ديني

ما الذي أبكى الرسول

من هو الصحابي الذي بكى عليه الرسول

الصحابى الذى أبكى الرسول مرتين.. وأول سفير فى الإسلام

وهو مصعب بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى  والمعروف بمصعب بن عمييربن كلاب القرشى نشاء فى مكة وهو شاب اعطاه الله الجمال وحسن الكلام، كان يرتدى افخم الملابس ويتعطر بأفضل العطور حتى اذا ثار فى احد الشوارع او مر بها يعلم الناس بمروره لشدة الرائحة التى يتعطر بها وكان رقيق البشرة حسن الخلق ليس بالقصير أو الطويل ولما بلغته دعوة النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) حتى اسلم سراً فى دار الارقم خوفا من امه الخناس بنت مالك بن المضرب العامرية

وكان يلتقى بالنبى سرا حتى يتعلم منه مفاهيم الدين الإسلامى، ولكن لم يستمر الأمر هكذا، حيث كشف أمره عثمان بن طلحة، الذى ذهب إلى أم مصعب وأبلغها بإسلام ابنها فحرمته من الثراء، ولكنه تمسك بالدين الإسلامى أن يبيع الدنيا ويشترى الآخرة. وتحول من شاب مترف لا يشغله سوى المظاهر، إلى صحابى جليل يملأ قلبه الإيمان ولا يشغله سوى ذكر الله

وفى يوم كان يجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، إذ طلع علينا مصعب بن عمير وما عليه إلا بردة مرقومة بفرو، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى للذى كان فيه من النعمة والذى هو فيه اليوم

ثم قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كيف بكم إذا غدا أحدكم فى حلة وراح فى حلة، ووضعت بين يديه صحفة ورفعت أخرى، وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة.

قالوا: يا رسول الله، نحن يومئذ خير منا اليوم نتفرغ للعبادة ونكفى المؤنة

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم اليوم خير منكم يومئذبيعة العقبة الأولى رأى رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- فى المجموعة القليلة التى جاءت من المدينة المنوّرة لمبايعته نواةً للدولة الإسلاميّة، فكان واضحاً من خلال بنود البيعة أنّه يريد الرقى بأخلاقهم إلى أعلى المستويات

لأنّه يعلم أنّ الأمم لا تقوم على أكتاف المتهاونين بالأخلاق؛ وأنّ مكارم الأخلاق أساس وجودها؛ ولذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّما بُعِثْتُ لأُتممَ صالحَ الأخلاقِ).

كان النبى يعرض نفسه على القبائل عن (العقبة) فى منى لقى ستة اشخاص من الخزرج من يثرب وهم : سعد بن ررارة،  وعوف بن الحارث، ورافع بن مالك، وقطبة بن عامر بن حديدة، وعقبة بن عامر بن نابى، وجابر بن عبد الله

فقال لهم النبى (ص) من انتم؟ قالوا نفس من الخزرج فقال لهم: (امن موالى يهود) قالوا: نعم فقال لهم: افلا تجلسون اكلمكم، قالوا بلى فجلسوا معه فدعاهم الى الله وعرض عليهم الاسلام وتلا عليهم القران فقال بعضهم لبعض (ياقوم) تعلموا والله انه لنبى توعدكم به يهود فلانسبقنكم اليه.

وقد كان اليهود يتوعدون الخزرج بفضلهم بنى اخر الزمان، فاسلم اولئك النفر ثم انصرفوا راجعين الى بلادهم.فذكروا لقومهم خبر النبى محمد ودعوهم الى الاسلام حتى فشا فيهم فلم يبق دار من دور الانصار الا وفيها ذكر النبى محمد.

مواقف بكى فيها النبي

كان النبي كغيره من البشر، يحزن ويفرح ويبكي، وأنا أقف معك أيها القارئ الكريم عند هذه المواقف التي بكى فيها رسول الله؛ لنعرف لأجل أي شيء كان بكاؤه، فنحذو حذوه، ونقتفي أثره، ونقتدي به في حزنه وفرحه.

