ديني

أسباب الهداية

تعريف الهداية

تعريف الهداية لغةً: هي الإرشاد والدّلالة والوصول إلى المطلوب.

تعريف الهداية اصطلاحاً: تعدّد أنواع الهداية؛ فمنها: هداية الدّلالة، وهداية التأييد والتوفيق؛ فهداية الدّلالة هي الهداية التي يقدر عليها الرّسل -عليهم السّلام- وأتباعهم من الدّعاة إلى الله تعالى، إذْ يرشدون النّاس إلى الطريق الصحيح الذي يُرضي الله -تعالى- عنهم وينجّيهم يوم القيامة من عذابه، ولا يملك الرّسل والدعاة نتائج الهداية، فيبذلون جهدهم بقدر ما يستطيعون وتبقى النتائج بيد الله وحده؛ حيث قال: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين)، أمّا هداية التوفيق فهي الهداية التي تفرّد الله -تعالى-بإيجادها في قلوب النّاس، وهي قائمة على خَلْق الإيمان في قلوبهم وتوفيقهم وتصريف خطواتهم لتكون في سبيل رضى الله تعالى، وهذه الهداية لا يقدر عليها إلّا الله تعالى؛ حيث يُودعها في قلب من يشاء من عباده؛ جاء في القرآن الكريم: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).

أسباب الهداية والثبات عليها

إن الهداية هي الهدف والغاية التي يسعى إليها كل مسلم، ومن أجل أهميتها فقد شرع الإسلام الدعاء بتحصيلها في كل ركعة من ركعات الصلوات المفروضة، فيقول المسلم داعياً ربه: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، وللهداية أسباب جاء بيانها فيما أنزله الله -تعالى- في كتابه، وفيما ورد عن رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وفيما يأتي بيان لهذه الأسباب بشكلٍ مفصّلٍ:

  • سعة الصدر وانشراحه للإسلام ولِما جاء به من التعاليم: قال تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا)، وأعظم ما يساعد على انشراح الصدر هو التوحيد الذي لا يخالطه ريب، أما الشرك فهو المسبب الرئيس لضيق الصدر، ولما كان التوحيد هو أساس الهداية، فإنه لا يكون حقاً إلا بالقيام بالأعمال الصالحة التي أمر الله بها، وعليه فإن من اتبع شهواته وأهواء نفسه أظلمت الدنيا في عينيه وأُغلقت الأبواب في وجهه.
  • الدوام على ذكر الله تعالى: فعندما ينطق اللسان بالذكر يرتبط القلب بالله، مما يؤدي إلى اطمئنان القلب وانشراحه، قال تعالى: (أَلا بِذِكرِ اللَّـهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ)، كما أن من ذكر الله فإن الله يذكره، ومن تكاسل عن ذكر الله تسلّط عليه الشيطان.
  • قراءة القرآن الكريم بتدبّر وتمعّن حتى يحصل الفهم: فالقرآن الكريم يعدّ من ذكر الله، وإنما جاء الإفراد به لأهميته وعظيم أثره، وهو من أسباب الهداية التي يمتد أثرها في الدنيا والآخرة.
  • التفكر في خلق السماوات والأرض، والتأمل في الكون: فبعد ذلك يعود الإنسان من رحلته في تفكره إلى حالة من الهداية والخضوع التام لله تعالى، وكما يتفكر الإنسان في خلق الله فإنه يتفكر في نفسه، كما قال تعالى: (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)، فيزداد إيمانه لما يرى من عجيب خلق الله وقدرته فيه.
  • الصحبة الصالحة: فالمرء يسير على دين خليله، فقد شبه رسول الله الصاحب الصالح بحامل المسك، لِما فيه من الأثر على جليسه، وشبه صاحب السوء بنافخ الكير، لِما في من الضرر على من يجالسه. الدعاء: فالتضرّع إلى الله تعالى، وسؤاله التوفيق على الطاعات والهداية، والإلحاح في ذلك بصدق، من أعظم أسباب الهداية، قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).
  • حضور حلقات العلم: بالجلوس مع أهل الخير والعلماء والمشايخ للفائدة والعلم.
  • توحيد الله تعالى: وذلك بإفراده -عز وجل- بالعبادة، قال تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ)، وبالمقابل فإن الضلال والشرك يؤدي إلى ضيق الصدر، فتطهير القلب من الشبهات، وإبعاد النفس عن المنكرات والفتن، والإكثار من الطاعات، يحمي المسلم من الاستسلام للشيطان والهوى.

