ديني

ما هو العفو

أنواع العفو

عفو الله عن عباده

ويكون عفوه عنهم بترك مؤاخذتهم على ذنوبهم، وعدم محاسبتهم عليها، فالله هو العفُوّ الذي يمحو سيئات عباده ويتجاوز عنها، وينال العبد عفو الله بعدة وسائل منها:

  • الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء، أي دعاء العفو. التوبة من الذنب، والندم عليه، فالتوبة من الأعمال الصالحة التي تُمحى بها السيئاتُ.
  • استغفار الله تعالى على الذنب.
  • عفو العبد عن إخوته وقبول أعذارهم رجاءً في أن يعامله الله تعالى بالمثل.
  • العفو أبلغ من المغفرة، كون المغفرة تعني ستر الله ذنب العبد صيانةً له من الفضحية، ولا يستحقّ المغفرة إلّا المؤمن، حيث تقتضي إسقاط العقوبة عن الذنب، ونيل ثواب الله، أما العفو فيعني محو السيئة وأثرها، فلا يخجل العبد منها، ولا يُلام عليها.

 

 العفو بين الناس

  • العفو خلق محبوب عند الله تعالى، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يكثر من طلب العفو من الله تعالى، فقد ورد في الحديث الشريف أنه قال: (قولي : اللهمَّ إنك عفوٌّ تحبُّ العفوَ ، فاعْفُ عنِّي)، وهو من الأخلاق التي أمر الله تعالى نبيّه بالتخلّق بها، حيث أمره بقبول أعذار الناس، والتجاوز عن جهلهم، كما أنّ العفو من صفات عباد الله المتقين المستحقين دخول الجنة، فالعفو رفعة وقوة للعبد، وليس دليلَ ذلّ أو ضعفٍ، إنّما هو مبلغ الحكماء والعقلاء، وفي العفو امتثال لأمر الله تعالى، وطلب لمغفرته ورضوانه، وتقدير العبد لضعفه ومخلوقيته، ورحمته بأخيه المسيء، وفيه تقوية للروابط الاجتماعية وتوثيق لها، ونشر الفضيلة والقيم بين الناس، فلا يملّ المسلم من التخلّق بهذا الخلق، مهما كثرت إساءة الناس وأذاهم له.

فوائد العفو

1- “في العفو رحمة بالمسيء، وتقدير لجانب ضعفه البشري، وامتثال لأمر الله، وطلب لعفوه وغفرانه” (الأخلاق الإسلامية؛ لعبد الرحمن الميداني، ص: [1/408]).

2- “في العفو توثيق للروابط الاجتماعية التي تتعرض إلى الوهن والانفصام بسبب إساءة بعضهم إلى بعض، وجناية بعضهم على بعض” (الأخلاق الإسلامية؛ لعبد الرحمن الميداني، ص: [1/408]).

3- العفو والصفح عن الآخرين سبب لنيل مرضات الله سبحانه وتعالى.

4- العفو والصفح سبب للتقوى قال تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُم} [البقرة من الآية:237].

5- العفو والصفح من صفات المتقين، قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:133-134].

6- من يعفو ويصفح عن الناس يشعر بالراحة النفسية.

7- بالعفو تُنال العِزَّة، قال صلى الله عليه وسلم: «…وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عِزًّا…» (رواه مسلم: [2588]).

8- العفو والصفح سبيل إلى الألفة والمودة بين أفراد المجتمع.

9- في العفو والصفح الطمأنينة، والسكينة، وشرف النفس.

10- بالعفو تكتسب الرفعة والمحبة عند الله وعند الناس.

