، ونفست عنه همومه ، وأذهبت غمومه ، تراقبه في كل حين ، تلحظه في كل وقت ، تخاف عليه من نسمة الهواء ، إذا خرج من البيت لم تقر لها عين ، ولم يغمض لها جفن ، حتى يعود ، ثم إذا عاد إلى البيت رفع صوته عليها لماذا تنتظرينني ؟ أتحسبين أني طفل ؟ وكالها من الكلمات القاسية ، واللفاظ النابية مالا تستحقه ، لم يعرف يوماً ماذا يدور بقلبها وعقلها ، خوفاً عليه وشفقة ، لم يعرف يوماً معنى الأمومة ؟ فهداه الله من ولد عاق .
ولقد حذر الله تعالى من قول : ” أُف ” للوالدين ،
وحذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من عقوق الأمهات ، فَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ ، وَمَنْعًا وَهَاتِ ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ” [ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ] .
وَإِنَّمَا خُصَّتْ الْأُمُّ هُنَا إظْهَارًا لِعِظَمِ حَقِّهَا وَإِلَّا فَالْأَبُ مُحَرَّمٌ عُقُوقُهُ ، فكم من الأبناء والبنات من عقوا أمهاتهم وتركوهن يبكين ، فويل لهم من فاطر الأرض والسموات ، إن قطيعة الوالدين من أشد الذنوب خطراً ، وأعظمها ضرراً ، فقد توعد الله صاحبها باللعن ، لعنه الله من فوق سبع سموات ، قال الله تعالى : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } [ محمد 22-23 ] .
ألا وإن أعظم الرحم صلة الوالدين ، لأنهما سبب وجودك في هذه الحياة ، فهل تقابل ذلك بالجحود والنكران ؟
العاق يحرم نفسه بركة العمر ، وبركة الرزق ، وبركة الولد ، العاق يعرض نفسه للعذاب في الدنيا والقبر والآخرة ، فيخسر خسارة كبيرة ، العاق يقطع صلته بربه .
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” خلق الله الخلق ، فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن عز وجل ، فقال : مه ! فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة . فقال : ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى ، قال : فذاك ” [ رواه البخاري ومسلم ] .
وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما من ذنب أحرى أن يعجل الله عقوبته في الدنيا ، مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة ، من البغي وقطيعة الرحم ” [ رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة ، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح ] .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” مَنْ سرَّه أن يُبْسَط له في رزقه ، ويُنْسَأ له في أجله ، فليصل رَحِمَه ” .
ألا ويلك أيها العاق يوم القيامة من شديد العقاب ، وأليم العذاب ، لا ينظر الله إليك ، ولا يكلمك بل إلى جهنم أجارنا الله منها ومن عذابها ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، ومدمن الخمر ، والمنان عطاءه ، وثلاثة لا يدخلون الجنة : العاق لوالديه ، والديوث ، والرجلة ” [ رواه النسائي والبزار واللفظ له بإسنادين جيدين والحاكم وقال صحيح الإسناد ، وقال الألباني : حسن صحيح ] .
فبر الأمهات والإحسان إليهن ، وكذلك الآباء ، سبب لزيادة الرزق ، وزيادة العمر ، وصلاح الذرية ، وحسن الخاتمة ، والعقوق على النقيض من ذلك ، فهو سبب للفقر والخسارة ، وموت الفجأة ، وسوء الخاتمة ، وعقوق الأولاد .
أيها العاق . . والله ثم والله ، مهما قدمت لأُمك من خير وبر وطاعة وإحسان فلن توفيها ولو زفرة من فراتها ، ولا طلقها من طلقاتها حين ولادتك ، ولكن الله يجزي البار خيراً على إحسانه ، وثواباً على بره .
عقوق الأمهات سبب لحبس اللسان عن قول شهادة التوحيد ، فهذا علقمة شاب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ملأت قصته الكتب والسطور ، والدواوين والصدور ، شاب يصلي المكتوبات ويحافظ على الرواتب ، يصوم رمضان ، ويصوم غيره من الأيام ، تزوج بامرأة ، أطاعها وعق أُمه ، فغضبت عليه ، ولما حضرته الوفاة قيل له : قل : لا إله إلا الله ، فلم يستطع قولها ، وعجز عن النطق بها ، لماذا يا علقمة ؟ ماذا عملت يا علقمة حتى يُحبس لسانك عن قول : لا إله إلا الله ؟
