ديني

ما هي مبطلات الوضوء

ما هي مبطلات الوضوء

ما هي مبطلات الوضوء

تُسمّى مُبطلات الوُضوء بالنَّواقض؛ وهي الأسباب التي ينتهي بها الوضوء، وهي الحدثان الأصغر والأكبر، وعند إطلاق لفظ الحدَث فيكون المقصود منه الحدث الأصغر؛ وهو أمرٌ اعتباريّ يقومُ بأعضاءِ الوضوء، ويَمنع من صحّةِ الصّلاة، وفي العُرف الشرعيُّ يُقالُ للإنسان الذي ينتقض وُضوءه بأنّهُ مُحدِث، وتُقسَّم مُبطلات الوضوء ونواقضهُ إلى قسمٍ مُتّفقٌ عليه بين جميع العُلماء، وقسمٌ آخر مُختلفٌ فيه، وفيما يأتي في المقال تفصيل ذلك.

المبطلات المُتّفق عليها

اتَّفق الفُقهاء على العديد من مُبطلات الوضوء، وهي:

  • الخارج من السبيلين أو أحدهما، لِقولهِ -تعالى-: (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ)،ويُطلق الغائطُ في الحقيقة على المكان الذي يقضي فيه الإنسانُ حاجته، واستُعمل في معناهِ المجازيّ؛ وهو الأمر الذي يُحوِج الإنسان إلى المكان المُطمئن لقضاء الحاجة، بدليل أنّ الذي يأتي الغائط من غير إخراج شيء فلا وضوء عليه بالإجماع كما يُنقضُ الوضوء بِخروجِ الرِّيح، ويُعرف من وجود صوت أو رائحة، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (لَا يَنْصَرِفْ حتَّى يَسْمع صَوْتًا أوْ يَجِدَ رِيحًا)وكذلك خُروج المَذي*، والمني* إذا خرج دون شهوة، ويرى الشافعيّ وجوب الغسل منه حتى وإن لم يخرج بشهوة، وكذلك السّائل الذي يخرُج من المرأةِ، وإن كان طاهراً فإنَّه يوجب الوضوء، وهو قول أكثر العلماء.
وذهب بعض العلماء كابن حزم وغيره إلى القول بعدم بطلان الوضوء بسبب هذه الإفرازات الطاهرة، وذلك لعدم وجود دليلٍ من القرآن والسّنة والإجماع على ذلك، ولو كانت الإفرازات الطاهرة التي تخرج من المرأة دون سببٍ ناقضةً للوضوء لبيّنه النبي -صلى الله عليه وسلم-.
  • زوال العقل بأيِّ سببٍ كان؛ كالمُخدرات، أو المُسكرات، أو النوم، أو الجُنون، أو الصَرع، وغير ذلك مما يُغيّب العقل؛ وذلك بسبب غيلب العقل والحسّ، وعدم شُعور الإنسان بشيءٍ معها، وأمّا النوم فإنَّهُ لا ينقض الوضوء دائماً ولكنَّه مظنةٌ للنّقضِ، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسلام-: (العَينُ وِكاءُ السَّهِ فمن نامَ فليتوضَّأْ)، وتعدّدت أقوالُ الفُقهاء في النّوم:
    • ذهب الحنفيّة والشافعيّة إلى أنّ النّوم الذي يُعدّ ناقضاً للوضوءِ هو الذي يكون صاحبه نائماً ومقعدته غير مُتمكّنةٍ من الأرض، أو النّوم مُضطجعاً أو مُتّكئاً؛ لِما في ذلك من استرخاءٍ للمفاصلِ، ومَن نام ومقعدتهُ مُلتصقة بالأرضِ؛ كالنَّوم على الأرضِ أو الدّابة، فلا يُعدُّ ذلك ناقضاً للوضوءِ، ويرى الحنفية عدم نقض الوضوء لمن نام أثناء القيام أو الرُكوع أو السُّجود في الصّلاة، وكذلك النّوم اليسير، لِقول أنس بن مالك -رضيَ الله عنه- عن أصحابِ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (كانوا يَنتَظِرونَ العِشاءَ، فيَنامُون قُعودًا، ثمَّ يُصَلُّون ولا يَتَوضَّؤون).
    • يرى المالكيّة والحنابلة أن النَّوم اليسير لا يُعدُّ ناقضاً للوضوءِ، والنَّوم الثقيل يُنقضهُ حتى وإن كان الزمنُ يسيراً، والفرقُ بينهُما عند المالكيّة؛ أنّ النّوم الثّقيل: هو الذي لا يشعر به صاحبهُ بالأصواتِ أو بِسقوطِ شيءٍ حولهُ أو بيده، وإن شعر فهو نومٌ خفيف، واستدلّوا على ذلك بنومِ الصّحابة الكرام، ثُمّ قيامهم للصّلاةِ من غير أن يتوضّؤوا، وقال الحنابلة إن النّوم يُعدُّ ناقضاً للوضوءِ إلَّا ما كان يسيراً منه، وذلك لعدم غياب العقل في هذه الحالة؛ لأن النّوم الذي يغلب على العقل هو الناقض، أمّا بقاء العقل فلا يُوجب نقض الوضوء.

