ديني

ما الفرق بين النفس والروح

ما الفرق بين النفس والروح للشعراوي

فغالباًما نسمع بهاتين المفردتين، وقد يقع الاشتباه والاختلاط عند البعض حول مدلولهما، وهل إنهما شيء واحد؟ وقد جرى نقاش هذه المسألة وأشبعت بحثاً كلاميّاً وفلسفيّاً وعقديّاً.

قال الله سبحانه وتعالى عن الروح: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}.

جاء في كتابه تعالى، في إشارته إلى النفس التي هي ذات الإنسان: {الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}.

وقد أجاب الشيخ الشعراوي على سؤال حول الفرق بين النفس والرّوح، فقال: “الروح، في الغالب، تطلق على ما به الحياة، سواء كان ذلك حساً أو معنى، فالقرآن يسمَّى روحاً. قال الله – تعالى -‏:‏ ‏{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَ‏}‏[‏الشورى‏:‏ 52‏]‏‏، لأنّ به حياة القلوب بالعلم والإيمان، والروح التي يحيا بها البدن تسمى روحاً، قال الله – تعالى -‏:‏ ‏{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيل‏}‏‏[‏الإسراء‏:‏ 85‏]‏‏.‏

أمَّا النفس، فتطلق على ما تطلق عليه الروح كثيراً، كما في قوله – تعالى -‏:‏ ‏{اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى‏}‏[‏الزمر‏:‏ 42‏]‏ ‏.‏

وقد تطلق النفس على الإنسان نفسه، فيقال جاء فلان نفسه، فتكون بمعنى الذات، فهما يفترقان أحياناً، ويتفقان أحياناً، بحسب السياق‏”. (الشيخ الشعرواي/ سؤال وجواب).

والدكتور مصطفى محمود يفرق بين الروح والنفس، حيث يقول: “الروح جوهر شريف من أمر الله، وتنسب إلى الله عزّ وجلّ، والروح فى القرآن جاءت بمعاني كثيرة، مثل الروح القدس وهو جبريل. وبمعنى آخر، تعني كلمة الله، في قوله تعالى: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ}، {وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ}.

أما النفس، فهي ذات الإنسان، وهى التي تكلّف وتعذّب وتنعم {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِك}، {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ}، {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم}. فالنفس تنسب إلى صاحبها، وهو الإنسان، أما الروح، فتنسب إلى الله عزّ وجلّ. والنفس هي التي تحاسب وتعاقب وليس الروح”. 

في معرض تعريفه للنفس والرّوح والفرق بينهما، كذلك معنى النفس الأمّارة بالسّوء، يقول العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض):

“النفس إشارة إلى ذات الإنسان؛ من عقل وإحساس ومشاعر، والروح إشارة إلى ما يعطي الحياة للإنسان، وبدونها يكون ميتاً، وهي من أمر الله تعالى لا ندرك حقيقتها.

النفس هي الذات الإنسانيّة التي تحيا وتموت، والرّوح هي الطاقة الخفية التي تبعث الحياة في الإنسان، والموت يعرض على النفس {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموْتِ} ولا يعرض على الروح.

أما تعبير النفس الأمّارة بالسوء، فالمراد الجهة الغريزية في الإنسان التي تجرّه إلى المعصية والسوء من خلال غلبة الشهوة على العقل”. [استفتاءات عقيديّة].

وفي العقيدة المسيحيّة: النفس هي التي تعطي الحياة للجسد.. والروح هي التي تعطي حياةً للإنسان مع الله. لذلك، فللحيوانات أنفس، وليست أرواحاً كالبشر. أرواحنا خالدة، والحيوانات ليست لها أرواح خالدة.

النفس مصدر الحياة الجسدية للإنسان. وإن نفس الإنسان في دمه، إذا سفك دمه مات ..كما أنّ النفس تعنى الإنسان كلّه: وهكذا في خلق الإنسان، قيل “إنّ الله نفخ في آدم نسمة حياة، فصار آدم نفسًا حيّة” (تك 2: 7). إذاً، كلمة نفس تعنى الإنسان كلّه.[كتاب “من هو الإنسان”، البابا شنوده الثالث].

مادمنا مؤمنين بقدرة الله وعظمته في خلقه، وبعيداً من كل التفصيلات العقدية المتفرعة عن الروح والنفس، فإننا معنيون بتهذيب أنفسنا حتى تكون نفوساً طاهرة تقترب من نفوس الأنبياء والأولياء، لا تأمر بالسوء، ولا تلهث وراء الغرائز، نفوساً منفتحة على الله وعلى الناس وعلى كلّ معرفة وسلوك يسمو بالحياة ويحلّق بها فوق لغة الحسابات المادّية التي أضحت ترهق كاهل واقعنا.

