كيفية الزواج في الاسلام
شرع الله تعالى الزواج في الإسلام وجعله من سنن المرسلين، لما له من أهميّة كبيرة في حياة الفرد والمجتمع، فعقد الزواج شرعًا هو العقد الذي يحلل للرجل والمرأة أن يكمّل كل منهما الآخربحيث يفرض لكل منها مجموعة من الحقوق والواجبات، ويسمح لهما بتكوين أسرة جديدة لتكون سكنًا ورحمةً لكليهما، ومن شدة حرص الإسلام على الزواج، لم يترك أمره مبهمًا، بل فرض عليه شروط وشرع له أحكام مفصلة له آداب ومستحبات ومكروهات تضمن نجاحه وتحفظ العلاقات الأسرية في المجتمع.
ويجب على عقد الزواج أن يحقق الشروط التالية:
- خلو الزوجين من موانع الزواج.
- العقد بحضور وليّ أمر الزوجة وشاهدين، مع مراعاة تحقق شروط صحة شهادتهما.
- الإيجاب والقبول، فالإيجاب يكون بقول وليّ أمر الزوجة للزوج: زوّجتك، أو أنكحتك ابنتي أو أختي أو غيرها، والقبول يكون بقول الرجل: قبلت نكاحها، أو قبلت هذا الزواج أو هذا النكاح.
- أن لا تكون الزوجة في عدّتها، كأن تكون في عدة طلاق أو عدة وفاة.
- ألّا يخطب المسلم على خطبة أخيه المسلم.
اركان الزواج في المذهب المالكي
صنف جمهور المالكية أركان النكاح إلى أربعة إجمالا وخمسة تفصيلا، وهي:
· الولي: ولا يصح الزواج بدونه، وشروطه هي: وهي الإسلام والبلوغ والعقل والذكورية، واختلف في اشتراط العدالة والرشد فقيل يعقد السفيه على وليته ،وقيل يعقد وليه .
· الصداق: فلا يصح نكاح بغير صداق، لكن لا يشترط ذكره عند عقد النكاح لجواز نكاح التفويض فإنه عقد بلا ذكر مهر , فإن تراضيا على إسقاطه أو اشترطا إسقاطه أصلا، فإن النكاح لا يصح.
· المحل: أي ما تقوم به الحقيقة، وهي لا تقوم إلا من الزوج والزوجة الخاليين من الموانع الشرعية كالإحرام والمرض وغير ذلك، لأن المحل من الأمور النسبية التي لا تقوم إلا بمتعدد، وللمحل نوعان من الشروط عند المالكية هي شروط صحة النكاح:وهي الإسلام في نكاح مسلمة، والعقل والتمييز وتحقيق الذكورية ،وشروط انعقاد النكاح: وهي الحرية والبلوغ والرشد والصحة والكفاءة.
· الصيغة: وهي ما صدر من الولي ومن الزوج أو من وكيلهما الدالة على انعقاد، وشروط الصيغة هي: أن تكون بما يقتضي الإيجاب والقبول، كلفظ التزويج والتمليك ويجري مجراهما، وألا تكون معلقة عل شرط غير محقق، وأن تكون فورا من الطرفين، فإن تراخى فيه القبول عن الإيجاب يسيرا جاز، وأن يكون اللفظ على التأبيد .
· واعتبار هذه الخمسة أركانا ـ بمعنى أن يكون كل واحد منها جزءا من ماهية العقد ـ من باب التجوز، وباعتبار انعدام الماهية بانعدامها، غير أن هذا رد بعدم اعتبار الشهود ركنا في العقد.
شروط صحة الزواج في المذهب المالكي
مِن شروطِ انعقادِ العقد في العاقدَيْن أن يكون صدورُ الإيجاب والقَبول ممَّن يتمتَّعُ بأهليةٍ لإجراءِ العقد وإنشائه واعتبار رضاهما واختيارِهما، مع إمكانِ سماعِ كلامِ كلِّ واحدٍ منهما وفهمِه.
ومِن شُروط انعقاده أن يكون كلٌّ مِن الزوجين معلُومًا للآخَرِ ومعروفًا؛ فلو زوَّج الوليُّ إحدى بناتِه مِن غيرِ تعيينٍ لم يصحَّ العقدُ.
