ديني

ما هو اليقين

ما هو اليقين في الدعاء

اليقين :

هو الالحاح على الله في طلب ما تتمنى والثقة به أنه سيستجيب

وأن من آداب الدعاء الجزم في الدعاء واليقين بالإجابة ( ادعوا الله و أنتم موقنون بالإجابة ….)
ابراهيم عليه السلام كان يدعو بالولد والدليل في قوله تعالى على لسان ابراهيم عليه السلام ((رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ))
[الصافات : 100]
ثم تأتي الآية التي بعدها مبشرة له (( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ )) [الصافات : 101]

لم تذكر لنا الآيات استغراب ابراهيم عليه السلام أو تعجبه حين بشر باسماعيل كما كان حاله واستغرابه بعد ذلك حين بُشر باسحاق
فعندما بشر باسحاق قال عليه السلام ((قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * َقالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ ))[الحجر : 54 – 55]
استغرب الولد مع كبر سنه وكون زوجته عاقر
وقال تعالى على لسان زكريا عليه السلام (( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء )) [آل عمران : 38]

((وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ )) [الأنبياء : 89]

وحينما بُشر بالغلام قال (( قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً )) [مريم : 8]
استغرب الولد مع كبر سنه وكون زوجته عاقر

وفي السيرة النبوية

جاء من حديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من عبدٍ تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها, إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها ” قالت: فلما توفي أبو سلمة رضي الله عنه قلت: ومن خيرٌ من أبي سلمة؟ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم عزم الله علي فقلتها، فما الخلف؟! قالت: فتزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خير من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
المقصود أن أم سلمة دعت الدعاء وهي لا تعلم أحدا أفضل من وجهة نظرها من زوجها ومع ذلك دعت واستجيبت دعواها وعوضها الله بخير من مشى على وجه الأرض
فكيف أجمع بين ( ادعوا الله و أنتم موقنون بالإجابة ، و اعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه ) وبين ما سبق ؟
كيف أجمع بين اليقين عند الدعاء وبين كوني بشر وعلمي محدود وأنني قد يخطر لي ما خطر لمن سبق ذكرهم وهم خير مني ؟

صفات أهل اليقين

صفات أهل اليقين بالله (1)