بكاؤه في الصلاة:

عن عبدالله بن الشخير قال: “رأيت رسول الله يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء”، وفي رواية: “وفي صدره أزيز كأزيز المرجل”.

وعن علي قال: “ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتُنا وما فينا إلا نائم، إلا رسول الله تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح”.

عن عطاء بن أبي رباح رحمه الله قال: “دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة، فقالت لعبيد بن عمير: قد آن لك أن تزور، فقال: أقول يا أمَّه كما قال الأول: زُرْ غِبًّا تزددْ حبًّا، قال: فقالت: دعونا من رطانتكم هذه، قال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيتِه من رسول الله، قال: فسكتت، ثم قالت: لما كان ليلة من الليالي، قال: ((يا عائشة، ذريني أتعبد الليلة لربي))، قلت: والله إني لأحب قربك، وأحب ما يسرُّك، قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي، قالت: فلم يزل يبكي حتى بلَّ حجره، قالت: وكان جالسًا، فلم يزل يبكي حتى بل لحيته، ثم بكى حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذِنُه بالصلاة، فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله، تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا؟ لقد نزلت عليَّ الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190])).

بكاؤه عند سماع القرآن:

عن عبدالله بن مسعود قال: ((قال لي رسول الله: اقرأ عليَّ القرآن، قال: فقلت: يا رسول الله، أقرأ عليك، وعليك أُنزل؟ قال: إني أشتهي أن أسمعه من غيري، فقرأت النساء، حتى إذا بلغت: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، رفعتُ رأسي – أو غمزني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي – فرأيتُ دموعه تسيل))، وفي رواية البخاري: ((حتى أتيتُ إلى هذه الآية: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، قال: حسبك الآن، فالتفتُّ إليه، فإذا عيناه تذرفان)).

وعن عمرو بن حريث قال: ((قال النبي لعبدالله بن مسعود: اقرأ، قال: أقرأ وعليك أُنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، قال: فافتتح سورة النساء حتى بلغ: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، فاستعبر رسول الله، وكفَّ عبدالله، فقال له رسول الله: تكلم، فحمِد الله في أول كلامه، وأثنى على الله وصلى على النبي، وشهد شهادة الحق، وقال: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، ورضيت لكم ما رضي الله ورسوله، فقال رسول الله: رضيتُ لكم ما رضي لكم ابن أم عبد)).

قال ابن بطال: “وإنما بكى عند هذا؛ لأنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة، وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بتصديقه والإيمان به، وسؤاله الشفاعة لهم ليريحهم من طول الموقف وأهواله، وهذا أمر يحق له طول البكاء والحزن”.

بكاؤه على القبر:

عن أبي هريرة قال: زار النبي قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال: ((استأذنتُ ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذِن لي، فزوروا القبور؛ فإنها تذكر الموت)).

وعن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول الله في جنازة، فجلس على شفير القبر، فبكى حتى بل الثرى، ثم قال: ((يا إخواني، لمثل هذا فأعدوا))؛ هذا لفظ ابن ماجة.

وفي رواية أحمد: ((بينما نحن مع رسول الله إذ بصر بجماعة، فقال: علام اجتمع عليه هؤلاء؟ قيل: على قبر يحفرونه، قال: ففزع رسول الله، فبدر بين يدي أصحابه مسرعًا حتى انتهى إلى القبر، فجثا عليه، قال: فاستقبلته من بين يديه لأنظر ما يصنع، فبكى حتى بل الثرى من دموعه، ثم أقبل علينا، قال: أي إخواني، لمثل اليوم فأعدوا)) .

بكاؤه لأجل أمته:

عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ((أن النبي تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 36] الآية، وقال عيسى عليه السلام: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118]، فرفع يديه، وقال: اللهم أُمتي أمتي، وبكى، فقال الله عز وجل: يا جبريل، اذهب إلى محمد – وربك أعلم – فسلْهُ: ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام، فسأله، فأخبره رسول الله بما قال، وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنُرضيك في أمتك ولا نسوؤك).

عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: ((ترد عليَّ أمتي الحوضَ، وأنا أذود الناس عنه، كما يذود الرجلُ إبلَ الرجلِ عن إبله، قالوا: يا نبي الله، أتعرفنا؟ قال: نعم، لكم سيما ليست لأحد غيركم، تردون عليَّ غُرًّا محجلين من آثار الوضوء، وليصدن عني طائفة منكم فلا يصلون، فأقول: يا رب، هؤلاء من أصحابي، فيجيبني ملك، فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟ وفي رواية: فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا)) .

بكاؤه رقة وحمة:

عن أنس بن مالك قال: دخلنا مع رسول الله على أبي سيف القين، وكان ظِئرًا لإبراهيم عليه السلام، فأخذ رسول الله إبراهيم، فقبَّله وشمَّه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله تذرفان، فقال له عبدالرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال: ((يا ابن عوف، إنها رحمة))، ثم أتبعها بأخرى، فقال: ((إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أخذ النبي بنتًا له تقضي، فاحتضنها، فوضعها بين ثدييه، فماتت وهي بين ثدييه، فصاحت أم أيمن، فقيل: أتبكي عند رسول الله؟ قالت: ألستُ أراك تبكي يا رسول الله؟ قال: ((لستُ أبكي، إنما هي رحمة، إن المؤمن بكل خير على كل حال، إن نفسه تخرج من بين جنبيه وهو يحمد الله عز وجل)).

وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: كان ابن لبعض بنات النبي يقضي، فأرسلت إليه أن يأتيها، فأرسل: ((إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل إلى أجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب))، فأرسلت إليه فأقسمت عليه، فقام رسول الله، وقمت معه، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وعبادة بن الصامت، فلما دخلنا ناولوا رسول الله الصبي، ونفسه تقعقع، فبكى رسول الله، فقال سعد بن عبادة: أتبكي؟ فقال: ((إنما يرحم الله من عباده الرحماء)).

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتى رسول الله يعوده مع عبدالرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبدالله بن مسعود، فلما دخل عليه وجده في غشية، فقال: أقد قضى؟ قالوا: لا، يا رسول الله، فبكى رسول الله، فلما رأى القوم بكاء رسول الله، بكوا، فقال: ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا – وأشار إلى لسانه – أو يرحم)).

وعن أنس بن مالك قال: خطب النبي فقال: ((أخذ الراية زيد فأُصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبدالله بن رواحة فأصيب، ثم أخذها خالد بن الوليد عن غير إمرة ففُتح له، وقال: ما يسرنا أنهم عندنا – أو قال: ما يسرهم أنهم عندنا – وعيناه تذرفان)).

بكى الرسول حتى ابتلت لِحْيَتَهُ

رحمة الرسول

من مظاهر رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم:

