ديني

ما المقصود بيوم عاشوراء

قصة يوم عاشوراء عند الشيعة

واقعة عاشوراء، ملحمة کبرى دارت رحاها على أرض كربلاء في اليوم العاشر من محرم سنة 61 للهجرة. سقط فيها مجموعة من الشهداء وعلى رأسهم الإمام الحسين بن علي  مع ابنين له أحدهما رضيع، وكذلك إخوته وبني إخوته وأبناء عمومته من بني هاشم، وعصبة من أصحابه، حين قرّروا البقاء مع الحسين  ومنازلة جيش يزيد بن معاوية بقيادة عمر بن سعد.

وبعد أن انتهت المعركة سيق ركب النساء واليتامى أسارى إلى الكوفة ومنها إلى الشام، وفیهم الإمام زين العابدين وزينب بنت علي ، يتقدمهم رؤوس الشهداء على الرماح.

واقعة عاشوراء من أشهر الحوادث المأساوية في التاریخ وأكثرها إثارة؛ وجری فیها الإنتهاکات وهتك الحرمات، فكانت لها انعكاسات وأصداء واسعة، وقد صوّر الفن كل ذلك على شكل لوحات فنية، وأفلام ومسلسلات وخطته أنامل الشعراء والأدباء وأرباب المقاتل شعراً ونثراً.

وقد اعتنى الشيعة منذ العصور القديمة وبإيعاز واهتمام من أئمة أهل البيت ، بإحياء تلك المناسبة على مدار السنة لاسيما خلال شهريمحرم وصفر.

من العبارات المنقولة عن النبي الأكرم  فيما يتعلق بالواقعة: «إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لن تبرد أبداً»، كما وصف سبطه بـ«قتيل العبرة … الذي لا يذكره مؤمن إلّا بكى».

كلمة عاشوراء

عاشوراء: يوم سُمّي في الإسلام، ولم يُعرف في الجاهلية، وهو اليوم العاشر من المحرم.

بعد أن تمكّن عبيد الله بن زياد من السيطرة على الكوفة وهيمن على الواقع العسكري والإداري في البلد وتمكن من قتل الإمام الحسين  وأصحابه في اليوم العاشر من شهر المحرم؛ وبعد أن حطّت الحرب أوزارها ساق النساء والأطفال أسارى إلى الكوفة وحبسهم هناك عدّة أيام، وبعد أن كتب إلى يزيد بن معاوية يعلمه الخبر بقتل الحسين  وأهل بيته وأصحابه، كتب إليه يزيد أن يحمل إليه في الشام الرؤوس والأسرى.

ومن هنا تحول هذا اليوم عند الشيعة إلى يوم حزنٍ وعزاء على استشهاد الإمام الحسين ، والذي يعدّ أكبر مصيبة وقعت على آل الرسول، فاتخذه أعداء أهل البيت يوم فرح لهم، واتخذته الشيعة مأتماً ومواساةً لآل الرسول يبكون فيه القتلى. يضاف إلى ذلك اهتمام الشيعة بجميع وقائع ذلك اليوم وما سبقه وما تلاه من الوقائع من تمثيل بأجساد الشهداء وحرق للخيام وأسر للنساء والأطفال.

أحداث ليلة العاشر

قبل البدء بالتحركات والإجراءات اللازمة في يوم عاشوراء، شهدت أرض الطف استعدادات في معسكر بني هاشم من أجل المواجهة المتوقعة، فقد ذكرت المصادر بأن ليلة العاشر من محرم، حملت في طيّاتها مواقف ومضامين متميزة، من ضمنها “لمّا أمسى حسينٌ (ع) وأصحابه قاموا الليل كلّه يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرّعون…”،وفي رواية أخرى وصف معسكر الإمام الحسين في تلك الليلة على أنه “بات الحسين (ع) وأصحابه تلك الليلة، ليلة العاشر من المحرم، ولهم دوي كدوي النحل، ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد”.

وأحداث أخرى مشابهة. كما تميزت هذه الليلة بمواصفات خاصة، منها:

الإستعدادات العسكرية كـتفقد التلاع والعقاب، والأمر بحفر خندق حول الخيم، وأن تلقى فيه النار، والأمر بأن يقرب بعضهم خيامهم من بعض وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض وأمور من هذا القبيل.[5]

وتأكيد أنصار الإمام على البيعة والوفاء بالعهد

وحوار الإمام الحسين مع السيدة زينب وذلك بعد أن انتهى [[الإمام الحسين (ع) من استطلاع التلاع والروابي عاد، حتى دخل  خيمة زينب  فسألته (ع) عما إذا كان قد استعلم من أصحابه نياتهم فكانت تخشى أن يسلموه (ع) عند الشدة؟». فأجابها: والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل إلى محالب أمّه.