أهل اليقين هم أهل الإيمان وأهل التميز في الأقوال والأفعال، ولهم صفاتٌ تتباين وتتمايز عن صفات باقي الناس؛ فمن صفاتهم:
1- أنهم هم الذين يؤمنون بالغيب:
قال تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 3-5]، فأهل اليقين يؤمنون بالبعث والجزاء والحساب والجنة والنار؛ لذا فإن الحياة بما فيها وبمن فيها تهون في أعينهم أمام مرضاة الله تعالى وانتظار الجزاء الأوفى منه سبحانه.
ولقد تعلَّم الصحابةُ الكرام هذا اليقين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحينما انطلق رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ، وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ، ((فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ، فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ.
قَالَ: يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: بَخٍ، بَخٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ، بَخٍ؟ قَالَ: لاَ وَاللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ، إِلاَّ رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ، رَحِمَهُ اللَّهُ))([1]).
قال الشاعر:
شَبُّوا على عِشق ِ الشهادة ِ والفدا ولكل ِ مكرمة ٍ خيول ُ سباق ِ
وتشبثوا ِبعُرى اليقين وكلما جاش َ الغُزاةُ تشمَّروا عن ساق
2- أنهم هم الذين يوقنون بأن الرزق بيد الله وحده:
ومن صفات أهل اليقين التيقن الكامل بأن الرزق ليس بيد أحدٍ من البشر، وإنما هو بيد الله تعالى وحده؛ قال سبحانه: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: 20-23]، لذا تجدهم ينفقون ويتصدقون ولا يخشون الفقر والإقلال، ويعطون ويبذلون عن إيمان ويقين.
3- أنهم هم الذين لا يزيغون عن الحق ولا تتشابه عليهم الأمور:
قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [البقرة: 118]، فأهلُ اليقين الحقُّ عندهم واضح وضوح الشمس، لذا فهم لا يُراءون ولا ينافقون.
دخل هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي الكعبةَ، فرأى سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، فقال له: (سَلْنِي حاجةً – فرصة ثمينة، الخليفة يعرض عليه أن يسأله ما شاء، اطلب، فماذا قال؟ – قال: إني لأستحي من اللهِ أن أسالَ في بيتِه غيرَه).
فلما خرجوا قال له: (فالآن سَلْنِي حاجتك، فقال سالم: من حوائج الدنيا أَمْ حوائج الآخرة؟ – طبعًا حوائج الآخرة لا سبيل إليها، لا سبيل إلى تحصيلها من قِبَل المخلوقين، هم لا يستطيعون أن يعطوك شيئًا من أمور الآخرة – قال: بل من حوائج الدنيا، قال: واللهِ ما سألتُ الدنيا من يملكها -يعني الله، يقول: أنا ما دعوت قط ربي أن يعطيني شيئًا من حُطام الدنيا -، فكيف أسألُ من لا يملكُها؟!).
4- أنهم هم الذين يُحَكِّمُون شرعَ اللهِ تعالى في جميع أمورهم:
قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]، وأهل اليقين يُحَكِّمُون شرعَ الله تعالى في جميع أمورهم، فلا يُحَكِّمُون الهوى ولا الطاغوت، ويجاهرون بكلمةِ الحقِّ لعلمِهم أن الأرزاق والآجال بيدِ الله تعالى وحده؛ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ))([2]).
قال الشاعر:
لا تَجْزَعِي إن الفؤادَ قد امتطى ظهرَ اليقينِ وفي معارجِه ارتقَى
غذيتُ قلبِي بالكتابِ وآيِّه وجعلتُ لي في كلِّ حقٍّ منطقًا
ووطئتُ أوهامِي فما أسكنتُها عقلِي وجاوزتُ الفضاءَ مُحلقًا
5- أنهم هم الذين يؤمنون بالقرآن الكريم:
قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]؛ فأهل اليقين يدورون مع القرآن حيث دار، يتخلقون بأخلاقه ويقفون عند حدوده.
رُوي أن عالمًا من العلماء المتقدمين ألَّف كتابًا في التفسير، فلم يجد سَعَةً ومالًا من أجل أن يستنسخ الكتاب، كانت هذه الكتب تُسْتَنْسَخُ عند الورَّاقين، ولربما كلَّفهم ذلك مبالغ إذا كان الكتاب كبيرًا لا يستطيعون دفعها، فركب هذا العالم سفينةً، وسار على النهر ليذهب إلى رجلٍ من أهل الغنى والثراء؛ ليعرض عليه هذا الكتاب من أجل أن يتبرعَ لِنَسْخِه.
فبينما هو بالسفينة إذ مرَّ برجل يمشي على قدميه يريد الركوب، فطلب من صاحب السفينة أن يحمل هذا الرجل ويُحْسِن إليه، فتوقفت فحملوا بها هذا الرجل، فسأل الرجلُ العالمَ: من أنت؟ فأخبره باسمه، فقال: أنت العالم المُفَسِّر؟ قال: نعم، قال: وأين تريد؟ قال: أريد أن أذهب إلى فلان علَّه أن يتبرع بِنَسْخِ هذا الكتاب.
فقال هذا الرجل للعالم: وكيف فسَّرتَ قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]؟ فأخبره عمَّا قال وتفطن لمقصده!! ثم قال لصاحب السفينة: ارجع بي إلى حيث حملتني، ورجع إلى بيته، وبقى فيه.
وبعد مدة ليست بالبعيدة، إذا برجلٍ يطرق الباب ومعه رسول فعرَّفه بنفسه، وقال: إنه مُرْسَل من قبل فلان – الرجل الذي كان يريد أن يذهب إليه -، وقال: إنه قد بلغه أنك قد كتبت كتابًا في التفسير، فهو يريد أن يطَّلِعَ عليه، فبعث إليه بجزءٍ من أجزاء هذا الكتاب، فلما نظر إليه أمر أن يوزن له بالذهب، فَوُزِن فبعث به إلى هذا العالِم.

ما معنى كلمة اليقين في القرآن

  • ﴿٩٩ الحجر﴾ الموت
  • ﴿٩ الحجر﴾ اليقين: الحق الذي وعدك الله من نصره لك و لدينه. أو هو الموت المتيقَّن وقوعُه، و هو جزء من الحق.
  •  اليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدراية وأخواتها، يقال: علم يقين، ولا يقال: معرفة يقين، وهو سكون الفهم مع ثبات الحكم، وقال: ﴿﴾ [التكاثر/5] (الآية: ﴿﴾ )، و ﴿﴾ [التكاثر/7] (الآية: ﴿﴾ ) و ﴿﴾ [الواقعة/95] (الآية: ﴿

