العلوم الإنسانية

مفهوم الوعي فى الفلسفة المعاصرة

مفهوم الوعي في العلم

  • الوعي consciousness كلمة تعبر عن حالة عقلية يكون فيها العقل بحالة إدراك وعلى تواصل مباشر مع محيطه الخارجي عن طريق منافذ الوعي التي تتمثل عادة بحواس الإنسان الخمس. … ويأتي وعي الأشخاص في مضامينه ومستواه كجزء من الوعي الاجتماعي الكائن ، الذي يعكس معطيات الواقع الاجتماعي الكائن.

الوعي والإدراك الحسي

  • كما يقول أبو الفلسفة الحديثة “روني ديكارت” في ذلك، بأن الوعي هو حقيقة بديهية ندركها من خلال الحدس العقلي، فلا يمسه الشك أبداً. كذلك اعتبره ديكارت من الخصائص الأساسية والثابتة التي تميز الأنا كجوهر للمفكر. وكما يقول ديكارت “أنا أشك”، إذاً فأنا أفكر طالما أنّالشك نوع من التفكير، وبالطبع إن كنت أفكر فأنا موجود. “أنا أفكر، فأنا موجود” هذه الصيغة المعروفة بالكوجيطو الديكارتي الدالة على الوعي.
  • تساءل ديكارت: “أي شيء أنا…؟” فأجاب: “أنا شيء مفكر”. ثم تلا ذلك تساؤلاً آخر: “ما الشيء المفكر؟”، رد فأجاب: “إنه شيء يشك ويفهم ويتصور ويثبت وينفي” … ومع أنَ للأنا المفكر الكثير من الخصائص التي لا تنفصل عنه، مثل: الشك والتخيل والإحساس والتصور، إلا أنه يتميز كذلك بالوحدة والثبات، وبالرغم من كل الأفعال الصادرة منه، فيبقى هو نفسه وفي تطابقٍ مع ذاته، الأنا يفكر إذاً هو موجود، وهذا الوجود يقيني لا يمسه أي شك، فالأنا موجود حتى في حالة النوم، حتى في حالة افتراض وجود أي قوة عليا للخداع أو التضليل، الأنا موجود دائماً.
  • لكن بخلاف ذلك، ما يوضحه الفيلسوف التجريبي ديفيد هيوم: أنه بدون الإدراك الحسي يستحيل للأنا أن يعي ويشعر بذاته، أي أنه بزوال الإدراك الحسي يزول الوعي بالذات، فيختفي الأنا ولا يبقى له وجود؛ حيث لا يمكن أن يعي الأنا بذاته إلا عن طريق الإدراك الحسي. وهذا الشرط الرئيسي للوعي بالذات، وبما أن الإدراك الحسي يزول مع الموت، فالوعي كذلك يزول معه، فلا يبقى للأنا وجود، ويصبح خالصاً من العدم.

الوعي حياة

  • يقتضي تحمُّل الإنسان لمسؤولية حياته، وما بها من قرارات مصيرية وتحديات عليه مواجهتها، أن يكون سيد قراره، مسيطرًا على أفعاله ومشاعره وأفكاره قدر الإمكان. لكن ماذا لو أننا في حقيقة الأمر ليس لنا من الأمر شيء؟ فلا نختار أفكارنا وما يعترينا من مشاعر، بل إننا فقط مجرد مُستقبِل لها.
  • نشر موقع «Frontiers» تفاصيل دراسة من شأنها إعادة تفكيرنا في وجهة النظر القائلة بأن الإنسان هو من يصنع معتقداته وينتقي أفكاره، وبالتالي يختار تجارب حياته اليومية. وميَّز العلماء، في الدراسة، بين مفهومين أساسيين متعلقين بالوعي: الأول أطلقوا عليه «تجربة الوعي» أو «الوعي الشخصي»، والثاني محتوى هذا الوعي.
  • يتضمن الجزء المتعلق بمحتوى الوعي كل ما لدى الإنسان من أفكار ومعتقدات ومشاعر وقيم ونوايا وذكريات. اعتقد الإنسان في ما مضى أنه متحكم في اختيار هذه المكونات بما يمتلكه من وعي. فعلى سبيل المثال كان يعتقد أن الأفكار لا تظهر إلا إذا تعمَّد التفكير فيها، فتأخذ صورتها المعروفة كفكرة.