كما حصل موقف آخر بين الحسين وأخته عند ابنه السجاد (ع) في تلك الليلة وهي تمرضه ولمّا علمت منه أن الشهادة حتمية وأن ساعة الرحيل قد أزفت بكت فسكّنها الحسين  وأوصاها بالصبر.[6]

وكتابة الرسائل

وبعد أن فرغ الإمام (ع) من تلك المهام شرع بكتابة مجموعة من الرسائل كتبها لأشخاص وجهات معينة وحيث كان  قد أحاط به العدو من كل صوب جعلها عند كل من الإمام السجاد  والسيدة زينب وابنته فاطمة  لإيصالها بعد انتهاء الحرب.

وقائع صباح يوم العاشر من محرّم

بدأت حركة الإمام  صباح العاشر من المحرم بإقامة صلاة الصبح جماعة.[7] ثم نظّم  صفوف قواته، وكانوا اثنين وثلاثين فارساً وأربعين راجلاً.[8] فجعل زهير بن القين على ميمنته، وحبيب بن مظاهر على ميسرته، ودفع الراية إلى أخيه العباس بن علي‏ .[9] وأمر أصحابه أن يقرّب بعضهم خيامهم من بعض وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض وأن يكونوا بين البيوت فيستقبلون القوم من وجه واحد.[10] وأمر فأتي بقصب وحطب إلى مكان من ورائهم منخفض كأنّه ساقية وكانوا حفروه في ساعة من الليل فصار كالخندق ثم ألقوا فيه ذلك القصب والحطب وقالوا: «إذا غدوا فقاتلونا ألهبنا فيه النار لئلا يأتونا من ورائنا ففعلوا».[11]

وفي المقابل تقدّم عمر بن سعد ليؤم جيشه الذي بلغ عدده على المشهور أربعة آلاف مقاتل لصلاة الغداة وجعل عمر بن سعد على ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدي وعلى ميسرتهشمر بن ذي الجوشن الضبابي وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسي وعلى الرجالة شبث بن ربعي الرياحي.[12]

وجعل عمر بن سعد أيضاً على ربع أهل المدينة عبد الله بن زهير الأزديّ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث بن قيس، وعلى ربع مذحج وأسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفيّ، وعلى ربع تميم وهمدان الحرّ بن يزيد الرياحيّ، وأعطى الراية دريداً مولاه.[13] واستعد لمحاربة أبي عبد الله الحسين  وأصحابه.

فلمّا نظر الإمام الحسين  – كما في الرواية – إلى الجيش رفع يديه بالابتهال إلى الله قائلاً: «اَللّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتي في كُلِّ كَرْب، وأَنْتَ رَجائي في كُلِّ شِدَّة، وأَنْتَ لي في كُلِّ أَمْر نَزَلَ بِي ثِقَةٌ وعُدَّةٌ، كَمْ مِنْ هَمٍّ يُضَعِّفُ فيهِ الْفُؤادُ وتَقِلُّ فيهِ الْحيلَةُ، ويَخْذِلُ فيهِ الصَّديقُ ويَشْمِتُ فيهِ الْعَدُوُّ، أَنْزَلْتُهُ بِكَ وشَكَوْتُهُ إِلَيْكَ، رَغْبَةً مِنِّي إِلَيْكَ عَمَّنْ سِواكَ، فَفَرَّجْتَهُ عَنّي وكَشَفْتَهُ، فَأَنْتَ وَلِىُّ كُلِّ نِعْمَة، وصاحِبُ كُلِّ حَسَنَة ومُنْتَهى كُلِّ رَغْبَة».

وحينها أرسل عمر بن سعد رجالاً يقوضون الخيام عن إيمانهم وعن شمائلهم ليحيطوا بهم، قال: فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين  يتخللون البيوت فيشدون على الرجل وهو يقوض وينهب فيقتلونه ويرمونه من قريب ويعقرونه.

خطاب الإمام الحسين وأصحابه

قبل أن تنشب الحرب بين الطرفين قرر الإمام  إلقاء الحجّة على جيش عمر بن سعد فركب فرسه وتقدّم نحو القوم في نفر من أصحابه، وبين يديه برير بن خضير، فقال له الحسين : كلّم القوم، فتقدم برير، فقال: «يا قوم اتقوا الله فإن ثقل محمد  قد أصبح بين أظهركم، هؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمه، فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون أن تصنعوا بهم؟. فجعل القوم يرمونه بالسهام، فرجع برير إلى ورائه. وتقدم الحسين  حتى وقف بإزاء القوم، فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنهم السيل، ونظر إلى ابن سعد واقفاً في صناديد الكوفة، فقال: «الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرفة بأهلها حالا بعد حال…» فتقدم شمر فقال: «يا حسين، ما هذا الذي تقول؟ أفهمنا حتى نفهم»، فقال: أقول:

«اتقوا الله ربكم ولا تقتلوني، فإنّه لا يحل لكم قتلي، ولا انتهاك حرمتي، فإني ابن بنت نبيكم وجدتي خديجة زوجة نبيكم، ولعله قد بلغكم قول نبيكم  : «الحسنوالحسين  سيدا شباب أهل الجنة».