لقد عق علقمة أُمه ، أرضى زوجته وأسخط أُمه ، أطاع زوجته وعصى أُمه ، سخطت عليه أُمه فسخط الله عليه ، غضبت عليه أُمه فغضب الله عليه ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ” رِضَى اللَّهِ فِي رِضَى الْوَالِدَيْنِ ، وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ ” [ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ ] .
فجاءوا إلى النبي فقالوا : إن لسان علقمة لم ينطق بكلمة التوحيد وهو في الموت ، فقال : قولوا لأمه : إما أن تأتيني وإما أن آتيها ، فقالت : بل أنا آتي رسول الله ، فلما جاءت إليه سألها عن خبر علقمة ، فأخبرته أنه كان يعقها ، فقال : إما أن ترضي عنه وإما أن أحرقه بالنار ، فقالت : بل أرضى ، تنظروا إلى قلب الأم ، قلب رحيم ، قلب شفيق ، قلب رفيق رقيق ، قلب حنون ، قلب عطوف ، لم ترض أن يُحرق ولدها وقد أحرق قلبها ، فلما رضيت عنه صدقاً وحقاً ، نطق علقمة بالشهادة .
فاحرصوا معاشر الأبناء والبنات على رضى أُمهاتكم ، فرضاهن رضى لله ، وسخطهن سخط من الله .
من أراد الجنة فليقبل قدم والدته فعندها الجنة ، وقد وردت الوصية بالوالدين في غير آيةٍ ، لِما للوالدَين من منزلةٍ كبيرة وكريمة في وجود الانسان .
ووصّينا الانسانَ بأن يحسِن إلى والديه ويبرَّهما في حياتهما وبعد مماتهما ، وخصَّ الأمَّ بالكلام لأنها تقاسي في حمله مشقةً وتعباً ، وفي وضعه آلاماً كثيرة ، ثم في إرضاعه وتربيته ، فالطفلُ يقضي معظم وقتِه مع أمهِ ، وفي رعايتها وحنانها وعطفها . . لهذا كلّه تستحقّ الكرامةَ وجميل الصحبة والبر العظيم . وقد وردت أحاديث كثيرة تحثّ على بِرّ الأمهات .
روى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” أمَّكَ ثم أمك ثم أمك ، ثم أباك ” ، وجاء في الحديث : ” الجنّةُ تحت أقدام الأمهات ” .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه ، أن النبي قال لرجلٍ يسأله عن حقوق الوالدين : ” هما جنَّتاك وناراك ” ، وفي البخاري ومُسْلم : ” أحقُّ الناسِ بالصحبة الأم ” .
وأختم أيها الأبناء والبنات بهذه القصة :
جلس الشاب مع عروسه على المنصة والنساء حولهم _ وهذا أمر لا يجوز للرجل فعله ولا يجوز للنساء حضور مثل ذلك _ المهم جلس بجانب عروسه ، وأُمه التي حملته وأرضعته ورعته وزوجته في أشد حالاتها فرحاً ، ففلذة كبدها قد تزوج وحان أوان رد الجميل ، الآن تجلس هي ويقوم هو ، وترتاح هي ويتعب هو ، وتنام هي ويسهر هو ، أليس الله تعالى يقول : { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } ، ألم يقل الله تعالى : { ووصينا الإنسان بوالديه حسناً } ، وبينما هو يتجاذب أطراف الحديث مع عروسه ، وأمه تحتفل بهما على المنصة رائحة غادية ، فرحة مسرورة ، إذ به يفاجأ بعروسه وهي تقول له : أخرج أُمك من هنا فأنا لا أُحب أن أراها ، فقام وجاء بأمه وقربها إليه وقال للحاضرات : من يشتري أُمي ، فذهل الجميع ، كيف يبيع أُمه ؟ من يشتري أُمي ، فسكن الجميع في وجوم غريب ، وصمت عجيب ، لم يجبه أحد ، فقال : أنا أشتري أُمي ، أنا أشتري أُمي ، فاشترى أُمه ، واشترى جنة عرضها السماء والأرض ، وقال لزوجته : أما أنت فطالق ثم طالق ثم طالق ، طلق العاقة ، طلق الجاهلة ، طلق السفيهة ، فزوجة هذه أفكارها ، وتلك آراؤها ، لهي نكسة ونكبة وسوء على زوجها وعلى أُسرتها ومجتمعها وأمتها ، وهل تباع الأم ، تباع مهجة الفؤاد ، تباع سبب الحياة والوجود ، لا يعدل وجودها أثمان الدنيا وأموالها ، لا مقارنة بين الأم والزوجة ، ولا مقارنة بين الأم والولد ، فالأم إذا ذهبت لا تعوض ، والزوجة بدلها مئات وآلاف وملايين ، أحسن منها وأجمل وأنسب وأغنى ، والولد كذلك يعوضه الله عز وجل بغيره ، أما الأم فلا تُعوض أبداً ، لقد اشترى من ربته وتعبت وسهرت لأجله ، اشترى من تجري الجنة تحت قدميها ، اشترى رحمة الله ، فلله دره من رجل بار بوالدته ، فهل من رجل رشيد ، وبنت رشيدة ؟

