تعرفوا معنا في هذا المقال حول إجابة سؤال علل عناية المسلمين بعلم الفلك حيث يشير علم الفلك العربي أو الإسلامي وما ذكر عنه من تاريخ إلى مدى الإسهامات الفلكية التي قام العلماء العرب المسلمون بالوصول إليها وهو ما ظهر بشكل خاص في الفترة ما بين القرن الثامن والخامس عشر المعروفة بالعصر الذهبي، كما أن تلك الإسهامات وردت كتابتها باللغى العربية في دليل على أن المسلمون العرب هم من قاموا بها وتوصلوا إليها.
وقد وقعت الغالبية العظمى من تلك الإسهامات بمناطق شمال أفريقيا، الأندلس، آسيا الوسطى، الشرق الأوسط، الهند والشرق الأوسط، وقد كان للإسلام تأثير بالغ على علم الفلك سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، وكان لذلك الاهتمام البالغ بعلم الفلك من قبل المسلمون أسباب عدة سوف نوضحها بالفقرات التالية، فتابعونا.
علل عناية المسلمين بعلم الفلك
- أبرز الأسباب وراء عناية واهتمام العلماء المسلمين بعلم الفلك ترجع لارتباطه بالأمور الشرعية والدينية ومن أهمها التعرف على مواقيت الصلاة واختلافها من بلد لآخر وهو ما يتعين معه التعرف على الموقع الجغرافي عرضاً وطولاً، إلى جانب التعرف على موقع الشمس بفلكها، حيث كان لهم بواعث دينية عملية إذ أن اتساع رقعة الأرض الأرض الإسلامية والتي كان يغلب عليها المناطق الصحراوية جعلهم في حاجة ماسة لأن يهتدوا في سيرهم على النجوم ومواقعها، وأيضاً التعرف على موعد بدء شهر رمضان ونهايته من خلال رؤية الهلال، وقد قال تعالى في كتابه الحكيم بسورة الأنعام في الآية 97 (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).
- قام المسلمون ببداية تطويرهم لعلم الفلك بالاطلاع على ما خلَّفه من سبقوهم من الحضارات السابقة؛ حيث إنهم أولاً قاموا بترجمة الكتب الفلكيَّة المؤلفة من قبل الهنود، الفرس، السريان، الكلدان واليونان، ولعل أول الكتب التي ترجمها العلماء المسلمين هو الكتاب المنسوب إلى هرمس الحكيم (مفاتيح النجوم)، إذ قاموا بترجمته من اليونانية إلى العربيَّة، بنهايات عصر الدولة الأمويَّة، ومن أهم الكتب الفلكيَّة المترجمة عن اليونانية كذلك كتاب بطليموس الذي يحمل عنوان (المجسطي) بعلم الفلك وحركات النجوم، وقد تم ذلك بالعصر العباسي.
أهمية علم الفلك
- يعرف علم الفلك (Astronomy) بكونه الدراسة التي تختص بالكواكب والأجسام السماوية مثل المجرات والمذنبات والنجوم، إلى جانب كافة ما ينشأ خارج غلاف الأرض الجوي من ظواهر مثل إشعاع الخلفية الكونية (cosmic background radiation) ويعد من بين أقدم العلوم التي وجدت على الأرض والمتصلة بغيرها من العلوم الأخرى مثل الأرصاد الجوية، حركة الأجسام السماوية، الكيمياء، بالإضافة إلى تكوين الكون وتطوره.
- وبشكل رئيسي انصب اهتمام علم الفلك باكتشاف قوانين الجاذبية والحركة واختراع التلسكوب، ومنذ القرن السابع عشر بدء الاهتمام بالتنبؤ عن طريق ملاحظة مواقع الشمس والقمر والكواكب من أجل معرفة أيام السنة، وإلى جانب تلك المقاصد الفلكية كان هناك اهتمامات علمية وما أخرى تتعلق بالملاحة.
- ومع الوقت اتسع اهتمام علم الفلك بما جعله يشمل مجالات أخرى كالفيزياء الفلكية، ودراسة ما هو موجود من جزيئات حول النجوم وبينها، وقد تبين واتضح اهتمام الإسلام بعلم الفلك في العديد من الآيات القرآنية حيث قال تعالى في سورة يس “40:37” (وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ، وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ).