ما الفرق بين النفس والروح في المسيحية

لنتأمل اولا في كلمة «نفس».‏ لا شك انك تذكر ان معظم الكتاب المقدس كُتب في الاصل باللغتين العبرانية واليونانية.‏ وعندما اشار كتبة الكتاب المقدس الى النفس،‏ استخدموا الكلمة العبرانية نيفيش او الكلمة اليونانية پسيخِه.‏ وترد هاتان الكلمتان اكثر من ٨٠٠ مرة في الاسفار المقدسة،‏ وتنقلهما ترجمة العالم الجديد في معظم الاحيان الى «نفس».‏ وإذا تأملت في آيات الكتاب المقدس التي ترد فيها هذه الكلمة،‏ يتبيّن لك انها تشير بصورة رئيسية الى  ‏(‏١)‏ الشخص بعينه،‏ (‏٢)‏ الحيوانات،‏ او (‏٣)‏ حياة الانسان او حياة الحيوان.‏ إليك بعض الآيات التي تُستخدم فيها هذه الكلمة بأحد هذه المعاني الثلاثة.‏

الشخص بعينه:‏ ‏«في ايام نوح .‏ .‏ .‏ نجا قليلون،‏ اي ثمانية أنفس،‏ عبر الماء».‏ (‏١ بطرس ٣:‏٢٠‏)‏ من الواضح ان كلمة «أنفس» في هذه الآية تشير الى اشخاص هم نوح وزوجته وأبناؤه الثلاثة وزوجاتهم.‏ وتذكر الخروج ١٦:‏١٦ التوجيهات التي أُعطيت للاسرائيليين حول التقاط المنّ.‏ فقد أُمروا ان يلتقطه كل واحد «على عدد النفوس» الذين في خيمته.‏ وعنى ذلك ان عليهم ان يلتقطوا كمية تتناسب مع عدد افراد العائلة.‏ وتحتوي التكوين ٤٦:‏١٨؛‏ يشوع ١١:‏١١؛‏ الاعمال ٢٧:‏٣٧؛‏ وروما ١٣:‏١ امثلة اضافية تُظهر ان كلمة «نفس» او «أنفس» تشير الى الشخص بعينه او عدد من الاشخاص.‏

الحيوانات:‏ تقول رواية الخلق الواردة في الكتاب المقدس:‏ «قال الله:‏ ‹لتعج المياه بنفوس حية،‏ ولتطِر طيور فوق الارض على وجه جلد السماء›.‏ وقال الله:‏ ‹لتُخرج الارض نفوسا حية بحسب اجناسها،‏ بهائم وحيوانات دابة ووحوش ارض بحسب اجناسها›.‏ وكان كذلك».‏ (‏تكوين ١:‏٢٠،‏ ٢٤‏)‏ كما ترى،‏ تشير كلمة «نفوس» في هذا المقطع الى الاسماك والبهائم ووحوش الارض.‏ وتُعدّ الطيور وغيرها من الحيوانات ايضا نفوسا في التكوين ٩:‏١٠؛‏ اللاويين ١١:‏٤٦‏؛‏ والعدد ٣١:‏٢٨‏.‏

حياة الانسان:‏ تشير كلمة «نفس» احيانا الى حياة الانسان.‏ فقد قال يهوه لموسى:‏ «مات جميع الناس الذين يطلبون نفسك».‏ (‏خروج ٤:‏١٩‏)‏ فماذا كان اعداء موسى يطلبون؟‏ كانوا يسعون الى سلبه حياته.‏ وقبل زمن موسى،‏ حين كانت راحيل تلد ابنها بنيامين،‏ تتحدث الرواية عن «خروج نفسها (‏لأنها ماتت)‏».‏ (‏تكوين ٣٥:‏١٦-‏١٩‏)‏ ففي ذلك الوقت خسرت راحيل حياتها او فارقت الحياة.‏ تأمل ايضا في كلمات يسوع الذي قال:‏ «انا هو الراعي الفاضل،‏ والراعي الفاضل يبذل نفسه عن الخراف».‏ (‏يوحنا ١٠:‏١١‏)‏ نعم،‏ لقد بذل يسوع نفسه،‏ او حياته،‏ من اجل الجنس البشري.‏ ان كلمة «نفس» في مقاطع الكتاب المقدس هذه تشير بوضوح الى حياة الانسان.‏ وهنالك امثلة اخرى في ١ ملوك ١٧:‏١٧-‏٢٣؛‏ متى ١٠:‏٣٩؛‏ يوحنا ١٥:‏١٣؛‏ والاعمال ٢٠:‏١٠‏.‏

 وإذا تعمقت اكثر في درس كلمة الله،‏ تجد ان الكتاب المقدس لا يذكر مطلقا ان «النفس» خالدة،‏ بل يقول ان النفس تموت.‏ (‏حزقيال ١٨:‏٤،‏ ٢٠‏)‏ لذلك يشير الكتاب المقدس الى الشخص الميت بالقول انه «نفس ميتة».‏ —‏ لاويين ٢١:‏١١‏.‏

ماهية «الروح»‏

لننتقل الآن الى معنى كلمة «روح» كما ترد في الكتاب المقدس.‏ يعتقد البعض ان كلمة «روح» هي مرادف لكلمة «نفس».‏ لكنّ هذا الاعتقاد خاطئ.‏ فالكتاب المقدس يُظهر بوضوح ان كلمتَي «روح» و «نفس» تشيران الى شيئين مختلفين.‏ فما الفرق بينهما؟‏