كما يُشْترط ـ أيضًا ـ خُلُوُّ عقدِ الزواج مِن أسبابِ تحريم الزواج التي تمنعُ صِحَّتَه: ككونِ المرأة مِن المحرَّمات على الرجل بنَسَبٍ أو رضاعٍ، أو كانت في عِدَّةٍ ونحو ذلك، أو كونِ الرجل كافرًا والمرأةِ مسلمةً.
هذا، وإذا تمَّ الإيجابُ والقَبولُ وتَطابَقَا على المَحَلِّ المعقودِ عليه انعقدَ النكاحُ ولو كان المتلفِّظُ هازلًا لا يَقْصِدُ معناه في الحقيقة؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ»(٣).
وأمَّا شُروطُ صحَّةِ عقدِ النِّكاح التي يَبْطُل العقدُ بتخلُّفِ أحَدِها فيمكن أن نُجْمِلَها فيما يأتي:
- وليُّ المرأةِ شرطٌ لصحَّةِ النكاح، فإذنُه فيه معتبَرٌ ولا يصحُّ نكاحٌ إلَّا به، وهُو مذهبُ جماهيرِ العلماء مِن السَّلفِ والخلفِ، وهو مذهبُ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وأهلِ الظاهر خلافًا لأبي حنيفة(٤)، ومِن أَصْرَحِ الأدلَّة على شرطيتِه: قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ»(٥)، وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ـ ثَلَاثًا ـ وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَإِنَّ السُّلْطَانَ وَليُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»(٦).
- إذْنُ المرأةِ البالغةِ العاقلة ورضاها معتبَرٌ ـ أيضًا ـ في النكاح؛ فلا يصحُّ إكراهُهَا على الزواج ممَّن لا ترغبُ فيه سواءٌ كانَتْ ثيِّبًا أو بِكرًا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ»، قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟» قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ»(٧)، وفي حديثِ خنساءَ بنتِ خِذَامٍ الأنصارية رضي الله عنهما: «أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا ـ وَهِيَ ثَيِّبٌ ـ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ نِكَاحَهَا»(٨)، وفي حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ؛ فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»(٩)، وفي حديثٍ آخَرَ: «فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا»(١٠).
- الصَّداقُ أو المهرُ شرطٌ لصحَّةِ النكاحِ سواءٌ كان مفروضًا أو مسكوتًا عنه، فإن كان الثاني فللمرأةِ مهرُ مثلها مِن النساء في طبقتها وجوبًا، وهو مذهب مالكٍ وروايةٌ عن أحمد(١١) لقوله تعالى: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ﴾ [الممتحنة: ١٠]، وتعليقُ إباحةِ النكاحِ بإيتائهنَّ المهورَ يفيدُ الشرطيةَ، ولأنَّ الله تعالى جَعَلَ الزواجَ بلا مهرٍ مِن خصائصِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فدلَّ ذلك على أنَّ غيرَه ليس مِثْلَه كما في قوله تعالى: ﴿وَٱمۡرَأَةٗ مُّؤۡمِنَةً إِن وَهَبَتۡ نَفۡسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنۡ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسۡتَنكِحَهَا خَالِصَةٗ لَّكَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۗ﴾ [الأحزاب: ٥٠]. ويظهر ذلك مِن القصَّة نَفْسِهَا وهو: أنَّ رجلًا قام فقال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «زَوِّجْنِيهَا»، قَالَ: «أَعْطِهَا ثَوْبًا»، قَالَ: «لَا أَجِدُ»، قَالَ: «أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»، فَاعْتَلَّ لَهُ، فَقَالَ: «مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟» قَالَ: «كَذَا وَكَذَا»، قَالَ: «فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»(١٢).
وعليه، فلا بُدَّ مِنْ مَهْرٍ مُسَمًّى مفروضٍ أو مسكوتٍ عن فَرْضهِ لا مع نفيه؛ إذ النكاحُ المُطْلَقُ ينصرفُ إلى مهرِ المثل، وإذا كانَتِ الأموالُ تباحُ بالبدل فإنَّ الفروجَ لا تُستباحُ إلَّا بالمهور، قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «وقولُ مَن قال: «المهرُ ليس بمقصودٍ» كلامٌ لا حقيقة له؛ فإنه ركنٌ في النكاح، وإذا شُرِطَ فيه كان أَوْكَدَ مِن شرطِ الثمن لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ»(١٣)»(١٤).
