أدبيات

قصيدة مدح في رجل كريم

قصيدة مدح في رجل كريم

قصيدة مدح في رجل كريم من القصائد التي يرغب من يُحبّون الكرم وأهله في معرفتها؛ حتى يُنشدوها لهم؛ فيزدادوا كرمًا على كرمهم، ويحُثوا غيرهم على البذل والعطاء، والشعر من الألوان الأدبية الموجودة من قديم الزّمان؛ لأن العرب كانوا أهل فصاحة وبيان، وكانوا يتكلّمون الفُصحى بالسّليقة دون أدنى مشقّةٍ أو تعبٍ، ومُيّز الشّعر عن غيره؛ لأنه سهل الحفظ، وفيما يلي سنتعرّف على المدح وبعض القصائد التي قيلت فيه.

قصيدة مدح

الشعرُ هو الكلامة الموزون المُقفّى الذي يُعبّر به الشاعر عن ما يعتريه من مواقف، وقد استخدمه العرب قديمًا في التعبير عن مآثرهم، ومناقبهم، وحروبهم، فيُعدّ سجلًّا تاريخيًّا لهم، وفن المدح من الفنون الشعريّة التي مارسها الكثير من الشّعراء، ولكن مدحهم جاء مُتباينًا، فبعضهم مدح الرّجل بما فيه، ومن هؤلاء الشّعراء” زهير بن أبي سُلمى”، فقد كان عمر بن الخطّاب يستجيد شعره، وسبب استجادته، قال فيه عمر:

” كان لا يُعاظل بين الكلام، ولا يمدح الرّجل إلا بما هو فيه”

والبعض الآخر -وهم الأكثريّة- يمدحون لأجل التكسّب، ولأجل التقرّب من الملوك؛ حتى يرتقوا إلى مناصبَ عاليةٍ في الدّولة؛ فلذا كان شعرُهم متكلّفًا.

 

قصيدة مدح في رجل كريم

لقد كان أبو الطيب المتنبّي من أعظم شعراء المديح الذي اشتُهر في العصر العبّاسي، وقد حاكي في شعره المدح الصادق غير المتكلّف، وذلك عند مدحه لسيف الدّولة، ولكن الوشاة وشوا به؛ فاحتمى بكافور الإخشيدي، وجاء شعره لكافور؛ من أجل حبّه للمنصب الذي وعده به كافور لا من أجل حبّه الخالص، ومن أشهر قصائده لكافور، القصيدة التي مطلعها: كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا   وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُنَّ أَمانِيا، ويقول فيها عن كافور:

أَبا المِسكِ ذا الوَجهُ الَّذي كُنتُ تائِقًا إِلَيهِ   وَذا الوَقتُ الَّذي كُنتُ راجِيا

لَقيتُ المَرَورى وَالشَناخيبَ دونَهُ       وَجُبتُ هَجيرًا يَترُكُ الماءَ صادِيا

أَبا كُلِّ طيبٍ لا أَبا المِسكِ وَحدَهُ      وَكُلَّ سَحابٍ لا أَخَصُّ الغَوادِيا

يَدِلُّ بِمَعنًى واحِدٍ كُلَّ فاخِرٍ     وَقَد جَمَعَ الرَحمَنُ فيكَ المَعانِيا

إِذا كَسَبَ الناسُ المَعالِيَ بِالنَدى     فَإِنَّكَ تُعطي في نَداكَ المَعالِيا

وَغَيرُ كَثيرٍ أَن يَزورَكَ راجِلٌ        فَيَرجِعَ مَلْكًا لِلعِراقَينِ والِيا

فَقَد تَهَبَ الجَيشَ الَّذي جاءَ غازِيًا     لِسائِلِكَ الفَردِ الَّذي جاءَ عافِيا

وَتَحتَقِرُ الدُنيا اِحتِقارَ مُجَرِّبٍ         يَرى كُلَّ ما فيهاوَحاشاكَ فانِيا

وَما كُنتَ مِمَّن أَدرَكَ المُلكَ بِالمُنى     وَلَكِن بِأَيّامٍ أَشَبنَ النَواصِيا