أحاديث عن العفو

  • عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنها-: أنّها قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: “هلْ أتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كانَ أشَدَّ مِن يَومِ أُحُدٍ، “قالَ: لقَدْ لَقِيتُ مِن قَوْمِكِ ما لَقِيتُ، وكانَ أشَدَّ ما لَقِيتُ منهمْ يَومَ العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي علَى ابْنِ عبدِ يالِيلَ بنِ عبدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلى ما أرَدْتُ، فانْطَلَقْتُ وأنا مَهْمُومٌ علَى وجْهِي، فَلَمْ أسْتَفِقْ إلَّا وأنا بقَرْنِ الثَّعالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فإذا أنا بسَحابَةٍ قدْ أظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْرِيلُ، فَنادانِي فقالَ: إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وما رَدُّوا عَلَيْكَ، وقدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، فَنادانِي مَلَكُ الجِبالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، فقالَ، ذلكَ فِيما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ؟ فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ، لا يُشْرِكُ به شيئًا“.
  • عن ابن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ-: قال: “كَأَنِّي أنْظُرُ إلى النّبيِّ صلى الله عليه وسلم، يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأنْبِيَاءِ، ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فأدْمَوْهُ، وهو يَمْسَحُ الدَّمَ عن وجْهِهِ ويقولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فإنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ“.
  • عن عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنها-: قالت: “ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- شيئًا قَطُّ بيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبيلِ اللهِ، وَما نِيلَ منه شيءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِن صَاحِبِهِ، إلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شيءٌ مِن مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-“

مقدمة عن العفو والتسامح

ورد ذكر العفو في القرآن الكريم في مواضع عديدة حيث قال تعالى: (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) [النساء:149] وقال أيضًا: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور:22] وهذه الآيات إنما تدلّ على عِظَم مكانة من يتّصف بهذه الصفة؛ فالعفو أن يترفّع المرء عن معاقبة مَن يستحق العقوبة ويتركها مع قدرته على إيقاع العقوبة، طلبًا لمرضاة الله وعفوه وغفرانه وقربًا منه سبحانه، أمّا التسامح فهو عدم رد الإساءة بالإساءة، ويقترب معناه من العفو؛ إذ إنّ من وجوه التسامح العفو والتساهل والتجاوز، وخلوّ القلب من أي حقد أو غلّ دفين.

إنّ العفو والتسامح خُلُقان كريمان تحتاجهما النفس البشرية لتتخلّص من كل الشوائب التي قد تعلق في القلب من أثر الأذى، وكذلك لينعم الأفراد بالخير والحب وانشراح الصدر، وهما إنّما يتحقّقان بطولِ صبرٍ وكظمٍ للغيظ واحتساب الأجر عند الله سبحانه وتعالى، ولا ريب أنّ تغليب العفو والتسامح على العقاب ينجّي الأفراد من المنازعات الحادة التي قد تنشأ بينهم، إلّا إذا تمادى أصحاب الأذى مع كثرة العفو وتكرّر ظلمهم وإساءتهم؛ فَعَلى المسلم أن يكون فَطِنًا يَقدُر للأمور قدرها فيكون الإصلاح في هذه الحالة أولى من العفو والتسامح لدفع الضرر الحاصل

العفو من الله

كيف ننال عفو الله عنا، فوسائله كثيرة، منها:

1. الدعاء؛ بدعاء العفو كما في حديث عائشة رضي الله عنها.

2. سرعة الاستغفار والندم بعد الذنب، وعدم الانتظار فلعله أورث النسيان، ففي حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إِن صاحب الشِّمال ليرفع القلم سِتَّ ساعات عن العبد المسلم المخطئ أو المسيء، فإِن ندم واستغفر الله منها ألقاها، وإلا كُتِبت واحدة» (صحيح الجامع [2097]، خلاصة حكم المحدث (الألباني): حسن). وهذا بخلاف الحسنة التي يكتبها ملك الحسنات على الفور، ويكتبها عشرًا لا واحدة، ذلك تخفيفٌ من ربكم ورحمة.

3. التوبة الصادقة، والتوبة عمل صالح يمحو العمل السيئ: «وأتبع السيئة الحسنة تمحُها» (صيح الترمذي [1987]، خلاصة حمن المحدث(الألباني): حسن).

