احكام الشريعة الإسلامية

ما هي مبطلات الصلاة

مبطلات الصلاة

كما أنّ للصلاة شروطاً يجب على المسلم أن يأتي بها حتى تصحّ صلاته؛ فلها كذلك مبطلات إن فعلها كانت صلاته باطلة غير مقبولة، وهذه المبطلات إمّا أن تكون بفعل شيء يحرم فعله في الصلاة، أو أن تكون بترك شيء واجب الإتيان به، وفيما يأتي بيان كلا النوعين:

  • الأكل والشرب في الصلاة عن عمد وقصد، حيث نُقل الإجماع عن العلماء في إبطال ذلك للصلاة، أمّا إن أكل الإنسان أو شرب ناسياً أو جاهلاً أثناء الصلاة فلا تبطل صلاته على الراجح عند الحنابلة والشافعيّة، وكذلك إن ابتلع ما كان عالقاً في فمه إن كان دون حجم حبّة الحمص.
  • التكلّم في الصلاة عمداً لغير مصلحة الصلاة، فلا يجوز للمصلّي أن يتحدّث خلال صلاته، فإن كان ناسياً أو جاهلاً لم تبطل، وإن تحدّث الإنسان في مصلحة الصلاة كأن ينبّه الإمام على خطأ في الصلاة، فجائز بشرط ألّا يكثر كلامه عرفاً ولا يُفهم المقصود بالتسبيح؛ لأنّ الأصل في ذلك التسبيح وليس الكلام.
  • الحركة والأفعال الكثيرة في الصلاة عمداً؛ والمعيار والضابط في ذلك عادة الناس، فما يعدّه الناس في العرف كثيراً كالمشي لخطوات عدّة يعدّ مبطلاً للصلاة، أمّا ما عدّه الناس ليس بكثير كخلع النعل أو حمل الطفل، فلا يكون مبطلاً للصلاة.
  • الضحك خلال أداء الصلاة؛ وذلك إذا كان الضحك كثيراً فلم يستطع الإنسان دفعه، أمّا التبسّم فلا يبطلها وكذلك الضحك القليل، والضابط في الكثرة والقلّة هو العرف.
  • ترك ركن أو ترك واجب من أركان وواجبات الصلاة عمداً؛ أمّا إن ترك واجباً سهواً فإنّه يجبره بسجود السهو، وأمّا الرّكن فلا يُجبر بسجود السهو بل لا بدّ من الإتيان به.
  • ترك شرط من شروط صحّة الصلاة عمداً؛ فإن صلّى المسلم صلاة دون أن يستوفي جميع شروطها متعمداً في ذلك بطلت صلاته.

ما هي مبطلات الوضوء

قبل الإجابة على سؤال ما هي مبطلات الوضوء تجدر الإشارة إلى أهمية الوضوء فهو شرط صحة للصلاة، فلا تصح الصلاة إلا بالوضوء، وهو شطر الإيمان، وقد أمر الله تعالى به حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}،[٣]وأما مبطلات الوضوء فهي ثمانية، بعضها مُتفق عليه بين الفقهاء وبعضها محل خلاف، ويمكن بيانها فيما يأتي:

  • الخارج من السبيلين: لا خلاف بين أهل العلم في أن كل ما خرج من الفرجين كالبول، أو الغائط، أو الريح، أو المذي، أو غيره، سواءً قل أم كثر يُعد ناقضًا للوضوء، والدليل من القرآن الكريم، قول الله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ}،[٣] ومن السنة النبوية الشريفة ما روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال للرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة: “لا يَنْصَرِفْ حتَّى يَسْمع صَوْتًا أوْ يَجِدَ رِيحًا”.
  • زوال العقل: كل ما يزيل العقل كالنوم، أو الإغماء، أو الجنون، أو السكر يُعد ناقضًا للوضوء، وذلك لأن الإنسان لا يتحكم بأعضائه في حال زوال عقله، فترتخي العضلات وقد يخرج منه شيء ما وهو لا يشعر، والدليل على أن زوال العقل من مبطلات الوضوء قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “العينُ وِكاءُ السَّهِ، فمنْ نامَ فلْيتوضَّأْ”،[٧] وثمة استثناء للنوم اليسير في حالة الجلوس، أو القيام، فإنه لا يُنقض الوضوء لما ري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: “كانَ أصْحَابُ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ ولَا يَتَوَضَّؤُونَ”.
  • المس المباشر باليد للقبل أو الدبر من غير حائل: والدليل من السنة النبوية المشرفة ما روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “مَن مَسَّ فرْجَهُ، فلْيتَوَضَّأْ”،[٩] ويدخل تحت هذا الباب مس الرجل بشرة المرأة، أو مس المرأة بشرة الرجل بشوة.
  • سيلان الدم الكثير، أو القيح، أو القيء الكثير: ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن سيلان الدم الكثير، أو القيح، أو الصديد، أو القيء من مبطلات الوضوء، واستدلوا على قولهم بما روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “من أصابه قيءٌ أو رعافٌ أَو قَلَسَ أو مذيٌ فلْينصرفْ فلْيتوضأْ”،[١٠] بالإضافة إلى ما روي عن أبي الدرداء أنه قال: “أنَّ النبيَّ قاءَ فتوضأَ”.
  • الردة عن الإسلام، أو ارتكاب كبيرة من الكبائر: والدليل على أن الردة من مبطلات الوضوء قول الله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}،[١٢] وأما الدليل على أن ارتكاب كبائر الذنوب من مبطلات الوضوء ما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: “أمر -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- رجلًا يصلي وهو مسبلٌ إزارَه بالوضوءِ فتَوضَّأ”،
  • تغسيل الميت: والدليل على أن غسل الميت من نواقض الوضوء، أن ابن عباس، وابن مسعود، وأبي هريرة -رضي الله عنهم- جميعاً كانوا يأمرون من غسل ميت بالوضوء.

أكل لحم الإبل: والدليل على أن أكل لحوم الإبل من مبطلات الوضوء ما رواه جابر بن سمرة -رضي الله عنه-:” أن رجلًا أتى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالَ أتَوَضَّأُ مِن لُحُومِ الإبِلِ؟ قالَ: نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِن لُحُومِ الإبِلِ”، وهكذا تمت الإجابة على سؤال ما هي مبطلات الوضوء.

مبطلات الصلاة عند الشافعية

الشافعية قالوا: مبطلات الصلاة: الحدث بأقسامه السابقة، سواء كان موجباً للوضوء؛ أو الغسل، الكلام في الصلاة، وسيأتي تفصيل القدر المبطل؛ البكاء والأنين، الفعل الكثير الذي ليس من جنسها، أو من جنسها، وقد تقدم تفصيله، ومن تحريك يده برفعها وخفضها أو تحريكها الى جهة اليمين وعودها إلى جهة الشمال، أو العكس ثلاث مرات، بحيث يحسب الذهاب والعودة مرة واحدة مع الاتصال، وأما مع الانفصال، فكل منهما يعدّ مرة، بخلاف ذهاب الرِّجل وعودها، فإن كلا منهما يعد مرة، ولو مع الاتصال، الشك في النية، أو في شيء من شروطه صحة الصلاة، أو كيفية النية، بأن يشك هل نوى ظهراً أو عصراً مثلاً، وإنما يبطل الشك في ذلك كله إن دام زمناً يسمع ركناً من أركان الصلاة، وغلا فلا: نية الخروج من الصلاة قبل تمامها، التردد في قطع الصلاة والاستمرار فيها، تعليق قطع الصلاة بشيء، ولو محالاً عادياً.
كأن يقول بقلبه إن جاء زيد قطعت الصلاة؛ أما إذا علق الخروج من الصلاة على محال عقلي، كالجمع بين الضدين، فلا يضر، صرف نية الصلاة إلى صلاة أخرى؛ إلا الفرض، فله أن يصرفه إلى النفل إذا كان منفرداً ورأى جماعة يريد أن يدخل معهم، طرو الردة أو الجنون في الصلاة، انكشاف العورة في الصلاة مع القدرة على سترها، على ما تقدم، أن يجد من يصلي عرياناً ساتراً، على ما تقدم، اتصال نجاسة غير معفو عنها ببدنه أو بلمبوسه، ولو داخل عينيه أثناء الصلاة، وإنما تبطل بذلك إذا لم يفارقها سريعاً بدون حملها أو حمل ما اتصلت به، تطويل الرفع من الركوع أو الجلوس بين السجدتين؛ ويحصل تطويل الأول بالزيادة على الذكر الوارد فيه بقدر الفاتحة، وتطويل الثاني بالزيادة على الدعاء الوارد فيه بمقدار الواجب من التشهد الأخير، ويستثنى من ذلك تطويل الرفع في الركعة الأخيرة، وتطويل الجلوس بين السجدتين في صلاة التسابيح، فلا يضر مطلقاً؛ سبق المأموم إمامه بركنين فعليين، أو تأخره عنه بهما، ويشترط أن يكون كل منهما من غير عذر؛ التسليم عمداً قبل محلهح تكرير تكبيرة الإحرام بنية الافتتاح مرة ثانية. ترك ركن من أركان الصلاة عمداً، ولو قولياً؛ انقضاء مدة المسح على الخف أثناء الصلاة، أو ظهور بعض ما ستر به من رجل أو لفافة، اقتداؤه بمن لا يقتدي به لكفر أو غيره؛ تكرير ركن فعلي عمداً؛ وصول مفطر إلى جوف المصلي، ولو لم يؤكل؛ تحول عن القبلة بالصدر: تقديم الركن الفعلي عمداً على غيره.