عِداكَ تَراها في البِلادِ مَساعِيًا      وَأَنتَ تَراها في السَماءِ مَراقِيا

وفي بداية هذه الأبيات يُكنّي المتنبي عن سواد كافور بقوله: “أبا المسك”، ويُخبره بأن وجهه هذا هو الوجه الذي تطلّع إلى رؤيته، والوقت الذي يعيشه الآن-أي مع كافور- هو الوقت تمنّى معايشته،  وأنه لا قى الكثير من المشقّات في طريقه إليه، فتحمّل حر الهواجر، ومرارة السير في المفازة الواسعة، ويستطرد في مدحه ويقول : إنه ليس أبا المسك الذي يفوح منه الرائحة الكريمة فقط، بل أبا كل طيبٍ، بل وأبا كلّ سحاب تنتشر صباحًا، وإن كلّ شخصٍ يُريد أن يفخرَ يتأتّى فخره من منقبةٍ واحدة.

ولكن الله قد اصطفاك، ووهبك الكثير من المناقب التي تستدعي النّاس لمدحك، وأن الجواد يجود بالمال؛ لأجل أن يحصُل له السموّ والشرف، ومن تُعطيه هباتك؛ يسمو بهباتك ويحصُل له الشرف، وأن من يراك؛ يكتسب المعالي برؤيتك، وإذا جاءك جيشٌ يغزو بلادك؛ أخذت هذ الجيش ووهبته لسائلٍ واحدٍ من الذين يسألونك، وهذا البيت يدُل على شجاعته وجُوده، وأنت ممن يحتقر الدّنيا؛ لأنه جرّب ما فيها، وعلم أنها فانية، لا تبقى لأحدٍ، ولذا فإنك تجود بما تملك، ولست -يا كافور- ممن أدرك الملك بما يُتمنى، ولكن بأيام شابت منها مقدّم الرؤوس، وأن أعداءك يرون الوقائع كالمساعي في الأرض، ولكنك ترقى عنهم وتراها مراقي للسماء.

 

قصيدة في مدح الرسول

لقد ذخرت كُتب الأدب عامّةً، ودواوين الشعر خاصّةً بالحديث عن مدح النبي -صلى الله عليه وسلّم-، واشتهر المّداحين للمُصطفى منذ عصر صدر الإسلام، وحتى يومنا هذا، ولكن جلّ هذه الكُتُب فضلًا عن كُلّها لم تُسلّط الضوء على المدائح النبوية للشاعر العالم الزمخشري، فديوانه الذي يبلُغ خمسة آلاف وأربعمائة وأربعة وسبعين بيتًا، قد ضمّنه أربع قصائد من قصائد المديح النبوي، وسمّاها: ” النبويّات”، ومن تلك القصائد كافيّته التي يقول فيها:

 