الوعي الإنساني

  • يعد أن فهمنا الوعي على مستواه البسيط، سننتقل إلى الوعي على مستواه المركب، وهو ما أسميه بالوعي الإنساني، وهو وعي يتجاوز الفردية، ويسمو فوقها، إلى ما هو نوعي، ويرتبط بالمصير الإنساني. فلا يعود الفرد يُدرك الألم الذي سيمسه (كفرد) قبل أن يحدث فحسب، بل يُدرك الألم الذي يُصيب الفرد الآخر، ويُدرك الألم الذي سيُصيب الإنسان قبل حدوثه.
  • هذا الوعي، هو وعي يتجاوز الفردية، وما يتعلق بها من لذة أنانية وآنية، ويسمو فوقهما، ليُدرك أنه جزء من كلٍ، مصيره (أي مصير هذا الكل) يتحكم في مصيره هو كفرد. لكن هذا الوعي، هو وعي ضعيف أمام الوعي البسيط وأمام الأحاسيس والشعور، وهذا ما يجعل تأثيره في المجتمع تأثيرا جد ضعيف. لأنه لا يأخذ مساحة كبيرة من حياة الأفراد، ولا يمكن اكتسابه، إلا إذا استوعب الفرد بعض الأمور.

اللاوعي في الفلسفة

  • اللّاوعي هي صفةُ الشّخص المجرّد بشكلٍ تامّ عن الوعي، ويمكن أن تصف حال الشخص الأرعن بالكامل، إضافةً لهذا فهي صفة الإنسان غير الواعي؛ لما يتطلّبه أو يعنيه ظرفٌ معيّن خاصّ. في التاريخ الفلسفيّ تعرّض العديد من الفلاسفة والمفكّرين لهذا المفهوم اللاّوعي، الذي اكتُشف من قبل سيجموند فرويد، وأُطلق عليه: اللاّوعي.
  • افترضَ لايبنز وجود تصوّراتٍ دقيقة موازية للظّواهر التي يعيها الإنسان، وأطلق مين دو بيران على تلك الظّواهر اسم: التصوّرات الغامضة، والتي ليس بالإمكان إدراكها من خلال الفكر، أو تلك التي تنبثق عن مبدأ ميتافيزيقيّ والتي من خلاله تنطلقُ منه أفكار بعض الأشخاص، وقد اعتقدَ شوبنهاور ذلك، فيما أطلقَ عليها نيتشة اسم: الحالات الخاصّة.
  • غير أنّ الذي أعطى هذا المفهوم بُعده الحقيقيّ هو سيجموند فرويد، والذي تحوّل بعدها إلى بعدٍ كونيّ، وذلك من خلال الصّياغة الدقيقة التي قام بها لهذا المفهوم الذي انبثق بالأساس من خلال الممارسة العلاجيّة له، والذي اكتسح المنظور التقليديّ للسلوكيّات وللنّفس الإنسانيّة. يجبُ التّعاطي مع مفهوم اللاّوعي بصرامة، من منطلق أنّ تلك الأفكار والمشاعر تتكوّن ممّا لا يمكن إدراكه في حالة الوعي، كالتصوّرات والرغبات المكبوتة بسبب أنها مرفوضة وغير مقبولة من منظور الوعي الاجتماعيّ أو الأخلاقيّ، الأمر الذي يجعل تلك العناصر المرفوضة والمكبوتة تحتفظ بنوع غريب من الطّاقة، وهنا يجب فهم اللاّوعي كظاهرةٍ ديناميكيّة بشكلٍ أساسيّ، أي أنّ اللاّوعي يسعى بشكلٍ دائم إلى تمرير التصوّرات التي لا يمكنُها الوصول إلى الوعي أو بدايته، ما لم تتحوّل خاصّةً إلى أحلام، وبهذا فإنّها تتّخذ شكلَ صفةٍ أو مظهراً مقبولاً أخلاقيّاً واجتماعيّاً.
  • تعتبر ظاهرة اللاّوعي عصيّة عن الوعي، وهذا الأمرُ بالنسبة لفرويد يعبّر عن الواقع العميق الذي يستحيل إدراكه من قبل الإنسان بسبب التفاعلات النفسيّة، أمّا التفكير التقليديّ فيرى أنّه بوسعِ الفرد السيطرةُ بشكلٍ كامل على سلوكيّاته وأفكاره، ومن هذا المنظور فإنّ اللاّوعي الفرويديّّ يعتبر خرقاً للفكر التقليديّ الذي لا يمكن تجاوزه، لأنه في حال تجاوزها سيتمّ تجاهل ما يحدّد شخصيّة الفرد ومسار حياته، وبالتّالي تجاهل كلّ ما يمكن أن يرسخ في اللاّوعي عنده، والذي يتميّز بتجاوزه للزمان؛ كونَه أحدَ آثار صدمة ربما تعرّض لها في طفولته، الأمر الذي يجعل منها حالةً مرضيّة في المستقبل.