مبطلات الصلاة عند المالكية

المالكية: عدوا مبطلات الصلاة كما يأتي: ترك ركن من أركانها عمداً، ترك ركن من أركانها

سهواً، ولم يتذكر حتى سلم معتقداً إذا طال الأمر عرفاً، إما إذا سلم معتقداً الكمال، ثم تذكر عن قرب، فإنه يلغي ركعة النقص ويبني على غيرها وتصح صلاته، وأما إذا لم يسلم معتقداً الكمال، بأن لم يسلم أصلاً أو سلم غلطاً، فإن كان الركن المتروك من الركعة الأخيرة، فإنه يأتي به، ويتمم صلاته، وإن كان من غير الأخيرة أتى به إن لم يعقد ركوع الركعة التالية لركعة النقص، فإن عقد كوع الركعة التالية ألغى ركعة النقص، ولا يأتي بالركن المتروك (عقد الركوع برفع الرأس منه مطمئناً معتدلاً إلا في ترك الركوع، فإن عقد الركعة التالية يكون بمجرد الانحناء في ركوعها) ؛ رفض النية وإلغاؤها: زيادة ركن فعلي عمداً كركوع أو سجود؛ زيادة تشهد بعد الركعة الأولى أو الثالثة عمداً إذا كان من جلوس؛ القهقهة عمداً أو سهواً؛ الأكل أو الشرب عمداً؛ الكلام لغير إصلاح الصلاة عمداً، فإن كان لإصلاحها، فإن الصلاة تبطل بكثيره دون يسيره، على ما تقدم؛ التصويت عمداً، النفخ بالفم عمداً، القيء عمداً، ولو كان قليلاً، السلام حال الشك في تمام الصلاة، طرو ناقض الوضوء، أو تذكره، كشف العورة المغلظة، أو شيء منها، سقوط النجاسة على المصلي، أو علمه بها أثناء الصلاة، على ما تقدم، فتح المصلي على غير إمامه، الفعل الكثير ليس من جنس الصلاة، طرو شاغل عن إتمام فرض، كاحتباس بول يمنع من الطمأنينة مثلاً، تذكر أولى الحاضرتين المشتركتي الوقت، كالظهر والعصر، وهو في الثانية، فإذا كان يصلي العصر، ثم تذكر أنه لم يصل الظهر بطلت صلاته، وقيل: لا تبطل، بل يجري فيها التفصيل المتقدم في ترتيب يسير الفوائت، زيادة أربع ركعات يقيناً سهواً على الرباعية، ولو كان مسافراً، أو على الثلاثية،
واثنتين على الثنائية والوتر، وزيادة مثل النفل المحدود، كالعيد، سجود المسبوق الذي لم يدرك ركعة مع امام، السجود المرتب على إمامه قبل قيامه لقضاء ما عليه، سواء كان السجود قبلياً أو بعدياً، وأما إذا أدرك معه ركعة، فإنه يسجد تبعاً لسجود إمامه، لكن إن كان السجود قبل السلام سجده معه قبل قيامه للقضاء، وإن كان بعد السلام وجب عليه تأخيره حتى يقضي ما عليه، فإن قدمه قبل القضاء بطلت صلاته، السجود قبل السلام لترك سنة خفيفة، كتكبيرة واحدة، أو تسميعة، أو لترك مستحب، كالقنوت، ترك ثلاث سنن من سنن الصلاة سهواً، مع ترك السجود لها حتى سلم وطال الأمر عرفاً.

