احكام الشريعة الإسلامية

كيفية الخشوع في الصلاة

موضوع عن الخشوع في الصلاة

معنى الخشوع

يُعرَّف الخشوع في اللغة، والاصطلاح الشرعيّ على النحو الآتي:

  • الخشوع لغةً: هو الخُضوعُ، والسُّكونُ، والتذلُّلُ، والفعل منه: خَشَعَ؛ يُقال: خشَع الشخصُ لربّه: أي خضع واستكان، وتضرّع، وتذلّل، والخُشوعُ يمكن أن يكون في البدن، أو الصوت، أو البصر.
  • الخشوع شرعاً: هو تحقُّق تذلُّل القلب، وخضوعه، وانكساره لله -سبحانه-، ومن ذلك قول الله -تعالى-: (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ)،[٢] والخشوع في الصلاة: أن يتفاعل المصلّي مع ما يقرؤه ويتلوه ويؤدّيه في الصلاة، فيشعر أنه في صلة مع الله -عز وجل- أثناء صلاته،[٣] كما يُعرَّف الخشوع بأنّه: قبول القلب للحقّ، والانقياد إليه، والخضوع له إن خالف هواه، وبخشوع القلب يتحقّق خشوع الأعضاء، والجوارح؛ إذ إنّها تتبع القلب، وبناءً على ما سبق فالقلب مَحلّ الخشوع، مع ظهور آثاره وعلاماته على الجوارح، ولا يتحقّق الخشوع إن لم يكن في القلب، وتجدر الإشارة إلى أنّ لفظة (الخشوع) وردت في القرآن الكريم مرتبطة بالصلاة، كما وردت مطلقة.

فوائد الخشوع في الصلاة

خلق الله تعالى الإنسان لعبادته، وأفضل العبادات التي يقوم بها ما كان فيه انكسارٌ وتذلُّلٌ لله تعالى، وهذا الانكسار والتذلل لا يتحقق إلاّ بالخشوع، وأهل الخشوع هم أهل الفلاح والنجاة في الدنيا وفي الآخرة، وغير ذلك فإنّ للخشوع فوائد، ومن بعض أهمِّ فوائد الخشوع في الصلاة ما يأتي:

  • الخشوع في الصلاة سببٌ في نجاة العبد من النار وبالتالي دخول الجنة، كما أخبرت بذلك السنة النبوية، فقد جاء في الحديث الذي يرويه الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللهِ.
  • الخشوع في الصلاة يُورّث في النفس الخوف والرهبة من الله تعالى، مما يكون له الأثر العظيم على سلوك العبد إيجابًا.
  • الخشوع سببٌ من أسباب قبول الصلاة ومضاعفة أجرها.
  • الخشوع مظهرٌ من مظاهر الإيمان. سبب من أسباب دفع العقوبة والعذاب. الخشوع دليلٌ على صلاح العبد، وقَبول أعماله، وطهارة قلبه وسلامته، واستقامته في أفعاله وعباداته وأخلاقه.

عدم الخشوع في الصلاة

حكم الخشوع في الصلاة

اختلف العلماء في حُكم الخشوع: هل هو مِن فرائض الصلاة، أو مِن فضائلها ومكملاتها؟ على قولين:

القول الأول: الوجوب، ودليل ذلك:

• قوله سبحانه: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ ﴾ [النساء: 82]، والتدبر يعني: فهم ومعرفة ما يُقرأ؛ لأن حركة اللسان غير مقصودة، بل المقصود المعاني والمقاصد.

• وقوله سبحانه: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 14]، والغفلة عكس الذِّكْر؛ ولهذا نهانا ربنا بقوله ﴿ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 205].

• وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها)).

• وعن الحسن رحمه الله: “كل صلاة لا يحضرها قلبك فهي إلى العقوبة أسرع منها إلى الثواب”.

• وقال عبدالواحد بن يزيد رحمه الله: “أجمعت العلماء على أنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل”.

• وقال ابن تيمية رحمه الله عن قوله سبحانه: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]: “هذا يقتضي ذم غير الخاشعين”.

• ومما يدل على وجوب الخشوع قوله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2]، ولقد أخبر سبحانه وتعالى أن هؤلاء هم الذين يرثون فردوس الجنة، وذلك يقتضي أنه لا يرثها غيرهم، وقد دلَّ هذا على وجوب هذه الخصال؛ إذ لو كان فيها ما هو مستحب لكانتْ جنة الفردوس تورث بدونها؛ لأن الجنة تنال بفعل الواجبات دون المستحبَّات.

 

القول الثاني: عدم وجوبه، وأنه فضيلة وسُنة ومِن أدلة أصحاب هذا القول:

1- قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط؛ حتى لا يسمع الأذان، فإذا قُضي الأذان أقبل، فإذا ثوب بها أدبر، فإذا قُضي التثويب، أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا وكذا، ما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى، فإذا لم يدر أحدكم كم صلى ثلاثًا أو أربعًا، فليسجد سجدتين وهو جالس)).

• فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر مَن لم يخشع في صلاته بسجدتي سهو، ولم يأمره صلى الله عليه وسلم بإعادتها، ولو كانت باطلة – لعدم الخشوع – لأمره بإعادتها.