المبطلات المختلف فيها

توجد بعض الأمور التي تعدّدت آراء الفُقهاءُ فيها من حيث كوْنها ناقضة للوضوء أم لا، وهي:

  • مسّ فرج الآدميّ: سواءً كان ذكراً أو أُنثى، فذهب الحنفيّة إلى عدم نقض الوضوء بمسّ الفرج، فقد سئل رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال -: (هل هو إلَّا مُضْغةٌ، أو بَضْعةٌ منكَ)،وأمّا الجمهور فيعتبرونه ناقضاً، وقال المالكيّة إنّ النّقض يكون بمسّ الذّكر لا بمسّ الدُبر، وأمّا الشافعيّة والحنابلة فيرون النّقض بمسّ الفرج، سواءً كان القُبل أو الدُبر، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (مَن مَسَّ فرْجَه فلْيَتوضَّأْ).
  • التقاء بشرة الرجل مع المرأة: ذهب الحنفيّة إلى نقضِ الوضوء بلمس المرأة في حال المُباشرة الفاحشة؛ وهو التقاءُ الختانين، وأمّا المالكيّة والحنابلة فقالوا بالنّقض في حالِ التقائهما في حالِ الشّهوة، واستدلَّ الذين قالوا بعدم النّقض بِفعل النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، فقد ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: (أنَّ النَّبيَّ كان يقبِّلُ بعضَ أزواجِه ثمَّ يصلِّي ولا يتوضأُ) وقال الشافعيّة بالنّقض بِمُجرد مُلامسة الرجل للمرأة الأجنبيّة حتّى وإن كان من غير شهوة، وأمّا إن كان اللّمس بحائلٍ أو لمس الشعر أو السّن فلا ينقض، واستدلوا بقولهِ -تعالى-: (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ)، واللّمس حقيقةٌ يكونُ من خلال اليد.
  • الرِّدّة عن الإسلامِ: ذهب الحنفيّةُ والشافعيّة والحنابلة إلى أنّ الرِّدة بذاتها ليست ناقضةً للوضوء، وإنّما تكون مُحبطةً للعمل في حال اتّصالها بالموت، وعلى ذلك من ارتدّ ثُمّ عاد إلى الإسلامِ لم ينتقض وُضوءه إلّا إذا انتقض بسببٍ آخر، والمُعتمدُ عند المالكيّة أنّ الرِّدة ناقضةٌ للوضوء، لِقولهِ -تعالى-: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)؛ لأنَّ الوضوء من الأعمال، فيكون حابطاً بنص الآية.
  • القهقهةُ في الصّلاة: ذهب جُمهور الفُقهاء من المالكيّة والشافعيّة والحنابلة إلى عدم نقضها للوضوء، ولكنّها تُبطل الصّلاة، وقال الشافعيّةُ باستحباب الوضوء من الضحك في الصّلاة، ويرى الحنفيّة نُقضان الوضوء منها، وإفسادها للصّلاة.