لقد استخدم كتبة الكتاب المقدس الكلمة العبرانية رواح او الكلمة اليونانية پنِفما للإشارة الى «الروح».‏ وتوضح الاسفار المقدسة معنى هاتين الكلمتين.‏ على سبيل المثال،‏ تذكر المزمور ١٠٤:‏٢٩ عن المخلوقات الحية:‏ «تنزع [يا يهوه] ارواحها [‏رواح‏] فتموت،‏ وإلى ترابها تعود».‏ وتقول يعقوب ٢:‏٢٦ ان «الجسد بلا روح [‏پنِفما‏] ميت».‏ وهكذا تشير كلمة «روح» (‏او «ارواح»)‏ في هاتين الآيتين الى ما يبعث الحياة في الجسد.‏ فالجسد بدون الروح ميت.‏ لذلك لا تُنقل كلمة رواح في الكتاب المقدس الى «روح» فحسب،‏ بل تترجَم ايضا الى «قوة»،‏ اي قوة الحياة.‏ على سبيل المثال،‏ قال الله عن الطوفان في ايام نوح:‏ «ها انا آتٍ بطوفان المياه على الارض لأهلك كل جسد فيه قوة [‏رواح‏] حياة من تحت السماء».‏ (‏تكوين ٦:‏١٧؛‏ ٧:‏١٥،‏ ٢٢‏)‏ وهكذا تشير كلمة «روح» الى قوة غير منظورة (‏شرارة الحياة)‏ التي تبعث الحياة في كل المخلوقات.‏

جهاز راديو قابل للحمل بدون كهرباء او بطاريات

اذًا،‏ ان «النفس» و «الروح» ليستا كلمتين مترادفتين لمسمّى واحد.‏ فالجسد يحتاج الى الروح حاجة الراديو الى الكهرباء.‏ فلولا الكهرباء لا يعمل الراديو،‏ وكذلك الامر بالنسبة الى الجسد.‏ بعبارة اوضح،‏ تخيل انك تملك جهاز راديو يعمل بالبطاريات.‏ فعندما تضع فيه بطاريات وتضغط على مفتاح التشغيل،‏ تبعث الكهرباءُ المخزَّنة في البطاريات الحياة في الراديو،‏ اذا جاز التعبير.‏ ولكن بدون بطاريات يبقى الراديو جهازا هامدا.‏ وينطبق الامر نفسه  على الراديو الذي يعمل بالكهرباء عندما ننزع السلك من القابس.‏ على نحو مماثل،‏ الروح هي القوة التي تبعث الحياة في جسدنا.‏ والروح ايضا،‏ كالكهرباء،‏ لا تفكر ولا تحس.‏ انها مجرد قوة.‏ لكنّ اجسادنا،‏ بدون هذه الروح او قوة الحياة،‏ تكون ميتة «وإلى ترابها تعود»،‏ على حدّ تعبير المرنم الملهم.‏

تتحدث الجامعة ١٢:‏٧ عن موت الانسان قائلة:‏ «يعود التراب [تراب جسده] الى الارض حيث كان،‏ والروح ترجع الى الله الذي أعطاها».‏ فعندما تفارق الروح او قوة الحياة الجسد،‏ يصير جثة هامدة،‏ ويعود الى ما كان عليه في الاساس،‏ يعود الى التراب.‏ وعلى نحو مماثل،‏ تعود قوة الحياة الى مصدرها،‏ اي الله.‏ (‏ايوب ٣٤:‏١٤،‏ ١٥؛‏ مزمور ٣٦:‏٩‏)‏ ولكن هذا لا يعني ان قوة الحياة تصعد فعليا الى السماء،‏ بل يعني ان اي امل للشخص الميت بحياة مستقبلية صار يعتمد على يهوه الله.‏ فقد اصبحت حياته،‏ اذا جاز التعبير،‏ بين يدي الله القادر وحده على ارجاع الروح او قوة الحياة الى هذا الشخص ليحيا من جديد.‏

وكم هو معزٍّ ان نعرف ان هذا بالتحديد ما سيفعله الله لكل الراقدين في «القبور التذكارية»!‏ (‏يوحنا ٥:‏٢٨،‏ ٢٩‏)‏ فعندما تحين ساعة القيامة،‏ سيخلق يهوه جسدا جديدا للراقدين رقاد الموت،‏ وسيبعث فيه الحياة معطيا اياه روحا او قوة حياة.‏ ألن يكون ذلك مفرحا حقا؟‏!‏

وإذا كنت ترغب في تعلّم المزيد عن الكلمتين «نفس» و «روح» كما تردان في الكتاب المقدس،‏ فستجد معلومات قيمة جدا في كراسة ماذا يحدث لنا عندما نموت؟‏ وفي الصفحات ٢١٧-‏٢٢١ و ٣٨٧-‏٣٩٢ من كتاب المباحثة من الاسفار المقدسة،‏ وكلتا المطبوعتين من اصدار شهود يهوه.‏