أسباب الهداية وموانعها

موانع الهداية كثيرة قد تجتمع كلها في الواحد مرة واحدة، وقد يتخلف بعضها، وقد يحول بين العبد والهداية مانع واحد . وعلى كل سوف نذكر جملة منها، وهي عشرة موانع :

1- من موانع الهداية : ضعف المعرفة :
فإن كمال العبد في أمرين : معرفة الحق من الباطل ، وإيثار الحق على الباطل ، فإن من الناس من يعرف الحق لكن إيثاره على الباطل قد يكون عنده ضعيفا، والجاهل إذا عرف كان قريب الانقياد والاتباع ، وبهذا يكون قد قطع نصف الطريق إلى الحق وما بقي عليه إلا قوة العزيمة على الرشد “(اللهم أسألك العزيمة على الرشد” رواه أحمد (( وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا)) الكهف : 68 ، وهذا السبب هو الذي حال بين كثير من الكفار وبين الإسلام ، فإنهم لا يعرفون عنه شيئا، ومع ذلك يكرهونه ، وكما قيل :الناس أعداء لما جهلوا.
ومن المؤسف جهل المسلمين في هذه الأيام بحقيقة هذا الدين ، فمنهم من يقول : إذا تبت وأنبت إلى الله وعملت صالحا ضيق علي رزقي ونكد علي معيشتي ، وإذا رجعت إلى المعصية وأعطيت نفسي مرادها جاءني الرزق والعون ، ونحو هذا. هو يعبد الله من أجل بطنه وهواه ، وإذا حصل مثل هذا فالله يختبر صدق العبد وصبره ، فلا إله إلا الله ! كم فسد بهذا الاغترار من عابد جاهل ، ومتدين لا بصيرة له ، ومنتسب إلى العلم لا معرفة له بحقائق الدين ، أما قرأت قوله تعالى : (( ومن الناس من يعبد الله على حرف )) الحج : 11 ، فسبحان الله ! كم صدت هذه الفتنة الكثير عن القيام بحقيقة هذا الدين ، والسبب : الجهل بالدين ، والجهل بحقيقة النعيم الذي يطلبه ويعمل من أجل أن يصل إليه ، كم نسبة نعيم الدنيا بالنسبة لنعيم الآخرة؟ أما الأوامر والنواهي فهي رحمة وحمية، ونغص الله الدنيا على المؤمنين حتى لا يطمئنوا إليها ويركنوا إليها ويرغبوا في نعيم الآخرة . 2

2- ومن موانع الهداية عدم الأهلية :
فإنه قد تكون المعرفة تامة لكن يتخلف عنه عدم زكاة المحل وقابليته (( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون )) الأنفال 23 ، مثل : الأرض الصلدة التي يخالطها الماء، فإنه يمتنع النبات فيها لعدم قبولها، فإذا كان القلب قاسيا لم يقبل النصائح ، وأبعد القلوب من الله : القلب القاسي ، وكذا إذا كان القلب مريضا ، فلا قوة فيه ولا عزيمة ، لما يؤثر فيه ا لعلم . ومن صفاتهم كما وصفهم الله : (( وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون )) الزمر:45.

