ثقافة عامة

ما هي العقلية الثابتة؟ وهل يمكن تغييرها؟

أفكار أخيرة حول تغيير العقلية الثابتة

يعتقد جميع الناس في وقت ما أنَّهم لم يُولَدوا للقيام بعمل معين، كما نسمع الكثيرين يقولون أنَّهم لا يجيدون أشياء مثل الرياضيات، أو أنَّ العمل في التجارة لا يناسبهم؛ لكن هذه كلها أمثلة عن العقلية الثابتة “Fixed Mindset”، ونتَّبعها جميعنا من وقت إلى آخر؛ ولحسن الحظ، لا يعني كونها ثابتة أنَّها لا بد أن تستمر إلى الأبد.

ما هي العقلية الثابتة؟

حددت “كارول دويك” (Carol Dweck) -عالمة النفس وواحدة من الخبراء الرائدين في العقليات وطرائق التفكير ومؤلفة كتاب “طريقة التفكير: السيكولوجيا الجديدة للنجاح” (The Mindset: the New Psychology to success)- في بداية حياتها المهنية نوعين من طرائق التفكير: النامية والثابتة؛ وتوضح هاتان العقليتان السبب الذي يجعل بعض الناس يواجهون التحديات وجهاً لوجه، بينما تسحق هذه التحديات أناساً غيرهم.

يعتقد الأشخاص ذوو العقلية الثابتة أنَّ مهاراتهم أو قدراتهم جامدة، وتتحدد منذ ولادتهم؛ فإذا كنت تظن أنَّك سيئ في الرياضيات أو لست جيداً في الرياضة أو أنَّك وُلِدت موسيقياً، فأنت ممَّن لديهم عقلية ثابتة.

بينما يعتقد الأشخاص ذوو عقلية النمو أنَّ بإمكانهم تحسين وصقل مهاراتهم وقدراتهم من خلال بذل الجهد وامتلاك العزيمة؛ لذلك فأنت ممَّن يمتلكون عقلية نامية إذا كنت تتخذ خطوات لتحسين نفسك وتلتزم بالتطور المستمر.

العقلية النامية المزيفة:

لقد وضحت دويك في كتابها أنَّ الجميع يمتلكون عقلية ثابتة حول شيء ما، أي أنَّه ليس من الضروري أن تكون عقلية الناس ثابتة أو نامية دائماً؛ فمثلاً: قد تبذل قصارى جهدك في ممارسة التمرينات الرياضية لتصبح أقوى وأكثر لياقة، بينما تتخلى عن دروس العزف عن البيانو لأنَّك تعتقد أنَّك لست موسيقياً.

يوضح هذا المثال أنَّ لديك عقلية نامية فيما يتعلق باللياقة البدنية، ولكنَّك تمتلك عقلية ثابتة فيما يتعلق بالعزف على البيانو.

لكن دعونا لا نبسِّط الأمر بالقول أنَّ العقلية النامية هي مجرد جهد تبذله في سبيل أمر ما، حيث تشرح دويك أنَّ هذا الجهد والاستراتيجية ضروريان لاكتساب عقلية نامية حقيقية؛ فلا يكفي أن تستمر في المحاولة والفشل؛ ذلك لأنَّ عقلية النمو الحقيقية تنطوي على بذل الجهد والتفكير وإعادة التقييم، ومن ثم بذل مزيد من الجهد.

كما أنَّ الوعي الذاتي عنصر هام في العقلية النامية، إذ يتعين عليك تقييم تقدمك الحالي بدقة كي تتمكن من إجراء التغييرات المناسبة من أجل تحقيق أهدافك؛ إذ لن يكفي مجرد بذل الجهد.

محفزات العقلية الثابتة:

محفز العقلية الثابتة هو الشيء الذي يحوِّل طريقة تفكيرك من التفكير في أنَّ القدرات يمكن تحسينها إلى التفكير في أنَّها ثابتة أو محددة سلفاً؛ وينطبق هذا على ما قد يجعلك تستسلم وتعلن أنَّك لست جيداً في شيء ما، ولن تكون أبداً.

من أكثر محفزات العقلية الثابتة وضوحاً هو شخص ما يخبرك أنَّك لا تجيد القيام بشيء ما؛ إذ يمكن لهذا أن يجعل قدراتك تبدو كما لو كانت ثابتة.

تخيَّل أنَّك تبذل قصارى جهدك في تعلم اللغة الإسبانية، ويقول لك المدرس باستخفاف: “من الجيد أنَّك تجيد الرياضيات”؛ إذ يمكن لهذا التعليق أن يجعلك تبدو وكأنَّك كنت دائماً سيئاً في اللغة الإسبانية، وستظل دائماً كذلك بغض النظر عن الجهد والعزيمة اللذين تبذلهما.

