ثقافة عامة

لماذا يخفق العديد منَّا في تحديد نقاط قوته ونقاط ضعفه؟

لماذا يخفق العديد منَّا في تحديد نقاط قوته ونقاط ضعفه؟

هل انتابتك تلك المشاعر المشؤومة والمِربكة عندما سمعت هذا السؤال؟ ماذا يعني ذلك؟ وما الأشياء التي تُصنَّف كنقاط قوة؟ ولماذا يسمونها على هذا النحو؟ هل لأنَّها مهارة أم قدرة تتقنها؟ أم لأنَّك تتميز عن أغلب الناس في أدائها؟ ومَن يقرر ما القوة وما الضعف؟ وما هي المعايير التي تحدد ذلك؟

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدونة دينيس هيل (Denise Hill)، والتي تحدثنا فيه عن تجربتها في تحديد نقاط القوة ونقاط الضعف.

قد تكون معرفة إجابات هذه الأسئلة أمراً شائكاً، خاصة في مقابلات التوظيف؛ لكن كشخص يقف موقفاً حيادياً من هذه الأسئلة، سأحاول تقديم بعض الآراء والتوجيهات حول كيفية التوصل إلى إجابة عن هذا السؤال المربك.

حتى إن كنت بارعاً في أمر ما، فإنَّه يُعَدُّ نقطة ضعف إن كان يستنزف طاقتك

لا يعدُّ تحديد نقاط قوتك وضعفك الحقيقية أمراً أساسياً في قبولك في مقابلة توظيف فحسب، بل هو عامل هام أيضاً لنجاحك في جميع جوانب الحياة.

يقدِّم ماركوس باكنغهام (Marcus Buckingham) -مؤلف كتاب “استثمر نقاط قوتك بطريقة عملية” (Go Put Your Strengths To Work)- أكثر التفسيرات دقة ووضوحاً في تحديد معنى القوة والضعف، وليس لذلك علاقة بما تتقنه وكيف تتغلب على الصعوبات التي تعاني منها؛ حيث يقول: “إنَّ أفضل تعريف للقوة هو أنَّها النشاط الذي يُشعِرك بالقوة، وأنَّ الضعف هو النشاط الذي يُشعِرك بالضعف حتى إن كنت بارعاً فيه؛ ذلك لأنَّه يعدُّ نقطة ضعف طالما أنَّه يستنزف طاقتك”.

كنت فخورة بقدرتي على التعامل مع الناس، لكنَّني أدركت لاحقاً أنَّ ذلك لم يكن نقطة قوة حقيقية بالنسبة إلي.

إليك مثالاً من تجربة شخصية: إنَّني أجيد التعامل مع الناس إلى أبعد الحدود؛ ذلك لأنِّي أمتاز بالتعاطف ومراعاة مشاعر الآخرين والإصغاء إليهم وتشجيعهم واستيعابهم، وأبرع في جعلهم يقدمون أفضل ما عندهم، والتخفيف من حدة المواقف العصيبة، وجعل الناس يشعرون أنَّ هناك من ينصت إليهم ويصدقهم ويقدرهم؛ ولقد بذلت جهداً في تحقيق ذلك، ودرست طبيعة الناس؛ فأنا طالبة في علم النفس والتواصل البشري، وأستطيع تحديد الحالة المزاجية الأساسية للشخص خلال لحظات من لقائه، والتكيف معها لأتحكم بقوة مزاجه.

لطالما أدرجت مهاراتي الشخصية كإحدى نقاط قوتي في المقابلات؛ لكن إن عدت خطوة إلى الوراء وقيَّمت هذه “الهبة” بحق، لوجدت أنَّها لم تكن إحدى نقاط قوتي في السابق، فالحقيقة هي أنَّ الناس يستفزونني، كما أنِّي أجد التفاعل البشري أشبه ما يكون بالسير ضمن حقل ألغام، وأفضل أن أكون وحدي أو برفقة زوجي على أن أكون مع الآخرين؛ حيث لا يسير تفاعلي مع الآخرين بصورة طبيعية، ولست شخصاً اجتماعياً بفطرتي، وعليَّ أن أحسب تحركاتي وأفكر في إجاباتي قبل أن أتكلم، كما أنَّني خجولة بفطرتي وانطوائية إلى حد كبير وصعبة اجتماعياً؛ وإنَّ مهارتي في التعامل مع الناس مصطنعة، وقد طورتها بحكم الضرورة، ولم تكن هبة طبيعية قط.

إليك فيما يأتي بعض المبادئ التي عليك أخذها في عين الاعتبار عند تقييم نقاط القوة والضعف لديك:

1. لا تعتمد المقارنة عند تقييمك لنقاط قوتك ونقاط ضعفك:

قد تجيد أداء أمر ما أكثر من أي شخص آخر حولك؛ ومع ذلك، قد يكون هذا إحدى نقاط ضعفك.

ترتبط نقاط قوتك وضعفك بك أنت فقط، وتشوه مقارنتك لنفسك بالآخرين نظرتك إلى مواهبك الحقيقية ومواطن ضعفك؛ لذا ابتعد عن اتباع أسلوب المقارنة، وآمن بقدراتك وبما يميزك عن الآخرين.