3- ومن موانع الهداية الحسد والكبر :
وقد فسره عليه الصلاة والسلام بأنه (“بطر الحق وغمط الناس ” ، وضده التواضع ، وهو قبول الحق مع من كان ، ولين الجانب ، والمتكبر متعصب لقوله وفعله ، وذلك هو الذي حمل إبليس على عدم الانقياد للأمر لما أمر بالسجود ، وهو داء الأولين والآخرين ، إلا من رحم الله ، وبه تخلف اليهود عن الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد عرفوه وشاهدوه ، وعرفوا صحة نبوته ((الذين ءاتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون)) البقرة : 146 ، فذكر سبحانه أنهم يعرفون صفات الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم ولكنهم قوم بهت . وبهذا الداء امتنع عبد الله بن أبي بن سلول عن الإيمان ، وبه تخلف الإيمان عن أبي جهل ، ولهذا لما سأله رجل عن امتناعه مع أنه يعرف أنه صادق قال : تسابقنا نحن وبنو هاشم على الشرف حتى إذ ا كنا كفرسي رهان قالوا، منا نبي ، فمتى ندركها؟ والله لا نؤمن به ، وكذلك سائر المشركين فإنهم كلهم لم يكونوا يرتابون في صدقه ، وأن الحق معه ، ولكن حملهم الكير والحسد على الكفر والعناد.

4- ومن موانع الهداية : مانع الرياسة :
ولو لم يكن في صاحبه حسد ولا كبر عن الانقياد للحق لكن لا يمكنه أن يجتمع له الانقياد للحق وملكه ورياسته ، فيضن بملكه ورياسته ، كحال هرقل وأضرابه ، فإنه قال في آخر كلامه مع أبي سفيان : “فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين ، ولو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه “، أنه لا يستطيع الوصول إليه لتخوفه على حياته ومملكته من قومه . وما نجا من هذا الداء – وهو داء أرباب الولاية – إلا من عصم الله كالنجاشي . وهذا هو داء فرعون وقومه (( أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون )) المؤمنون : 47 ، وقد قيل ، إن فرعون لما أراد متابعة موسى وتصديقه شاور هامان وزيره ، فقال له : بينما أنت إله تعبد تصير عبدا تعبد غيرك ، فاختار الرياسة على الهداية .

5- ومن موانع الهداية : مانع الشهوة والمال :
وهو الذي منع كثيرا من أهل الكتاب من الإيمان خوفا من بطلان مأكلهم وأموالهم التي تصير إليهم من قومهم ، وقد كان كفار قريش يصدون الرجل عن الإيمان بحسب شهوته ، فيدخلون عليه منها، فكانوا يقولون لمن يحب الزنا : إنه يحرم الزنا ، ويقولون لمن يحب الخمر : إنه يحرم الخمر، وبه صدوا الأعشى الشاعر عن الإسلام ، وأخبروه بأنه يحرم الخمر ، فرجع وهو في طريقه إلى الرسول ، فوقصته ناقته فسقط فمات .
وقد قال بعض أهل العلم : لقد فاوضت غير واحد من أهل الكتاب عن الإسلام ، فكان آخر ما قال لي أحدهم: أنا لا أترك الخمر وشربها ، وإذا أسلمت حلتم بيني وبينها وجلدتموني على شربي ، وقال لي أيضا آخر بعد أن عرضت عليه الإسلام : إن ما قلت حق ، ولكني لي أقارب أرباب أموال وإني إذا أسلمت لم يصل إلي منها شيء ، وأنا آمل أن أرثهم . ولا ريب أن هذا القدر في نفوس خلق كثير من الكفار، فإذا اجتمع في حقهم قوة داعي الشهوة والمال مع ضعف داعي الإيمان ، فلا ريب أن العبد يجيب داعي الشهوة والمال (( ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض )) الأحقاف : 32 ،

