تعليم

مقومات الحوار الناجح

شروط الحوار الناجح

يتطلب نجاح الحوار وسيره بطريقة جيّدة، وخروجه بنتائج ذات قيمة، تحقيق بعض الشروط، منها:

تحديد موضوع النقاش

ما لم يتم تحديد موضوع النقاش، فإن الحوار قد لا يأتي بأي نتيجة، وتجد الناس آنذاك يشرقون ويغربون، وفي ذهن كل واحد صورة -عن الموضوع الذي يناقش- مختلفة عن الصورة التي في ذهن الآخر.

يدور الحوار غالبا حول مشكلة، وليس من العسير توضيح أبعاد المشكلة موضع البحث، وسيكون من مسؤولية المتحاورين تنبيه كل من يخرج عن موضوع الحوار وإيقافه عن الاسترسال؛ حتى يتمكنوا من بلورة ما يريدون بلورته على نحو جيد.

إعطاء معلومات للمتحاورين

قبل الشروع في الحوار لابد من إعطاء معلومات للمتحاورين عن القضية التي سيتحاورون فيها، وهذا ضروري جدا لطلاب المدارس والجامعات. إن المعلم حين يختار المناقشة والحوار أسلوباً للتعليم، يكون قد اختار أسلوباً شديد التميّز وعظيم الفائدة له ولطلابه، لكن التجربة دلتنا على أن الطلاب لا يشاركون أستاذهم الحوار، ولا يتفاعلون معه، ليس لأنهم سلبيون ولا يحبّون الحوار، ولكن لأنهم لا يملكون معلومات ملائمة تُمكنهم من المشاركة ورفع الرأس، ولهذا فإن البيوت تجري فيها حوارات يومية كثيرة، ويشارك معظم أفراد الأسرة فيها، والسبب في ذلك أن الأسرة تُناقش موضوعات اجتماعية، ولدى كل أفراد الأسرة درجة من المعرفة في تلك الموضوعات، ولذلك يشاركون؛ فهم يعرفون ماذا يقولون؟ لكن إلى الآن في معظم المدارس والجامعات ما استطعنا أن نتحول من أسلوب التلقين إلى أسلوب الحوار، والسبب الجوهري الغالب هو أن الطلاب لا يملكون المعلومات المطلوبة للمشاركة في الحوار.

فإذا أراد الأستاذ أن يناقش مع طلابه مثلاً أهمية العنصر البشري في التربية، فإن عليه من خلال عشر دقائق إلى ربع ساعة أن يُقدم معلومات حول عدد السكان في بلده، ونسبة الشباب فيه، وحول الرؤية السامية للإنسان، وكونه مركز الكون والأساس في كل نهضةٍ، ثم يتحدث عن قيمة العلم والتدريس في ترقية الشخصية وصقلها، ويقدم إليهم بعض المبادئ والمفاهيم حول شروط التفوق والنجاح على الصعيد الخلقي، وعلى الصعيد المهاري والتقني. وسوف يجد المدرس -كما سيجد غيره- تجاوبا كبيرا من الطلاب ومشاركة في الحوار والمناقشة أكثر مما هو متوقع.

تحديد ما ليس موضعاً للحوار

من الواضح أننا حين نتحاور في أي مسألة من المسائل فإن ذلك يعني أن لدينا نوعاً من الاختلاف، ولو حول بعض الفروع والجزئيات، ولا يكون هناك حوار بين المتفقين في كل شيء؛ لأنهم بماذا سيتحاورون، وليس في اختلافنا ما هو معيب، لكن الذي يحدث في كثير من الأحيان أن نخفق في التعبير عن آرائنا ومعتقداتنا، ومن ثم نصبح كمن يدور حول نفسه.

