ديني

تاريخ نزول الوحي هجرياً

نزول الوحي في أي سنة

ذكر المباركفوري في كتابه الرحيق المختوم ذكراً دقيقاً لتاريخ نزول الوحي أول مرةٍ على النبيّ محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم، فقال إنّه كان يوم الاثنين، في الحادي والعشرين من شهر رمضان، وقد كانت هجرة النبيّ بعد ذلك باثنتي عشرة سنة تقريباً، أي أنّ نزول الوحي كان قبل الهجرة باثنتي عشرة سنةً، وذكر المباركفوري أيضاً التاريخ الميلادي لذلك اليوم، فقال إنّه اليوم العاشر من شهر أغسطس الثامن من عام ستمئةٍ وعشرة للميلاد.

سن الرسول عند نزول الوحي

كان عمر الرسول محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- عندما نزل عليه الوحي أربعين عاماً على القول الصحيح الراجح، وفي الحديث عن الوحي جبريل -عليه السلام- يجدر القول إنّ خلق الله تعالى له عظيمٌ للغاية، فله ستمئة جناحٍ، يطير في السماء، ويتشكّل على هيئة رجلٍ، وفي الحقيقة كان الله تعالى قد هيّأ محمداً -صلّى الله عليه وسلّم- منذ الصغر ليكون نبياً، فعصمه من الرذائل، ومن عبادة الأوثان، ومنّ عليه بكريم الشمائل والأخلاق، ولمّا توافرت همّته وبلغ رشده حبّبه الله تعالى بالانعزال عن الناس، والأُنس به، فكان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يتعبدّ في غار حراءٍ، ولم يُعرف كيفية تعبّد النبي محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- لله تعالى في ذلك الوقت، ولكن يُعتقد أنّه كان يذكر الله تعالى، ويُثني عليه، ويتفكّر في عظمته، ويُمجّده، ولمّا شاء الله تعالى أنزل عليه وحيه جبريل عليه الصلاة والسلام، وكلّفه الله تعالى بالرسالة والنبوّة، وتبليغ الناس وجوب طاعة الله تعالى، والتزام أوامره، وتبشير من اتبعه بالفوز برضوانه، وبجنته التي أعدّها لعباده الصالحين، وإنذار العصاة بالنار، ثمّ قرأ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الآيات التي أنزلها الله تعالى عن طريق الوحي إليه، فسكنت جوارحه بها، مصداقاً لما جاء في الحديث النبوي الشريف الذي رُوي عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أنّها قالت: (حتى فَجِئَهُ الحقُّ وهوَ في غَارِ حِرَاءٍ، فجاءَهُ المَلَكُ فقالَ: اقرأْ، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ما أنَا بِقَارِئٍ، قالَ: فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حتى بلغَ مني الجَهدَ، ثمّ أرسلنِي فقالَ: اقرأْ، قلتُ: ما أنَا بقارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانيةَ حتى بلَغَ مني الجَهدَ، ثمّ أرسلَني فقالَ: اقرأْ، قلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخذَنِي فَغَطَّنِي الثَالِثَةَ حتى بلَغَ مني الجَهْدَ، ثمَّ أرسلَنِي فقالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ، الآياتِ إلى قَوْلِهِ: عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) ولكن كان هذا القول على النبي -عليه السلام- ثقيلاً للغاية، وعند عودة النبي إلى زوجته خديجة -رضي الله تعالى عنها- طلب منها أن تُغطّيه حتى يذهب الخوف عنه، ففعلت، فهدأت جوارح الرسول عليه الصلاة السلام، واطمأن.

