قصص

قصة مملكة سبأ

قصة مملكة سبأ

قصة الملكة بلقيس مختصرة

كانت الملكة بلقيس ملكة على سبإٍ من أهل اليمن في زمن نبوة سليمان -عليه السلام- وقد ذكر القرآن الكريم قصتها مع نبي الله سليمان -عليه السلام- كما وصفها بالمرأة العاقلة الحكيمة، وكانت بداية القصة حينما بدأ سليمان -عليه السلام- بتفقد الجيش فلم ير الهدهد في مكانه، فغضب وقرر معاقبته بالتعذيب أو القتل أو أن يأتي بعذرٍ يبرر غيابه، وبعد برهةٍ جاء الهدهد يحمل لسليمان -عليه السلام- نبأ القوم الكافرين العابدين للشمس من دون الله وهم قوم سبأ والمرأة التي تحكمهم. فأرسل سليمان -عليه السلام- رسالةً إليهم ألقاها الهدهد في حِجر الملكة بلقيس يطلب منها الانصياع لله تعالى وترك عبادة الشمس، فاستشارت الملكة رجال مملكتها من أهل الرأي والثقة، وكان لديهم جميع أسباب القوة من المال والرجال والعتاد لكنها فضلت التعامل بأسلوبٍ ديبلوماسيٍّ مع الموقف كونها لم تكنْ تعرف الكثير عن سليمان -عليه السلام- ومقدار قوته العسكرية والاقتصادية، فقررت إرسال هديةٍ إليه، فرد عليهم هديتهم وتوعدهم بالغزو بجيشٍ عظيمٍ، فعاد رُسل الملكة إليها ناقلين لها مدى قوة سليمان -عليه السلام- وأنّه ينبغي عليها التوجه له بنفسها طالبةً رضاه كي يكف بأسه عنهم، فانطلقت بلقيس نحوه، فطلب سليمان -عليه السلام- من جنده إحضار عرش بلقيس قبل أن تصل إليه إمعانًا في إبهارها بقوته وقدرته الفائقة، فكان العرش عنده في لمحة عينٍ وطلب من جنده أن يغيروا لها في مظهر عرشها قليلًا ففعلوا، ثم أمر ببناء قصرٍ أرضيته من الزجاج على سطح الماء. وعندما وصلت الملكة بلقيس اصطحبَها سليمان -عليه السلام- ليُريَها عرشها بعد التغيير فوقفت حائرةً ما بين مظهر عرشها وكيف وصل إلى هذا المكان وبين إمكانيّة تقليد عرشها بهذه الدقة المتناهية فكلا الخياريْن مستحيلٌ بالنسبة إليها؛ لذلك عندما سألها سليمان -عليه السلام-:”فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ”، ثمّ دخلت القصر ذي الأرضية الزجاجية شديدة الشفافية لدرجة ألا يُرى فاعتقدت أنها تمشي على الماء ورفعت طرف ثوبها كي لا يبتلّ فأخبرها سليمان -عليه السلام- دون أن ينظر إلى أن الأرض مصنوعةٌ من الزجاج الشفاف والماء أسفل منها، عندئذٍ أعلنت بلقيس إسلامها وأسلم معها قومها.

قصة سبأ – موضوع

كان نبيّ الله سليمان عليه السلام يحدّث الهدهد فأخبره الهدهد عن ملكة سبأ كما ذكر على لسان الهدهد في سورة النمل، قال تعالى: ﴿ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴾صدق الله العظيم، فدأب النبيّ سليمان والذي كان نبيّ بني إسرائيل على العمل على هداية ملكة سبأ وشعبها بما آتاه الله من معجزات وممّا سخر له من الريح والطير والحيوان حتى أسلمت على يديه ملكة سبأ وقومها جميعهم بدين سليمان؛ الدين الحق

