تعليم

الدليل الشامل لعملية التعلم

الدليل الشامل لعملية التعلم

تعدُّ القدرة على التعلم من الجوانب الهامة في حياتنا؛ لكنَّنا غالباً ما نتعامل مع هذه المهارة على أنَّها من الأمور البديهية، ولا نتوقف عند عملية التعلم أو نفكر فيها ملياً؛ لكن في الواقع، إذا تمعَّنا في الأمر، فقد نكتشف أنَّنا نستخدم أساليب غير فعالة.

فكر في الأمر، هل ساعدتك طريقة تعلمك في تذكر الأشياء التي تعلمتها الشهر الماضي؟ عُد كذلك سنة إلى الوراء وفكر في الأمر ملياً، هل تذكر شيئاً ممَّا تعلمته فيها؟

لقد نسينا الكثير ممَّا تعلمناه في المدرسة، مع أنَّه كان حجر الأساس للتقدم نحو الأمام؛ ومع ذلك، تطور العلم تطوراً كبيراً على مر العقود القليلة الماضية، وأصبح مسألة هامة ورئيسة، وتطورت معه أساليب ومراحل عديدة للتعلم.

لم نعد نهتم في الوقت الحالي بفحص ميزات الناس المتعلقة بالإدراك والتعلم، وقد وضع العلماء بدلاً من ذلك بعض عمليات التعلم التي تستخدم مواد تدعم تفاعلنا مع الآخرين ومع أهدافنا؛ لذلك، يمكننا الآن تعلم أشياء جديدة بذكاء وفاعلية، وهذا ما سنناقشه في سعينا لفهم عملية التعلم.

الخطوات الأساسية لعملية التعلم:

ذكر مالكولم جلادويل (Malcolm Gladwell) في كتابه “الاستثنائيون: قصة النجاح” (Outliers: The Story of Success) أنَّ مفتاح النجاح هو أن نقضي 10000 ساعة في ممارسة مهارة معينة، ومن الجدير بالذكر أيضاً أنَّ المهارة تحتاج إلى التعلم بطريقة صحيحة؛ فإذا كنت تتعلم طريقة القيام بشيء ما بصورة خاطئة، ستستمر في استخدامه بطريقة خاطئة على الدوام.

ولكن قبل فهم عملية التعلم بصورة صحيحة، يجب أن نفهم مراحله؛ لذا ابتكر نويل بورش (Noel Burch) في فترة السبعينيات نموذجاً يُسمَّى المراحل الأربع للتعلم، حيث يمكننا استخدام هذه المراحل  كأساس لفهم طريقة التعلم بفاعلية:

1. عدم الكفاءة اللاواعية:

فكِّر في مهارة تجيدها وتستخدمها كل يوم، ثم فكر في الوقت الذي طورت فيه تلك المهارة لأول مرة.

هل كنت جيداً في ذلك من قبل؟ غالباً لم تكن، حتى أنَّك لم تسمع أبداً عن تلك المهارة، أو كنت ترغب في تعلمها حتى تلك اللحظة؛ وهذه هي المرحلة الأولى، حيث إنَّك لا تعرف شيئاً عن تلك المهارة.

2. عدم الكفاءة الواعية:

ما إن تسمع عن مهارة ما، حتى تبدأ الخوض في غمارها وتعلمها؛ فعلى سبيل المثال: لم تشعر أبداً بالحاجة إلى تعلم طريقة قيادة السيارة قبل السن القانوني؛ ومع ذلك، بمجرد بلوغك هذا السن، عليك تعلم القيادة للحصول على الرخصة.

إنَّه لمن المحتمل أنَّك ارتكبت العديد من الأخطاء في أثناء اختبار القيادة، وكذلك في أثناء الاختبار الكتابي؛ وهذه هي المرحلة التي تشعر فيها أنَّ التعلم بطيء، ولكنَّك تكون على دراية بأخطائك.