مبطلات الصلاة من كتاب فقه السنة

مبطلات الصلاة:

تبطل الصلاة ويفوت المقصود منها بفعل من الافعال الاتية:
(1 و 2) الاكل والشرب عمدا: قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من أكل أو شرب في صلاة القرض عامدا ( قالت الشافعية والحنابلة: لا تبطل الصلاة بالاكل أو الشرب ناسيا أو جاهلا، وكذا لو كان بين الاسنان دون الحمصة فابتلعه) أن عليه الاعادة، وكذا في صلاة التطوع عند الجمهور لان ما أبطل الفرض يبطل التطوع (عن طاووس وإسحاق أنه لا بأس بالشرب لانه عمل يسير. وعن سعيد بن جبير وابن الزبير أنهما شربا في التطوع) .
(3) الكلام عمدا في غير مصلحة الصلاة: فعن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزلت (وقوموا لله قانتين) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام، رواه الجماعة.

وعن ابن مسعود قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا فقلنا: يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا؟ فقال: (إن في الصلاة لشغلا) ( إن في الصلاة لشغلا: مانعا من الكلام) رواه البخاري ومسلم.

فإن تكلم جاهلا بالحكم أو ناسيا فالصلاة صحيحة، فعن معاوية بن الحكم السلمي قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم.

فقلت: واثكل أماه، ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني، لكني سكت ( لكني سكت: أي أرادوا أن أسكت فأردت أن أكلمهم لكني سكت) .

فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه.

فو الله ما كهرني ( فوالله ما كهرني: أي ما انتهرني أو عبس في وجهي) ولا ضربني ولا شتمني قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.

فهذا معاوية بن الحكم قد تكلم جاهلا بالحكم فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم باعادة الصلاة.

وأما عدم البطلان بكلام الناس فلحديث أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر فسلم فقال له ذو اليدين ( ذو اليدين: صحابي سمي بذلك لطول كان في يديه) : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم تقصر ولم أنس) فقال: بل  قد نسيت يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحق ما يقول ذو اليدين؟) قالوا: نعم.

فصلى ركعتين أخريين ثم سجد سجدتين. رواه البخاري ومسلم.

وجوز المالكية الكلام لاصلاح الصلاة بشرط ألا يكثر عرفا وألا يفهم المقصود بالتسبيح.

وقال الاوزاعي: من تكلم في صلاته عامدا بشئ يريد به إصلاح الصلاة لم تبطل صلاته.

وقال في رجل صلى العصر فجهر بالقرآن فقال رجل من ورائه: إنها العصر، لم تبطل صلاته.

(4) العمل الكثير عمدا: وقد اختلف العلماء في ضابط القلة والكثرة، فقيل: الكثير هو ما يكون بحيث لو رآه إنسان من بعد تيقن أنه ليس في الصلاة، وما عدا ذلك فهو قليل.

وقيل: هو ما يخيل للناظر أن فاعله ليس في الصلاة.

وقال النووي: إن الفعل الذي ليس من جنس الصلاة إن كان كثيرا أبطلها بلا خلاف وإن كان قليلا لم يبطلها بلا خلاف، هذا هو الضابط.

ثم اختلفوا في ضبط القليل والكثير على أربعة أوجه ثم اختار الوجه الرابع فقال: (وهو الصحيح المشهور) وبه قطع المصنف والجمهور أن الرجوع فيه إلى العادة، فلا يضر ما يعده الناس قليلا كالاشارة برد السلام، وخلع النعل، ورفع العمامة، ووضعها ولبس ثوب خفيف ونزعه، وحمل صغير ووضعه، ودفع مار ودلك البصاق في ثوبه وأشباه خذا (وقد سبق في مباحث الصلاة ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاته أو أمر به كقتل الاسودين ونحو ذلك) .

وأما ما عده الناس كثيرا كخطوات كثيرة متوالية وفعلات متتابعة فتبطل الصلاة.

قال: ثم اتفق الاصحاب على أن الكثير إنما يبطل إذا تولى فإن تفرق بأن خطا خطوة، ثم سكت زمنا، ثم خطا أخرى، أو خطوتين، ثم خطوتين بينهما زمن إذا قلنا لا يضر الخطوتان وتكرر ذلك مرات كثيرة حتى بلغ مائة خطوة فأكثر، لم يضر بلا خلاف.

قال: فأما الحركات الخفيفة كتحريك الاصابع في سبحة أو حكة أو حل أو عقد فالصحيح المشهور أن الصلاة لا تبطل به وإن كثرت متوالية، لكن يكره.