- الشهادةُ على عَقْدِ النكاح لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ»(١٥)، قال الترمذيُّ ـ رحمه الله ـ: «والعملُ على هذا عند أهلِ العلم مِن أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومَن بعدهُم مِن التابعين وغيرِهم، قالوا: لَا نِكَاحَ إلَّا بشهودٍ، لم يختلفوا في ذلك، مَنْ مَضَى منهم، إلَّا قومًا مِن المتأخِّرين مِن أهل العلم»(١٦).
أمَّا الإعلانُ عنهُ فمُستحَبٌّ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَعْلِنُوا النِّكاحََ» وذلك لتحقُّقِ النكاح بالشهادة.
شروط الزواج بالفاتحة
انتشر بين الناس ما يسمى بزواج الفاتحة ، وصورته أن يقول الشاب للفتاة: أريدك زوجة صالحة فيما يرضي الله، زوجيني نفسك على الفاتحة المباركة. فترد الفتاة: زوّجتك نفسي. لنقرأ الفاتحة ونوثق زواجنا أمام الله. فيرد: «أنا قبلت ببركة الفاتحة”
وهذه بدعة شيطانية ، زينها الشيطان للخارجين عن شريعة الله تعالى ، فتلاعبوا بعقد الزواج الذي أسماه الله تعالى في كتابه بالميثاق الغليظ , مع ما يتضمنه هذا التصرف من التلاعب بالفاتحة ، التي هي أم الكتاب ، بإقحامها في هذا العمل القبيح المنكر, ولا ندري كيف هان على هؤلاء القوم كتاب الله تعالى ، حتى جعلوه مهرا لهذا البغاء ؟!
ومعلوم أن هذا الزواج ، وما هو على شاكلته : يكون خاليا عن الولي والشهود , وما كان شأنه هكذا ، فإنه يكون باطلا باتفاق جماهير أهل العلم.
اهم شروط الزواج
يُشترط لعقد الزواج توافر عدداً من الأمور، بيانها فيما يأتي:
- رضا الزوجين، فلا إكراه في الزواج، ولا بد من توافر عنصر الرضا لطرفي عقد الزواج حتى يكون صحيحاً، فأمّا رضا الرجل فهو لا خلاف عليه بين العلماء، كما إن رضا المرأة هو الأصل في الشريعة الإسلاميّة، استدلالاً بقوله عليه الصلاة والسلام: (لَا تُنْكَحُ الأيِّمُ حتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ البِكْرُ حتَّى تُسْتَأْذَنَ، قالوا: يا رَسُولَ اللهِ، وَكيفَ إِذْنُهَا؟ قالَ: أَنْ تَسْكُتَ)، فصورة رضا الأيم التي سبق لها الزواج أن يطلب وليها أمرها صراحةً بخصوص الزواج، وأمّا البكر التي لم يسبق لها الزواج فإذنها سماع قولها أو سكوتها، كما إنّه لا يجوز إجبار المرأة وخاصةً اليتيمة على الزواج؛ خوفاً من عدم عدل الزوج في مهرها وإتيانها حقوقها.
- وجود الولي، فلا بد من وجود الولي الذي يباشر عقد الزواج نيابة عن المرأة، وقد يكون أبوها أو أخوها أو الأقرب إليها، وقد اتفق علماء الأمّة على شرط الولي في النكاح، لحديث النبيّ الكريم: (لا نكاحَ إلا بولِيٍّ)،[٣] ولم يخالف في ذلك إلّا الإمام أبا حنيفة حيث لم يشترط الولي في النكاح.
- شاهديّ عدل، وهو شرطٌ اتفق العلماء على ضرورة وجوده لما فيه من ضبط عقد النكاح، ومنع التلاعب به، وحفظ حقوق الزوجين.
- المهر، فالمهر من حقوق الزوجة، وهو نِحلة وهدية من الزوج؛ فلا يجوز أن يأخذه إلا عن طيب نفس منها، ولم تحدد الشريعة الإسلاميّة حدّاً للمهور، وإن حثّت على التيسير فيها.
- الإحصان، فلا يجوز للرجل أن يتزوج من اشتهرت بالفاحشة والفسق، وإنما يتزوج المحصنة العفيفة.
- الكفاءة في الزواج، فلا ينبغي للمسلم الحر أن يتزوج من الأَمَة أو المشركة، أمّا اعتبارات اختلاف اللون أو العرق أو الحالة الاجتماعية فلا اعتبارات لها في الشريعة الإسلاميّة.
- الصيغة، فقد اشترط العلماء وجود صيغة دالة على الزواج الشرعي بحصول الإيجاب والقبول بين الطرفين.