آيات قرآنية وأحاديث عن بر الأبناء

الأدب مع الوالدين وصيَّة رب العالمين:

أمَرنا الله تعالى في كتابه العزيز بالإحسان إلى الوالدين.

(1) قال الله تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء: 36].

(2) قال سبحانه: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 23 – 25].

قوله تعالى: ﴿ وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23]؛ أي: ليِّنًا طيِّبًا حسنًا بتأدُّبٍ وتوقيرٍ وتعظيمٍ؛ (تفسير ابن كثير – جـ 5 – صـ 64).

(3) وقال سبحانه: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ﴾ [العنكبوت: 8].

قال الإمام ابن كثير – رحمه الله -: أمَر الله تعالى عباده بالإحسان إلى الوالدين بعد الحثِّ على التمسُّك بتوحيده؛ فإن الوالدينِ هما سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان؛ فالوالد بالإنفاق، والوالدة بالإشفاق؛ (تفسير ابن كثير – جـ 6 – صـ 238).

 

نبيُّنا صلى الله عليه وسلم يحثُّنا على الأدب مع الوالدين:

(1) روى الشيخانِ عن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قلتُ: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: ((الصلاة على ميقاتها))، قلت: ثم أي؟ قال: ((ثم بِرُّ الوالدينِ))، قلت: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))؛ (البخاري – حديث 527 / مسلم – حديث 85).

(2) روى أبو داود عن أبي سعيدٍ الخدري: أن رجلًا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمَن، فقال: ((هل لك أحدٌ باليمن؟))، قال: أبواي، قال: ((أذِنا لك؟))، قال: لا، قال: ((ارجع إليهما فاستأذنهما، فإن أذِنا لك فجاهد، وإلا فبَرَّهما))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني – حديث 2207).

(3) روى ابن ماجه عن جابر بن عبدالله: أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي مالًا وولدًا، وإن أبي يريد أن يجتاح (يأخذ) مالي، فقال: ((أنت ومالُكَ لأبيك))؛ (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني حديث: 1855).