3. الكفاءة الواعية:

أنت تدرك جيداً في هذه المرحلة كل ما تحتاج إلى معرفته، وتدرك في الوقت نفسه أنَّك بحاجة إلى التركيز على ما تفعله.

بالعودة إلى مثال السيارة: أنت تعرف في هذه المرحلة قواعد الطريق، ويمكنك القيادة جيداً؛ ومع ذلك، تشعر أنَّه لا يمكنك التحدث إلى أي شخص أو تشغيل الموسيقى أو إبعاد نظرك عن الطريق، وإنَّما كل ما تحتاج إليه هو الصمت التام والتركيز على القيادة.

يمكن أن يكون التعلم في هذه المرحلة أبطأ من المراحل السابقة، ولكنَّه غير ثابت، ولم يصبح عادة بعد.

4. الكفاءة اللاواعية:

لقد حققت في هذه المرحلة ما تريده؛ فأنت تعرف كل شيء عن المهارة التي تتعلمها، وأصبحت عادة متأصلة لديك، ولن تحتاج إلى التركيز عليها بعد الآن، ويمكنك الاسترخاء والسماح لعقلك اللاواعي بالسيطرة على أفعالك.

ما بعد المراحل الأربعة، حالة التدفق/ الإتقان:

في حين أنَّ بورش قد تحدث عن المراحل الأربعة السابقة، إلَّا أنَّه تغاضى عن مرحلة أخرى تُسمَّى حالة التدفق أو الإتقان.

ربَّما سمعت مسبقاً عن حالة التدفق، وهي الحالة العقلية التي يؤدي فيها شخص ما نشاطاً ما، ويكون منهمكاً في تنفيذه، بحيث ينتج عن ذلك شعور بالنشاط والتركيز والسعادة الغامرة.

يمكن أن تختبر حالة التدفق هذه في جميع أنواع الأنشطة؛ كالكتابة، والقراءة، والركض، وركوب الدراجات، والتزلج على الجليد، والكثير غيرها؛ وتتميز هذه الحالة بالاستيعاب الكلي لما تقوم به، ممَّا يجعلك غير مدرك للمكان والزمان من حولك.

أنماط عملية التعلم:

يوجد جانب آخر من جوانب عملية التعلم، ألا وهو أنماط التعلم؛ ففي حين أنَّ كلَّ شخص يمر بمراحل التعلم ذاتها، إلَّا أنَّ طريقة التعلم تختلف من شخص إلى آخر. بعد أن تحدثنا عن أساليب التعلم الأربعة لمساعدتك على التعلم بسرعة وذكاء في مقالة سابقة، سنركز على  تلخيص الأنماط المختلفة من التعلم وفقاً لعلم النفس.

لقد حدد الأطباء النفسيون عملية التعلم بسبعة أساليب على النحو التالي:

  • البصري (المكاني): يكون التعلم فيه من خلال الصور والرسوم البيانية والمخططات وغيرها.
  • السماعي (السمعي/ الموسيقي): يكون التعلم فيه من خلال الصوت والموسيقى.
  • اللفظي (اللغوي): يكون التعلم فيه من خلال الكلمات المنطوقة أو المكتوبة.
  • الجسدي (الحسي/الحركي): يكون التعلم فيه من خلال الجسد واليدين وحاسة اللمس.
  • المنطقي (الرياضي): يكون التعلم فيه من خلال المنطق والأنظمة والنتائج.
  • الاجتماعي (العلاقات الشخصية): يكون التعلم فيه من خلال المجموعات أو التحدث إلى الناس.
  • الفردي (التواصل الشخصي): يكون التعلم فيه من خلال الدراسة الذاتية أو المهمات الفردية.

قد تسأل نفسك لماذا يعدُّ هذا الأمر هاماً، وكيف تلعب طريقة التعلم دوراً هاماً في حياتنا.