يوجد محفز آخر للعقلية الثابتة، وهو مبالغة الناس في رد فعلهم تجاه الفشل؛ فعندما يجعل الناس من أخطائك أمراً عظيماً، يبدو الأمر كما لو أنَّه ليس من المفترض بك مواصلة العمل على ما فشلت فيه.

دعونا نستخدم مثالاً عن الإسبانية أيضاً؛ لنفترض أنَّك تعمل على مشروع فيلم إسباني، فتعرضه على صديق، فيبدأ بالضحك والسخرية من الطريقة التي كررت بها لفظ كلمة “بوتا” (Bota) بدلاً من “باركو” (Barco) فى أثناء عرض الفيلم؛ وبدلاً من التفكير في كل الكلمات الإسبانية التي لفظتها بطريقةٍ صحيحة، فقد تسهب في التفكير في هذا الخطأ الفادح، ويحوِّلك هذا إلى نمط العقلية الثابتة في التفكير فيما يتعلق بقدراتك في اللغة الإسبانية.

في النهاية، يمكن حتى للأشخاص الذين يحاولون إنقاذك من الفشل أن يتسببوا بتحويلك إلى العقلية الثابتة؛ ففي مثال تعلم اللغة الإسبانية، ربَّما يحاول صديقك مساعدتك، فيؤدي الفروض المنزلية الخاصة بدورة اللغة بدلاً عنك، فتبدأ الاعتقاد أنَّك لست جيداً في اللغة الإسبانية، ولن تكون كذلك أبداً.

كيف يمكنك تغيير العقلية الثابتة؟

تتحدث “كارول دويك” عمَّا تسميه “الثناء على العملية”، وتعدُّه ترياقاً نوعياً للتعامل مع العقلية الثابتة.

يحدث “الثناء على العملية” عندما تطري على شخصٍ ما وتشجعه ليبذل جهداً ويستخدم الاستراتيجيات والموارد المناسبة من أجل التعلم والتحسن؛ وغالباً ما يؤدي الإطراء على قدرات شخص ما إلى عقلية ثابتة، لكنَّ الثناء على العملية بحد ذاتها يساهم في الوصول إلى عقلية النمو؛ لذلك إذا أردت مساعدة شخص ما على التغيير من العقلية الثابتة إلى العقلية النامية، فيجب أن تقول شيئاً مثل: “لقد عملت بجد على كذا” أو “ما الذي يمكنك القيام به لأداء عمل أفضل في المرة القادمة؟”، وذلك بدلاً من قول: “أنت جيد جداً في كذا” أو “إنَّه غير عادل، ولا بدَّ من أنَّ خصمك قد غش”.

كما يمكنك أن تجرب الثناء على نفسك أيضاً؛ فإذا وجدت نفسك تختلق الأعذار أو تلقي اللائمة في فشلك على شخص ما أو شيء ما، أو تفترض أنَّ قدراتك ثابتة، فجرب الثناء على الذات.

ركِّز على الجهد الذي تبذله، وعلى الاستراتيجيات والموارد التي تستخدمها للتحسن؛ حيث توصي دويك بأن تكون واقعياً، وألَّا تكون عملية الثناء قوية جداً أو سلبية جداً؛ لذا كن مباشراً، ولكن دون أن تكون قاسياً أو مراعياً جداً.

فيما يأتي 8 نصائح للتحول من العقلية الثابتة إلى العقلية النامية:

1. لا تلقِ باللائمة على الآخرين:

إذا وجدت أنَّك تلقي اللائمة في فشلك على شخص آخر أو شيء آخر، فامنع نفسك عن ذلك، وعد للتركيز على دورك أنت في نجاحك أو فشلك.

2. فليكن هدفك هو الوعي الذاتي:

الوعي الذاتي هو المفتاح الذي يخوِّلك لامتلاك عقلية نامية؛ فإذا لم تفكر ملياً في الدور الذي تلعبه في نجاحك أو فشلك، فسيكون من الصعب عليك أن تخطط أو تتحسن.