بدء نزول الوحي

كيفية نزول الوحي

إنّ نزول الوحي الأوّل على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان في غار حراء، حيث كان الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- معتكفاً فيه مرّة فدخل عليه فجأة جبريل -عليه السّلام- بهيئة رجل لا يعرفه ولم يره من قبل، ولم يكن ذلك شيئاً مخيفاً إلى حدٍّ كبير إلّا إنّ ما أخاف الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- هو الطريقة التي عامله بها، فقد قال جبريل -عليه السّلام- لرسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- مباشرةً عند دخوله عليه (اقرأ)، حيث كان الرّسول أميّاً لا يعرف القراءة ولا الكتابة ولا يعرف ماذا يريد منه هذا الرجل فأجابه: (ما أنا بقارئ)، فقام جبريل -عليه السّلام- بالاقتراب من الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- واحتضانه بشدّة حتى بلغ به الجهد والتعب، ثمّ تركه وأعاد القول له: (اقرأ)، فأجاب رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- مرّةً أخرى: (ما أنا بقارئ)، فاحتضنه جبريل -عليه السّلام- مرّةً ثانية بشدّة حتى بلغ التعب من الرسول ثمّ تركه وأعاد الأمر عليه مرّةً ثالثة فقال له: (اقرأ)، فأجاب الرّسول مجدّداً: (ما أنا بقارئ)، فاحتضنه جبريل -عليه السّلام- مرّةً أخيرة بشدّة كبيرة حتى تعب الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ تركه وقرأ عليه أوّل آيات نزلت من القرآن الكريم وهي قول الله عزّ وجلّ: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَم*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).

ذهب بعدها جبريل -عليه السّلام- واختفى من أمام الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، فعاد إلى بيته خائفاً مذعوراً لا يدري ما الذي حصل معه، ولمّا وصل إلى بيته وجد خديجة -رضي الله عنها- فأخبرها بما حصل معه، فطمأنته وأخبرته بأنّ الله -تعالى- لن يضيعه، ثمّ أخذته إلى ابن عمٍ لها يُقال له: ورقة بن نوفل الذي كان على الديانة النصرانية، فلمّا أخبره الرّسول -عليه السّلام- بما جرى معه قال له ورقة أنّ ذلك كان جبريل عليه السّلام، ممّا يدل على أنّك يا محمّد رسول لله عزّ وجلّ، وانقطع الوحي بعد ذلك أياماً اختلف العلماء في عددها إلّا أنّها غالباً من ثلاثة إلى أربعين يوماً، ثمّ جاء الوحي مرّة أخرى مُعلناً في هذه المرة أنّ محمّداً هو رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فعلاً، ووصف ذلك رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- في الحديث قائلاً: (بَيْنَما أنَا أمْشي، سمعتُ صوتاً من السماءِ، فرفعْتُ بصرِي قِبَلَ السماءِ، فإذَا المَلَكُ الذي جاءَني بِحِراءَ، قاعدٌ على كرسيٍّ بينَ السماءِ والأرضِ، فجَئِثْتُ منهُ، حتى هَوَيْتُ إلى الأرضِ، فجِئْتُ أهلِي فقلْتُ: زمِّلونِي زمِّلونِي، فَزَمَّلونِي، فأَنْزَلَ اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ*قُمْ فَأَنْذِرْ، إلى قولهِ: فَاهْجُرْ).

روايات نزول الوحي

ما أجمل أن ننظر إلى الوحي في ضوء المثل الذي ضربه جبريل وميكائيل عليهما السلام لرسولنا صلى الله عليه وسلم!

 وحكاه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: “إِنِّي رَأَيْتُ فِيَ الْمَنَامِ كَأَنَّ جِبْرِيلَ عِنْدَ رَأْسِي وَمِيكَائِيلَ عِنْدَ رِجْلَيَّ، يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اضْرِبْ لَهُ مِثْلاً. فَقَالَ لَهُ: اسْمَعْ سَمِعَهُ أُذُنُكَ، وَاعْقِلْ عَقَلَ قَلْبُكَ، إِنَّمَا مَثَلُكَ وَمَثَلُ أُمَّتِكَ، كَمَثَلِ مَلِكٍ اتَّخَذَ دَارًا، ثُمَّ بَنَى فِيهَا بَيْتًا، ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً، ثُمَّ بَعَثَ رَسُولاً يَدْعُو النَّاسَ إِلَى طَعَامِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ الرَّسُولَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ، فَاللهُ هُوَ الْمَلِكُ، وَالدَّارُ الإِسْلاَمُ، وَالْبَيْتُ الجَنَّةُ، وَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ الرَّسُولُ؛ مَنْ أَجَابَكَ دَخَلَ الإِسْلاَمَ، وَمَنْ دَخَلَ الإِسْلاَمَ دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ دَخَلَ الجَنَّةَ أَكَلَ مِنْهَا”[1].