الوعي والادراك

  • الوعي والإدراك لا ينفصلان البتة، فالوعي هو الإدراك الصحيح لما يدور حول الإنسان من وقائع وأحداث، فكلما كان الإدراك صحيحاً وفي محله قريباً من الواقع كلما كان الإنسان أقرب ما يكون في قراراته إلى الصحة وكلما كان إدراكه منقوصاً تشوبه شوائب وتؤثر عليه المؤثرات المختلفة كلما أدى ذلك في نهاية المطاف غلى أن يكون وعيه أيضاً زائفاً غير مدرك للواقع بعيداً عما يدور حوله، وكأنه يعيش في كوكب آخر وفي عالم افتراضي، هو أنشأه من محض خياله وعاش فيه وحده وسيموت فيه وحده قطعاً.

مكونات الوعي

  • يعتبر الإعلام أقوى وسيلة لتشكل الوعي وتكوين الصورة الذهنية لدى المجتمع , ففي دراسة أعدها كلا من الدكتور صفد الساموك والدكتورة اتنصار ابراهيم أكدا فيها أن ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ هي من ﺃﻫﻢ ﺍﻟﻘﻨﻮﺍﺕ التي ﺗﺴﻬﻢ في ﺗﺸﻜﻴﻞ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﺬﻫﻨﻴﺔ في ﺃﺫﻫﺎﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺗﻜﻮﻳﻨﻬﺎ، ﻭﺗﻜﺘﺴﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ أهمية كبرى في ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﺬﻫﻨﻴﺔ في ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ المعاصرة ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭﻫﺎ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ .
  • ويحصل ﺍﻟﻔـﺮﺩ ﻋﻠـﻰ المعلومات ﻭﺍﻵﺭﺍﺀ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ التي ﺗﺴﺎﻋﺪﻩ في ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺗﺼﻮﺭ للعالم ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ، كما تُعد من ﻋﻮﺍﻣﻞ ﺍﻷﺩﺭﺍﺝ المعرفي ﻟﺪﻯ الجمهورفهي ﺗﻘـﻮﻡ بتقديم المعلومات ﻭﺗﻮﺟﻴﻬﻬﺎ ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ التي ﺗﺮﻏﺐ ﻓﻴﻬﺎ .
  • ﻭﻧﻈراً لأﻥ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻳﻌﺪ ﺃﺑﺮﺯ المصادر ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﺔ التي ﻳﺴﺘﻘﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻪ، لم ﺗﻌﺪ ﺃﺩﻭﺍﺕ ﻟﻨﻘﻞ المعلومات ﻓﻘﻂ، ﺑﻞ ﺃﺻﺒﺢ ﺃﺩﺍﺓ ﻟﺘﻮﺟﻴﻪ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ والجماعات ﻭﺗﻜـﻮﻳﻦ ﻣﻮﺍﻗﻔﻬﻢ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻭﻟﺬﺍ ﻓﺎﻥ ﺩﻭﺭﻩ ﻻ ﻳﻘﻒ في ﺻﻨﻊ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻓﻘﻂ , ﺑﻞ ﺑﺘﻨﻈﻴﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻭﻃﺒﻌﻬﺎ في ﺃﺫﻫﺎﻥ الجماهير, ﻣﻊ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺍﻷﺧﺬ في الحسبان ﺑﺄﻧﻪ ﻟﻴﺴﺖ ﻛﻞ المعلومات التي ﺗﺼﻞ ﺗﺆﺛﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﺬﻫﻨﻴﺔ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻔﺮﺩ، ﺇﺫ إﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻗﺪ ﻻ تحظى ﺑﺎﻫﺘﻤﺎﻡ ﺍﻟﻔﺮﺩ.
  • ﻭﻳﺬﻫﺐ ﻋﺪﺩ كبير ﻣﻦ الباحثين إلى أﻥ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺧﻠﻖ ﺁﺭﺍﺀ ﻋـﻦ الموضوعات الجديدة، ﻻﻥ ﺩﺭﺟﺔ ﻭﺿﻮﺡ الموضوع ﺃﻭ ﻋﺪﻡ ﺍﺭﺗﺒﺎﻃﻪ ﺑﺘﺠﻤﻌﺎﺕ ﺃﻭ تمركز الاتجاهات الموجودة تجعله قادرا ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻌﻮﺑﺎﺕ التي ﺗﻘﻒ ﻋـﺎﺩﺓ ﺃﻣـﺎﻡ ﺍﻟﺘﺤﻮﻝ ، أﻥ ﻳﺮﻓﺾ ﻭﺟﻬﺔ ﺍﻟﻨﻈﺮ التي ﻳﺴﻤﻌﻬﺎ ﺣﻮﻝ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺟﺪﻳـﺪ ﻋﻠﻴﻪ، ﺫﻟﻚ ﻻﻥ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﺋﻴﺔ ﻟﻦ ﺗﻘﻒ في ﺗﻠﻚ الحالة ﻋﻘﺒﺔ في ﻭﺟﻪ المعرفة، ﻭﺍﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ غير المحتمل أﻥ تعيين ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻻﺗﺼﺎﻟﻴﺔ ﻋﻠﻰ تحقيق التأثير .