  • الأكل ممَّا مسّتهُ النَّار: ذهب جُمهور العُلماء وهو ما جاء عن أبي بكر وعُمر وعُثمان وعلي وابن مسعود -رضي الله عنهم- بعدم الوضوء منه، وأنّه ليس ناقضاً للوضوء، واستدلّوا بِفعل النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أكَلَ كَتِفَ شَاةٍ، ثُمَّ صَلَّى ولَمْ يَتَوَضَّأْ)، وذهب عُمر بن عبد العزيز والحسن والزُّهريّ وجماعةٌ من الصّحابة إلى نقضهِ للوضوء، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (الْوُضُوءُ ممَّا مَسَّتِ النَّارُ).
  • الأكل من لحم الجَزور والإبل: يرى الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة في الجديد بعدمِ نقضهِ للوضوءِ؛ استدلالاً بأنَّ النّقض يكونُ ممَّا يخرج لا ممَّا يدخُل الأمعاء، وفي قول للشافعيّ في القديم بأنّه ينقض الوضوء بقليله أو كثيره، واستدلّ على ذلك بحديثِ جابر بن سمرة -رضيَ الله عنه-: (سُئِلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عنِ الوُضوءِ من لحومِ الإبلِ، فقالَ: تَوضَّئوا مِنها)،وأمّا الحنابلة فالأصل عندهم نقضِه للوضوءِ، سواء كان نيّئاً أو مطبوخاً فإنّهُ ينقض الوضوء، وسواء كان من أكل منه عالماً بالحديث أو جاهل، وتعدّدت أقوالهم في غير اللّحم؛ كَدُهْنِه، أو سنامه، وغير ذلك، والصّحيحُ عندهم عدم نقضهِ للوضوء.
  • الأكل من الأطعمةِ المُحرّمة: يرى الحنابلة عدم النّقض، أمّا قولهم ببطلان الوضوء بأكل لحومِ الإبل؛ لأنَّ الأمر فيه تعبّدي، ونُقل عن المرداويّ أنّ الأكل من الطّعام المُحرّم لا يُعدُ ناقضاً للوضوء.
  • غَسل الميّت: ذهب الحنفيّة إلى استحباب الوضوء لِمن غسَّل ميّتاً، ولكن جُمهور الفُقهاء لم يذكروا ذلك في نواقض الوضوء، والصحيحُ عند الحنابلة بنقضهِ للوضوء.
  • الشّك في الوضوء أو عدمه: ذهب المالكيّة إلى نقض الوضوء في حال الشّك فيه؛ لأنَّ الذّمة لا تبرأ إلَّا باليقين، ويرى الجُمهور أنّ الشك في الوضوء أو عدمه لا يُعدُّ من نواقضِ الوضوء.
  • الغيبة والكلام القبيح: ذهب الإمامُ أحمد إلى نقض الوضوء بالغيبة، ويرى الحنفيّة والشافعيّة إلى استحباب الوضوء من الغيبة والكلام القبيح.