في ضوء كل ما سبق ننظر إلى الوحي وإلى لحظاته الأولى:

عندنا روايتان نفيستان تشرحان بالتفصيل أمر الوحي؛ الرواية الأولى هي رواية البخاري عن عائشة رضي الله عنها، والرواية الثانية هي رواية ابن إسحاق عن عبيد بن عمير بن قتادة الليثي [2] رضي الله عنه، كما أن عندنا بعض الروايات المكملة للقصة عن جابر بن عبد الله، وعن ابن عباس وعن غيرهما رضي الله عنهم جميعًا، والذي يقرأ الروايات كلها قد يظن فيها التعارض؛ لأنها تصف أحداثًا تبدو مختلفة.

 لكن واقع الأمر أنها ليست متعارضة؛ بل متكاملة، وقد يُشْرَح الحدث نفسه في الروايات من زوايا متعدِّدة، وقد تُشرح أحداث مختلفة؛ فيظن القارئ أن الأمر واحد، فيدخل عليه الالتباس، كما أن بعض الروايات فصَّلت ما أجملت الروايات الأخرى، والعكس؛ ولهذا فأنا أرى أن تُقرأ الروايات الصحيحة كلها أولاً، ثم بعد ذلك نصوغ القصة بترتيبها الزمني المنطقي، ثم نُعَلِّق بعدها تعليقات عامة تُحقق الفائدة من هذه الروايات النفيسة.

الرواية الأولى: رواية عائشة رضي الله عنها
الرواية الأولى هي رواية عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري، وعائشة لم تُعاصر الحدث؛ ولكنها سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من أحد الصحابة؛ كأبيها أبي بكر رضي الله عنه أو غيره، وإن كانت هناك بعض الإشارات في الحديث إلى أنها سمعت الحديث من الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة؛ لأن هناك التفاتًا في بعض الفقرات، التي يتحدَّث فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه، والحديث في أعلى درجات الصحة، وجاء في البخاري ومسلم، ومن أكثر من طريق، تقول عائشة رضي الله عنها: “أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ. قَالَ: “مَا أَنَا بِقَارِئٍ”. قَالَ: “فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي[3] حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي”، فَقَالَ: اقْرَأْ. قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} [العلق: 1-3]”.

فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، “فَدَخَلَ عَلَى خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فَقَالَ: “زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي”. فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ: “لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي”. فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلاَّ وَاللهِ مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ [4] وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ[5] الَّذِي نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا[6]، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟” قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الوَحْيُ”[7].

الرواية الثانية: رواية عبيد بن عمير بن قتادة
أما الرواية الثانية التي تحدَّثت في أمر الوحي بالتفصيل؛ فهي رواية عبيد بن عمير بن قتادة في سيرة ابن إسحاق، وعبيد بن عمير من كبار التابعين، وأبوه صحابي جليل، وعبيد رحمه الله يروي عن كثير من الصحابة منهم عمر وعلي وأبو ذر وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري وعائشة وابن عمر .. وغيرهم رضي الله عنهم، وهي رواية صحيحة، وفيها تفصيلات كثيرة مهمَّة، سنعتمد عليها بشكل مباشر مع الرواية الأولى التي روتها عائشة رضي الله عنها.

ففي هذه الرواية يقول عبيد: “فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُجَاوِرُ[8] ذَاتَ الشَّهْرِ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ، يُطْعِمُ مَنْ جَاءَهُ مِنَ الْمَسَاكِينِ؛ فَإِذَا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جِوَارَهُ مِنْ شَهْرِهِ ذَلِكَ كَانَ أَوَّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ -إذَا انْصَرَفَ مِنْ جِوَارِهِ- الكعبة، قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَيَطُوفُ بِهَا سَبْعًا، أَوْ مَا شَاءَ اللهُ مِنْ ذَلِك، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى بَيْتِهِ حَتَّى إذَا كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي أَرَادَ اللهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِ مَا أَرَادَ مِنْ كَرَامَتِهِ مِنَ السَّنَةِ الَّتِي بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى فِيهَا، وَذَلِكَ الشَّهْرُ شَهْرُ رَمَضَانَ، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى حِرَاءٍ، كَمَا كَانَ يَخْرُجُ لِجِوَارِهِ وَمَعَهُ أَهْلُهُ، حَتَّى إذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَكْرَمَهُ اللهُ فِيهَا بِرِسَالَتِهِ وَرَحِمَ الْعِبَادَ بِهَا، جَاءَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى.

قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ وَأَنَا نَائِمٌ بِنَمَطِ[9] مِنْ دِيبَاجٍ [10] فِيهِ كِتَابٌ فَقَالَ: اقْرَأْ. قَالَ: قُلْت: مَا أَقْرَأُ؟ قَالَ: فَغَتَّنِي[11] بِهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ الْمَوْتُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. قَالَ: قُلْت: مَا أَقْرَأُ؟ قَالَ: فَغَتَّنِي بِهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ الْمَوْتُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. قَالَ: قُلْت: مَاذَا أَقْرَأُ؟ قَالَ: فَغَتَّنِي بِهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ الْمَوْتُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ. قَالَ: فَقُلْت: مَاذَا أَقْرَأُ؟ مَا أَقُولُ ذَلِكَ إلاَّ افْتِدَاءً مِنْهُ أَنْ يَعُودَ لِي بِمِثْلِ مَا صَنَعَ بِي، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5]. قَالَ: فَقَرَأْتُهَا ثُمَّ انْتَهَى، فَانْصَرَفَ عَنِّي، وَهَبَبْتُ مِنْ نَوْمِي، فَكَأَنَّمَا كَتَبْتُ فِي قَلْبِي كِتَابًا. قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى إذَا كُنْتُ فِي وَسَطٍ مِنَ الْجَبَلِ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ. قَالَ: فَرَفَعْتُ رَأْسِي إلَى السَّمَاءِ أَنْظُرُ، فَإِذَا جِبْرِيلُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ صَافٍّ قَدَمَيْهِ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ. قَالَ: فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ إلَيْهِ، فَمَا أَتَقَدَّمُ وَمَا أَتَأَخَّرُ وَجَعَلْتُ أَصْرِفُ وَجْهِي عَنْهُ فِي آفَاقِ السَّمَاءِ، فَلاَ أَنْظُرُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا إلاَّ رَأَيْتُهُ كَذَلِكَ، فَمَا زِلْتُ وَاقِفًا مَا أَتَقَدَّمُ أَمَامِي، وَمَا أَرْجِعُ وَرَائِي، حَتَّى بَعَثَتْ خَدِيجَةُ رُسُلَهَا فِي طَلَبِي، فَبَلَغُوا أَعَلَى مَكَّةَ، وَرَجَعُوا إلَيْهَا، وَأَنَا وَاقِفٌ فِي مَكَانِي ذَلِكَ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنِّي، وَانْصَرَفْتُ رَاجِعًا إلَى أَهْلِي، حَتَّى أَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَجَلَسْتُ إلَى فَخِذِهَا مُضِيفًا[12] إلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَيْنَ كُنْتَ؟ فَوَاللهِ لَقَدْ بَعَثْتُ رُسُلِي فِي طَلَبِكَ، حَتَّى بَلَغُوا مَكَّةَ وَرَجَعُوا لِي. ثُمَّ حَدَّثْتُهَا بِالَّذِي رَأَيْتُ، فَقَالَتْ: أَبْشِرْ يَابْنَ عَمَّ وَاثْبُتْ؛ فَوَالَّذِي نَفْسُ خَدِيجَةَ بِيَدِهِ إنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونَ نَبِيَّ هَذِهِ الأُمَّةِ”.