بسطت مملكة سبأ نفوذها في منطقة اليمن القديم في الفترة ما بين 1200 قبل الميلاد وحتى عام 275م، وهي إحدى الممالك العربية القديمة الفيدراليّة، وكانت تضم كل من مملكة معين ومملكة قتبان ومملكة حضرموت، وبرزت هذه المملكة بشكل واضح في القرنين العاشر والتاسع قبل الميلاد، وتُعتبر من أكثر القبائل قوّة في منطقة اليمن القديم، وتمتّعت هذه المملكة بنظام سياسيّ فيدرالي، وأسست مستعمرات لها بالقرب من المناطق العراقيّة والفلسطينيّة. اشتهرت مملكة سبأ وشعبها أيضاً بالثراء الفاحش، وانعكس ذلك بما أظهرته الأدبيات الكلاسيكيّة التي تعود أصولها إلى اليونانيّة والبيزنطيّة والعبرية والعربيّة، وتمركزت الأهمية الكبرى لشعوب مملكة سبأ في المنطقة المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط، إذ كانت تعدّ ممراً تجارياً ومركزاً لتسيير القوافل التجارية التي تنقل بعض الصادرات كالبخور والتوابل العطريّة، وجاء ذكر مملكة سبأ في الكتب السماويّة جميعها، إذ جاء ذكرها في القرآن الكريم في قصة زيارة ملكة سبأ إلى نبي الله سليمان عليه السلام.

نظام الحكم

شهدت مملكة سبأ عدة أنواع من أنظمة الحكم التي سادتها في فترة قيامها، وكان أولها الحكم العشائريّ إذ حكم الكهنة المنطقة، ثم انتقل شكل نظام الحكم إلى ملكي حيث تم تأسيس المملكة على يد كربئيل وتر بعد أن زعم بتلقيه أمراً إلهيّاً من الآلهة التي كانوا يعبدونها في تلك الفترة بشن الغزوات وسيطرت خلالها المملكة الحديثة النشأة على مصادر البخور واللبان، وبسطت نفوذها على المنطقة المطلة على أثيوبيا، ثم انتقل نظام الحكم ليصبح فدراليّاً.

الفن والعمارة

اشتهرت المدن اليمنيّة القديمة ببنائها بشكل مستطيل، وتُعتبر من أكبر المدن اليمينة القديمة مدينة هجر، كما امتازت المدن بإحاطتها بالأسوار وقيام أبراج أربعة في كل مدينة، كما أنها تقفل وتفتح مع غياب وشروق الشمس بواسطة أبواب متقابلة فيها. استعان السبأيون بالرخام في بناء الأعمدة في القصور، وكما صقلوا الصخور، وتنتشر الزخرفة على جدران المنازل ذات الدلالات الدينيّة، وكما تم العثور على أثار زيتيّة تم استخدامها في التخفيف من حدة الرطوبة ومنع تسرب المياه إلى داخل البيوت من خلال طلاء فجوات الحجارة بها.

الاقتصاد

ارتبط اقتصاد مملكة سبأ ارتباطاً وثيقاً بالنشاط الزراعيّ، ثم بالتجارة، وسجل السبئيّون القوانين الخاصة بالزراعة والتجارة، وما يتعلق بها من أمور على صخور كبيرة الحجم، وإذا كانت ذات علاقة بالتجارة فإنّها تُعلّق على مداخل الأسواق، أمّا إذا ارتبطت بالضرائب والمزروعات فإنها توضع في المعابد. وحظي الجانب الزراعيّ بالاهتمام البالغ في عهد مملكة سبأ، فاستعاضوا عن فقر منطقتهم للماء ببناء مستعمرات تمتد على طول الطريق التجاري، وكما تحظى اليمن بهطول مطري أكثر من أي منطقة أخرى من مناطق شبه الجزيرة العربيّة، فاستغلوا ذلك ببناء السدود وتجميع مياه الأمطار والسيول ليتم توجيهها إلى المناطق الزراعيّة، ومن أشهر وأقدم هذه السدود سد مأرب، إذ كان يزوّد أكثر من ثمانية وتسعين ألف كيلومتر مربع بالماء.

قصة الملكة بلقيس مع سيدنا سليمان

كان سليمان (عليه السلام) إذا جلس على كرسيه، جاءت الجن والملائكة، والإنس فاصطفوا حواليه، على كراسي معدّة لهم.

وجاءت جميع الطير التي سخّرها الله لسليمان، فاصطفت على رؤوس الجميع، لتظللهم من الشمس، وكان لكل طائر مكان مقرّر له، فإذا أشرقت أشعة الشمس على موضع من البساط نظر الحاضرون إلى الكوة، فعرفوا أي الطيور تخلّف عن وظيفته.