  • رحمته بالضعفاء: كان أبو مسعود البدري رضي الله عنه يضرب غلاماً له، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم ونهاه عن ذلك. أيضاً عندما افتقد المرأة السوداء التي كانت تقمُّ المسجد، فسأل عنها فأخبروه أنّها ماتت، فطلب عليه الصلاة والسلام الذهاب إلى قبرها وصلى عليها. وهذا دليل على حرصه ورحمته عليه الصلاة والسلام بكلّ الفئات، سواء كان المجتمع يعبأ بها أو لا.
  • رحمته بذوي الاحتياجات الخاصة: كان يقدم لهم الرعاية الصحية والنفسية والتعليمية والتوظيفية، كما كان يزورهم ويهتمّ بشؤونهم ويقضي حوائجهم. رحمته بالمسنّين: فقد دعا عليه الصلاة والسلام الشبابَ إلى إكرام ذي الشيبة المسلم وجعله من إجلال الله تعالى، وهذا الإكرام يشمل العون الصحي، والنفسي، والمادي، والمعنوي. كما جعل للمسنّ أحكاماً خاصّة في الشريعة تخفّف عنه رحمةً بكبره وضعفه.
  • رحمته بالأطفال: كان يتعامل بمنتهى اللطف واللين مع أبنائه وأحفاده، فقد كان يقبّل الحسن والحسين ويلاعبهما، كما بكي لفراق ابنه الصغير إبراهيم، أيضاً كان عندما يمرّ بالأطفال يسلّم عليهم ويداعبهم.
  • رحمته بالنساء: كان دائماً يوصي بهنّ وبحسن معاشرتهم والرفق معهن، وظهر ذلك جلياً في تطبيقه لهذه الرحمة مع نسائه وبناته، فقد كان خير الزوج وخير الأب وخير الجد، عليه أفضل الصلاة والتسليم.
  • رحمته بالبهائم: إذ كان ينهى عن تعذيب الحيوانات وتجويعها وتحميلها ما لا تحتمل، من ذلك قصة الجمل الذي رآه عليه الصلاة والسلام قد ذرفت عيناه، فذهب إليه ومسح ذفريه فسكت الجمل وهدأً، فأمر صلى الله عليه وسلم صاحب الجمل بأن يتّقي الله فيه.
  • رحمته بالمخطئين: لم يكن يعنّف أو يزجر من يرتكب خطأً، إنّما كان يأخذه بحلمه ورأفته وينصحه بالحسنى، كذلك الشاب الذي دخل عليه يستأذنه بالزنا، فرغم عظم هذه المعصية واستحقاقها حداً من حدود الله تعالى، إلّا أنه عليه الصلاة والسلام أخذ يحاور الشاب ويقنعه بالإعراض عن ذلك الفعل المنكر الشنيع، فكانت النتيجة أن دخل الشاب عليه وليس شيءٌ أحبَّ إليه من الزنا، وخرج من عنده وليس شيءٌ أبغضَ إليه من الزنا، كل ذلك بسبب رحمته عليه الصلاة والسلام وتألفه للقلوب.
  • رحمته بالكفار: كان دائم الدعاء لربّه بهدايتهم وردّهم إلى الرشد والصواب ودخولهم في دين الله؛ رأفةً بهم من العذاب ودخول النار، وذلك رغم الأذى العظيم المتكرر الذي كان ينزل عليه منهم، ورغم محاربتهم له بكل شراسة ومحاولاتهم المتكررة لقتله، وقد ظهر ذلك جلياً في فتح مكة عندما عنهم وأطلقهم.

دموع الرسول

دموع في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم

البكاء نعمة عظيمة امتنّ الله بها على عباده ، قال تعالى : { وأنه هو أضحك وأبكى } ( النجم : 43 ) ، فبه تحصل المواساة للمحزون ، والتسلية للمصاب ، والمتنفّس من هموم الحياة ومتاعبها .

ويمثّل البكاء مشهداً من مشاهد الإنسانية عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، حين كانت تمرّ به المواقف المختلفة ، فتهتزّ لأجلها مشاعره ، وتفيض منها عيناه ، ويخفق معها فؤاده الطاهر .

ودموع النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يكن سببها الحزن والألم فحسب ، ولكن لها دوافع أخرى كالرحمة والشفقة على الآخرين ، والشوق والمحبّة ، وفوق ذلك كلّه : الخوف والخشية من الله سبحانه وتعالى .

فها هي العبرات قد سالت على خدّ النبي – صلى الله عليه وسلم – شاهدةً بتعظيمة ربّه وتوقيره لمولاه ، وهيبته من جلاله ، عندما كان يقف بين يديه يناجيه ويبكي ، ويصف أحد الصحابة ذلك المشهد فيقول : ” رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي صدره أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء – وهو الصوت الذي يصدره الوعاء عند غليانه – ” رواه النسائي .

وتروي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها موقفاً آخر فتقول : ” قام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليلةً من الليالي فقال : ( يا عائشة ذريني أتعبد لربي ) ، فتطهّر ثم قام يصلي ، فلم يزل يبكي حتى بلّ حِجره ، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ لحيته  ، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ الأرض ، وجاء بلال رضي الله عنه يؤذنه بالصلاة ، فلما رآه يبكي قال : يا رسول الله ، تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال له : ( أفلا أكون عبداً شكوراً ؟ ) ” رواه ابن حبّان .