ثُمَّ قَامَتْ فَجَمَعَتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا، ثُمَّ انْطَلَقَتْ إلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا، وَكَانَ وَرَقَةُ قَدْ تَنَصَّرَ وَقَرَأَ الْكُتُبَ، وَسَمِعَ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ، فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا أَخْبَرَهَا بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَأَى وَسَمِعَ، فَقَالَ ورقة بن نوفل: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ[13] وَالَّذِي نَفْسُ وَرَقَةَ بِيَدِهِ لَئِنْ كُنْتِ صَدَّقْتِينِي يَا خَدِيجَةُ لَقَدْ جَاءَهُ النَّامُوسُ الأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى، وَإِنَّهُ لَنَبِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ فَقَوْلِي لَهُ فَلْيَثْبُتْ. فَرَجَعَتْ خَدِيجَةُ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْهُ بِقَوْلِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جِوَارَهُ وَانْصَرَفَ، صَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ بَدَأَ بِالْكَعْبَةِ، فَطَافَ بِهَا، فَلَقِيَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَقَالَ: يَابْنَ أَخِي؛ أَخْبِرْنِي بِمَا رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ. فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّكَ لَنَبِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَلَقَدْ جَاءَك النَّامُوسُ الأَكْبَرُ الَّذِي جَاءَ مُوسَى، وَلَتُكَذِّبَنَّهْ[14] وَلَتُؤْذَيَنَّهْ وَلَتُخْرَجَنَّهْ وَلَتُقَاتَلَنَّهْ، وَلَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لأَنْصُرَنَّ اللهَ نَصْرًا يَعْلَمُهُ. ثُمَّ أَدْنَى رَأْسَهُ مِنْهُ فَقَبَّلَ يَافُوخَهُ[15]، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى منزله”[16].

هاتان الروايتان هما العمدة في البحث في مسألة بدء الوحي، وهناك روايات أخرى كثيرة مساعدة؛ منها نفس الروايتين بصيغ مختلفة، ومنها بعض الروايات الجديدة.

الرواية الثالثة: رواية جابر بن عبد الله
من هذه الروايات مثلاً رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في البخاري وفيها يقول: “سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يحدِّث عن فترة الوحي فقال في حديثه: “فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا المَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجَئِثْتُ[17] مِنْهُ رُعْبًا، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي. فَدَثَّرُونِي”. فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} إِلَى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 1-5] -قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلاَةُ- وَهِيَ الأَوْثَانُ”[18]. والرجز في الآية هي الأوثان كما ذكر جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

الرواية الرابعة: رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن
ومن هذه الروايات -أيضًا- ما جاء في البخاري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن [19] رحمه الله، يقول فيها يحيى [20]: سألتُ أَبَا سَلَمَةَ: أي القرآن أُنْزِلَ أَوَّلُ؟ فقال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]. فقلتُ: أُنْبِئْتُ أنه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]. فقال أبو سلمة: سألتُ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أيُّ القرآن أُنْزِلَ أَوَّلُ؟ فقال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]. فقلتُ: أُنْبِئْتُ أنه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]. فقال: لا أُخْبِرُكَ إِلاَّ بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “جَاوَرْتُ فِي حِرَاءٍ، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ، فَاسْتَبْطَنْتُ الوَادِيَ فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي، وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1-3]”[21].

وكذلك في رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ كلامه بـ: “جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ شَهْرًا، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الْوَادِي، فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، ثُمَّ نُودِيتُ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، ثُمَّ نُودِيتُ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ فِي الْهَوَاءِ -يَعْنِي جِبْرِيلَ عليه السلام- فَأَخَذَتْنِي رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ، فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي. فَدَثَّرُونِي، فَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 1-4]”[22].

الفروق الواضحة بين هذه الروايات
هذه روايات رئيسة في الموضوع، وهناك عدَّة روايات أخرى تصف الأمر بألفاظ مختلفة سنحتاج إلى الرجوع إليها عند الحاجة، وعند قراءة هذه الروايات مجتمعة يظنُّ القارئ -كما ذكرنا من قبلُ- أن هناك تضاربًا بينها؛ ولعلنا إذا قرأنا هذه الروايات بتمعُّن ننظر إلى بعض الفروق الواضحة بين هذه الروايات؛ وخاصة الروايتين الأوليين؛ رواية عائشة رضي الله عنها في البخاري، ورواية عبيد بن عمير عند ابن إسحاق؛ وهذه الفروق هي:

1- رواية ابن إسحاق تذكر أن قدوم الملك كان في حالة نوم الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر فيها عبيد بن عمير على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “وَأَنَا نَائِمٌ”. وفي مرة أخرى قال: “وَهَبَبْتُ مِنْ نَوْمِي”. بينما تذكر رواية عائشة رضي الله عنها الأمر على أنه يقظة.

2- رواية ابن إسحاق تذكر أنه عند خروج الرسول صلى الله عليه وسلم من الغار رأى جبريل عليه السلام في صورة رجل صافٍّ رجليه في السماء؛ بينما رواية عائشة رضي الله عنها لا تذكر أمر هذه الرؤية؛ إنما تذكر عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغار إلى خديجة مباشرة، دون رؤية الملك الواقف في السماء.