الفرق بين النفس والروح PDF

https://www.researchgate.net/publication/307606801_alfrq_byn_alnfs_walrwh_d_fysl/citation/download

الفرق بين الروح والنفس والعقل

مِن أحسن مَن تكلّم عن القلب والرُّوح والنفس والعقل الإمام الغزالي في كتابه “إحياء علوم الدين” في شرح عجائب القلب، وقال: اعلم أن هذه الأسماء الأربعة تستعمل في هذه الأبواب، ويقل في فحول العلماء مَن يُحيط بهذه الأسامي واختلاف معانيها وحدودها ومسمّياتها، وأكثر الأغَاليط منشؤها الجهل بمعنى هذه الأسامي واشتراكها بين مسمّيات مختلفة، ثم أخذ يتحدث عن كل منها بما موجزه:

1 ـ القلب يُطلق لمعنيين:
أحدهما: اللّحم المعروف الذي يضُخُّ الدم.
والثاني: هو لَطيفة ربانيّة روحانيّة لها تعلق بهذا القلب الجسماني وهذه اللطيفة هي حقيقة الإنسان والمدرك العام العارف منه والمخاطب بالتكليف، والمجازى عليه ولم يستطع أن يُدرك العَلاقة بين هذين المعنيين للقلب؛ لأن ذلك من علوم المكاشَفة التي لا تُفيد معها الحواسّ المعروفة؛ ولأنّه يؤدّي إلى إفشاء سِرّ الرُّوح الذي لم يتكلّم به الرسول فغيره أولى. وقال: إذا استعملنا لفظ القلب في الكتابة والشرح فالمراد به اللطيفة الربانيّة لا القلب العُضوي.

2 ـ الرُّوح لها معنيان:
أحدهما: جسم لطيف منبَعه تجويف القلب الجسماني يَسري في جميع أجزاء البدن سَريان نور السِّراج إلى كل أجزاء البيت، فالحياة مثل النور الواصل للجدران، والرُّوح مثل السِّراج، وسريان الروح وحركته في الباطن لمثل حركة السِّراج في جوانب البيت، وهذا المعنى يهتمُّ به الأطباء.

والمعنى الثاني للروح: هو لطيفة عالمة مدركة من الإنسان، وهو المعنى الثاني للقلب، وما أراده الله بقوله: (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (سورة الإسراء : 85) وهو أمر عجيب ربانيٌّ تعجز أكثر العقول والأفهام عن دَرك حقيقته.

3 ـ النفس: لفظ مشترك بين عدة معانٍ، يُهِمُّنا منها اثنان:
أحدهما: أن يراد به المعنى الجامع لقوة الغضب والشهوة في الإنسان، ويَهتم أهلُ التصوّف بهذا المعنى؛ لأنّهم يُريدون بالنفس الأصل الجامع للصفات المذمومة من الإنسان، فلابد من مجاهَدتها.
والمعنى الثاني: هي اللّطيفة التي ذكرناها، التي هي الإنسان بالحقيقة، وهي نفس الإنسان ذاته، ولكنّها توصف بأوصاف مختلفة بحسب اختلاف أحوالها، فإذا سكنت تحت الأمر وفارَقها الاضطراب بسبب معارَضة الشهوات سُمِّيت النفسَ المطمئنة ، قال تعالى: (يا أيّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنّة . ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيةً مَرْضِيّة) (سورة الفجر: 27 ـ 28).
والنفس بالمعنى الأول لا يتصوّر رجوعها إلى الله فهي مبعثرة عنه وهي من حزب الشيطان.
وإذ لم يتمّ سكونها ودافعت الشهوات واعترضت عليها سمّيت النفس اللوامة، وإن تركت المدافعة والاعتراض وأطاعت الشهوة والشيطان سمّيت النفسَ الأمارة بالسوء.

4 ـ العقل: وهو أيضًا مشترك لمعان مختلفة ذكرناها في كتاب العلم، ويُهِمّنا هنا معنيان.

أحدهما: أنّه يُراد به العلم بحَقائق الأمور، فيكون العَقل عِبارة عن صفة العلم الذي محله القلب.
والثاني: أنّه المدرك للعلوم، فيكون هو القلب بمعنى اللطيفة الربانيّة المدركة العالمة.