العقل والوعي

  • تندرج علاقة الوعي بالعقل وعلاقة العقل بالوعي في إطار التمثّلات الفلسفية التي ترمي إلى تدعيم موقف العقل من الأشياء، وتسليحه بعمق الرؤية وسعة التواصل والتفاعل مع الخارج، وهو ما يقود إلى السعي نحو اكتشاف مساحات جديدة لتطوير بنية العقل من الداخل، ودفعه لاحتواء المعلومة والقيمة والفكرة لتشغيلها على مستوى الفعل والسلوك والإنتاج بمختلف أشكاله وتصوراته.
  • تعرّض العقل العربيّ – في العصر الحديث خصوصاً – لمزيد من التحليل والتفكيك والنقد (وربما الاستهانة) في قراءة مضادّة من طرف أعدائه التقليديين وغير التقليديين أيضاً، وسعت هذه القراءة المضادة بقصدية واضحة إلى الخروج باستنتاج عام يقضي بسلبية هذا العقل وعجزه واتكاليته، لأنه ينهض في تقديرهم على أسس بنائية هشة، لا تأخذ بأسباب الحضارة الحديثة ومقولاتها الفكرية والفلسفية المتقدمة.
  • لعلّ من أولى الأسس وأهمها التي اعتمدها الآخر ذريعةً لتهميش العقل العربيّ والحطّ من قدراته الحضارية، ذلك الوصف الذي طالما وُصف به الشعب العربيّ منذ أن تفتّحت أولى بواكير الصراع في المشهد التاريخيّ الحديث والمعاصر إقليمياً ودولياً، وهو أنّ الشعب العربيّ أمّي لا يقرأ، تأكيداً واضحاً وصريحاً على حضور القراءة وفاعليتها وخطورتها في صوغ الوجه الحضاري للشعوب والأمم.
  • لذا فإنّ كلّ تقنيات الحرب الفكرية والثقافية الحديثة التي يشنّها “الآخر”، بمختلف أشكاله وألوانه واتجاهاته على منطقة العقل العربيّ بحلمه وذاكرته وذوقه، تستهدف أولاً عزله عن فضاء القراءة وتقليل فرص اتصاله بها قدر المستطاع، عبر إدخاله في متاهات من الأزمات والمشكلات واللعب والإغراء، وإجهاده باليوميّ والهامشيّ والثانويّ والتافه، وسحبه إلى مناطق ملغومة بالمطبّات والألغام ومصائد المغفلين، تستنفد كامل وقته وجهده وإمكاناته، بحيث يصبح التفكير في القراءة عنده شبه مستحيل، وهنا يتحقق للآخر انتصار لا تحققه أعظم أسلحة الدمار الشامل وأحدثها.
  • في حدود منهج هذه الدراسة ومقتضياتها الثقافية والرؤيوية، لسنا معنيين تماماً بتقويم هذه الحرب ونتائجها، ووعي “العقل العربيّ الحديث” المتأخر بها، بقدر ما افترضناه مدخلاً للحوار مع منظومة الأفكار المترشّحة من العنوان، وهو يطرح أسئلته ويزاوج بين مفرداتها بتداخل نظري – جدلي، يجعل من مهمة النظر فيه ومعالجته موضوعاً حضارياً مرناً، قابلاً باستمرار لمزيد من الحوار والجدل والإنتاج.