2- قال النووي رحمه الله: “يستحب الخشوع في الصلاة والخضوع، وتدبر قراءتها وأذكارها، وما يتعلق بها، والإعراض عن الفكر فيما لا يتعلق بها، فإن فكر في غيرها وأكثر من الفكر لم تبطل صلاته، لكن يكره، سواء كان فكره في مباح أم حرام كشرب الخمر”.

• ومن الواضح أن القائلين بهذا القول من الفقهاء يتحدثون عن عدم وجوب إعادة الصلاة التي فقدت الخشوع، ولم يتعرضوا لثواب هذه الصلاة التي فُقد فيها الخشوع.

والخلاصة:

أن الصلاة غير الخاشعة لا تجب إعادتها، ولا يترتب على تارك الخشوع أحكام تارك الصلاة، غير أن فاقد الخشوع يفوته الثواب العظيم من هذه العبادة، ولا ثواب على شيء منها إلا بعد حضور قلبه وخضوعه، وبهذا قال ابن عباس: “ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها”.

دعاء الخشوع في الصلاة

هناك العديد من الأدعية الواردة عن الخشوع في الصلاة، ومنها:

  • أستغفر الله، استغفر الله، استغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
  • اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
  • اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر.
  • اللهم اني أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر.
  • لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
  • لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله،
  • لا إله الا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله الا الله، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون.
  • اللَّهمَّ إِني أَعُوذُ بك من قَلْبٍ لا يَخْشَعُ.
  • اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.
  • اللهم إني أسألك يا الله بأنك الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم.
  • اللهم ربنا لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق وقولك الحق ووعدك الحق ولقاؤك الحق والجنة حق والنار حق والساعة حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك خاصمت وبك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وأسررت وأعلنت وما أنت أعلم به مني لا إله إلا أنت.

أسباب الخشوع في الصلاة

1ـ الاستعداد للصلاة والتهيؤ لها: ويحصل ذلك بأمور منها الترديد مع المؤذن والإتيان بالدعاء المشروع بعده، والدعاء بين الأذان والإقامة، وإحسان الوضوء والتسمية قبله والذكر والدعاء بعده، والاعتناء بالسواك وأخذ الزينة باللباس الحسن النظيف، والتبكير والمشي إلى المسجد بسكينة ووقار وانتظار الصلاة.

2ـ الطمأنينة في الصلاة: فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطمئن حتى يرجع كل عظم إلى موضعه. ونهى عليه الصلاة والسلام عن نقر الصلاة كنقر الغراب.

3ـ تذكر الموت في الصلاة: لقوله صلى الله عليه وسلم : (اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحريّ أن يحسن صلاته، وصلّ صلاة رجل لا يظن أنه يصلي غيرها)أخرجه الديلمي.

4ـ تدبر الآيات المقروءة وبقية أذكار الصلاة والتفاعل معها: ولا يحصل التدبر إلا بالعلم بمعنى ما يقرأ فيستطيع التفكّر فينتج الدمع والتأثر، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً).

ومما يعين على التدبر التفاعل مع الآيات بالتسبيح عند المرور بآيات التسبيح والتعوذ عند المرور بآيات التعوذ، ومن التجاوب مع الآيات التأمين بعد الفاتحة وفيه أجر عظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنُوا فإنه مَن وافق تأمِينُهُ تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه). رواه البخاري. والتنويع في السور والآيات والأذكار والأدعية في الصلاة مما يُشعر المصلي بتجدد المعاني.

5ـ الصلاة إلى سترة والدنو منها: فمن الأمور المفيدة لتحصيل الخشوع في الصلاة الاهتمام بالسترة والصلاة إليها، لأن المصلي بذلك يكف بصره عما وراءه، وبذلك يمنع الناس وكذلك الشيطان من المرور أمامه، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها حتى لا يقطع الشيطان عليه صلاته). رواه أبو داود.

6ـ النظر إلى موضع السجود وعدم الالتفات في الصلاة: لما ورد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى طأطأ رأسه ورمى ببصره نحو الأرض، أما إذا جلس للتشهد فإنه ينظر إلى أصبعه المشيرة وهو يحركها كما صح عنه صلى الله عليه وسلم. ولا ينبغي رفع البصر إلى السماء: فقد ورد النهي عن ذلك والوعيد على من فعله، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أحدكم في الصلاة فلا يرفع بصره إلى السماء). رواه أحمد، واشتد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك حتى قال: ( لينتهنّ عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم ). رواه البخاري. وينبغي أن يترك الالتفات في الصلاة

7ـ الاستعاذة بالله من الشيطان: فالشيطان عدو لنا ومن عداوته قيامه بالوسوسة للمصلي كي يذهب خشوعه ويلبِّس عليه صلاته، والشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد السير إلى الله تعالى، أراد قطع الطريق عليه، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر، ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة فبذلك ينصرف عنه كيد الشيطان: )إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ).

وروى مسلم عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله واتفل عن يسارك). قال ففعلت ذلك فأذهبه الله عني.

8ـ التأمل في حال السلف في صلاتهم: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه، فإذا قيل له: ما لك؟ يقول: جاء والله وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتُها،. وكان سعيد التنوخي إذا صلى لم تنقطع الدموع من خديه على لحيته.

9ـ الاجتهاد بالدعاء في مواضعه في الصلاة وخصوصا في السجود: قال تعالى: (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً).

السابق
كيف أنظم نوم طفلي عمره سنة
التالي
كلام عن غروب الشمس

اترك تعليقاً