وسرعان ما كانت الدموع تتقاطر من عينيه إذا سمع القرآن ، روى لنا ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال : ” قال لي النبي – صلى الله عليه وسلم – :  ( اقرأ عليّ ) ، قلت : يا رسول الله ، أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ ، فقال : ( نعم ) ، فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } ( النساء : 41 ) فقال : ( حسبك الآن ) ، فالتفتّ إليه ، فإذا عيناه تذرفان ” ، رواه البخاري .

كما بكى النبي – صلى الله عليه وسلم – اعتباراً بمصير الإنسان بعد موته ، فعن البراء بن عازب ضي الله عنه قال : ” كنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في جنازة ، فجلس على شفير القبر – أي طرفه – ، فبكى حتى بلّ الثرى ، ثم قال : ( يا إخواني لمثل هذا فأعدّوا ) رواه ابن ماجة ، وإنما كان بكاؤه عليه الصلاة والسلام بمثل هذه الشدّة لوقوفه على أهوال القبور وشدّتها ، ولذلك قال في موضعٍ آخر : ( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ، ولبكيتم كثيراً ) متفق عليه.

وبكى النبي – صلى الله عليه وسلم – رحمةً بأمّته وخوفاً عليها من عذاب الله ، كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ، يوم قرأ قول الله عز وجل : { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } ( المائدة : 118 ) ، ثم رفع يديه وقال : ( اللهم أمتي أمتي ) وبكى .

وفي غزوة بدر دمعت عينه  – صلى الله عليه وسلم – خوفاً من أن يكون ذلك اللقاء مؤذناً بنهاية المؤمنين وهزيمتهم على يد أعدائهم ، كما جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله : ” ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح ) رواه أحمد .

 وفي ذات المعركة بكى النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم جاءه العتاب الإلهي بسبب قبوله الفداء من الأسرى ، قال تعالى : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } ( الأنفال : 67 )  حتى أشفق عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه من كثرة بكائه.

ولم تخلُ حياته – صلى الله عليه وسلم – من فراق قريبٍ أو حبيب ، كمثل أمه آمنة بنت وهب ، وزوجته خديجة رضي الله عنها ، وعمّه حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه ، وولده إبراهيم عليه السلام ، أوفراق غيرهم من أصحابه ، فكانت عبراته شاهدة على مدى حزنه ولوعة قلبه .

فعندما قُبض إبراهيم ابن النبي – صلى الله عليه وسلم – بكى وقال : ( إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) متفق عليه.

ولما أراد النبي – صلى الله عليه وسلم – زيارة قبر أمه بكى بكاءً شديداً حتى أبكى من حوله ، ثم قال : ( زوروا القبور فإنها تذكر الموت ) رواه مسلم .

ويوم أرسلت إليه إحدى بناته تخبره أن صبياً لها يوشك أن يموت ، لم يكن موقفه مجرد كلمات توصي بالصبر أو تقدّم العزاء ، ولكنها مشاعر إنسانية حرّكت القلوب وأثارت التساؤل ، خصوصاً في اللحظات التي رأى فيها النبي – صلى الله عليه وسلم – الصبي يلفظ أنفاسه الأخيرة ، وكان جوابه عن سرّ بكائه : ( هذه رحمة جعلها الله ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ) رواه مسلم .

ويذكر أنس رضي الله عنه نعي النبي – صلى الله عليه وسلم – لزيد وجعفر وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه يوم مؤتة ، حيث قال عليه الصلاة والسلام : ( أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذ جعفر فأصيب ، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب – وعيناه تذرفان – حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله ) رواه البخاري .

ومن تلك المواقف النبوية نفهم أن البكاء ليس بالضرورة أن يكون مظهراً من مظاهر النقص ، ولا دليلاً على الضعف ، بل قد يكون علامةً على صدق الإحساس ويقظة القلب وقوّة العاطفة ، بشرط أن يكون هذا البكاء منضبطاً بالصبر ، وغير مصحوبٍ بالنياحة ، أو قول ما لا يرضاه الله تعالى .

السابق
دواء سانسيلا – sansilla لتخفيف ألم الحلق
التالي
تواضع أبو بكر الصديق

اترك تعليقاً