ثم يقول الغزالي بعد ذلك: إن معاني هذه الأسماء موجودة، وهي القلب الجسماني والروح الجسماني والنفس الشهوانيّة والعلوم “كذا” فهذه أربعة معانٍ يُطلَق عليها الألفاظ الأربعة، ومعنى خامس وهي اللطيفة العالمة المُدركة من الإنسان، والألفاظ الأربعة بجملتها تتوارَد عليها، فالمعاني خمسة والألفاظ أربعة وكل لفظ أطلقَ لمعنيين، وأكثر العلماء قد التبس عليهم اختلاف هذه الألفاظ وتوارُدها، فتراهم يتكلّمون في الخواطر ويقولون: هذا خاطر العقل وهذا خاطر الرُّوح وهذا خاطِر القلب وهذا خاطِر النفس، وليس يدري الناظر اختلاف معاني هذه الأسماء.
ثم يقول: وحيث ورد في القرآن والسُّنّة لفظ القلب فالمراد به المعنى الذي يفقهُ من الإنسان ويعرف حقيقة الأشياء، وقد يكنَّى عنه بالقلب الجسماني الذي هو في الصدر لأنه بينهما علاقة.
هذا ملخص ما قاله الإمام الغزالي في كتابه “إحياء علوم الدين” لنعرف أن أي لفظ من هذه الألفاظ قد يُراد به أي معنى من هذه المعاني، وللاجتهاد مجال فيه.
والذي يهتمُّ بذلك هم العلماء النفسيُّون والتربويّون، وفي ذلك دراسات مستفيضة ومتخصِّصة وتكفي هذه النبذة لمعرفة بعض ما يتعلق بهذه الألفاظ ومعانيها.

العلاقة بين النفس والروح

الإنسان هو إحدى بدائعِ خلق الله، وهو بطبعه متغيِّر، فإذا تكلَّمنا عن نفس الإنسان، فنحن نقول عن الإنسان حين تظهر عليه علاماتٌ غير التي كانتْ تظهر عليه في موقفٍ معيَّن؛ من حبٍّ، أو كرهٍ، أو خلافه – نقول: لقد تغيَّرت نفسه، والنفس هي الشيء الذي يتكوَّن نتيجةَ الْتقاء الروح بالجسد، فإذا انفصلت الروح عن الجسد، فلا توجد نفسٌ، وهي التي تقوم بتنفيذِ جميع العمليات التشغيلية التي يُملِيها عليها المدير الذي يخطِّط ويدبِّر لها، وهو ذلك المخلوق المُدهِش القابع في حصنٍ حصين، يسمَّى الجمجمة، البارز منه منظاران يتصلان مباشرة بمراكز التنفيذ، وهو “المخ البشري العظيم”.

 

والنفسُ كما أنها تَمتَلِك القوَّة التنفيذية، هي أيضًا تَمتَلِك إصدارَ القرارات العُلْيا، ووضعَ السياسات الرئيسية، والتي من ضمنِها توجيهُ عملِ المخ نفسه؛ فالمخُّ خاضعٌ للنفس في القرارات العليا والأهداف الرئيسية، والنفس تنفِّذ التفصيلات والخطوات، وتلتزم بالأهداف الجزئية التنسيقية التي يَضَعُها لها المخ للوصول إلى الهدف الرئيسي الذي وضعتْه النفس من قبل.

 

وتعالَ معي – أيها القارئ – نَغُصْ في أعماق النفس الإنسانية، ونتعرَّض لبعض أحوالها؛ فالنفس ذُكرتْ في القرآنِ على معانٍ متعددة؛ ففي سورة يوسف قال – تعالى -: ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾ [يوسف: 53]، الآية تذكر أن النفس تأمُر صاحبَها بالسوء، فالآية تدل على أن النفس تُصدِرُ الأوامرَ، وليس مجرد طلب تطلبه أو أمنية تريد أن تحققها، ولكنه أمرٌ صريح واضح بالمعصية والسوء.

فالواضح من الآية أن النفسَ تمكَّنت وتعملقتداخل الإنسان، والذي يتَّضِح من الآية أن هذا الإنسان ضعيفٌ يَستَكِين لأوامرِ نفسِه، والملاحظ أيضًا أنها تأمر، والسؤال هو تأمر مَن؟ وتتمكَّن ممن؟ مَن هذا الذي يأتَمِر بأمرها؟ هل هو المخ، أم العقل، أم الضمير؟

والمعلوم أن العقلَ شيءٌ، والمخ شيء آخر، فالمخ هو مدير العمليات التنفيذية، والعقل هو ميزان هذه العمليات، فهو يَزِن العملية من حيث الصواب والخطأ، والعرف والقانون، ومدى ملاءَمتها للمجتمع من حولها.

أما الضمير، فهو ذلك المخلوق الجميل داخل النفس، الذي دائمًا يَنْهَاها عن فعلِ السوء، ويوقف هواها عند حدِّ الشرع، وفي ذلك يقول المولى – عز وجل -: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40، 41]، انظر إلى وضوحِ الآية في تقرير أن الفائز هو الذي استطاع أن يَنْهَى نفسَه عن هواها، ولا ييئس عن لوم النفس عند فعل السوء؛ حتى تستطيع النفس – التي تتلون بجميع الألوان – أن تخدعه وتعطيه مخدِّرًا فينام أطول مدَّة ممكنة؛ حتى تستطيع أن تزاول مهمَّتها بدون معكِّرات أو منغِّصات.

وسوف نكتشف معًا أن العَلاقة بين المخ والعقل، والضمير والنفس، وأيضًا القلب – هي عَلاقة معقَّدة، وسنترك القلب والروح مؤقتًا؛ حتى نستخلص أنواع هذه العَلاقات.