كيف اتعلم اليقين بالله

إن اليقين يزيد بكثرة التأمل في كتاب الله وتدبر معانيه، وتدبر الآيات الكونية، وتدبر معاني صفات الله تعالى، ومما يزيده كذلك كثرة سؤال الله تعالى الإيمان واليقين والهدى، ففي الحديث: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا. ومما يزيده كذلك العمل بما تعلم العبد من الدين، وتعبده لله تعالى، وذكره إياه في كل حال، ومما يزيده كذلك كثرة النظر في نصوص الوحي التي يكثر فيها الترغيب والترهيب والوعد والوعيد، ولا يلزم من زيادة اليقين أن توجد كرامات ولا أن تترك الأسباب، فكثير من الصحابة لم تكن لهم كرامات، وكان الأنبياء والصحب يتكسبون؛ كما في حديث البخاريوأن نبي الله داود كان يأكل من كسبه. وقد تاجر الصحابة وزرعوا وامتهنوا المهن، وكذلك خيار السلف بعدهم.

 

كيف يحصل اليقين

قال ابن تيمية رحمه الله : وأما كيف يحصل اليقين فبثلاثة أشياء

أحدها : تدبر القرآن

والثاني : تدبر الآيات التي يحدثها الله في الأنفس والآيات التي تبين أنه حق

والثالث : العمل بموجب العلم

 

قوة اليقين بالله

اليقين بالله المنافي للشكّ هو من تمام التوكّل عليه وحسن الثقة به، وهو من تَمام الإيمان بالله عز وجل، الإيمان الذي لا يخالطه أيّ شك، وهو كذلك سكون القلب واطمئنانه عند العمل بعيداً عن وساوس الشيطان وإغراءات النفس، وهو من ثمرات الإيمان الصحيح بالله عزّ وجل. لليقين بالله أسبابٌ تقود إليه، ومظاهرُ تدلّ عليه، وثمراتٌ وفوائدُ تترتّب عليه، وفيما يأتي شيء من التفصيل في ذلك.

الأسباب المؤدية لقوّة اليقين بالله

  • قوّة الإيمان واستقراره في النفوس؛ فالإيمان يقود إلى كلّ خير، ومن ذلك حسنُ الثقة بالله عزّ وجلّ.
  • العلم المَقرون بالعمل؛ فالعلمُ يدفع عن صاحبه الجهلَ، ويقودُ إلى تمامِ الإيمان والثقة بالله عزّ وجلّ، وينقلُ صاحبه من دائرة القَول إلى دائرة العمل، لِتكتملَ بذلك شخصيّة الإنسان المسلم.
  • حسنُ الصُّحبة، وذلك بمصاحبة الأخيارِ، وتجنّب مصاحبة الأشرار؛ فالصديق يُؤثّر في صديقه سلباً أو إيجاباً.
  • دراسةُ التاريخ والسيرة، والتعرّف على أخبارِ من اكتسبوا صفاتٍ مثل قوّة اليقين والإيمان بالله وحسنِ التوكّل عليه: كالصحابة والتابعين، والصالحين.

تعريف اليقين في الفلسفة

تعريف اليقين عند المتكلمين نجده متأثرا بمناهج الشك عند الفلاسفة فقالوا هو: (( العلم بالشيء بعد أن كان صاحبه شاكا فيه سواء كان ذلك العلم ضروريا او إستدلاليا))[1]..وهو (( العلم بحقيقة الشيء بعد النظر والإستدلال)) [2]..ومعناه أن يعتدل المرء التصديق والتكذيب حتى يصل بالإستدلال والبرهان المنطقي المرتب ترتيبا فلسفيا معينا إلى إزالة الشك ومن ثم يصل إلى اليقين..أي أن: اليقين مبني على الشك في المقدمات مهما كانت تلك المقدمات يقينية..وتأسيسا على هذا التعريف وقع التعميم وصار هو المنهج الأوحد في بلوغ اليقين.. يقول الغزالي رحمه الله -في إحدى مراحله الفكرية-: ( (من لم يشك لم ينظر ومن لم ينظر لم يبصر..ومن لم يبصر بقى في الضلال والعمى)[3] ..وبالتأسيس على هذه التعريفات وقع رد إيمان المقلد دون تفصيل العبارة سواء بالتعصية أو بالتكفير ليخلصوا في النهاية إلى أنه : (( لا يصح أن يؤخذ الإيمان بالله من كلام الرسل ولا من الكتب المنزلة ))[4] ويروا أنه ((لا بد أن يصل الإنسان إلى معرفة الله أولاً بعقله ثم يصل إلى الإيمان بالرسل))