من هو مؤسس علم الفلك
- يرجع اكتشاف علم الفلك إلى اليونانييبن، إذ قام العالم إراتوستينس بقياس حجم الأرض بالفترة ما بين (276-195) قبل الميلاد تبعاً لما لها من شكل مستدير، دون أن يضع اعتبار لتصورات غيره من الأشخاص واعتقاداتهم القائلة باستواء الأرض، وجاء بعده العالم اليوناني كلاوديوس بتوليمي الذي قام بوضع تصوّر للكون، واعتمد بتصوّره ذلك على الكون بما يشتمل عليه من كواكب ونجوم ودورانهم حول الأرض بالفترة ما بين (90–168) ميلادية، وأطلق على نظامه (نظام بطليموس) الذي وصفته وكالة ناسا بأنه أساس قاعدة علم الفلك بعصر الإغريق.
- وهناك قول آخر يرى أن الفيلسوف الإغريقي أناكسيماندر هو أول من قام بتأسيس علم الفلك حيث ذكر أن حركة الأجرام السماوية تعود لعوامل فيزيائية دون أن يكون تأثير على الحياة البشرية، أما طاليس قال أن الأرض تطفو فوق الماء، ليس ذلك فقط بل إنه قام بشرح ظاهرة تعاقب الأربعة الفصول لذلك يعد طاليس أول من أسس علم الفلك بأصول منطقية غير قائمة على الخيال مما جعله يحمل لقب عالم الكونيات.
علماء الفلك العرب والمسلمين
- لم تكن معرفة المسلمين بعلم الفلك بفترة العصر الأموي وصدر الإسلام معرفة كبيرة، بل كانت قاصرة على ما يمكن أن تراه العين المجردة، دون أن تقوم على أسس علمية أو علوم الرياضيات، ولكن ورد أن الوزير الفاطمي (أبا القاسم علي بن محمد الجرجاني) كان قد وجد بخزانة الكتب الفاطمية على كرة من نحاس عام (435هـ/ 1044م) من علم بطليموس كتب عليها عليها (حُملت هذه الكرة من الأمير خالد بن يزيد بن معاوية) وهو حفيد معاوية بن أبي سفيان، مما يؤكد ما ذكر عن اهتمام الأمير خالد بعلم الفلك، وأنه أول من ترجم له كتب الكيمياء والنجوم والطب.
- وهناك إجماع من قبل المصادر التاريخية يرى أن نهضة الفلك بالعصر العباسي جاء على يد الخليفة العباسي الثاني أبي جعفر المنصور، الذي كان شغوفاً بالعلوم خاصة علم الفلك ، فكان دائم اصطحاب المنجم الفارسي نوبخت، وحينما ضعف عن الخدمة أمر المنصور بإحضار ولده (أبي سهل بن نوبخت) حتى يقوم مقامه.
- واستعان الخليفة أبو جعفر المنصور في إحياء علم الفلك بطائفة من علماء الهند، حيث حدث في عام (154هـ/ 770م) أن أتى إلى بغداد عالم هندي له دراية واسعة بعلم الفلك وكان معه كتابًا باللغة السنسكريتية خاص بعلم الفلك عنوانه “السِّدَّ هَنتا” أو “السِّد هانْتَ”، خؤلف من قبل أحد علماء الفلك الهنود، وبعد ترجمته إلى العربية سمي بـ “السند هند”، ويتضمن مقدمة وجيزة، مُرْفَق بها عدد من الجداول الفلكية بتحركات الأجرام السماوية، ومغيب ومطلع البروج، وقد تم احتساب تلك الحركات على أسس دورات زمنية تتضمن آلاف الأعوام.
فضل علماء المسلمين في علم الفلك
قام علماء المسلمين المهتمين بعلم الفلك بتقديم الكثير من الإسهامات والإنجازات لذلك العلم نذكر من بينها التالي:
- استعمل الفزاري بكتابه المناهج والأسس الهندية بالحساب، ووضع جداول فكلية جديدة تعرف بـ(زيج)، كما قام بحفظ أصل المذهب الذي عرف في العلم العربي بـ”مذهب السند هند”، إذ قام بإضافات وتعديلات جوهرية، كما حول حساب التوقيت الهندي إلى سني العرب بمعنى أنه استبدل به حساب المستعمل لدى المسلمين بالسنين القمرية.
- وهناك كتب فلكية تم نقلها إرسالها للمنصور من قبل ملك الروم استجابةً لطلبه، بينما إبراهيم الفزاري فينسب له صناعة المرصد العربي الأول لرصد الأجرام السماوية المعروف بالأسطرلاب.