ذكرنا أن النفسَ هي التي تُصدِر الأوامر العُلْيَا؛ ولذلك هي التي سوف تُحَاسَب في الآخرة، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، ولكن هذا الكِيان الذي يَحمِل داخله كلَّ هذه المتناقضات كيف يُصبِح في حالةِ وِئام وسلامٍ مع بعضِه البعض؟ لا يُمكِن أن ينتشر السلام بين أعضاء هذا الكيان إلا من خلال مجموعة قيمٍ ومبادئَ وتشريعات خارجية، تأتي من جهةٍ أعلى، موجِّهة ومنسِّقة، ومرتِّبة لأحوال وأفعال هذه المجموعة المتناقضة داخل النفس، فإذا أخذتِ النفسُ هذه التوجيهات، وعمِلت بها، وأصلحت الخلل بين الأعضاء، حدث نوع من الطمأنينة؛ فإذا اطمأنت الأعضاء، انتشر السلام.

ولذلك ينادي الله – سبحانه وتعالى – على هذه النفس في سورة الفجر: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴾ [الفجر: 27]، وهذا هو النداء المحبَّب للملائكة أن تنادي به الأنفس.

ولما وصلتْ هذه النفس المطمئنة إلى هذه الدرجة لم تكن لتصلَ إليها أبدًا إلا بعد توبةٍ، وكأن السبب في هذه التوبة هو ذلك الضمير الذي ينغِّص عليها عيشتَها في كل وقتٍ وكل مناسبة.

فإذا مالتِ النفسُ العاصية إلى الضمير، أصبحتْ نفسًا أخرى تتبرأ من نفسِها؛ فقد أصبحت نفسًا لوَّامة تلومُ نفسَها على ما كان منها وتندم، فكلما كانتِ التوبة صادقةً كان اللومُ والإيلامُ من النفس اللوَّامة أشدَّ وأقصى، وفي هذا يقول المولى – عز وجل -: ﴿ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ [القيامة: 2]، وفي هذه الحالة تبدأُ عَلامات الانسجام تَظهَرُ على جميعِ الأعضاء الخارجية، وتبدأُ عَلاقة القلبِ بالنفس تَظهَر في علامات الرِّضا على جميع الأعضاء بعدما كانتْ عَلاقة عدم رضا في حالة النفس العاصية؛ لأن القلب إنما هو عضوٌ من الأعضاء يأخُذ الأوامر التشغيلية من المخ، وما هذه الأوامر إلا تفصيلٌ للأوامر العليا التي أصدرتْها النفس للمخ من قبل.

وفي حالات انسجامِ النفس مع بعض الأعضاء ترى أن القلبَ ينشُر الطمأنينة في بقيةِ الأعضاء؛ بسبب اطمئنانه هو أولاً، وانظر إلى قوله – سبحانه وتعالى -: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وانظر إلى المقابل عند عدم الاطمئنان، كيف ترتاب القلوب كما في قوله – تعالى -: ﴿ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴾ [التوبة: 45]، وانظر كيف تلومُ النفس قلبَها حتى يتقطع من اللوم؛ لتتبدلَ الخلايا لتصبح خلايا نظيفة يستقر بها الاطمئنان كما في قوله – سبحانه وتعالى -: ﴿ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ﴾ [التوبة: 110].

 

أما الروح، فهي ذلك المخلوق صاحب السرِّ العظيم الذي حَكَمَ اللهُ – سبحانه وتعالى – بأنه سيظل غيبًا إلى يوم القيامة، ومن عظمة الروح أنك لا تستطيع إنكارَها؛ فكلُّ مخلوقٍ – سواء كان مؤمنًا، أو كافرًا، أو غير ذلك – يُؤمِن بأن داخله روح لا يستطيع التحرك بدونها؛ بدليل الموت الذي نشهده جميعًا، فالميت لا يتحرك – وجميع أعضائه سليمة – بسبب أن الروح خرجت منه.

 

وهي السرُّ الأعظم لوجودِ كلِّ حيٍّ في ذلك الكون، وعَلاقة النفس بها أن النفسَ لا تستطيع القيام ولا الحركة بدون الروح، ولكن الروح لا تستطيع التأثير في سلوك النفس، ولا تستطيع التغيير فهي وقود حركة الجسد الذي يتحرك تبعًا لهوى النفس.

 

ومما تقدَّم نستخلص أن هذه المجموعة تقودُها النفس؛ فإذا صَلَحت النفس، صَلَح جميع الأعضاء، وأصبح الانسجام ظاهرًا في جميع العَلاقات والتعاملات بينهم جميعًا، وفي هذا يقول الرسول الكريم – صلوات الله وسلامه عليه -: ((ألا إن في الجسد مضغةً، إذا صَلَحت صَلَح الجسد كلُّه، وإذا فَسَدت فَسَد الجسد كله))، يقصد القلب، والمراد هو النفس؛ لأنها هي التي تصدر الأوامر العليا للمخ، والمخ يصدر الأوامر للقلب؛ ولذلك نجد أن النعيم في الآخرة للنفس، وأن العذاب أيضًا للنفس وليس للقلب، ولذلك بعد الحساب في الآخرة سيُنْشِئنا الله نشأةً أخرى، لا يعلم كنهَها إلا اللهُ، فانظر إلى قوله – سبحانه وتعالى -: ﴿ فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى ﴾ [طه: 74]، وقل لي – بالله عليك -: كيف يكون ذلك لا موتًا ولا حياة؟ ما هذا؟! هل تعلم ما هو الذي بين الموت والحياة؟! لا يعلم ذلك إلا اللهُ – سبحانه وتعالى.

