ديني

صيام يوم في سبيل الله

صيام يوم في سبيل الله

حديث صيام يوم في سبيل الله

رَغَّبَ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالصيام، وقال: (مَن صَامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللهِ، بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا)،وقد اختلف العلماء في الصيام المقصود في الحديث النبويّ الشريف على قولَين، كما يأتي:

  • القول الأول: إنّ الصيام المقصود في الحديث هو الصيام أثناء الجهاد في سبيل الله، وذهب إلى هذا القول أبو الطاهر الذهلي في فوائده وهو المُتبادر إلى الذهن، ويُؤيّده ما ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- من أنّ الحديث مُختَصّ بالصائم المُرابط في سبيل الله، بشرط أن لا يؤثّر الصيام في قدرته على أداء المَهمّات المُوكَلة إليه، وأن لا يتضرّر هو بالصيام، أو يُفَوِّت حقّاً لأحد.
  • القول الثاني: إنّ الصيام المقصود في الحديث هو الصيام؛ ابتغاء مرضاة الله -سبحانه وتعالى-، وطلباً لثوابه، فيدخل في الحديث كلّ من صام؛ سواءً كان مُقيماً، أو مسافراً، شريطة أن يكون قَصده في الصيام نيل رضا الله -سبحانه وتعالى- فقط، ويخرج من معناه مَن أراد بصيامه السُّمعة، والرياء، ونيل إعجاب الناس به، ومَدحه، وقد جاء هذا القول في دخول كلّ ما يؤدّيه المسلم من طاعات يبتغي بها التقرُّب إلى الله -تعالى- في دائرة سبيل الله، وكأنّ المقصود هنا هو حُسن قَصد الصائم، وإخلاص نيّته لله -سبحانه وتعالى- بهذا الصيام.

جزاء صيام يوم في سبيل الله

بيَّنَ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فضل مَن صام يوماً في سبيل الله، وأجره؛ بقوله: (بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا)؛ وقد فسّر العلماء المقصود بالمُباعدة بأنّ الله -سبحانه وتعالى- يُنجّيه من النار، ويُعافيه منها، ولا يُقصَد بالخريف فصل الخريف فقط، وإنّما العام كاملاً؛ أي فصول السنة جميعها؛ وهو من باب إطلاق الجزء على الكلّ؛ فالخريف جزء من السنة، ومُباعدته سبعين عاماً تُوحي بأنّ المقصود السَّيَر مسافة سبعين عاماً؛ وهو لفظ كنائيّ يُقصَد به المُباعدة العظيمة بين الصائم في سبيل الله، والنار، أمّا بالنسبة إلى تخصيص فصل الخريف بالذكر من بين الفصول الأربعة؛ فقد ذكر الحافظ إنّ السبب في ذلك هو أنّ الخريف أزكى الفصول؛ فهو الفصل الذي يجني فيه المزارع محصولَه، وقال الطيبيّ إنّه زمن نُضج الثمار، وحصاد الزرع، وسعة العَيش.

ووردت رواية أخرى للحديث، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (من صامَ يومًا في سبيلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ باعدَ اللَّهُ منهُ جَهَنَّمَ مَسيرةَ مائةِ عامٍ)، وقد جمع العلماء بين هذه الروايات من خلال التفريق بين أجر صيام التطوُّع، وصيام الواجب؛ فقالوا إنّ مباعدة الصائم عن النار سبعين خريفاً تكون فيمَن صام تطوُّعاً لله -سبحانه وتعالى-، أمّا المباعدة بين الصائم والنار مئة خريف فهي تكون فيمَن صام الواجب كما وردت رواية ثالثة للحديث عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (من صامَ يومًا في سبيلِ اللَّهِ جعلَ اللَّهُ بينَهُ وبينَ النَّارِ خَندقًا كما بينَ السَّماءِ والأرضِ)؛ وتفسير الحديث أنّ من صام يوماً في سبيل الله؛ سواء كان ذلك أثناء جهاده، أو أثناء تأديته لمناسك الحج أو العمرة، أو طلبه للعلم، أو طلبه لمرضاة الله -سبحانه وتعالى-، فإنّ الله سيجعل بينه وبين النار حاجزاً قويّاً وكبيراً وبعيدَ المسافة.

فضائل صيام التطوُّع

يستر الصوم الصائم من النار، ومن أفعال غير العقلاء؛ لأنّ الصائم يصون نفسه من النُّطق بالكلام الفاحش، أو إتيان خُلُق مُنكَر حتى لو تعرّض للأذى؛ لأنّ هذا ما يتطلّبه الصوم الذي شرعه الله -سبحانه وتعالى- للمؤمنين، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (…الصوم جنة…)، ومن فضائل الصيام أيضاً ما يأتي

  • أضاف الله -تعالى- الصوم إلى نفسه؛ تشريفاً، وتعظيماً له، كما في قوله -صلّى الله عليه وسلّم- عن الله -عزّ وجلّ-: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ، فإنَّه لي وأَنَا أجْزِي به)؛ وقِيل في تفسير ذلك إنّ الصيام لا يكون إلّا لله -سبحانه وتعالى-، ولا يقع فيه الرياء، ولا يعرف أحد مقدار ثواب الصوم إلّا الله -سبحانه وتعالى-، وهو من أحبّ العبادات إليه.
  • جعل الله -تبارك وتعالى- الصوم من أفضل الأعمال التي لا يعدلها شيء؛ لما رواه أبي أمامة -رضي الله عنه-: (أتيتُ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ- فقلتُ مُرني بأمرٍ آخذُهُ عنْكَ قالَ عليْكَ بالصَّومِ، فإنَّهُ لا مثلَ لَه).
  • يُكفّر الصيام الذنوب والخطايا، قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّـهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).
  • يشفع الصيام للصائم يوم القيامة، وهذا ما جاء في حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الصِّيامُ والقرآنُ يشفَعانِ للعبدِ يومَ القيامةِ).
  • جعل الله -سبحانه وتعالى- الصيام سبباً لدخول الجنة، كما جعل باباً في الجنّة لا يدخل منه إلّا الصائمون؛ وهو باب الريّان، وجعل لهم أيضاً غرفاً خاصّة بهم في الجنّة، وتجدر الإشارة إلى أنّ الصيام من الأمور التي تُطهّر القلب؛ فصيام شهر رمضان، وصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر من الأمور التي من شأنها أن تُذهب عن الصدر الغلّ، والحقد، ووساوس الشيطان، وقسوة القلب.
  • جعل الله -سبحانه وتعالى- للصائم فرحتَين؛ فرحة عندما يُفطر، وذلك بذهاب جوعه، وعطشه، وفرحته يوم القيامة عندما يرى جزاء صومه، كما جعل له دعوة لا تُرَدّ.
السابق
فائدة قراءة سورة الملك قبل النوم
التالي
كيف تختم القرآن في يوم

اترك تعليقاً