الوعي البشري

  • الحضارة البشرية ليست كل ما أبدعه الإنسان منذ أن تعلم إشعال النار عبر احتكاك الأحجار وحتى تفتيت الذرة واكتشاف الفضاء خلال عصرنا الحالي.. وهذا يُظهر وعي الإنسان القديم وقدرته العقلية على الصنع والإبداع مما هو متوفر في بيئته من وسائل وأدوات بسيطة ومتاحة ليتغلب بذلك على قلة الحيلة والتحديات التي تفرضها الطبيعة
  • ورغم بساطة حياة إنسان الأمس وقلة موارده وصعوبة العيش.. ورغم ما عاناه من حروب قبلية وعصبية قياساً بمجتمعات اليوم إلا أن مظاهر الوعي كانت واضحة لديه خاصة تلك الآثار القديمة التي خلفتها حضارته من رسوم للحيوانات على جدران الكهوف..وأنواع الكتابة، وتعدد اللغات إلى بناء القلاع وطرق ري الأراضي الزراعية إلى غير ذلك من مهارات تنم عن وعيه الذي وُجِد مع وجوده على سطح الأرض وارتباط هذا الوعي بالحاجات الحياتية اليومية.
  • لقد تحدث الكثير من المفكرين والأدباء عن الوعي واجتهدوا في توصيفه ومهما يكن فمن المؤكد أن الوعي ليس حكراً على إنسان دون آخر مهما كانت ثقافته أو مستوى ذكائه، بل هو متفاوت في درجاته عند البشر.. فالوعي يلازمه اليقظة والانتباه، وهذا ما قد يفتقده البعض؛ لذلك فالوعي الفردي مرتبط بالتربية المنزلية والمدرسية والعائلية والاجتماعية وما نعتبره مثلا وعياً وذكاء عند الطفل في طفولته ربما يفقده من جراء تربية غير سليمة وتفرض عليه فرضاً، كما أن المجتمع يسهم في تبلور الوعي عند الفرد من خلال توسيع معارفه وخبرته ودمجه في المجتمع.
  • الوعي الإنساني بشكليه الفردي والجماعي يحتاج إليه كل إنسان في حياته والمجتمعات البشرية مدعوة لأن تكون أكثر وعياً وإدراكاً حتى تتمكن من السيطرة على الصعوبات التي تواجهها في مسيرتها من مخططات مشبوهة وثقافات هدفها تزوير الواقع أو التضليل.. أو تمرير مشاريع تدعو للتفرقة على أساس المعتقدات الدينية كما هو حاصل في وقتنا الحالي.
  • ولا شك أن الوعي الاجتماعي تطور عبر مراحل التاريخ.. وتفتح الوعي الفردي أكثر فأكثر مع تزايد المعرفة والإحاطة بواقع مجتمعه وتنوع النشاطات والعادات والأساليب ويعود الجزء الأكبر من هذا التطور للتقدم التقني وتطور العلوم وتراكم المعرفة، كل ذلك أدى إلى قيام مجتمعات أكثر وعياً بذاته ومجتمعه ومحيطه الذي يعيش فيه وغاياته التي يسعى إلى تحقيقها.
السابق
دواء ساكسيندا saxenda يستخدم لتنظيم الوزن
التالي
دواء سالامول salamol علاج لوقف مشاكل التنفس أثناء ممارسة النشاطات

اترك تعليقاً