 

قد كانتْ هذه محاولةً لفكِّ التشابك الذي يستعصي على كثيرٍ من الناس فهمُه، وما هي إلا خطوةٌ ضئيلة في فهم ذلك، نرجو من الله – سبحانه وتعالى – أن يمنَّ علينا بخطواتٍ قريبة تَفتَحُ لنا الآفاق في هذا الباب.

ما الفرق بين النفس والروح
الفرق بين الروح والنفس ابن القيم

هل النفس والروح شيء واحد أو شيئان متغايران

فأختلف الناس في ذلك
فمن قائل أن مسماهما واحد وهم الجمهور
ومن قائل أنهما متغايران ونحن نكشف سر المسألة بحول الله وقوته فنقول النفس تطلق على أمور
أحدها الروح قال الجوهري النفس الروح يقال خرجت نفسه قال أبو خراش
نجما سالما والنفس منه بشدقه … ولم ينج إلا جفن سيف ومئزر
أي بجفن سيف ومئزر والنفس والدم قال سألت نفسه وفي الحديث مالا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه والنفس الجسد
قال الشاعر
نبئت أن بني تميم أدخلوا … أبناءهم تامور نفس المنذر
والتامور الدم والنفس العين يقال أصابت فلانا أي عين
قلت ليس كما قال بل النفس ها هنا الروح ونسبة الإضافة إلى العين توسع لأنها تكون بواسطة النظر المصيب والذي أصابه إنما هو نفس العائن كما تقدم
قلت والنفس في القرآن تطلق على الذات بحملتها كقوله تعالى فسلموا على أنفسكم وقوله تعالى يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وقوله تعالى كل نفس بما كسبت رهينة وتطلق على الروح وحدها كقوله تعالى يا أيتها النفس المطمئنة وقوله تعالى أخرجوا أنفسكم وقوله تعالى ونهى النفس عن الهوى وقوله تعالى إن النفس لأمارة بالسوء
وأما الروح فلا تطلق على البدن لا بإنفراده ولا مع النفس وتطلق الروح على القرآن الذي أوحاه الله تعالى إلى رسوله قال تعالى وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا
وعلى الوحي الذي يوحيه إلى أنبيائه ورسله قال تعالى يلقى الروح من أمره على من
يشاء من عباده لينذر يوم التلاق !

وقال تعالى ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فإتقون وسمى ذلك روحا لما يحصل به من الحياة النافعة فإن الحياة بدونه لا تنفع صاحبها البتة بل حياة الحيوان البهيم ! خير منها وأسلم عاقبة
وسميت الروح روحا لأن بها حياة البدن وكذلك سميت الريح لما يحصل بها من الحياة وهي من ذوات الواو ولهذا تجمع على أرواح قال الشاعر
إذا ذهبت الأرواح من نحو أرضكم … وجدت لمسرها على كبدي بردا
ومنها الروح والريحان والاستراحة فسميت النفس روحا لحصول الحياة بها وسميت نفسا إما من الشيء النفيس لنفاستها وشرفها وإما من تنفس الشيء إذا خرج فلكثرة خروجها ودخولها في البدن سميت نفسا ومنه النفس بالتحريك فإن العبد كلما نام خرجت منه فإذا استيقظ رجعت إليه فإذا مات خرجت خروجا كليا فإذا دفن عادت إليه فإذا سئل خرجت فإذا بعث رجعت إليه
فالفرق بين النفس والروح فرق بالصفات لا فرق بالذات
وإنما سمي الدم نفسا لأن خروجه الذي يكون معه الموت يلازم خروج النفس وإن الحياة لا تتم إلا به كما لا تتم إلا بالنفس فلهذا قال
تسيل على حد الظباة نفوسنا … وليست على غير الظباة تسيل
ويقال فاضت نفسه وخرجت نفسه وفارقت نفسه كما يقال خرجت روحه وفارقت ولكن الفيض الاندفاع وهلة واحدة ومنه الإفاضة وهي الاندفاع بكثرة وسرعة لكن أفاض إذا دفع بإختياره وإرادته إذا اندفع قسرا وقهرا فالله سبحانه هو الذي يفيضها عند الموت فتفيض هي