الأمور التي تحرُم بالحدث الأصغر

يحرُم على المُحدث حدثاً أصغر؛ أيّ غير المُتوضّئ العديد من الأُمور، وفيما يأتي ذكرها:

  • الصّلاة: سواءً كانت فرضاً أو نفلاً، ونحوها كسجودِ التّلاوة، وسجود الشُكر، وصلاة الجنازة، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أحَدِكُمْ إذا أحْدَثَ حتَّى يَتَوَضَّأَ). وورد عن الشعبيّ وابنُ جرير جواز صلاة الجنازة من غير وضوءٍ أو تيمّمٍ، وأمّا في حالِ العُذر؛ كمن فقد يداه ورجلاه، أو لم يجد الماء والتراب للتيمُّم وقد ضاق الوقت؛ فإنه يُصلّي وجوباً ولو من غير طهارة إذا كان محدثاً قبل دخول وقت الصلاة.
  • الطّواف بالبيتِ الحرام: سواء كان الطّواف فرضاً أو نفلاً، ولكن ذهب الحنفيّة بأنَّ الطّهارة واجبةً للطّوافِ وليست شرطاً، فيصحُّ عندهم الطّواف بدون وضوء ولكن مع الكراهة التحريميّة.
  • مسّ المُصحف أو بعضه؛ وذلك من باب تعظيمه، وأجمعَ الفُقهاء على جوازِ قراءة القُرآن الكريم أو النظر إليه من غير مسّ، وكذلك للصبيّ من أجلِ التعلّم؛ لأنَّه غير مكلّف، والأفضل أن يتوضّأ، وأمّا مسّ المصحف من غير وضوء ففيه تفصيل؛ حيث أجاز الحنفيّة والحنابلة مسَّه بحائلٍ أو عودٍ لمن كان غير مُتوضّئ، وأمّا المالكيّة والشافعيّة فذهبوا إلى حُرمة مسِّ القرآن الكريم ولو بِحائلٍ، أو ورقه، أو جلده، ولكن المالكيّة أجازوا لَمْسه لأجل العِلم إذا كانت المرأة حائِضاً أو نفساء؛ وذلك لِصعوبة إزالة العُذر، وأمّا الجُنُب فلا يجوز له لَمسه؛ لِلقدرة على إزالة العُذر بِالغُسل، كما أجازوا كِتابة القرآن الكريم بِشرطِ عدم المسِّ.
أمّا الحنفيّة: فذهبوا إلى حُرمة مسِّه كُلِّه أو بعضه، أو أيِّ شيءٍ مكتوبٍ عليه شيءٌ مِن القرآن؛ كالنُّقود، أو مسِّه بشيءٍ من الثّياب؛ لأنه تبعٌ له، وأجازوا مسَّه بعودٍ أو قلمٍ، أو للصبيِّ لأجل التعلّم والحِفظ، أو كُتب التفسير بشرطِ أن يكون ما فيه من التّفسير أكثر من القُرآن الكريم، أمّا العكس فلا يجوز، وذهب الحنابلة إلى حُرمةِ مسِّهِ أيضاً ولو كان صبيّاً يقصدُ التعلّم أو الحِفظ، وأجازوا مسَّ كُتب التفسير، أو أي شيءٍ لا يُطلقُ عليه قُرآناً؛ كالنُّقود، والثّوب المكتوب عليه القُرآن الكريم، وفي حال احتاج الإنسان إلى مسِّ المُصحف عند فقده الماء فيجوزُ له التَّيمُّم.

صفة أداء الوضوء

يبدأ المُسلم وضوءهُ بالنيّة، ثُمّ يَغسل كفيِّه ثلاثَ مرات، ثُمّ يَتمضمض ويَستنشق بغَرفةٍ واحِدة، نصفُها للفم والنصف الآخر للأنفِ، ثلاثَ مراتٍ بثلاث غرفات، ثُمّ يغسل وجههُ ثلاث مرات من منابت الشعر إلى الذقنِ مع ما استرسل من لحيتِه وتخليلها، ومن الأذن للأذن عرْضاً، ثُمّ يغسل يديهِ اليُمنى ثمّ اليُسرى إلى المرفقين ثلاث مرات، ثُمّ يمسح رأسه مرّة واحدة من مُقدّمتهِ إلى قفاه وينتهي بالمسح إلى الموضع الذي بدأ منه، ثُمّ يُدخل إصبعيه السّبابة في باطن أُذنيه، ويمسح بإبهاميه ظاهرهما.

ثُمّ يغسل رجليه اليُمنى واليُسرى مع الكعب ثلاثَ مرات، مع إسباغ الوضوء، والتخليل بين الأصابع، وذلك لِما ورد عن حمران مولى عثمان -رضيَ الله عنه- أنّه رأى عثمان -رضيَ الله عنه-: (دعا بإناءٍ فأفْرَغَ علَى كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أدْخَلَ يَمِينَهُ في الإنَاءِ، فَمَضْمَضَ، واسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وجْهَهُ ثَلَاثًا، ويَدَيْهِ إلى المِرْفَقَيْنِ ثَلَاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ مَسَحَ برَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ إلى الكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قالَ: قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَن تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هذا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِما نَفْسَهُ، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ). ثُمّ يدعو بما ورد من الأدعية عن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، كقولِ: “أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوّابين، واجعلني من المتطهّرين”.

السابق
أحكام الطهارة من الحيض
التالي
ما هي سنن الوضوء

اترك تعليقاً