وكان الهدهد ـ وهو طائر جميل، من خواصّه أنه ينظر إلى الماء في باطن الأرض ـ من جملة الطيور لتضلّل الجمع في الصافات على مجلس سليمان.

(و) ذات مرّة نظر سليمان، وإذا بالشمس تخرق صفّ الطير، وتقع أشعة منها على حجر سليمان فـ(تفقّد الطير) طلبها وتعرّف إليها، ليرى أي الطير غاب عن صفه، حتى أرسلت الشمس بريدها إلى المجلس.. وإذا بسليمان يرى أن الهدهد هو الغائب (فقال مالي لا أرى الهدهد)؟ أي ما للهدهد لا أراه؟ هل حدث له حدث، (أم كان من الغائبين)؟

وكيف يغيب الهدهد، بلا إذن؟ وهل يجوز لأحد الجند ـ طيراً كان أو غيره ـ أن يترك وظيفته ليذهب حيت يشاء؟

غضب سليمان من هذا الحادث، وحلف قائلاً (لأعذِّبنَّه عذاباً شديداً) بنتف ريشه (أو لأذبحنّه) حتى يكون ذلك ردعاً لغيره من الجنود، وجزاءً على مخالفته الأمر، وهذا التعذيب أو الذبح يكون إذا لم يأتني الهدهد بعذر واضح (أو ليأتينّني بسلطانٍ) أي عذر لغيبته (مبينٍ) واضح لا يقبل الشك والإنكار.

لقد غضب سليمان على الهدهد لتركه وظيفته بدون استئذان ونوى عقوبته (فمكث) سليمان مكوثاً (غير بعيد) وما هي إلا فترة قصيرة، حتى رأى الهدهد راجعاً.

سأل سليمان الهدهد: أين كنت؟ ولماذا غبت؟ وما هي الحجة والعذر في تركك الوظيفة بدون استئذان؟

(فقال) الهدهد يا نبي الله لا تعجّل علي بالعقوبة، فقد ذهبت استطلع لأجلك وإذا بي (أحطت) واطّلعت (بما لم تحط) ولم تطلّع (به) أنت (وجئتك من سبأ) وهي أرض في اليمن (بنبأ) أي خبر (يقين) فليس الكلام كذباً وإنما كلامٌ صادق.

وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (أن سبأ كان اسم رجل ولد له عشر أولاد، وصاروا آباء قبائل، نحا نحو الشام منهم أربعة، وهم: لخم، وجذام، وغسّان، وعاملة. ونحا نحو اليمن منهم ستةٌ، وهم: كندة، والأشعرون، والأزد، وحمير، ومذحج، وإنمار: ومن انمار صارت: خثعم، وبجيلة)(1).

فسمّى تلك البلدة، باسم أبي هؤلاء الأولاد: رؤوس القبائل العربية.

 

قال سليمان للهدهد: وما هو النبأ الذي يكون عذراً لك في غيبتك؟

قال الهدهد: (إني وجدت) هناك مملكة عظيمة، وأناساً كثيرين، ووجدت (امرأة تملكهم) فملكهم امرأة، وهذا أمر غريب، فهل تصلح المرأة لإدارة الأمور؟

أليست المرأة خلقت عاطفيّة لإدارة البيت؟ وهل يمكن الجمع بين العاطفة التي تجيش بسرعة، وتخبو بسرعة، وبين الإدارة التي تحتاج إلى صلابة نفس وقوّة روح، وعدم تمايل عن الحق مهما تغلّبت العاطفة؟

(وأوتيت) تلك المرأة الملكة (من كل شيء) فقد أعطاها الله سبحانه أموالاً، وجيوشاً وقصوراً، وبساتين، وسائر ما هو لازم للبلاد.

وكان من قصّة الملكة، أن أباها كان ملكاً، ثم مات فاجتمع الوزراء والقواد على تتويجها، لتكون ملكاً رمزياً، وكان الذين يديرون البلاد هم كبار رجال الدولة.

وقد كان اسم هذه الملكة (بلقيس).

