الحياة والمجتمع

ما هي الحرية

معنى الحرية الحقيقي

تُصنَّفُ الحرية على أنّها أولى المطالب الإنسانيّة التي بدأت مع الإنسان منذ وجوده؛ فهي تُعتبرُ من الخصائص والسِّمات المهمّة التي لا يستغني الإنسانُ عنها بصفته إنساناً، إذ إنّها تساعده على تحقيق حاجاته دون قيد أو إجبار، ولشدّة أهميّتها تحدّث عنها مُختلف الأدباء، والشُّعراء، وضحّى الكثيرُ لنيلها. وإنّ الإنسانَ إذ يولدُ فإنّه يأتي إلى الدُّنيا لا تشوبه شائبة من تلك القيود التي لا تمنحه حياةً كريمة، بلْ يكونُ حُرّاً متمتعاً بالعقلِ والفطرة السّليمة التي توجّهه في النهاية للحقّ إن أراد، وتُبيّن له قيمة الحريّة وأهميّتها. فما هو مفهوم الحرية؟ وما أهميّتها؟ هذا ما سيتناوله المقال.

الحرية موضوع

الحرية

الحرية، ليست مجرد كلمة عابرة في القاموس، بل هي فعلٌ ثم قول، فكم من الحروب، والشجارات، والنزاعات التي قامت لأجلها؟ وكم من الثورات والثائرين الذين ضحوا بأرواحهم للمطالبة بحريتهم وحرية بلادهم وشعوبهم؟

الحرية من ضرورات الكرامة الإنسانية، وهي جزءٌ أساسيٌ من الحياة السعيدة، والكاملة، ليس للإنسان فقط، بل لجميع المخلوقات، لأن الجميع يسعى للحرية، ويحارب لأجلها، ويكافح بكل ما أوتي من قوةٍ وحزمٍ للوصول لها، لأن القيود رديفةٌ للعبودية، والتي هي عكس الحرية.

مظاهر الحرية

الحرية تتجلى في جميع المظاهر من حولنا، في الإنسان، والحيوان، وحتى النباتات، والأوطان، فالحيوانات تسعى لحريتها، وتنكفئ على نفسها عند سلب هذه الحرية، وحتى الطيور، يتضاعف تغريدها، وتشدو بأجمل الأصوات وهي حرة طليقة، وليست أسيرة الأقفاص. الحرية ليست منحةً، بل هي حقٌ للجميع، تُؤخذ ولا تُطلب، ولا يمكن أبداً تقسيمها أو التنازل عنها، لأن مصادرتها تعني مصادرة الحياة، والتعدي على أكبر قيمةٍ معنويةٍ، وكم قيل فيها من قصائد وخواطر، وكم ذُكرت في الشعارات، وارتفعت في الميادين والشوارع، وكم من الأصوات التي طالبت ولا زالت تُطالب بها.

قيود الحرية

الحرية لا يمكن أن تكون مطلقةً، دون تنظيمٍ أو توجيه، لأنّ حرية الفرد تنتهي عند المساس بحريات الآخرين، فلا يمكن المساس بحرية الأشحاص كي ترتفع حرية شخصٍ معين، ففي هذا تعدٍ صارخ على مبدأ الحرية، كما أن حرية الجماعة، أجل وأسمى من حرية الفرد، فمن يسعى لتحقيق حريته على حساب غيره من الأفراد، أو على حساب وطنه وشعبه، تُصبح حريته مسروقةً.

أشكال الحرية

للحرية أشكالٌ كثيرة، تبدأ من حرية الكلمة، وتمر بأنواع كثيرة تشمل حرية ممارسة الشعائر الدينية، وحرية اختيار العمل، والتعليم، وحرية التنقل، وحرية اختيار العلاقات الاجتماعية والإنسانية، وتعتبر الحرية مقياساً لنمو المجتمعات، ودليلاً على رقيها. المجتمع المنفتح، هو الذي يكفل لأفراده جميع أشكال الحرية، دون استحدام أساليب القمع المتخلفة، علماً أن جميع الشرائع والديانات السماوية، وخصوصاً الدين الإسلامي الحنيف، كفلت حق الحرية للأفراد، ومنعت المساس بها، أو تقييدها دون وجه حق.

نماذج الحرية

الحالية في الوقت الحاضر، ورغم التقدم الكبير في جميع مجالات الحياة، إلا أنّ المساس بالحريات أصبح للأسف على مستوى الأوطان والشعوب، فانتهكت الكثير من المحارم، وصُودرت الحريات، ومُنع الكثير من ممارسة أبسط حقوقهم في الحياة، حتى أصبحت حرية الكلمة مجرد شعارٍ فارغٍ عند بعض المخرّبين، فتعدوا على حرية الآخرين في تبني العقائد والشرائع الخاصة بهم، وهذا كله بسبب قلة الوعي والتطرف، الذي علينا أن نحاربه جميعاً، كي نكفل حرياتنا وكرامتنا.