وفي كثير من الحوارات والمجادلات الساخنة جدّاً التي قد يكون المتحاورين فيها فقدوا ما بينهم من لحمة المودة والأخوة، في تلك الحوارات يأتي من يقول لنا ألم أقل لكم لسنا مختلفين ونحن متّفقون على الأسس؟ فيأتي أحد المحاورين ويقول هذا ليس بصحيح؛ نحن مختلفون تماماً، ولكنك لست فاهما لنا.

بعد أن يتم إلقاء شيء من الضوء على موضوع الحوار، يمكن أن نقول نحن لا نقتنع لا في كذا ولا في كذا، وأن نقول إن الذي يحتاج إلى حوار وبحث هو كذا وكذا.

إذا فعلنا ذلك صار الطريق ممهدا فعلا لأن يكون حوارنا حوار في محله، وفي أشياء هي فعلا تحتاج إلى حوار حقيقي.

البُعد عن التجريح

من المهم في كل حوار البُعد عن التجريح الشخصي، والتعريض بالمحاور الآخر؛ لأننا بذلك نكون قد ابتعدنا كثيرا عن الأدب الرفيع، وعما يجب أن يسود من اللباقة وتجنب الإحراج.

ويكمن التجريح الشخصي في العديد من الصور فقد يتجسد في ذِكر مخالفة سلوك المُحَاور لما يقول، فإذا قال أحد المتحاورين إن المحافظة على الوقت أساس في النجاح فقد يأتي من المتحاورين معه من يقول له وهل أنت تحافظ على الوقت حتى تقول ذلك؟

وإذا قال المحاور إذا أخفقنا في تربية أبنائنا فمعنى ذلك أننا لن تفلح في أي شيء فقد يأتي من يقول له أنت الذي تقول ذلك، وكلنا يعرف وضع أولادك؟

ويكون التجريح أحيانا بالتعريض لقبيلة الرجل أو جماعته أو مؤسسته.

إن البشر مخلوقات عاطفية في المقام الأوّل، والكلام بالنسبة إليهم يُداوي ويجرح ويقتل، ويجب أن نهتم بهذا ونتنبه إليه.

إدارة الحوار

يحدث أثناء الحوار الجماعي أن يدور الكلام بين شخصين، ويسكت الباقون، وتسود روح من التحدي، ويكثر الصياح، وترتفع الأصوات، ويكثر الابتعاد عن جوهر الموضوع، وكلما حاول أحد الحاضرين أن يُعلِق بكلمة، أو يشارك بطرح فكرة، أسكته أحد القطبين المتحاورين؛ ليتكلم هو ويستمر في مباراته مع خصمه.

من الواجب في هذه الحالة أن يقود الحوار أحد الحضور؛ ليجعل لكل الحاضرين في المجلس قسطاً من الوقت مساوياً لغيره، ومُنهياً الاستقطاب الثنائي للمجلس.

تلخيص أهم النقاط

حتى نشعر بأننا خرجنا بشيء ملموس فإن علينا أن نقوم باستعراض أهم ما توصلنا إليه، واستعراض جميع الخيوط المبعثرة والمشتتة، وتقديمها في ملخص مختصر يشتمل على ما تم الاتفاق عليه، وعلى ما يحتاج إلى المزيد من الحثّ، وعلى ما لا سبيل إلى وفاق فيه؛ لكونه غامضاً أو جزئياً أو فرعياً، كما يشتمل التلخيص على أهم الفوائد والطرائف الفكرية والعلمية التي وردت في النقاش.

معوقات الحوار الناجح


1 – اختلاف اللغة أو المصطلحات

إن اختلاف اللغة من أهم معوقات الحوار، حيث يصبح حواراً غير ناجح، أو غير مجدٍ، فعندما تريد حواراً مع شخص مجاور لك في الطائرة أو في السيارة أو الباخرة أو في أي مكان، ووجدت أن هناك اختلافاً في اللغة بينك وبينه، وأن كلاً منكما لا يجيد لغة الثاني، فهذا يعني ألا تدخل في حوار دعوي أو إقناعي، إذ ربما فهم أحدكما غير ما يعنيه الآخر، وكثيراً ما يحصل مثل هذا، وقس عليه إذا كان النطق غير سليم، لا تظهر معه الكلمات بصورة واضحة ونحوه.