ثم قال الهدهد لسليمان (عليه السلام): (ولها عرش عظيم) وقد ورد في وصف عرشها أن مقدّمه كان من ذهب مرصّع بالياقوت الأحمر، والزمرّد الأخضر، ومؤخره من فضة، مكلّلة بألوان الجواهر وعليه سبعة أبيات، لكل بيت باب مغلق.. هناك تجلس الملكة لتحكم البلاد.

هكذا كانت الملكة (أوتيت من كلّ شيء ولها عرشٌ عظيم) أمّا كيف كان حال الشعب فذلك مما لم ينقل إلينا، لكن الطابع العام في الحكومات الكافرة غالباً، الاعتداء والظلم والاستبداد إما من الملك، أو من طبقة الأشراف والنبلاء المحيطين به.

 

لقد حكى الهدهد لسليمان ما رآه عن الملكة وعرشها.

لكن بقي شيء، وهو ما هو دين الملكة ودين قومها؟ لقد قال الهدهد (وجدتها وقومها يعبدون الشمس من دون الله) فهم عوض أن يعبدوا الخالق الذي أعطاهم كل شيء، يعبدون الشمس (وزيّن لهم الشيطان أعمالهم) هل أراد الهدهد بهذا تأكيد الكلام السابق بأن أراد بأعمالهم عبادتهم للشمس، أو أراد أنهم كانوا مغمورين في الفسق والفجور؟ ـ كل ذلك محتمل ـ ولعل الأقرب إرادة المعنى الثاني، فإنّ الغالب في الكفار تفشّي المنكرات والآثام والإجرام فيهم.

وكيفما كان، فقد أتم الهدهد كلامه قائلاً: (فصدّهم) الشيطان (عن السبيل) الواضح، الذي هو طريق الله سبحانه (فهم لا يهتدون) إلى الحق في العقيدة والعمل.

(ألاّ يسجدوا) الملكة وقومها (لله الذي يخرج الخبءَ في السماوات والأرض) إن الله سبحانه هو الذي أخرج النعم المخفية الموجودة في السماوات والأرض، فهو مخرج الشمس والقمر والنجوم، والسحاب والمطر، وما إليها مما يكون مخفياً في السماوات، يخرجها لينفع البشر.. وهو سبحانه الذي أخرج المياه والكنوز والأثمار وغيرها من جوف الأرض لينفع الإنسان.. إن الملكة وقومها لم يكونوا يسجدون لهذا الإله العظيم (و) هو الذي (يعلم ما تخفون وما تعلنون) أيتها الملكة وأيها القوم فهو المعطي وهو العالم.

(الله لا اله إلا هو رب العرش) الملك (العظيم) الذي هو أعظم من عرش بلقيس.. هكذا أخبر الهدهد سليمان (عليه السلام) معتذراً من غيبته.

 

لما سمع سليمان (عليه السلام) الخبر المدهش من الهدهد تريّث في الأمر، قائلاً (سننظر أصدقت) في خبرك (أم كنت من الكاذبين)؟ فإن صدقت فأنت معذور في غيبتك وإلا استحققت عقابين: عقاب الغيبة بدون إذن، وعقاب الكذب.

ثم إن سليمان (عليه السلام) كتب كتاباً، وختمه بخاتمه، وأعطاه إلى (الهدهد) ليذهب به إلى الملكة، إنه كتاب دعوة إلى الإسلام والإيمان، فهل تقبل الملكة والقوم الإيمان بالله حتى يكونوا في أمن وسلام، أم يختارون العناد والإصرار حتى تجوز لهم العقوبة؟

دفع سليمان (عليه السلام)، الكتاب إلى الهدهد، قائلاً: (اذهب بكتابي هذا فألقه) يا هدهد (إليهم) إلى الملكة وقومها (ثمّ تولّ) ابتعد (عنهم) لتكون في موضع تسمع كلامهم، ولا يرونك (فانظر) يا هدهد (ماذا يرجعون) أي يرجع بعضهم إلى بعض الكلام حول الكتاب وقد أراد سليمان (عليه السلام) أن يتخذ التدابير اللازمة على ضوء جواب بعضهم لبعض.