لذا، اسأل نفسك أسئلة حول جهودك واستراتيجيتك ومواردك؛ ولتكن الأسئلة مثل: هل كان من الممكن أن أتدرب أكثر؟ هل أقوم بتدريباتي وفق أفضل جدول زمني ممكن؟ هل توجد طريقة أفضل يمكنني الدراسة وفقها من أجل امتحاني القادم؟

3. تجنَّب الحديث الذاتي السلبي:

حاول أن تمنع نفسك عندما تجد أنَّك تفكر وفق شروط العقلية الثابتة، وتوقف عن القول بأنَّك لم تُخلَق للقيام بهذا أو أنَّك لم تُولَد لتصبح كذا؛ وركز بدلاً من ذلك على الجهد الذي عليك بذله، وعلى الاستراتيجية التي وضعتها.

4. اطلب تغذية راجعة، وأصغِ إليها:

تدخل التغذية الراجعة من أذن وتخرج من الأخرى عند الأشخاص الذين يمتلكون عقلية ثابتة؛ فعندما يظن الناس أنَّ قدراتهم جامدة، يتجهون إلى اختلاق الأعذار، ويصبحون دفاعيين، ويلقون اللوم على الآخرين عند تلقيهم التغذية الراجعة.

اخرج من تلك الدوامة، واطلب تغذية راجعة عمَّا تريده، ولا تتخذ موقفاً دفاعياً أو تختلق الأعذار، بل أصغِ جيداً إلى التغذية الراجعة مهما كانت قاسية، واستخدمها لتطوير خطة أفضل لتحسين قدراتك.

5. لا تبالغ في رد الفعل على الفشل:

يمكن اعتبار الفشل جزءاً طبيعياً من عملية التعلم والتحسن؛ لذلك لا تبالغ في رد الفعل عندما يحدث معك، بل حاول أن تضع الفشل في نصابه الصحيح حتى لا تقع ضحية العقلية الثابتة.

6. فكر وأعد التقييم:

خصص وقتاً للتفكير في تقدمك، وخطط كيف ستتحسن، وتذكر أنَّ الجهد هو جزء واحد فقط من عقلية النمو الحقيقية، وأنَّك تحتاج أيضاً إلى تحسين استراتيجياتك.

7. لا تقارن:

يسهل أن نقع ضحية العقلية الثابتة عندما نقارن أنفسنا بالآخرين؛ ذلك لأنَّنا عادة لا نرى الجهد الذي يبذله الآخرون، أو لا ندرك مدى مثابرتهم؛ وهذا هو السبب الذي يودي بك لتصبح فريسة سهلة للعقلية الثابتة.

قد يبدو لك أنَّ شخصاً ما يمتلك ذكاء طبيعياً، لكنَّك لا تعرف مقدار الجهد الذي يبذله في الدراسة؛ وهذا هو السبب الذي يجعل مقارنة أنفسنا بالآخرين فخاً يدفعنا إلى العقلية الثابتة.

8. احتفِ بالجهد (بالعملية وليس بالناتج):

أخيراً، احتفِ بجهدك ومثابرتك، وامتدح نفسك بسبب عدد دروس العزف على البيانو التي أخذتها، أو لأنَّك لم تستسلم عندما وجدت صف حساب التفاضل والتكامل صعباً؛ وإذا واجهتك صعوبة في معرفة مدى روعتك أو سوء حالتك، فمن الممكن أن تعود إلى العقلية الثابتة.

أفكار أخيرة حول تغيير العقلية الثابتة:

قد يريحك إلى حد ما معرفة أنَّ الجميع يفكرون بعقلية ثابتة من حين إلى آخر؛ ومع ذلك، لا ينبغي لنا تبسيط التحول من العقلية الثابتة إلى العقلية النامية؛ ذلك لأنَّ الأمر يتطلب أكثر من مجرد التركيز على الجهود.

انتبه عندما تبدأ مقارنة نفسك مع الآخرين، أو عندما تبدأ اختلاق الأعذار، أو إلقاء اللائمة في أخطائك على الآخرين، أو التركيز المبالغ فيه على عيوبك؛ فهذه كلها أفخاخ توقعنا في التفكير وفق العقلية الثابتة؛ بل تدرب بدلاً من ذلك على التركيز على جهودك واستراتيجيتك، واسأل نفسك: كم تعمل بجد؟ وهل حان الوقت لتبديل خطتك للتعلم والتحسن؟

إذ إنَّ بإمكاننا تغيير العقلية الثابتة طالما أنَّنا منفتحون وصادقون بشأن ما يتعيَّن علينا القيام به وتغييره في أنفسنا.

 

السابق
ما هي الخطة التي تنظِّم شؤون الحياة؟ وكيف تضعها؟
التالي
كيف تتوقف عن المماطلة وتعزز إرادتك باستخدام طريقة تجميع المغريات؟

اترك تعليقاً