أهمية الحرية

الحُريَّة من أحد أُسس الحياة التي بدونها لا يَكون للحياة أيَّةُ معنى، فعلى مُستوى بسيط قد تَشعُرَ بالضيق إذا قام أحدهم على إجبارك بأن تُشاهد أو تَسمع برنامجاً لا تُحبّه، فما بالُكَ إذا قام شخصٌ ما بسجنك وتقييدك أو بسلب حُريَّتك في الاختيار فيما يتعلّق بأمرٍ مَصيريّ يُحدد حَياتك. الإنسان الّذي لا يمتلك حَقَّ حريّة الاختيار لا تَكون لديه القُدرة على الإبداع أو على الابتكار وبالتّالي لا تَكون لديه القدرة على الإنتاج أو حتذى على تقديم ما هو جديد، واختراع ما هو مُفيد ومُيسّر لحياة الإنسان.

الإنسان الذي لا يَمتلك حق التعبير عن رأيه هو إنسان أبكم لا يستطيع الكلام، فهو يرى الفساد ولا يَستطيع ردعه، ويرى الانتهاكات اليوميَّة لحقوقه ولا يَستطيع إيقافها، ويرى نفسَهُ محكوماً بقواعد وقوانين جائرة لا يَستطيع الإفلات منها. وهذا كُلهُ بدوره سيجعل الإنسان كالآلةِ بلا روح، يَعمل بمللٍ وبخوفٍ من المُستقبل، ويركضُ فقط ليؤمّن قوت يومهِ، ويجعل من الدولة مكاناً مظلماً لا حياة فيها ولا تقدّم ولا إصلاح ولا تنمية. والإنسان الّذي لا يمتلك حقّ التنقّل وحريّة الحركة هو بالضبط كمن وُضع في قفصٍ مُظلم فيه نافذةٌ صغيرة تجعله يرى مقداراً ضئيلاً من النورِ والضوء ومساحةً مَحدودةً من سماءٍ حُرمَ من التحليق فيها، فتخلُقُ فيه كائناً محبطاً مقتول النفس عالقاً ما بين أرضٍ مُنع من أن يطأها وسماءٍ لن يلمسها.

حدود الحرية

لا يوجد حريةٌ مطلقةٌ للإنسان فحريته مقيدةً بضوابط دينيةٍ وأخلاقيةٍ تتلاءم وطبيعة المجتمع الذي يعيش به، فبالقدر الذي يحترم به الشخص حريات الآخرين سيمارس حريته بمسؤوليةٍ ومعرفةٍ، فكلّ شخص تربطه مصالح مع مجتمعه ولأجل المحافظة على مصالحه يجب المحافظة على مصالح الآخرين وكما قال الفلاسفة القدماء: (تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين).

يعيش الإنسان في هذا العصر ضمن نطاقٍ واسعٍ من الحريات التي لم تكن موجودةً في السابق، وذلك بسبب سعة الاطّلاع والمعرفة بحياة الشعوب الأخرى، كلّ ذلك حصل بسبب انتشار وسائل الاتصال التي ألغت المسافات بين الشعوب وأزالت الحواجز، حتّى أنّها استطاعت إلغاء الخصوصية للجماعة والفرد، فقد أصبح العالم عبارةً عن قريةٍ صغيرةٍ، وهذا أدّى إلى حدوث صراعاتٍ بين الكيانات الاجتماعيّة بسبب الفوارق الطبقيّة والمعرفيّة.

أنواع الحرية

الحرية السياسية

وهي الحرية التي تُمكّن الانسان من المشاركة في أخذ القرارات الحكومية، ومن هذه القرارات القدرة على التصويت؛ لاختيار متنافس أو مرشح على وظيفة حكومية عامة، وقدرة الفرد أن يقوم بترشيح نفسه أو أن ينافس على وظيفة عامة، وأن يمتلك الحقّ في الاعتراض على قرارات الحكومة إن كانت هذه القرارات ضد المصلحة العامة للدولة، والحرية السياسية لا تكون لها معنى أو أهمية إذا لم تساندها حقوق أخرى؛ كالحقوق الاقتصادية، والحقوق الاجتماعية، فلا أهمية لأن يقوم الفرد بالتصويت إذا لم توفر أو تلبي هذه القرارات أو هؤلاء الأشخاص احتياجات الأشخاص الأساسية.