6- ومن موانع الهداية : مانع محبة الأهل والأقارب والعشيرة :
فيرى أنه إذا اتبع الحق وخالفهم أبعدوه وطردوه عنهم ، وهذا سبب بقاء خلق كثير من الكفار بين قومهم وأهليهم وعشائرهم ، وهذه الحالة تحصل كثيرا بين اليهود والنصارى، وكيف أنهم ينبذون كل من خالف مذهبهم ويعادونه كلهم ، مما جعل كثيرا من أبنائهم وممن ينتسب إليهم يتركون الحق بعد معرفته ويعرضون عنه .
ومن يك ذا فم مر مريض يجد مرا به الماء الزلالا

7- ومن موانع الهداية : محبة الدار والوطن وإن لم يكن بها عشيرة ولا أقارب ، لكن يرى أن في متابعته للرسول لصلى الله عليه وسلم أو أهل الحق الذين اتبعوه -فيه خروج عن داره ووطنه إلى دار الغربة،

فيضن بوطنه على متابعة الحق أو الدخول في الإسلام بعد تيقنه ، ومن قرأ سيرة سلمان رضي الله عنه وما لاقى من المتاعب في سبيل الوصول إلى الحق لعلم أي مجاهدة جاهد بها نفسه ، وكيف ترك أهله وعشيرته ووطنه وهاجر إلى المدينة ، وقد سمي (الباحث عن الحقيقة) ، وكذا الأمر في سائر الصحابة الذين تركوا أهلهم وأبناءهم وأموالهم وخرجوا إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم يبتغون فضلا من الله ورضوانا، وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون .

8- ومن موانع الهداية : من تخيل أن في الإسلام ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم إزراء وطعنا منه على آبائه وأجداده :
وهذا هو الذي منع أبا طالب وأمثاله عن الإسلام فرأوا أنهم إذا أسلموا سفهوا أحلام آبائهم وأجدادهم ، ولهذا قال أعداء الله لأبي طالب عند الموت : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فكان آخر ما قاله هو على ملة عبد المطلب ، فصدوه عن الحق من هذا الباب ، لعلمهم بتعظيمه أباه عبد المطلب ، وقد ذكرنا سابقا بأنهم يأتون الرجل من باب شهوته ، أو من هذا الباب ، ولهذا قال أبو طالب : لولا أن تكون مسبة على بني عبد المطلب لأقررت بها عينك ، وقد قرر ذلك في شعره :
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحا بذاك مبينا
وقد يقول قائل :هذا في قوم قد كانوا فبانوا، وهذه شبه عند البعض ، فقد سمعت في هذه الأيام ونحن في بعض المناطق البدوية من بقول : لا أترك عادات آبائي وأجدادي (( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه ءابآءنا )) المائدة : 104 ، وهذا السبب هو الذي منعهم من الدخول في الإسلام أو قبول الحق بعد معرفته وتيقنه .

9. ومن موانع الهداية متابعة من يعاديه من الناس أو دخوله في الإسلام أو سبقه إليه وهذا القدر منع كثيرا من اتباع الهدى بعد معرفة ؟
حيث يكون للرجل عدو ويبغض مكانه ولا يحب أرضا يمشي عليها ويقصد مخالفته ؛ فيراه قد اتبع الحق فيحمله بغضه له على معاداة الحق وأهله ولو لم يكن بينه وبينهم عداوة، وهذا كما جرى لليهود مع الأنصار فإنهم كانوا أعداءهم وكانوا يتواعدونهم بخروج النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم يتبعونه ويقاتلونهم معه ، فلما سبقهم الأنصار إليه وأسلموا حملتهم معاداتهم على البقاء على كفرهم ويهوديتهم