2 – الصوت غير الواضح

لا بد في الحوار من وضوح الصوت أثناء الحوار، واختيار المكان المناسب للحوار، والتأكد من وضوح الصوت بالنسبة إلى الطرف الآخر، وأنه مسموع ومفهوم من مقومات الحوار الناجح.

3 – الصمت وقتاً طويلاً

هذا يعني أن الحوار قد توقف؟! أو انقطع؟! فلا يحسن أن يتوقف المحاور وقتاً طويلاً، ثم يستأنف الحديث والحوار؛ فمن شأن هذا التصرف أن يشتت الحوار، ويطيل زمنه، وربما يغير مساره وهدفه.

4 – عدم مراعاة آداب الحوار

من أكبر عوائق الحوار عدم مراعاة آدابه وأسسه، والتي منها: عدم إرادة الحق، أو التعصب للرأي، أو رفع صوت ونحوه. فيجب على كلا المتحاورين التنبه إلى هذا، فعندما تصل المسألة إلى الإخلال بأدب الحوار، فيحسن إيقاف الحوار، لأن هذا من أكبر المؤشرات على إخفاقه وعدم جدواه.

5 – عدم التركيز والإصغاء

هذا يعني عدم الحوار، أو الاهتمام بالمحاور. فإذا وجدت صاحبك مشغولاً عنك، ولم يصغِ لكلامك، فمن العيب أن تواصل حوارك معه، وإذا كنت أنت المحاور وصاحبك يتحدث إليك، فإما أن تستمع إليه وتصغي له، أو تشعره بأن يوقف الحوار إلى وقت آخر مناسب بأسلوب لبق.

6 – عدم الاستعداد النفسي

اختر الوقت والظرف المناسبين للحوار؛ ومنه الاستعداد النفسي، والتهيؤ للحوار من قبلك ومن قبل المحاور.

7 – التسرع (الاستنتاج الخاطئ)

لا تتسرع في الرد أو الاستنتاج حتى ينهي الطرف الآخر حديثه، وتتأكد من فهم ما قاله، ويحسن أن تقول: هل انتهيت يا أبا فلان أو يا أخي؟ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عتبة بن ربيعة، عندما قال له: “أوَ قد فرغت يا أبا الوليد؟” كما سبق الإشارة إلى هذا، وأن التسرع أو الاستنتاج الخاطئ من شأنه أن يعيق الحوار، ويجعل من الصعب مواصلته.

8 – عدم تحديد الهدف وتشعب الموضوع

حدد هدف الحوار، وركز عليه حتى تقطف ثمار حوارك. وكن كرُبَّان السفينة عندما يتغير مسار الحوار ردَّه إلى المسار الصحيح. ولا تنتقل إلى مسألة أخرى حتى تنهي تلك المسألة.

9 – الجهل أو نقص التحصيل

من معوقات الحوار إما عدم العلم عندك بالمسألة، أو عدم الاستعداد لها علمياً، أو أن الطرف الآخر غير متعلم، أو ليس لديه علم بها، فلا تحاور في مسألة من لا يعلمها، وأنت لا تحاور ولا تخض فيما لا تعلم. وإنما شفاء العي السؤال؛ كما قال تعالى في سورة الأنبياء – آية 7 (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُون).

أهمية الحوار

يُعتبر الحوار الطريق الوحيد الذي يتم استخدامه من أجل إقناع الطرف الآخر المخالف، فهو المفتاح لإقناعه بالرأي الصائب، كما يعد أسلوباً للتواصل، والتفاهم بين الناس، وطريقاً للتعرف على بعضهم، وهو منهج الإصلاح، والدعوة في المجتمع، ووسيلة التربية، والتعليم للأبناء، وهو نقطة الالتقاء، والتقارب بين الأفراد.