قصص عن ظلم الآباء للابناء

صور عقوق الآباء للأبناء

ومن أهم صور عقوق الآباء للأبناء:

  • التفرقة في المعاملة : فبعض الآباء والأمهات يجد بعض الأبناء أقرب إلى قلوبهم، فيظهرون هذا في معاملتهم؛ وهو ما يولد حقدا وكرها من الولد للأم والأب والإخوة أيضا، ولا يمكن لنا أن نحجر على الحب الزائد، فقد كان يعقوب عليه السلام يحب ولده يوسف -عليه السلام- أكثر من إخوته؛ وهو ما حدا بهم إلى محاولة قتله والتخلص منه، فرموه في البئر، غير أن يعقوب كان يدرك هذا تماما، ولم يكن يظهره.

كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا انتشر مرض في المجتمع، جمع الصحابة وخطبهم قائلا: “ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا”، حتى يلفت الانتباه إلى الخطر

ولما رأى يوسف عليه السلام الرؤيا {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}، قال له أبوه يعقوب عليه السلام {يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}، ثم فسر له الرؤيا، فقد أدرك خطر معرفة إخوته للرؤيا، وأن كيدهم سيزيد له، فقدم الأهم على المهم، ونصحه بإخفاء الأمر على إخوته أولا، ثم فسر له الأمر ثانيا.

 

وإن كنا لا نستطيع مصادرة القلوب، وأن نجعلها تقسم الحب بالتساوي، فيجب أن يظهر هذا في الأعمال المادية، من التسوية بين الأبناء في العطية، والابتسامة والقبلات وغيرها قدر الإمكان، وقد رفض الرسول أن يشهد على هبة والد لأحد أبنائه، وقال له: “إني لا أشهد على جور”. وهذا يعني أنه قد يكون في القلب حب زائد لولد دون آخر، بشرط أن يبقى شيئا قلبيا “اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك”.

  • طبيعة التعامل : وبعض الآباء يرون أن تشديدهم على أبنائهم في بعض مظاهر الدين هو الدين كله، مع أنهم يخطئون في حق أبنائهم، فيتهمون أبناءهم في بعض السلوكيات على أنهم “فسقة”، وأنهم “منحلون”، وأنهم يريدون العبث واللهو، وهذا حرام، مع أن هذا الشيء قد لا يكون حراما، فهذا التضييق والتشدد يجعل الأبناء في حالة تشتت؛ لأن التشدد من الآباء يلقي بظلاله عليه.

وعلى الآباء أن يدركوا طبيعة المرحلة التي يعيشها أبناؤهم، وأن يدركوا أيضا أن الأجيال مختلفة، وأن التأثيرات في البيئة المحيطة تحدث نوعا من التغيير. ولهذا ما أحسن ما كان يعالج به النبي صلى الله عليه وسلم خطأ الناس،.

ومثال ذلك الشاب الذي جاء يستأذنه في الزنى، وكاد الصحابة أن يجنوا من طلبه وأن يبطشوا به، ولكنه قربه منه، وكلمه بحوار العقل والقلب، وطرح عليه أسئلة تهدم، بالحوار البناء، رغبته الهدامة، فقال له:” أترضاه لأمك؟” قال: لا والله يا رسول الله. فقال له صلى الله عليه وسلم: “فإن الناس لا يرضونه لأمهاتهم”، أترضاه لأختك؟ قال: لا والله يا رسول الله؟ قال: فإن الناس لا يرضونه لأخواتهم… وما زال به يذكر أقاربه من عمته وخالته، ثم وضع يده على قلبه، ودعا له بالهداية.

فخرج الشاب وهو يقول: والله يا رسول الله ما كان أحب إلى قلبي من الزنى، والآن ما أبغض إلى قلبي من الزنى. فإن رأى الآباء شيئا يكرهونه من أبنائهم، فليكن الحوار هو السبيل الأمثل للاقتناع لأجل ترك شيء، أو فعل شيء.