10. ومن موانع الهداية : مانع الألفة والعادة والمنشأ :
وهذا السبب وإن كان أضعف الأسباب معنى فهو أغلبها على الأمم وأرباب المقالات والنحل ، وليس مبر أكثرهم بل جميعهم إلا ما عسى أن يشذ. ودين العوائد هو الغالب على أكثر الناس ، والانتتقال عنه كالانتقال من طبيعة إلى طبيعة ثانية، فصلوات الله وسلامه على أنببائه ورسله خصوصا على خاتمهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وكيف غيروا عادات الامم الباطلة ونقلوهم إلى الإيحعان حتى استحدثوا به طبيعة ئانية خرجوا بها عن عاداتهم وطبيعتهم الفاسدة المتمثلة في قولهم : (( إنا وجدنا ءابآنا على أمة وإنا على أثارهم مقتدون ) الزخرف : 23 ، ولا يعلم مشقة هذا على النفوس إلا من زاول تقل رجل واحد عن دينه ومقالته إلى الحق ، فجزى الله المرسلين أفضل ما جزى به أحدا من العالمين .

أما أسباب الهداية فهي كثيرة جدا ، منها: الدعاء والقرآن والرسل وبصائر العقول ، فكما أن للشفاء من المرض أسبابا، فكذلك للهداية أسباب ، فالمريض إذا مرض يذهب إلى الطبيب ويبذل السبب من أجل طلب الشفاء والعافية، وكذا الأمر بالنسبة للهداية وهي مبذولة ولا يمنع منها إلا هذه الأسباب التي تعمى على القلوب وإن كانت لا تعمى الأبصار .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على رسوله الأمين .

درس أسباب الهداية وموانعها

ثمرات الهداية

إنّ للهداية فَضل وأثر كبير في حياة المسلم؛ وفيما يأتي بيان آثار وثمرات الهداية:

  • التخلّص من القلق والاضطراب والحِيرة؛ فالمرء المرتبط بالله -تعالى- يكون على يقين بأن أمره متعلّق بمشيئة الله تعالى.
  • علوّ المكانة ببن النّاس؛ فالله -تعالى- يرفع أهل الدّين والإيمان والتقوى، ويجعل لهم القبول بين النّاس بعلمهم وتقواهم وصلاحهم.
  • ضبط السّلوك والحماية من الأخطاء؛ فالمسلم المتّصل بالله -تعالى- يحفظ حركاته ويضبط انفعالاته وغضبه، فيبتعد عن عدّة مشاكل، فغالب زلّات النّاس تكون بسبب الغضب والانفعال الخاطئ.
  • البَسْط والسّعة في الرّزق؛ حيث قال الله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا).

أنواع الهداية

تتفرع الهداية إلى أقسام ومراتب، وقد فصّل الله -تعالى- أنواعها في القرآن الكريم، فمنها الهداية الخاصّة والهداية العامّة، ومنها الهداية التي شملت الحيوانات، أو الهداية التي اقتصرت على الإنسان دون غيره من الكائنات، وفيما يأتي تفصيل أنواع الهداية كما وردت في القرآن الكريم:

  • الهداية العامّة: وهي أعمّ أنواع الهداية، فهي شاملة للكائنات الحيّة كلّها، وهي التي تجعل الكائن يقدم على ما ينفعه من أمور، ويجتنب الضارّ، ويسعى إلى تحقيق مصالحه وتلبية حاجاته الأساسية، إذ يقول الله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى*الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى*وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى)، حيث ذكر الله -تعالى- في هذه الآية أربعة أمور تفضّل بها على الكائن الحيّ، وهي: الخلق، والتقدير، والتسوية، والهداية، فكانت التسوية من تمام الخلق، والهداية من تمام التقدير، وبذلك يكون الكائن قد تمّ له الخلق والتقدير بالتسوية والهداية، فأما الخلق والتسوية فهي تشمل الإنسان وسائر الكائنات الأخرى، حيث قال الله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، والخلق والتسوية يتمثّلان بتمام خلق الكائن الحيّ، ثم هدايته وجعله أنثى وذكراً، وعلّم الذكر كيف يأتي أنثاه للتكاثر، وجعل كلّ مخلوق مختلفاً عمن سواه في الطريقة وهداه لها، وكذلك فمن الهداية أن سوّى الجنين في بطن أمّه، ثم هداه للخروج منه.
  • هداية الدلالة والبيان والإرشاد: هو نوعٌ أخصّ وأضيق من الهداية الأولى، فهو مخصوص للمكلَّفين بالنبوة وتوصيل الرسائل إلى أقوامهم، وقد أثبت الله -تعالى- هذا النوع من الهداية لنبيه محمد -صلّى الله عليه وسلم- إذ قال: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، وتعدّ هداية الدلالة والبيان مصدر التكليف وأساسه، وبها يقيم الله -سبحانه- الحُجّة على من وصلته من عباده، إذ حكَم أن لا يدخل النار أحدٌ من البشر إلا بعد أن تصله هداية البيان والإرشاد فيفهمها ويعيَها ثم يخالف أحكامها، إذ قال الله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)، ويقول الله سبحانه أيضاً: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)، وقد منح الله -تعالى- هذا النوع من الهداية لكلّ البشر، فأوصل لهم الرسل والأنبياء، ثمّ كان من رحمته أن هيأهم بفطرةٍ وعقل لاستيعاب هذا الوحي والإقبال عليه، فكأنّ البشر يصدّقون الأنبياء بالفطرة دون عسرٍ يذكر، وأكّد الله -سبحانه- دور الفطرة والعقل في الإيمان بالرسل بأن جعل من حُرِم هذا مُعفىً من الإيمان والأحكام، ولا يُقام عليه الحدّ والعقاب كما يقام على أهل العقول والألباب، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ القلَمُ عن ثلاثٍ: عنِ النَّائمِ حتَّى يستيقِظَ، وعنِ الصَّغيرِ حتَّى يكبَرَ، وعنِ المجنونِ حتَّى يعقِلَ ويُفِيقَ).
  • هداية التوفيق والإلهام: وهي هداية مخصوصة أكثر من ما سبقها، وهي مرتبطةٌ بأمر من الله -سبحانه- وحده، فلا يملكها نبيّ ولا ملك، بل يقذفها الله -سبحانه- في قلب من يشاء من عباده، فيهديه ويوفّقه لطاعته ومرضاته وما يصلح شأنه، وقد أشار الله -تعالى- إلى نوع الهداية تلك في قوله: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ*يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، كما أوضح الله -سبحانه- في كتابه الكريم أنّ هذا النوع من الهداية يستلزم شرطين لينالها المسلم، أوّلها أمرٌ من الله -سبحانه- لإنزال الهداية على هذا العبد دون سواه، والشرط الثاني هو إقبال العبد على ربّه وبذل الطاعات ابتداءً حتى يصل إلى استحقاق الإحاطة بتلك الهداية، وفي ذلك قال الله سبحانه: (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا).
  • ولا سبيل إلى هداية العبد ما لم يأذن الله -سبحانه- له بهذه الهداية، وهو أمرٌ مخصوص لأهل الفضل دون غيرهم، لذلك فقد نفاها الله سبحانه لأهل الظلم والفسق والكذب مراراً في القرآن الكريم.
  • الهداية إلى جنّةٍ أو نار: وهي آخر أنواع الهداية، وهي مخصوصة لأهل الفلاح في الآخرة، فمن كان قد هُدي إلى الصراط المستقيم ومشى طريق الطاعات في الدنيا، هداه الله -سبحانه- إلى الصراط الموصل إلى الجنة يوم القيامة، وبقدر ثبوت قدم العبد على صراط ربّه في الدنيا، يثبّته الله على صراط الآخرة حتّى يوصله إلى جنّاته للخلود فيها، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهديهِم رَبُّهُم بِإيمانِهِم تَجري مِن تَحتِهِمُ الأَنهارُ في جَنّاتِ النَّعيمِ)، وفي المقابل تكون الهداية إلى النار لمن كان عاصياً كافراً معرضاً عن سبيل الله في الدنيا، حيث قال الله تعالى: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ*مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ).
السابق
كيف تتوب من الذنوب
التالي
متى تم تحويل القبلة

اترك تعليقاً