اجمل ما قيل عن اليقين بالله

يقول الحسن البصري: (ما طُلِبَت الجنةُ إلا باليقينِ، ولا هُرِبَ من النارِ إلا باليقينِ، ولا صُبِرَ على الحقِّ إلا باليقينِ)([1]).
ويقول سفيان الثوري: (لو أن اليقينَ وقعَ في القلبِ كما ينبغي؛ لطارت القلوبُ اشتياقًا إلى الجنةِ وخوفًا من النارِ)([2])، وقال أيضًا: (اليقينُ أن لا تتهمَ مولاك في كلِّ ما أصابَك)([3]).
ويقول ابن رجب: (فمنْ حقَّقَ اليقينَ وثقَ باللهِ في أمورِه كلِّها، ورضي بتدبيرِه له، وانقطعَ عن التعلقِ بالمخلوقين رجاءً وخوفًا، ومنعه ذلك من طلبِ الدنيا بالأسبابِ المكروهةِ)([4]).
وقال البيهقي: (اليقينُ هو سكونُ القلبِ عندَ العملِ بما صدق به القلبُ، فالقلبُ مطمئنٌ، ليس فيه تخويفٌ من الشيطانِ، ولا يؤثر فيه تخوفٌ، فالقلبُ ساكنٌ آمنٌ، ليس يخافُ من الدنيا قليلًا ولا كثيرًا)([5]).
قال ابن القيم – رحمه الله – في “زاد المعاد”: (لا يتمُّ صلاحُ العبدِ في الدارين إلا باليقينِ والعافيةِ، فاليقينُ يدفعُ عنه عقوبات الآخرةِ، والعافيةُ تدفعُ عنه أمراضَ الدنيا من قلبِه وبدنه)([6]).
وقال ابن القيم أيضًا: (اليقينُ من الإيمانِ بمنزلةِ الروحِ من الجسدِ، وبه تفاضلَ العارفون، وفيه تنافسَ المتنافسون، وإليه شمَّرَ العاملون، وهو مع المحبةِ ركنان للإيمان، وعليهما ينبني وبهما قوامُه، وهما يُمدان سائرَ الأعمالِ القلبيةِ والبدنيةِ، وعنهما تصدرُ، وبضعفِهما يكونُ ضعفُ الأعمالِ، وبقوتِهما تقوى الأعمالُ، وجميعُ منازل السائرين إنما تُفتتحُ بالمحبةِ واليقين، وهما يثمران كلَّ عملٍ صالحٍ، وعلمٍ نافعٍ، وهدى مستقيمٍ)([7]).
وعَنْ عُمَرَ، قَالَ: ((إِنَّ أَبَا بَكْرٍ خَطَبَنَا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ فِينَا عَامَ أَوَّلَ، فَقَالَ: أَلاَ إِنَّهُ لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ النَّاسِ شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنَ الْمُعَافَاةِ بَعْدَ الْيَقِينِ، أَلاَ إِنَّ الصِّدْقَ وَالْبِرَّ فِي الْجَنَّةِ، أَلاَ إِنَّ الْكَذِبَ وَالْفُجُورَ فِي النَّارِ))([8]).
وعَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ النَّاسَ لَمْ يُعْطَوْا فِي الدُّنْيَا خَيْرًا مِنَ الْيَقِينِ، وَالْمُعَافَاةِ، فَسَلُوهُمَا اللهَ عز وجل))([9]).
ولهذا قال أبو بكر الوراق – رحمه الله -: (اليقينُ مِلاكُ القلبِ، وبه كمالُ الإيمانِ، وباليقينِ عُرفَ اللهُ، وبالعقلِ عُقِلَ عن اللهِ)([10])، وقد عَظَّمَ السلفُ رحمهم الله اليقين ورفعوا من شأنه، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (الصبرُ نصفُ الإيمانِ، واليقينُ الإيمانِ كله)([11]).
وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: (وخيرُ ما أُلقي في القلبِ اليقينُ، وخيرُ الغنى غنى النفسِ، وخيرُ العلمِ ما نفع، وإنما يصيرُ أحدُكم إلى موضعِ أربعِ أذرعٍ، فلا تُمِلُّوا الناسَ ولا تسأموهم)([12]).
وكان سفيان الثوري – رحمه الله – يقول: (لو أنَّ اليقينَ استقرَّ في القلبِ كما ينبغي لطارَ فرحًا وحزنًا؛ شوقًا إلى الجنة، أو خوفًا من النار)([13]).
قال ابن القيم – رحمه الله -: (إنَّ أفضلَ الأحوال: الرغبةُ في اللهِ ولوازمها، وذلك لا يتم إلا باليقينِ والرضا عن اللهِ، ولهذا قال سهل: حظُّ الخلقِ من اليقينِ على قدرِ حظِّهِم من الرضا، وحظُّهم من الرضا على قدرِ رغبتِهم في اللهِ)([14]).