4. العفو عن المسيء وقبول عذر المعتذر؛ وذلك رجاء أن يعاملنا الله بالمثل، كما فعل أبو بكر الصديق مع مسطح بن أثاثة بعد أن وقع في عِرض ابنته عائشة، فحين أنزل الله: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور من الآية:22]، فهمها أبو بكر وعمل بها على الفور فقال: “بلى، والله إني لأحب ان يغفر الله لي”، ثم عفا عن مسطح.

معنى كلمة العفو

عدمُ حِفْظ ذَنْب لفلان وعدمُ مُعاقبتهِ عليه، مُسامحتُه به.
“نال عَفْوًا”

العفو عند المقدرة

العفو قبل أن يكون من أخلاق المسلمين، فهو من شيم العرب التي تعارفوا عليها قبل الإسلام وبعده، والعفو خير كله، والعافي أجره عند الله عظيم؛ لذلك كان من أعظم الخصال التي ينبغي أن يتحلى المسلمون خصوصًا في شهر رمضان الكريم.. لذلك فإن الخلق بحاجة إلى التسامح والعفو حاجتهم إلى الطعام والشراب إذ الثاني قوام البدن والأول قوام الروح وقد زكى الله النفس بالبلاء وأعطاها فسحة بالعفو وغشاها بالرحمة.. قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].

فالعفو من الأخلاق الجميلة، والصفات الحميدة التي أمر الله بها نبيه وعباده المؤمنين، قَالَ تَعَالَى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين ﴾ [الأعراف: 199]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ ﴾ [آل 159]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم ﴾ [النور: 22].

قال ابن كثير في قَولِهِ تَعَالَى: “﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ﴾، هذه الآية نزلت في الصِّدِّيق رضي اللهُ عنه: حين حلف أن لا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة، بعدما قال في عائشة، فلما أنزل الله براءة أم المؤمنين عائشة رضي اللهُ عنها، وطابت النفوس المؤمنة واستقرت وتاب الله على من تكلم من المؤمنين في ذلك، وأقيم الحد على من أقيم عليه شرع تبارك وتعالى، وله الفضل والمنة يعطف الصِّدِّيق على قريبه ونسيبه وهو مسطح بن أثاثة ابن خالة الصِّدِّيق وكان مسكينًا لا مال له، وقد ولق ولقة تاب الله عليه منها، وضرب الحد عليها، وكان الصِّدِّيق رضي اللهُ عنه معروفًا بالمعروف، له الفضل والأيادي على الأقارب، والأجانب، فلما نزلت هذه الآية إلى قوله: ﴿ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم ﴾ أي: كان الجزاء من جنس العمل، فكما تغفر [ذنب من أذنب] إليك نغفر لك، وكما تصفح نصفح عنك، فعند ذلك قَالَ الصِّدِّيقُ: بَلَى وَاللهِ إِنَّا نُحِبُّ أَن تَغفِرَ لَنَا يَا رَبَّنَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ مَا كَانَ يَصِلُهُ مِنَ النَّفَقَةِ، وَقَالَ: وَاللهِ لَا أَنزِعُهَا مِنهُ أَبَدًا فِي مُقَابَلَةِ مَا كَانَ، قَالَ: وَاللهِ لَا أَنفَعُهُ بِنَافِعَةٍ أَبَدًا. فَلِهَذَا كَانَ الصِّدِّيقُ هُوَ الصِّدِّيقُ رضي اللهُ عنه”.

وروى البخاري في صحيحه مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما قَالَ: “دَخَلَ عُيَينَةُ بنُ حِصنٍ عَلَى عُمَرَ ابنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ: هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فَوَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ، وَلَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين ﴾ [الأعراف: 199]، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ، وَاللهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ”.

قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين ﴾ [آل عمران: 133 – 134].

روى مسلم في صحيحه مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: “مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ“.

وَكَانَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم أكثر الناس عفوًا وتسامحًا، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِن حَدِيثِ جَابِرٍ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: “إِنَّ رَجُلًا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ فَأَخَذَ السَّيْفَ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي فَلَمْ أَشْعُرْ إِلَّا وَالسَّيْفُ صَلْتًا فِي يَدِهِ، فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ، قَالَ: فَشَامَ السَّيْفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم“. وفي رواية: ثُمَّ لَم يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم.

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم لِزُعَمَاءِ قُرَيشٍ الَّذِينَ آذَوْهُ، وَقَتَلُوا أَصحَابَهُ، وَأَخرَجُوهُ مِن بَلَدِهِ: “اذهَبُوا فَأَنتُمُ الطُّلَقَاءُ”.

وفي مسند الإمام أحمد مِن حَدِيثِ أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رضي اللهُ عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قُتِلَ مِنَ الْأَنْصَارِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا، وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَئِنْ كَانَ لَنَا يَوْمٌ مِثْلُ هَذَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، لَنُرْبِيَنَّ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ قَالَ رَجُلٌ لاَ يُعْرَفُ: لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَمِنَ الَأسْوَدُ وَالْأَبْيَضُ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا، نَاسًا سَمَّاهُمْ، فَأَنْزَلَ الله تبارك وتعالى: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرين ﴾ [النحل: 126]، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ” نَصْبِرُ وَلَا نُعَاقِبُ”.

والعفو من صفاته صلى اللهُ عليه وسلم التي وصف بها في التوراة، روى البخاري في صحيحه مِن حَدِيثِ عَبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العَاصِ رضي اللهُ عنهما: أَنَّ عَطَاءَ بنَ يَسَارٍ سَأَلَهُ أَن يُخبِرَهُ عَن صِفَةِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فِي التَّورَاةِ؟ قَالَ: أَجَلْ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا، وَمُبَشِّرًا، وَنَذِيرًا، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ، وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ”.
 
والعفو من صفات الأنبياء السابقين، قال تعالى عن يوسف عليه السلام وهو يخاطب إخوته: ﴿ قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين ﴾ [يوسف: 92].

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِن حَدِيثِ ابنِ مَسعُودٍ رضي اللهُ عنه قَالَ: “كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ”.

قصص عن العفو عن الناس

يحكى أن أحد الأمراء قبض على مجموعة من الأسرى، ولما أراد أن يقتلهم نظر إليه أحد الأسرى، وطلب منه أن يطعمهم ويسقيهم قبل أن يقتلهم، فأحضر لهم الأمير الطعام والشراب، فأكلوا وشربوا وشبعوا ثم قال أحدهم له :أيها الأمير – أطال الله بقاءك – إننا كنا أسراك والآن صرنا ضيوفك، فانظر كيف تفعل بضيوفك ؟ عند ذلك قال لهم الأمير : قد عفوت عنكم .

وهكذا يكون المسلم حتى مع الأعداء إذا كان في موضع قوة، وهم في موضع ضعف

 

غضب هارون الرشيد على رجل فهمَّ بعقابه فقال له الرجل : يا أمير المؤمنين، أسألك بالذي هو أقدر على عقابك منك على عقابي. فعفا عنه الرشيد .

وقال أبو الدرداء لرجل أسمعه كلاما أغضبه : يا هذا، لا تغرقن في سبي، فإنا لا نكافيء من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه .

وغضب أمير المؤمنين هارون الرشيد على رجل كان يدعى حميد الطوسي، فدعا له بالسياف ليقتله، فبكى حميد وأخذ يعتذر ثم قال له : مولاي، لا أبكي خوفا من الموت، إنما أبكي لأنني سأموت وأنت غاضب علي، فضحك أمير المؤمنين هارون، وقبل عذره، وعفا عنه، ثم قال للرجل : إن الكريم إذا خادعته انخدع .

السابق
أفضل الطرق الطبيعية لتبييض الأسنان
التالي
التخلص من الاسمرار حول الفم

اترك تعليقاً