تنبع طريقة عرضنا للخبرات وأدائنا من طريقة تعلمنا، فما نتعلمه لا يحدد فقط كيف نتذكر المعلومات، وإنَّما يؤثر أيضاً في اختيارنا الكلمات والأفعال، ويؤثر في أجزاء الدماغ المسؤولة عن عملية التعلم، حيث اكتشف الباحثون هذا من خلال تجارب مختلفة.

على سبيل المثال: لنفترض أنَّك تقود سيارتك إلى مكان لم تذهب إليه من قبل. ستحدد طريقة تعلمك الأسلوب الذي ستتبعه للحصول على معلوماتك، حيث يطلب بعض الناس مساعدتهم لمعرفة الاتجاهات، بينما يستخدم بعضهم الآخر خرائط جوجل (Google maps)، ويدوِّن بعضهم الآخر التوجيهات، ولن يفعل آخرون كل هذا، بل يلجؤون إلى اتباع لافتات الشوارع.

تعدُّ معرفة طريقة التعلم بدقة أمراً بالغ الأهمية؛ فبمجرد أن تعرف الأسلوب الذي تفضله، يمكنك تطوير طريقتك الخاصة في التعلم لتكون متعلماً أكثر فاعلية.

كيف تصبح متعلماً فعالاً؟

تختلف عملية التعلم من شخص إلى آخر عموماً؛ ولكن مع ذلك، ضع في ذهنك النصائح الآتية:

1. حسِّن ذاكرتك:

لا تتطلب المعرفة أن نتعلم المعلومات فحسب، وإنَّما أن نحتفظ بها؛ فإذا أردنا معرفة شيء ما، فيتعين علينا تعلمه وتكراره باستمرار، ويعني هذا استدعاء وامتلاك ذاكرة قوية للاحتفاظ بتلك المعلومات.

يمكن تحسين الذاكرة من خلال مجموعة متنوعة من التقنيات والإجراءات، مثل  أسلوب قصر أو رحلة الذاكرة، وغيرها من تكتيكات تحسين الذاكرة.

2. استمر في التعلم وممارسة الأشياء الجديدة:

يستغرق تعلم مهارة جديدة وقتاً لا بأس به، لكن لا توجد أي مشكلة في تعلم بعض الأمور الأخرى في الوقت نفسه؛ فحسب مقال نُشِر في مجلة “Nature” الدولية للعلوم بعنوان “التغيرات في المادة الرمادية المُحرَّضة بالتدريب” (Changes in grey matter induced by training): تزداد نسبة المادة الرمادية للدماغ -المادة المرتبطة بالذاكرة البصرية- لدى الأشخاص الذين يوفِّقون بين تعلم موضوعات مختلفة.

3. تعلم باستخدام طرائق متعددة:

رغم امتلاك كلٍّ منَّا لأسلوبه الخاص في التعلم، قد يكون من المفيد الخوض في أنماط ومراحل التعلم الأخرى؛ فإذا كنت تتعلم بالاعتماد على الملفات الصوتية، فلمَ لا تحاول التمرن على المعلومات شفهياً أو بصرياً؟

لن تبدأ على نحو رائع؛ ولكن من خلال تحسين مهاراتك لوصف ما تعلمته شفهياً، ستعزز المعرفة أكثر في ذهنك.

تقول الدكتورة جودي ويليس (Judy Willis) في منشورها الخاص بمراجعة الأبحاث: “توضِّح استراتيجيات التدريس المعتمِدة على الدماغ لتحسين ذاكرة الطلاب وطريقة تعلمهم ونجاحهم في الاختبارات أنَّه كلما زاد عدد مناطق الدماغ التي نحتفظ بالبيانات المخزنة فيها، زاد الترابط بين المعلومات التي سنعالجها لاحقاً”.