مضى الهدهد بالكتاب، حتى وصل إلى سبأ وإذا الملكة مع وزرائها في المجلس، فألقى الكتاب إلى الملكة، وإذا بها تدهش، وتفتح الكتاب فتقرأ محتواه..

وهنا توجّهت إلى وزرائها وأشراف قومها (قالت يا أيها الملأ) الأشراف (إني ألقي إلي كتابٌ كريم) يتبين من محتواه، ومرسله أن الكتاب ذو كرامة ورفعة (إنه) أي الكتاب (من سليمان)، النبي ملك الإنس والجن والملك والحيوان (وإنه) مقرونٌ (باسم الله الرحمن الرحيم) لا باسم الشمس التي نعبدها.. أما محتوى الكتاب فهو (ألاّ تعلوا عليّ) أي لا تتكبّروا علي بعد الانصياع إلى أوامري (وائتوني) لتأتي الملكة والأشراف (مسلمين) هذا ما كان في الكتاب، وهكذا قرأته بلقيس على قومها.

 

من الطبيعي أن يعلو الوجوم جميع من في المجلس، إنه موقفٌ رهيب أن يدعو ملك أقوى، ملكاً أضعف إلى الاستسلام والانقياد فما الجواب؟ وما هو الموقف؟ وكيف التفكير؟

ولذا تحيّرت الملكة في الجواب و(قالت) موجهةً الخطاب إلى الأشراف: (يا أيها الملأ أفتوني) أشيروا علي (في أمري) هذا، بماذا ينبغي أن أجيب؟ وما هو الأصلح بحالنا، الخصام أو الاستسلام (ما كنت قاطعة أمراً) أمضي فيه برأيي وأقرّر التقرير النهائي وحدي (حتى تشهدون) تحضرون أنتم وتعطون آراءكم حول الموضوع.

فانبرى القوم لجواب الملكة (قالوا نحن أولو قوة) أصحاب قوة وقدرة وعَددٍ وعُددٍ (وأولو بأس شديد) شجاعة شديدة، ومراس في الحرب.. هذا ما عندنا (و) لكن (الأمر إليك) أيتها الملكة (فانظري) في الأمر (ماذا تأمرين) فنحن مطيعون لأمرك.

تفكّرت الملكة في الأمر مليّا، فهل ترفع اليد عن دينها وتُسلم، أو ترفع اليد عن ملكها وتحارب حرباً يائسة؟ إنها تعلم بقوة سليمان وقدرته، ولذا (قالت) في جواب القوم ـ حيث ألقوا المسؤولية على عاتقها ـ : (إن الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها) فإنهم يقتلون أبناءها ويهدمون أبنيتها ـ كما هي الطبيعة في الحروب ـ (وجعلوا أعزّة أهلها أذلّة) يأتون إلى الحكم بأناس جدد، ويحاسبون السلطة السابقة عما كانت تعمل.

(وكذلك) كما قالت الملكة (يفعلون) الملوك الذين يدخلون البلاد حرباً، وعنوةً.. إذ ليس من الرأي المحادثة مع سليمان..

 

ليس من الصالح الحرب مع سليمان، لكن هل الطريق منحصرٌ في الاستسلام.

كلا؟ إن هناك حلاً وسطاً للقضية ـ لو نفعت الحلول ـ وما هي أيتها الملكة؟ إنها المجاملة والمصانعة ليلين قلب (سليمان) وليعطف نحوهم، فيتركهم وشأنهم: (وإني مرسلة إليهم بهدية) ومن شأن الهدايا تليين الخصومات والخصوم (فناظرة بم يرجع المرسلون) الذين أرسلهم مع الهدية، فهل يرجعون ببشارة قبول سليمان الهدية وإغضائه عن المخاصمة، أم يرجعون برد الهدية، حتى نرى في الأمر؟

هكذا قرّرت الملكة، ووافق الوزراء على التقرير، وما أجمله من حلّ ـ إن أفاد ـ؟ فأرسلت الملكة هديّة ثمينة ـ ربّما تبالغ القصص في مزاياها وخصوصيّاتها ـ لكنها على كل حال، كانت ثمينة، تليق بمقام المرسلة، وبمكانة المرسل إليه، ونوعيّة العطف المترقب من ورائها.