للحوار دور بارز في إنهاء الحروب بين الناس، فلولاه لانتشر الفساد، ولتصرف الأفراد بتسرع وتهور، فهو الطريق التي يتم إظهر الحق خلاله دون حدوث خسائر، أو إهانة لأحد من الطرفين.

مهارات الحوار مع الآخرين

  • الصدق مع الآخرين والتعامل حسب الطبيعة الشخصية في المواقف المختلفة.
  • التركيز على الأمور المتشابهة في النفس مع الآخرين أثناء إجراء الحوار معهم.
  • الطلب من الآخرين التحدث عن الأمور التي يهتمون بها، والأشياء التي يحملون لها الكثير من الشغف.

أهداف الحوار

  • يساعد الحوار على عرض الأفكار من قبل الطرفين والحجج والأدلة على صحة الطريق الذي يمشون به، فهو يدفع الشبهات ويجعل المحاور قادراً على عرض أسبابه وغاياته وتوضيح الشبهات.
  • يمكن المحاور من دعوة الطرف الآخر لأمر ما بشكل حضاري وفعّال، حيث إنه يقوم بعرض كل ما لديه بشكل مريح.
  • يمكن للحوار أن يقرب وجهات النظر، ويزيل الفجوات بين المتحاورين ويبعد التباغض والتناحر فيما بينهم.
  • إظهار الحقائق، وكشف جميع الأكاذيب والترهات.
  • ينشر المعارف والثقافات، ويعزز من كمية معلومات المتحاورين حول مواضع معينة.
  • نشر الألفة والمحبة بين البشر، وصنع العلاقات الجيدة والصداقات.
  • يعزز وجود الإنسان الروحي.
  • تعدد الخيارات والحلول أمام المحاور، مما يسهل عليه عملية الفهم والاختيار السليم.

أسلوب الحوار

احتوى القرآن الكريم على أساليبَ مختلفةٍ من الحِوار لمحاورة الكافرين والمسلمين وإقناعهم بالحجج والبراهين بعبوديّة الله تعالى، كما زخرت سيرة النبي صلى الله عليه وسلّم بمحاورة المسلمين والكفار، ومن هذه الأساليب:

  • الأسلوب الوصفي التعبيري: وهو عرضُ مشاهد حواريّة بسيطة تجعل القارىء يستمتع بالحِوار القائِم وتصل إليه الرِّسالة من الحِوار، كما ظهر هذا النوع من أساليب الحِوار في السنّة النبويّة من خلال سرد القصص وطرح الأمثال لترسيخ المفاهيم.
  • الأسلوب البرهاني الحجاجي: حيث يتم ذلك من خلال طرح الأسئلة على العقل لمحاولة الإجابة عنها وتخلّصه من الزيف والهوى، مما يجعل القارىء يؤمن بوحدانية الله تعالى، كما أنّ دعوة القارىء إلى التأمّل في الكون تجعله يؤمن بوجود البعث وبقدرة الله تعالى.
  • الحوار التشخيصي الاستنتاجي: ونجد هذا الأسلوب في السنّة النبويّة من خِلال قِيام النبي صلى الله عليه وسلّم بطرح المشكلة أمام النَّاس ليجذب انتباههم ويدعوهم للتفكير والخروج بحلٍ مناسِب.

الحوار الهادف

لكلّ هذا وضعنا قواعد للحوار الهادف نرجو أن يلتزم بها كلّ أطراف الحوار في أي زمان ومكان. لكي يكون الحوار بناءاً يُرجى الالتزام بهذه المعايير:

  •  الموضوعية
  •  أدب الحوار
  •  أن يأخد كلّ الأطراف نفس المساحة من الوقت
السابق
مقالة عن خيانة الصديق
التالي
كيف تفكر خارج الصندوق

اترك تعليقاً