فصل: وقالت فرقة أخرى من أهل الحديث والفقه والتصوف الروح غير النفس

قال مقاتل بن سليمان للإنسان حياة وروح ونفس فإذا نام خرجت نفسه التي يعقل بها الأشياء ولم تفارق الجسد بل تخرج كحبل ممتد له شعاع فيرى الرؤيا بالنفس التي خرجت منه وتبقى الحياة والروح في الجسد فيه يتقلب ويتنفس فإذا حرك رجعت إليه أسرع من طرفة عين فإذا أراد الله عز و جل أن يميته في المنام أمسك تلك النفس التي خرجت وقال أيضا إذا نام خرجت نفسه فصعدت إلى فوق فإذا رأت الرؤيا رجعت فأخبرت الروح ويخبر الروح فيصبح يعلم أنه قد رأى كيت وكيت
قال أبو عبد الله بن منده ثم اختلفوا في معرفة الروح والنفس فقال بعضهم النفس طينية نارية والروح نورية روحانية
وقال بعضهم الروح لاهوتية والنفس ناسوتية وأن الخلق بها ابتلى
وقالت طائفة وهم أهل الأثر أن الروح غير النفس والنفس غير الروح وقوام النفس بالروح والنفس صورة العبد والهوى والشهوة والبلاء معجون فيها ولا عدو أعدى لابن آدم من نفسه فالنفس لا تريد إلا الدنيا ولا تحب إلا إياها والروح تدعو إلى الآخرة وتؤثرها وجعل الهوى تبعا للنفس والشيطان تبع النفس والهوى والملك مع العقل والروح والله تعالى يمدهما بالهامة وتوفيقه
وقال بعضهم الأرواح من أمر الله أخفى حقيقتها وعلمها على الخلق
وقال بعضهم الأرواح نور من نور الله وحياة من حياة الله
ثم اختلفوا في الأرواح هل تموت بموت الأبدان والأنفس أو لا تموت
فقالت طائفة الأرواح لا تموت ولا تبلى
وقالت الجماعة الأرواح على صور الخلق لها أيد وأرجل وأعين وسمع وبصر ولسان
وقالت طائفة للمؤمن ثلاثة أرواح وللمنافق والكافر روح واحدة
وقال بعضهم للأنبياء والصديقين خمس أرواح
وقال بعضهم الأرواح روحانية خلقت من الملكوت فإذا صفت رجعت إلى الملكوت
قلت أما الروح التي تتوفى وتقبض فهي روح واحدة وهي النفس
وأما ما يؤيد الله به أولياءه من الروح فهي روح أخرى غير هذه الروح كما قال تعالى أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه وكذلك الروح الذي أيد بها روحه المسح ابن مريم كما قال تعالى إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدك بروح القدس وكذلك الروح التي يلقيها على من يشاء من عباده هي غير الروح التي في البدن
وأما القوى التي في البدن فإنها تسمى أيضا أرواحا فيقال الروح الباصر والروح السامع والروح الشام فهذه الأرواح قوى مودعة في البدن تموت بموت الأبدان وهي غير الروح التي لا تموت بموت البدن ولا تبلى كما يبلى ويطلق الروح على أخص من هذا كله وهو قوة
المعرفة بالله والإنابة إليه ومحبته وانبعاث الهمة إلى طلبه وإرادته ونسبة هذه الروح إلى الروح كنسبة الروح إلى البدن فإذا فقدتها الروح كانت بمنزلة البدن إذا فقد روحه وهي الروح التي يؤيد بها أهل ولايته وطاعته ولهذا يقول الناس فلان فيه روح وفلان ما فيه روح وهو بو وهو قصبة فارغة ونحو ذلك
فللعلم روح وللإحسان روح وللإخلاص روح وللمحبة والإنابة روح وللتوكل والصدق روح والناس متفاوتون في هذه الأرواح أعظم تفاوت فمنهم من تغلب عليه هذه الأرواح فيصير روحانيا ومنهم من يفقدها أو أكثرها فيصير أرضيا بهيميا والله المستعان

الفرق بين النفس والذات

صفة النفس اختلف أهل العلم من أهل السنة في إثباتها على قولين: –
القول الأول: أن النفس المذكورة في الآيات هي الذات نفسها وليست صفة لها.
قوله سبحانه : ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ أي تعلـم ما عندي ولا أعلم ما عندك ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ أي لذاتي لي. ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ أي و يحذركم الله ذاته. وهذا ليس من التأويل حتى يقال : كيف تؤولون؟ ! لكن يقال إن لسان العرب يطلق النفس ويريد به الذات. فيقال : سقط الجدار نفسه ومعلوم أن الجدار ليس له نفس والمقصود ذاته.
فهذا جار على لسان العرب. أن يطلق لفظ النفس ويراد به الذات نفسها يراد به الذات هي وهذا القول مال إليه شيخ الإسلام رحمه الله وقال : إنه قول جماهير أهل العلم. والقول الثاني: أن النفس صفة للذات كالسمع والبصر وغيرها من الصفات.
وهذا القول قال به جمع من أهل السنة من أبرزهم إمام الأئمة ابن خزيمة رحمه الله في كتابه “التوحيد ” وكذا الشيخ ابن خفيف رحمه الله في كلامه.
فهذان قولان في المسألة والراجح منهما القول الأول وهو قول الجماهير

السابق
كيفية صناعة خل التمر
التالي
دواء أديمباس- adempas علاج ارتفاع ضغط الدم الرئوي المزمن

اترك تعليقاً