وقد نص الشافعي رحمه الله: أن لو كان يعد الايات بيده عقدا لم تبطل صلاته، لكن الاولى تركه.

(5) ترك ركن أو شرط عمدا وبدون عذر: لما رواه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للاعرابي الذي لم يحسن صلاته: (ارجع فصل فإنك لم تصل) ، وقد تقدم.

قال ابن رشد: اتفقوا على أن من صلى بغير طهارة أنه يجب عليه الاعادة، عمدا كان ذلك أو نسايانا.

وكذلك من صلى لغير القبلة عمدا كان ذلك أو نسيانا.

وبالجملة فكل من أخل بشرط من شروط صحة الصلاة وجبت عليه الاعادة (فائدة: يحرم على المصلي أن يفعل ما يفسد صلاته بدون عذر، فإن وجد سبب كإغاثة ملهوف أو انقاذ غريق ونحو ذلك فإنه يجب عليه أن يخرج من الصلاة) .

ويرى الحنفية والحنابلة أنه يباح له قطع الصلاة لو خاف ضياع مال له ولو كان قليلا أو لغيره أو خافت أو تألم ولدها من البكاء أو فار القدر أو هربت دابته ونحو ذلك.

(6) التبسم والضحك في الصلاة: نقل ابن المنذر الاجماع على بطلان الصلاة بالضحك.

قال النووي: وهو محمول على من بان منه حرفان.

وقال أكثر العلماء: لا بأس بالتبسم، وإن غلبه الضحك ولم يقو على دفعه فلا تبطل الصلاة به إن كان يسيرا، وتبطل به إن كان كثيرا، وضابط القلة والكثرة والعرف.

قضاء الصلاة اتفق العلماء على أن قضاء الصلاة واجب على الناسي والنائم لما تقدم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسى أحد صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها) .

والمغمى عليه لا قضاء عليه إلا إذا أفاق في وقت يدرك فيه الطهارة والدخول في الصلاة.

فقد روى عبد الرزاق عن نافع: أن ابن عمر اشتكى مرة غلب فيها على عقله حتى ترك الصلاة ثم أفاق فلم يصل ما ترك من الصلاة.

وعن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه إذا أغمي على المريض ثم عقل لم يعد الصلاة.

قال معمر: سألت الزهري عن المغمى عليه فقال: لا يقضي.

وعن حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين أنهما قالا في المغمى عليه: لا يعيد الصلاة التي أفاق عندها.

وأما التارك للصلاة عمدا فمذهب الجمهور أنه يأثم وان القضاء عليه واجب.

وقال ابن تيمية: تارك الصلاة عمدا لا يشرع له قضاؤها ولا تصح منه، بل يكثر من التطوع وقد وفي ابن حزم هذه المسألة حقها من البحث فأوردنا ما ذكره فيها ملخصا، قال وأما من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها هذا لا يقدر على قضائها أبدا، فليكثر من فعل الخير وصلاة التطوع ليثقل ميزاته يوم القيامة وليتب وليستغفر الله عزوجل.

وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي يقضيها بعد خروج الوقت حتى إن مالكا وأبا حنيفة قالا من تعمد ترك صلاة أو صلوات فإنه يصليها قبل التي حضر وقتها إن كانت التي تعمد تركها خمس صلوات فأقل سواء خرج وقت الحاضرة أو لم يخرج فإن كانت أكثر من خمس صلوات بدأ بالحاضرة، برهان صحة قولنا (أي ابن حزم) قول الله تعالى: (فويل للمصلمين الذين هم عن صلاتهم ساهون) وقوله تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) .

فلو كان العامد لترك الصلاة مدركا لها بعد خروج وقتها لما كان له الويل ولا لقي الغي كما لا ويل ولا غي لمن أخرها إلى آخر وقتها الذي يكون مدركا لها.

وأيضا فإن الله تعالى جعل لكل صلاة فرض وقتا محدود الطرفين يدخل في حين محدود ويبطل ي وقت محدود فلا فرق بين من صلاها قبل وقتها وبين من صلاها بعد وقتها لان كليهما صلى في غير الوقت.

وليس هذا قياسا لاحدهما على الاخر بل هما سواء في تعدي حدود الله تعالى، وقد قال الله تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) وأيضا فإن القضاء إيجاب شرع، والشرع لا يجوز لغير الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

فنسأل من أوجب على العامد قضاء ما تعمد تركه من الصلاة أخبرنا عن هذه الصلاة التي تأمره بفعلها أهي التي أمره الله بها أم هي غيرها؟ فإن قالوا: هي هي قلنا لهم: فالعامد لتركها ليس عاصيا: لانه قد فعل ما أمره الله تعالى ولا إثم على قولكم ولا ملامة على من تعمد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها وهذا لا يقوله مسلم) .