2. لا تضِع وقتك في تطوير نقاط ضعفك التي لا تُسهِم في تحقيق هدفك في الحياة:

تستطيع التغلب على نقاط ضعفك، تماماً مثلما طورت أسلوبي في التواصل مع الآخرين؛ لكنَّها لن تتحول إلى نقاط قوة أبداً.

بمجرد تحديد نقاط ضعفك، يمكنك التغلب عليها بإحدى طريقتين:

  • أولاً: العمل على تطوير نفسك فيما يخص نقاط ضعفك، بحيث تقلل نسبة عجزك.
  • ثانياً: تعزيز نقاط قوتك وتعلُّم كيفية استغلالها للتعويض عن نقاط ضعفك؛ إذ إنَّ تعلم التأقلم أمر أساسي عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع مواطن ضعفك.

إنَّه لمضيعة للوقت أن تعمل على التخلص من نقاط ضعفك التي لا تسهم بأي شكل من الأشكال في تحقيق هدفك في الحياة؛ فمثلاً: أنا لا أجيد أعمال البستنة بأي شكل من الأشكال، وتنكمش النباتات وأوراق الشجر وتذبل وتموت إن أنا اعتنيت بها، وكان بإمكاني أن أتعلم كيف أعتني بالنباتات وأطور هذه المهارة إن شئت ذلك؛ لكنَّها لن تسهم في تغيير مصيري وأهدافي ونجاحي في الحياة؛ لذا أكرس وقتي وجهدي في العمل على أمور تهمُّني وتدفعني نحو تحقيق هدفي في الحياة بدلاً من إضاعة وقتي على مثل هكذا أمور.

3. خذ الظرف العام في عين الاعتبار عندما تحكم على نقاط قوتك وضعفك:

هذا خطأ فادح يقع فيه أغلبنا، فعلى سبيل المثال: خذ السمات العامة للفرد كالشخصية الانطوائية أو الانفتاحية مثالاً، وستجد أنَّ كلتاهما صفات حميدة، لكنَّهما تُصنَّفان كصفة سيئة أو جيدة حسب الموقف.

أنا كاتبة، وأعمل في مكتب مع كتَّاب آخرين، ويعدُّ كوني انطوائية في جو كهذا نقطة قوة؛ إذ في مثل هذا السياق، ليس عليَّ أن أكون طليقة اللسان وكثيرة الحديث؛ وإن كنت كذلك، فإنَّ من شأن هذا أن يعيق أدائي ويسبب لي ضغوطات في العمل؛ ومع ذلك، وقبل أن أصبح كاتبة، كنت معلمة، وكان التدريس يتطلب مني أن أكون طليقة وودودة، وأن أقدر على التواصل مع الآخرين بذكاء؛ وفي مثل هذا السياق، كانت صفة الانطوائية إحدى نقاط الضعف لدي، وكان عليَّ أن أبذل الوقت والجهد لأحسن التعامل مع المشكلات وأكتسب الصفات اللازمة للنجاح.

4. تجنَّب استخدام مصطلحات عامة في وصف نقاط القوة والضعف لديك، وإلَّا ستتشتت:

من الأخطاء الأخرى التي نقع فيها هي التسمية الخاطئة أو الإفراط في تعميم نقاط القوة والضعف؛ فعلى سبيل المثال: إذا لم تكن كثير الكلام، فقد تميل إلى تصنيف نفسك كضعيف في التواصل، وهو أمر غير دقيق تماماً؛ إذ لا يعني أن تكون كثير الكلام أنَّك تجيد أسلوب التواصل مع الآخرين، فكلمات قليلة منتقاة أكثر تأثيراً من أن تلقي ما يخطر في بالك من الكلام على الحضور دون أن تكترث لما تقوله، حيث يتعلَّق الأمر بنوعية كلماتك وليس بكميتها.

حدد الجوانب التي تبرع فيها والأخرى التي ترى أنَّك ضعيف فيها، ثم قرر بعد ذلك ما إذا كانت تعدُّ حقاً نقاط قوة أم نقاط ضعف.

كلمة أخيرة:

عندما تقيِّم نقاط قوتك وضعفك:

  • اكتشف ما الذي يمدك بالطاقة وما الذي يعيقك.
  • فكِّر في مهاراتك الطبيعية.
  • حدد أهدافك، وانظر كيف تسهم نقاط قوتك في تطورك، أو كيف تعيق نقاط ضعفك تقدُّمك.
  • خطط لكيفية التغلب على نقاط ضعفك أو استخدام نقاط قوتك للتعويض عنها.
  • تجنَّب إعطاء الصفات الحيادية لديك تصنيف “جيد” أو “سيئ”.
  • اعمل دوماً على تعزيز نقاط قوتك؛ ذلك لأنَّ ضعف نقاط القوة يعزز من نقاط الضعف.

يتطلب تحديد مواطن قوتك وضعفك أن تصارح نفسك، وتأخذ في عين الاعتبار مهاراتك وميولك الطبيعية، وتقبل نفسك كما أنت، وتستخدم ما لديك من إمكانيات؛ إذ إنَّها الوسيلة الوحيدة لبلوغ أقصى إمكانياتك وتحديد مصيرك.

السابق
كيف تنجز عملاً قيماً واستثنائياً؟
التالي
ألعاب العقل: 12 تمريناً ذهنياً سريعاً ومسلياً

اترك تعليقاً