وحصول اليقين في القلوب علمًا وعقيدة وثقة واطمئنانًا، يجعل بعض الناس أئمة وسادة وقادة بين الناس، فقد كان السلف يقولون: (بالصبرِ واليقينِ تُنَالُ الإمامة في الدين)؛ قال الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]([15]).
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: (أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَرَجُلًا آخَرَ مِنَ الْأَنْصَارِ، تَحَدَّثَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً فِي حَاجَةٍ لَهُمَا، حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ سَاعَةٌ، وَلَيْلَةٌ شَدِيدَةُ الظُّلْمَةِ، ثُمَّ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْقَلِبَانِ، وَبِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُصَيَّةٌ، فَأَضَاءَتْ عَصَا أَحَدِهِمَا لَهُمَا حَتَّى مَشَيَا فِي ضَوْئِهَا، حَتَّى إِذَا افْتَرَقَ بِهِمَا الطَّرِيقُ أَضَاءَتْ لِلْآخَرِ عَصَاهُ، فَمَشَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ضَوْءِ عَصَاهُ حَتَّى بَلَغَ إِلَى أَهْلِهِ)([16]).
وقال أمير المؤمنين علي – رحمه الله -: (لو كُشِفَ الغطاءُ ما ازددتُ يقينًا)([17]).
ورَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ – رَحِمَهُ اللَّهُ – فِي جَامِعِ الْعُتْبِيَّةِ، قَالَ: (قِيلَ لِأُمِّ الدَّرْدَاءِ: مَا كَانَ شَأْنُ أَبِي الدَّرْدَاءِ؟ قَالَتْ: كَانَ أَكْثَرَ شَأْنِهِ التَّفَكُّرُ، قِيلَ لَهُ: أَتَرَى التَّفَكُّرَ عَمَلًا مِنَ الْأَعْمَالِ؟ قَالَ: نَعَمْ، هُوَ الْيَقِينُ)([18]).
قال أَبَو حَازِمٍ – وَهو يَعَظَ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ -، فَقَالَ فِي بَعْضِ قَوْلِهِ: (مَا رَأَيْتُ يَقِينًا لَا شَكَّ فِيهِ أَشْبَهَ بِشَكٍّ لَا يَقِينَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ فِيهِ)([19]).
وقَالَ أَبُو تراب: (رأيتُ غلامًا فِي البادية يمشي بلا زادٍ، فَقُلْتُ: إِنْ لَمْ يكنْ مَعَهُ يقينٌ فَقَدْ هلك، فَقُلْتُ: يا غلام فِي مثل هَذَا الموضع بلا زاد، فَقَالَ: يا شيخ، ارفع رأسَك، هل ترى غَيْر اللَّهِ عز وجل، فَقُلْتُ: الآن اذهب حيثُ شئتَ)([20]).
عن سفيان بن عيينة قال: دخل هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي الكعبةَ، فرأى سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال له: (سَلْنِي حاجةً قال: إني لأستحي من اللهِ أن أسالَ في بيتِه غيرَه)، فلما خرجوا قال له: (فالآن سَلْنِي حاجتك، فقال سالم: من حوائج الدنيا أَمْ حوائج الآخرة؟ قال: بل من حوائج الدنيا، قال: واللهِ ما سألتُ الدنيا من يملكها، فكيف أسألُ من لا يملكُها؟!)([21]).
وعن مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: (لَمَّا أَخَذَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ، إِسْمَاعِيلَ بْنَ أُمَيَّةَ وَأَمَرَ بِهِ إِلَى السِّجْنِ مَرَّ بِحَائِطٍ مَكْتُوبٍ عَلَيْهِ: “يَا وَلِيَّ نِعْمَتِي، وَيَا صَاحِبِي فِي وَحْدَتِي، وَعُدَّتِي فِي كُرْبَتِي”، فَلَمْ يَزَلْ يَدْعُو بِهَا حَتَّى خَلَّى سَبِيلَهُ، ثُمَّ مَرَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَائِطِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا مَكْتُوبًا)
السابق
غذاء كمال الأجسام
التالي
فوائد الفازلين للتبييض

اترك تعليقاً