الحرية الاجتماعية

وهي الديمقراطية والحرية الاجتماعية، تتضمن القدرة على التعبير والإعلام؛ وهي حقّ نشر الأفكار والآراء الخاصة للفرد، وحقّ الديانة؛ وهو حقّ ممارسة الشعائر الدينية، وحقّ الاجتماع؛ وهو حقّ الإنسان في التعامل مع الأشخاص الذي يريد التعامل معهم، وحقّ التعليم؛ وهي القدرة على التعلّم والالتحاق بالجامعات والمدارس، واختيار التخصص المناسب للشخص، والقدرة على النشر والكتابة.

الحرية الاقتصادية

وهي أن يستطيع الانسان أخذ قراره الاقتصادي بنفسه دون تدخل طرف آخر، و الحرية الاقتصادية تتضمن حقّ التملك، والحصول على الربح من خلال ملكيته، والإنسان له القرار في اختيار وظيفته، والشخص له حرية ادخار ماله، واستثمار هذا المال بكامل إرادته.

الحرية في الإسلام

ما تزال كلمة الفاروق عمر رضي الله عنه حينما قال متى استعبدتم النّاس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً خالدةً عبر السّنين تطرق مسامع الظّالمين وتؤرّق مضاجع المستكبرين في الأرض، فبعد أن ساد الظّلم والقهر والعبوديّة بأشكالها في أنحاء الجزيرة العربيّة؛ حيث كان يستعبد القوي الضّعيف، ولا تُعطى للمرأة أبسط حقوقها في الحياة.

جاء الإسلام بشعار تحرير النّاس من أغلال الجاهليّة وضلالاتها، وتحرير المرأة من الغبن والأسر التي كانت فيه إلى رحاب حريّةٍ لم يعرف لها العالم مثيلًا في عدالتها وسموّها ورقيّها حتّى صارت مبادىء الإسلام مضربًا للأمثال ونموذجًا يحتذى به .

عبّر الصّحابي الجليل ربعيّ بن عامر رضي الله عنه بكلماتٍ بليغة عن أهداف هذه الرّسالة حينما قال لكسرى بعثنا الله لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، ومن جور الأديان إلى سعة الإسلام؛ فالإسلام هو أوّل من أقرّ بحرّية الإنسان الكاملة، فما هو مفهوم الحرّية في الإسلام، وما هي أبرز مظاهرها ؟. تعرّف الحرّية في الإسلام بأنّها الأرادة الكاملة في الاختيار دون قهرٍ أو إجبار.

بحث عن الحرية pdf

اضغط هنا لتحميل بحث عن الحرية

مفهوم الحرية في الفلسفة

عند السفسطائيين

تُعتبر الحرية عند السفسطائيين حرية عقيدة وسياسة وفنون وأخلاق، وقد ركّزوا في المفاهيم التربويّة التي وضعوها على مفهوم الشعور بالحريّة، والاعتزاز بالنفس، وقد جعلوها قائمةً على العقل الإنسانيّ، فهم ينظرون إلى الحياة على أنها مجموعةٌ من الأفعال الحرّة التي يقوم بها الإنسان من أجل تحقيق ذاته، ويُرجع الفلاسفة الفسطسائيون أن طول عُمر الإنسان يعود لتمتعه بالحرية النفسيّة الكاملة، وقد طالبوا بتوفير الحريّة لإرادة النفس الفرديّة، فمع الحريّة تبرز العقلانيّة الناصعة، فهي بذلك خطوة تعكس إيمانها العميق بالحرية الإنسانية.

عند أرسطو

لقد اهتم أرسطو كثيراً بإنصاف الفرد وتحريره من كل أشكال الحتميّة، وقد آمن أرسطو بالحريّة الإنسانيّة إلى حدٍ كبير، ويؤكد أنّ بناء شخصية الإنسان من أهم الأشياء التي يجب على الإنسان الاهتمام بها، ويقول بأن الرذائل والفضائل التي نفعلها هي مسؤوليّة شخصيّة.

عند الأبيقوريّة

حاول الأبيقوريّون منذ القدم السعيّ الجادّ في محاربة المخاوف، والأوهام التي تُسيطر على عقل الشخص وتقف عثرة أمام حصولِه على حريته ومن ثم شعوره بالسعادة، فهم يؤمنون أنه بالرغم من الظروفِ السياسيّة والاجتماعية المُحبِطة التي يعيش فيها الفرد إلا أنّ عليه تحدّيها ومُحاولة التغلب عليها من أجل العيش بهدوء وحرية، وقد أعلن الأبيقوريون أن سعادة الإنسان كامنة في داخله، بل واعتبروا العمل على تحرير الإنسان من مخاوفه من مهام الفلسفة.

السابق
دواء ترومبيكس – Trombex لعلاج متلازمة الشريان التاجي الحادة
التالي
دواء تروليسيتي – trulicity لعلاج السكري من النوع الثاني

اترك تعليقاً