(فلمّا جاء) المرسل بالهدية القيمة (سليمان) استنكر سليمان الأمر، وذوي عنهم، إنه نبي لا يريد إلا هداية البشر، فكيف يترك أمّة كبيرة تتحكّم فيها الخرافات فتعبد الشمس من دون الله؟

(قال) مستنكراً: (أتمدّونني بمالٍ) أي أتزوّدونني بمال الدنيا؟ إني لا أحتاج إلى المال (فما آتاني الله خيرٌ مما آتاكم) فإني أملك الملكين: الملك الدنيوي والملك الإلهي ـ بفضل الله تعالى ـ .

(بل أنتم) يا أهل الدنيا (بهديّتكم) أي بإهداء بعضكم لبعض الهدايا (تفرحون) أما أنبياء الله وأهل الآخرة، فإن فرحتهم تابعة لمرضاة الله تعالى فإن رضي عنهم فإنهم يفرحون، وإلا فلا فرح له فيما سوى ذلك.

عرش بلقيس ملكة سبأ

تبدأ قصة عرش بلقيس مع النبيّ سليمان عندما بعث -عليه السلام- الهدهد في مهمّةٍ عظيمة من بلاد الشام إلى اليمن وهي البحث عن الماء، ولمّا ذهب الهدهد في رحلته وصل إلى مملكة سبأ وشاهد عرش بلقيس وما عليه من الغنى والترف، ولاحظ أنّ أهل مملكة سبأ يعبدون الشمس ويقدمون لها القرابين، فعاد مُسرعًا إلى سليمان -عليه السلام- ليخبره بما رآه، وقد ورد ذكر هذا في قوله -جلّ وعلا- {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ}، فما كان من سليمان -عليه السلام- إلّا أن أرسل لها بأن تأتي وتخضع لملكه وتؤمن بالله الواحد وتكون من المسلمين.فذهب الهدهد بكتاب سليمان وألقاه على بلقيس، ومن رجاحة عقلها استفتت وزراءها وأخبرتهم بأمر هذا الكتاب وطلبت مشورتهم، وممّا ذُكر في سورة النمل في بيان قصة بلقيس قوله -تعالى-: {قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ * قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ * قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}، وقد ظهرت حكمتها في أنّها اختارت التودد والسلم مع أنّ الوزراء أشاروا عليها باتخاذ سبيل الحرب، لكنّ سليمان استنكر فعلتها وغضب من تصرفها لأنّ غايته لم تكن المال ولا الملك بل كانت دعوتها للإسلام والهداية، فردّ هديتها وأخبر رسولها بأنّه إن لم تأتيه بلقيس وأهلها مسلمين سوف يغزوهم. ولمّا علمت بلقيس بما قاله سليمان -عليه السلام- وأيقنت مدى قوته جمعت جنودها وحرسها واتجهت إلى الشام قاصدةً مملكة سليمان -عليه السلام-، فأوحى الله -تعالى- لسليمان بأنّ بلقيس وجنودها قد أتوك مسلمين، فأراد أنّ يثبت لها ولقومها نبوّته وقوته وملكه، فأرسل إلى الجن والأنس وجمعهم وقال لهم من يأتيني بعرش بلقيس قبل أن تصل هي إليّ فأجابه أحد الحاضرين ممن كان له علمٌ بكتاب الله بأنّه سيأتيه به قبل أن يرتد له طرفه، وبالفعل أحضر عرش بلقيس كاملًا لم ينقصه شيء في طرفة عين.ولمّا وصلت بلقيس وجنودها تفاجأوا بوجود عرش بلقيس عند سليمان، إلّا أنّ سليمان -عليه السلام- غيّر في ملامح عرش بلقيس ليرى مدى ذكاءها وقوة انتباهها، فقد جعل عرشها فوق زجاجٍ تحته ماء، فلمّا رأت بلقيس عرشها صعدت إليه وشمّرت عن ساقيها ظنًّا منها أنّه على سطح الماء، ولما سألها سليمان أعرشك هكذا؟ أجابت كأنّه هو، وقد قال -تعالى- {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ * فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ * وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ * قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وفي هذه الآية بيانٌ على أنّ ذكاء بلقيس وفطنتها كان سببًا في إسلامها واتباعها سبيل الرشاد ودين الله.