  • لا للاستبداد : ومن صور العقوق أيضا إظهار الآباء أنهم يملكون الحق الأوحد، وأن الأبناء دائما على خطأ، فيشعر الأبناء أن آباءهم وأمهاتهم لا يملكون القدرة على خطابهم، وأنهم يسيئون إليهم دائما؛ وهو ما يحدث فجوة كبيرة بين الآباء والأمهات.

رفض الرسول أن يشهد على هبة والد لأحد أبنائه، وقال له: “إني لا أشهد على جور”

إن احترام آراء الأبناء وسماعهم والتحاور معهم وإقناعهم هو السبيل للتربية الصالحة، أما أن يكون الآباء والأمهات ملائكة لا يخطئون، فهذا هو الخطأ بعينه، ولا يظن الآباء أنهم باعترافهم أنهم كانوا خاطئين في هذا الموقف أن صورتهم تهتز أمام أولادهم، إنها إن اهتزت لأول وهلة، ولكنها ما تعود لتثبت كالجبال الرواسي، كما أنه يولد في الأبناء الاعتراف بالخطأ، وما يتبع هذا من فوائد في حياة الأبناء.

 

  • ومن صور العقوق أيضا؛ الاستبداد في الرأي، وخاصة إذا كان هذا الرأي متعلقا بالأولاد، وأخطر هذا الاستبداد أخذ قرار بتزويج فتاة دون رضاها، فهذا من أشد العقوق، وقد جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه أن والدها أراد أن يزوجها قريبا لها ليرفع به خسيسته، فرد الرسول صلى الله عليه وسلم الزواج، فلما رأت الفتاة أن الأمر لها، قالت: يا رسول الله، قد أجزت ما أجاز أبي، غير أني أحببت أن أعلم من ورائي من النساء أن ليس للآباء في هذا الأمر شيء.

وهو درس للآباء أن من يتقدم قد توافق عليه الفتاة، وتراه مناسبا لها، غير أنها حين تشعر بالإجبار ترفضه، وموافقتها حق شرعي يسبق موافقة الأب نفسه؛ لأن هذه معيشتها وعشرتها لا معيشة أبيها ولا عشرته، ولكن يشترط موافقة أبيها لأنه الحارس الأمين عليها.

  • ومن مظاهر العقوق أن يدخل الوالد ولده -أو بنته- كلية لا يرغب فيها، أو أن يفرض عليه عملا معينا لا يحبه، أو مهنة لا يهواها، كل ذلك نوع من الاستبداد المرفوض، والذي يجب أن ينتهي الآباء عنه فورا.

عوامل خارجية 

  • العلاقات المحرمة من أهم مظاهر العقوق، فعدد غير قليل من الآباء المتزوجين لهم علاقات حب وعشق مع نساء أخريات، وهذا -فضلا عن حرمته- فإنه يؤثر سلبا على تربية الأولاد، بل يكتشف الأبناء -في بعض الأحايين- هذه العلاقة، فتنهار كل المثل العليا التي يرونها في أبيهم، وتتحطم في عيونهم الصورة الجميلة للأب، وقد يؤثر هذا عليهم سلبا فينشئوا هم علاقات محرمة؛ لأنه عند غياب التربية قد يقع الأبناء في معاصي الآباء.

العقوق من أمراض المجتمع، والتي يجب الانتباه لها، وأن توظف لها الطاقات المتنوعة، من دور العلماء في الدعوة وخطب الجمعة ودروس العلم، ومن الإذاعة والتلفزيون

ومثل تلك العلاقات يجب أن تكون واضحة، إما أن تكون في إطار حلال أو ترفض، وما أبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال:” اتق المحارم؛ تكن أعبد الناس”.

 

السابق
الاستشفاء بالعلاج الطبيعي
التالي
كيفية العناية بالأظافر

اترك تعليقاً