4. علِّم الآخرين كل ما تعرفه:

ليس من الضروري أن تكون في فصل دراسي لكي تتلقى المعلومات أو تعلم الآخرين ما تعرفه، حيث لا يزال هذا الأسلوب يشكل طريقة موثوقة لنمو الأشخاص وتطورهم؛ فبغض النظر عن أساليب التعلم، نحن نحفظ المعلومات التي نخبرها للآخرين بفاعلية أكثر ممَّا لو احتفظنا بها لأنفسنا.

هل صدف وأخبرت شخصاً ما بمعلومة عابرة قبل بضعة أشهر؟ من المرجح أن تتذكر هذه المعلومات لأنَّك طرحتها على شخص آخر.

5. استخدم التعلم الارتباطي:

يربط التعلم الارتباطي المعلومات الجديدة بأشياء تعرفها بالفعل، ومن الأمثلة النموذجية على ذلك: محاولة تذكر اسم شخص ما، حيث يمكنك تذكر اسمه بصورة أفضل إذا ربطته بشيء أو بشخص مألوف.

6. اكتسب الخبرة العملية:

لا يمكن لشيء أن يعزز التعلم مثل القيام بالتجارب بنفسك، فمن المؤكد أنَّ ممارسة المعلومات التي تتلقاها له تأثير قوي، حيث تستفيد معظم أساليب التعلم من المعلومات الواضحة والقابلة للتنفيذ؛ لذا يجب عليك بذل جهد بدني والعمل بجد.

7. عُد إلى المعلومات السابقة إذا لزم الأمر:

إنَّ عملية التعلم ليست مثالية تماماً، ويجب أن نتجاوز هذا الأمر أحياناً؛ فإذا واجهت صعوبة في تذكر أمر ما، فاحرص على الرجوع إلى الملاحظات والمعلومات السابقة التي دونتها، حيث يعدُّ هذا حلاً جيداً؛ ذلك لأنَّنا إذا حاولنا تذكر شيء ما، فإنَّنا نجازف بأنفسنا بتعلم أو إعادة تعلم الإجابة الخاطئة؛ ومرة أخرى: هناك فارق بين التعلم بالطريقة الصحيحة والطريقة الخاطئة.

8. اختبر نفسك:

في حين قد تبدو هذه الخطوة غريبة للغاية، إلَّا أنَّ هناك فوائد كثيرة لاختبار معلوماتك؛ حتى إذا كنت تعتقد أنَّك تعرف كل شيء، فإنَّ العودة واختبار نفسك يمكن أن يساعدك دائماً.

لا يحسِّن الاختبار قدرة تذكرنا فحسب، وإنَّما ندرك من خلاله أنَّنا تعلمنا مفهوماً أو نشاطاً خاطئاً؛ حيث يمكن أن تعزز هذه المعرفة فعاليتنا في المستقبل.

9. توقف عن تعدد المهام:

في الوقت الذي يجب أن نتعلم فيه أشياء جديدة، لا ينبغي أن نحاول القيام بعدة مهمات في وقت واحد؛ حيث يجب أن نركز على نشاط واحد في كل مرة قبل الانتقال إلى القيام بمهمات أخرى؛ فعندما نحاول القيام بمهمات متعددة، فإنَّنا نتعلم بفاعلية أقل ونعرقل أنفسنا أيضاً.

الخلاصة:

يُعرِّف علماء النفس التعلم بأنَّه عملية تغيير دائم في سلوك الشخص الناتج عن التجربة، حيث يتوقف فهم عملية التعلم علينا؛ لذا كن على دراية بالأسلوب المناسب لك، واسعَ إلى تحسينه مع اتباع أساليب التعلم الأخرى؛ فالطريقة الوحيدة لتطوير مهارة ما هي من خلال التعلم المستمر؛ لذا لا تتوقف عن التعلم أبداً، فهو عصاك السحرية لتحقيق الأفضل دوماً.

 

 

 

السابق
دواء إيفرام إكس آر – efram xr لعلاج بعض حالات الصرع
التالي
دواء ايفرا – evra لمنع الحمل

اترك تعليقاً