وإن قالوا: ليست هي التي أمر الله تعالى بها قلنا: صدقتم وفي هذا كفاية إذ أقروا بأنهم أمروه بما يأمره به الله تعالى.

ثم نسألهم عمن تعمد ترك الصلاة بعد الوقت أطاعة هي أم معصية؟ فإن قالوا طاعة خالفوا إجماع أهل الاسلام كلهم المتيقن وخالفوا القرآن والسنن الثابتة، وإن قالوا هي معصية صدقوا ومن الباطل أن تنوب المعصية عن الطاعة.

وأيضا فإن الله تعالى قد حدد أوقات الصلاة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل لكل وقت صلاة منها أو لا ليس ما قبله وقتا لتأديتها وآخرا ليس ما بعده وقتا لتأديتها، هذا ما لا خلاف فيه من أحد من الامة فلو جاز أداؤها بعد الوقت لما كان لتحديده عليه السلام آخر وقتها معنى، ولكان لغوا من الكلام وحاشا لله من هذا.

وأيضا فان كل عمل علق بوقت محدود فإنه لا يصح في غير وقته ولو صح في غير ذلك الوقت لما كان ذلك الوقت وقتا له وهذا بين وبالله التوفيق.

ثم قال بعد كلام طويل: ولو كان القضاء واجبا على العامد لترك الصلاة حتى يخرج وقتها، لما أغفل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ذلك ولا نسياه ولا تعمدا إعناتنا بترك بيانه: (وما كان ربك نسيا) وكل شريعة لم يأت بها القرآن ولا السنة فهي باطلة.

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله) فصح أن ما فات فلا سبيل إلى ادراكه ولو أدرك أو أمكن أن يدرك لما فات كما لا تفوت المنسية أبدا، وهذا لا إشكال فيه، والامة أيضا كلها مجمعة على القول والحكم بأن الصلاة قد فاتت إذا خرج وقتها فصح فوتها بإجماع متيقن ولو أمكن قضاؤها وتأديتها لكان القول بأنها فاتت كذبا وباطلا فثبت يقينا أنه لا يمكن القضاء فيها أبدا، وممن قال بقولنا في هذا عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وسعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وابن مسعود والقاسم بن محمد بن أبي بكر وبديل العقيلي ومحمد بن سيرين ومطرف بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز وغيرهم.

قال: وما جعل الله تعالى عذرا لمن خوطب بالصلاة في تأخيرها عن وقتها بوجه من الوجوه ولا في حالة المطاعنة والقتال والخوف وشدة المرض والسفر، وقال الله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فتلقم طائفة منكم معك) الاية. وقال تعالى: (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) .

ولم يفسح الله في تأخيرها عن وقتها للمريض المدنف بل أمر إن عجز عن الصلاة قائما أنه يصلي قاعدا فان عجز عن القعود فعلى جنب وبالتيمم إن عجز عن الماء وبغير تيمم إن عجز عن التراب.

فمن أين أجاز من أجاز تعمد تركها حتى يخرج وقتها ثم أمره أن يصليها بعد الوقت وأخبره بأنها تجزئه كذلك من غير قرآن ولا سنة لا صحيحة ولا سقيمة ولا قول لصاحب ولا قياس.

ثم قال: وأما قولنا أن يتوب من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها ويستغفر الله ويكثر من التطوع فلقول الله تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا) ولقوله تعالى (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم) وقال الله تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وقال تعالى: (ونضع الموازين القسط كيوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا) وأجمعت الامة وبه وردت النصوص كلها على أن للتطوع جزءا من الخير الله أعلم بقدرة للفريضة أيضا جزء من الخير الله أعلم بقدره.

فلا بد ضرورة من أن يجتمع من جزء التطوع إذا كثر ما يوازي جزء الفريضة ويزيد عليه وقد أخبر الله تعالى أنه لا يضيع عمل عامل وأن الحسنات يذهبن السيئات.

السابق
كلمات قصيرة عن كلام الناس
التالي
دواء ديسلوجيزيك ر – DICLOGESIC R لعلاج التهاب الفقار الروماتيزمي

اترك تعليقاً