بلقيس ملكة سبأ أحد أبويها من الجن

يقول الله تعالى على لسان هدهد سليمان (وجئتُك من سبأ بنبإٍ يقين . إني وجدتُ امرأةً تملكهُمْ وأُوتيتْ مِنْ كلِّ شيءٍ ولها عَرْشٌ عَظيم) (سورة النمل : 22، 23) .

يقول القرطبي في تفسيره لهذه الآية: المرأة هي بلقيس بنت شراحيل.

ثم قال : ويُروى أن أحد أبويها كان من الجن . قال ابن العربي : وهذا أمر تُنكره المُلحدة ويقولون : الجن لا يأكلون ولا يلدون، كذبوا، فذلك صحيح ونكاحهم جائز عقلاً، فإن صح نقلاً فبها ونعمت .

وذكر القرطبي حديث مسلم في أنهم يأكلون، عندما قدم وفد من الجن على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال :  “لكم كلُّ عظمٍ ذُكرَ اسم الله عليه يقع أيديكم أوفر ما يكون لحمًا” ، كما جاء في البخاري أن العظم من طعام الجن.

كما قال القرطبي إن نكاحهم مذكور عند تفسير قوله تعالى في سورة الإسراء: (وشارِكْهُمْ في الأموالِ والأولادِ) .

وقال القرطبي، كانت أم بلقيس من الجن يقال لها “بلعمة بنت سيصان” ، وذكر نسبها إلى سام بن نوح ، وأن أباها واسمه “السرح” تكبَّر على الملوك ، ولم يتزوج منهم فزوَّجوه امرأة من الجن يقال لها “ريحانة بنت السكن” ، فولدت له “بلقمة” وهي بلقيس .

وذكر عن أبي هريرة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ” كانأحد أبوي بلقيس جنيًا “، وهو حديث منكر ، ولما مات أبوها تملك رجل فاجر فتزوجته بلقيس وقتلته وهو سكران فنصَّبوها ملِكة عليهم ، وذكر كلامًا آخر يؤكد أن أباها تزوَّج جِنيَّة ولدتها .

ثم قال إن الماوردي قال : والقول بأن أم بلقيس جِنيَّة مُستنكَر من العقول لتباين الجنسين واختلاف الطبيعتين … ويستحيل التناسل مع هذا الاختلاف، وقال القرطبي إن التزاوج لا يحيله العقل مع ما جاء في الخبر وأشار إلى أدلة ذلك من أرادها فليراجعه ا.
هذا بعض ما قيل، ولا يضرنا الجهل به.

 

مملكة سبأ PDF

https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A9-%D8%A8%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%B7%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%85%D8%B2-pdf

خريطة مملكة سبأ

الملكة بلقيس الحقيقية

كانت ملكة مملكة سبأ الوارد ذكرها في الكتاب المقدس والقرآن. وفدت الملكة غير المُسمَّاة في النصوص الدينية على الملك سليمان، وفصَّلَ رجال الدين والمفسرون والإخباريون في تفاصيل ذلك اللقاء حتى غدت شخصية هذه الملكة مادة خصبة للكتب القصص والروايات، وتعدّ هذه المرأة مصدر فخر واعتزاز لليمنيين، والإثيوبيين.

كان هناك خلاف بين الباحثين حول موقع مملكة هذه الملكة وادّعت شعوب كثيرة أنها موطن هذه الملكة؛ أثبتت الأبحاث الأثرية الحديثة بما لا يدع مجالاً للشك أن موطن مملكة سبأ كان باليمن وإن لم يُعثر لهذه الملكة بحد ذاتها على أثر. في نفس الوقت، لا ينفي علماء الآثار وجودها، وإن كان بعضهم يعتقد أنها أسطورة يمنية قديمة وجدت طريقها إلى العهد القديم لوجود تماثيل عديدةٍ لنساء في معبد بران أو “محرم بلقيس” كما يُسمِّيه اليمنيون، واعتقادهم – كونها ذكرت في العهد القديم والقرآن – أنه لا بد أن يكون للقصة سند آثاريٌّ في مكان ما

السابق
طريقة عمل الكبة السورية
التالي
حيوان السمور

اترك تعليقاً