أَدار الأُلى حلّوك أين أولئك؟

أراكِ محَلًّا للظباء الأواركِ

وبئس معوّضاتٌ: نساء أواركِ

مكانَ ظباء الإنس فوق الأرائك

لسرعان ما صاح الغراب بينهم

وفوجئت منهم بالرحيل المواشك

كأني لم أنظر إلى الحيّ صادعًا

عِصِيّ النّوى بين اللِّوى فالدكادك

ولم أر أطناب المضارب بالحمَى

نظائرَ هُدْبٍ في الكرى مُتَشابك

ولم أر أبوابَ القِباب ودونها

مصاماتُ خيلٍ للشكيمِ  عوالك

ولا طرقت أُذني أحاديث سامرٍ

وأصواتُ رُعيانٍ حوالَيْ مَبارِكِ

وعهدي بِرُدْحٍ  مُتْرَعاتٍ تكلَّلَتْ

كرُدْح ابن جدعان بأيدي الصعالك

تُقارع جيش الجوع حتى تشكّ في

خواصره شكًّا بِزُرْقِ النيازك

وبيضٍ كأمثال النيازك حُبُّها

يذيبُ رجال النُّسْكِ ذوْبَ السبائك

نشأنَ مصوناتٍ كأن خدورَها

أداحيُّ ربُدٍ وهْيَ مثلُ الترائك

من القاصرات الطرف غيرفوارك

ولكن لحبّات القلوب فوارك

تبوأن حِصْنًا من عفافٍ مُمَنَّعًا

فلم تتسوَّره محالةُ فاتكِ

وحامى عليها مِقْنَبٌ  مُتساندُ

مِن آل أَبي أَوْفى ومنْ آل مالكِ

وآل أبي أوفى عليهم صلاةُ مَن

صلاةُ المليك فوقهُ والملائكِ

وما أحدٌ صلَّى عليه محمدٌ

بذي عِصَمٍ عند الإله ركائكِ

أبو القاسم ابن الأنبياء محمدٌ

رسولُ الهُدى الهادي أسدَّ المسالكِ

فأسعدُ أهل الأرضِ تابعُ خطوِه

ومن زاغ عنه هالكٌ في الهوالك

إلى الثّقلين المصطفى كان مُرسلًا

من المتعالى جَدُّه المتبارك

ولما آتاهم بالحنيفيّة الَّتي

هي الصبْحُ جلَّى جُنْحَ أسودَ حالكِ

بملة إبراهيم أثبتِ ملّةٍ

وأرسخها قبل الجبال الروامك

أتاهم بآيات الكتاب فأصبحتْ

بوازغَ في الآفاق غيرَ دوالكِ

بداهم بأشباه السيوف بواتكًا

فصَدُّوا فثنَّى بالسيوف البواتك

ببيضٍ حَطَمْن العزَّ من كلِّ حاطمٍ

وسُمْرٍ هتكْنَ السِّتْرَ من كلِّ هاتك

وطَوَّحْنَ قسْرًا تاج كسرى وقيصرٍ

وسُمْنَ صَغارًا شُوسَ أهلِ الممالكِ

وكم من دماءٍ حِيل من دون حَقْنِها

حُقِنَّ بأيدٍ للدماء سوافِكِ

وذوالعرش ألقى في قُلوب غُواتهم

من الرُّعبِ ما يَثْنيهمُ بالمآلك

فكائن رأوا منْ ذي ممالك كبْكَبَت

مآلكُ منه جُنده في مَهالكِ

وشرَّدْنهم في كُلِّ أوبٍ تواركًا

صناديدَهُم مثل النّعامِ الرَّواتكِ

أعزُّ قُريش منصبًا، وأخصّهم

بفَرع سنامٍ بين عدنان تامك

أُبوّته أعلته ثم ارتقت به

نُبُوّتُهُ في الباذخات السّوامك

وذلك يُجْزيه من أن يعتزي إلى

فواطم  من جدّاتِهِ وعواتِكِ

وما كان إلا البدرَ تحتفُّ حولَهُ

صحابةُ صدقٍ كالنّجوم الشَّوابك

هُمُ كشفوا عن وجهه كُرَبَ العِدا

كفاحًا، وخاضوا دونَهُ في المعارك

وقاموا بضرْبٍ للطُّلى  مُتتابعٍ

وذادوا بطعْنٍ في الكُلَى متدارِكِ

إلى أن دجا الإسلامُ، وامتدّ ظلُّهُ

وعضَّ على إبهامِهِ كلُّ آفكٍ

فأرسلتِ الأديان ُ سَحًّا عيونَها

وأوضحَ دينُ الحقِّ أنيابَ ضاحكِ

إليك رسول الله جهَّزتُ مِدْحتي

وإنك أسخى كلِّ باقٍ وهالكِ

ألا إنَّ أدْنى رشحةٍ من نداك لم

يُقايَس إليها بَحْرُ جود البرامكِ

وإنّي لفي أسمى الجوائزِ طامعٌ

فلا تكُ في وادي تُخيِّبُ  تاركي

وقد اعتمد الزمخشري في هيكل قصيدته هيكل قصيدة الشعراء الجاهليين، والذي يقوم على البدء بالمقّدمة الطلليّة، ومن ثمّ غرض الغزل، وصولًا إلى الغرض الرئيس، وكلّ هذا في تسلسُلٍ مُحكم.

ومن خلال هذا المقال يُمكننا التعرّف على قصيدة مدح في رجل كريم ، وأشهر شعراء المدح عبر العصور، ودور أبي الطيب المتنبي في هذا الفنّ، ومدحه لسيف الدولة، ولكافور الإخشيدي، وأن مدحه لكافور كان يحمل في طيّه معنيي المدح والذمّ، وختامًا كافيّة الزمخشري في مدح الرسول.

السابق
قصة خيالية قصيرة ومفيدة جدا
التالي
تحديث بيانات وزارة الإسكان البحرين بالخطوات

اترك تعليقاً