3- رواية ابن إسحاق تذكر أن جبريل عليه السلام وهو صافٌّ رجليه في السماء صرَّح لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رسولُ الله؛ بينما لم تذكر رواية عائشة رضي الله عنها هذا التصريح.

4- ردُّ فعل خديجة رضي الله عنها في الروايتين كان مختلفًا؛ ففي رواية ابن إسحاق قالت: “إنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونَ نَبِيَّ هَذِه الأُمَّةِ”. وفي رواية عائشة رضي الله عنها لم تُشر إلى النبوة إنما قالت: “كَلاَّ وَاللهِ مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ..”. إلى آخر الوصف الذي ذكرته خديجة رضي الله عنها.

5- في رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “زَمِّلُونِي”. فنزلت: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]. بينما في رواية عائشة رضي الله عنها قال: “زَمِّلُونِي”. فزمَّلوه، ولم تذكر نزول آيات.

6- في رواية ابن إسحاق ذهبت خديجة رضي الله عنها بمفردها إلى ورقة بن نوفل؛ لتسأله عن أمر الرسالة أو عن أمر الملك؛ بينما في رواية عائشة رضي الله عنها ذهبت هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم معًا.

7- في رواية عائشة رضي الله عنها ذكرت أمر فترة الوحي؛ أي انقطاع الوحي، ولم تذكر ذلك رواية ابن إسحاق.

8- في رواية ابن إسحاق ذكر أن الملك ظهر في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء؛ بينما في رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما تصف الملك أنه رجل جالس على كرسي.

9- في رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ذكر أن أول ما نزل من القرآن: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]. بينما المشتهر أن {اقْرَأْ} [العلق: 1] هي أول ما نزل، وهذا واضح في رواية عائشة رضي الله عنها وابن إسحاق معًا.

هذه هي الفروق الرئيسية فيما أرى، وأعتقد أنه بالتدقيق يمكن أن نُخرج فروقات أخرى، والله أعلم.

مراحل نزول الوحي

مرّ النّبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام في بداية بعثته واصطفائه بمراحل في الوحي والنّبوة، وكانت أولى هذه المراحل مرحلة الرّؤيا الصّالحة في المنام، حينما كان النّبي الكريم يرى في منامه رؤىً تتحقّقُ على أرض الواقع كفلق الصّبح، ولأنّ الرّؤيا الصّالحة هي جزءٌ من ستّة وأربعين جزءًا من النّبوة، فقد كانت تلك المرحلة والعلامة إيذانًا باصطفاء الله تعالى لسيّدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام، واختياره لحمل رسالة الإسلام إلى العالمين.

حبّب الله إلى النّبي الكريم بعد هذه المرحلة الخلاء والبعد عن النّاس، فكان عليه الصّلاة والسّلام يلجأ إلى غارٍ شرق مكّة المكرمة اسمه غار حراء يتعبّدُ فيه ويتحنّث، وكان يقضي فيه اللّيالي ذوات العدد، كما كانت زوجتُه خديجةُ رضي الله عنها تعدُّ ما يحتاج إليه في هذا الغار من الزّاد الذي يتقوّى به، وهذه المرحلة الثّانية كانت مرحلةً أخرى تدلّ على اصطفاء الله تعالى له، وإعداده للمهمّة الجليلة العظيمة التي سيقوم بها فيما بعد.

جاءت بعد ذلك مرحلةُ الوحي؛ حينما نزل جبريل عليه السّلام إلى النّبي محمّد عليه الصّلاة والسلّام وهو يتعبّد في غار حراء، وقد أصاب النّبي الكريم يومَها الفزع، وذهب إلى زوجته السّيدة خديجة وهو يردّد زمِّلوني زمِّلوني، ثمّ انقطع عنه الوحيُ فترةً من الزّمن، ثمّ عاد إليه واستمرّ بالنّزول حتّى وفاته وانتقاله إلى الرّفيق الأعلى.

السابق
دواء أوميجا ٣ بلس – omega 3 plus كعلاج مساعد و مكمل غذائي
التالي
دواء أوميزين – omezyn علاج قرحة المعدة

اترك تعليقاً