وقال المفيد: «ودعا الحسين  براحلته فركبها ونادى بأعلى صوته: يا أهل العراق- وجلهم يسمعون- فقال: أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم عليّ، وحتى أعذر إليكم، فإن أعطيتموني النصف، كنتم بذلك أسعد، وإن لم تعطوني النصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة، ثم اقضوا إلي ولا تنظرون إن وليي الله الذي نزّل الكتاب، وهو يتولى الصالحين. ثم حمد الله وأثنى عليه….».

ثم قال: «أما بعد فانسبوني، فانظروا من أنا، ثم راجعوا أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن “بنت” نبيكم، وابن وصيه وابن عمه، وأول مؤمن مصدق لرسول الله  بما جاء به من عند ربه؟ أو ليس حمزة سيد الشهداءعمي؟ أو ليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي؟ أولم يبلغكم ما قال رسول الله  لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟ فإن صدقتموني بما أقول وهو الحقّ والله ما تعمّدت كذباً مذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله، وإن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي والبراء بن عازب أوزيد بن أرقم أو أنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله  لي ولأخي…» ثم نادى: «يا شبث بن ربعي، ويا حجار بن أبجر، ويا قيس بن الاشعث، ويا يزيد بن الحارث ألم تكتبوا إليّ أن قد أينعت الثمار، واخضر الجناب، وإنما تقدم على جند لك مجندة؟» فقال له قيس بن الأشعث: «ما ندري ما تقول ولكن أنزل على حكم بني عمك، فإنهم لن يروك إلا ما تحب»، فقال لهم الحسين  : «لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد».

ثم تقدم زهير بن القين فخاطب الكوفيين بقوله: «يا أهل الكوفة، نذارِ لكم من عذاب اللهِ نَذارِ، إنّ حقاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتّى الآن إخوةٌ على دين واحد وملّة وحدة ما لمْ يَقَع بيننا وبينكم السّيف وأنتم للنّصيحة منّا أهلٌ فإذا وقع السّيف انقطعت العِصمة وكنّا نحن أُمّة وأنتم أُمّة، إنّ الله قد ابتلانا وإيّاكم بذريّة نبيّه محمّد  ليَنْظُر ما نحن وأنتم عاملون».

فرماه الشمر بسهم، وقال له: «اسكُت، اسكَتَ الله نأمَتك فقد أبرمتنا “اضجرتنا” بكثرة كلامك»، وكان من قبل ذلك قد رد على خطاب الإمام الحسين .

الحسين (ع) يمنع من البدء بالقتال

لما أقبل القوم يقودهم شمر بن ذي الجوشن يجولون حول الخيام ورأوا الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان أُلقي فيه، فتكلم شمر بكلمات نابية لا تخرج الا من أمثاله، رام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين  من ذلك قائلاً: «لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم بقتال».

اندفاع شمر نحو الحرب

وبعد أن انتهت حملة عمرو بن الحجاج على معسكر الحسين  حمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة على أهل الميسرة فثبتوا له، فطاعنوه وأصحابه. ولم يكن في جيشالكوفة من هو أقل شوقاً للحرب واندفاعا لها من شمر بن ذي الجوشن حتى أنّه لم يرع أخلاقيات الحرب وكاد أن يفتك بالنساء على مرأى من الإمام  حتى وبّخه بعض قادة جيش ابن زياد بقوله: «أمرعبا للنساء صرت يا شمر؟!».

الحملة الكبرى

وقبيل الزوال من ظهر العاشر من محرم حمل جيش ابن زياد على الحسين  وأصحابه من كل جانب، فقاتلهم أصحاب الحسين  قتالاً شديداً، وأخذت خيل أصحاب الحسين  تحمل وإنما هم اثنان وثلاثون فارساً، وأخذت لا تحمل على جانب من خيل أهل الكوفة إلا كشفته، فلما رأى ذلك عزرة بن قيس- وهو على خيل أهل الكوفة- أن خيله تنكشف من كل جانب، بعث إلى عمر بن سعد بعبد الرحمن ابن حصن، فقال: «أما ترى ما تلقى خيلي مذ اليوم من هذه العدة اليسيرة! أبعث إليهم الرجال و الرماة». فدعا عمر بن سعدالحصين بن تميم فبعث معه المجففة “وهم جماعة من الجيش يحملون دروعاً أو متاريس كبيرة” وخمسمائة من المرامية، فأقبلوا حتى إذا دنوا من الحسين  وأصحابه رشقوهم بالنبل، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم، وصاروا رجّاله كلهم. وأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الإمام الحسين  بالانتشار بين الخيام للدفاع عنها ومنع من يريد الاقتراب منها ونهبه وتمكنوا من قتل البعض وجرح البعض الآخر، فلما أحسّ عمر بن سعد بحراجة الموقف وموقفه من القضاء على الإمام  وأصحابه بسرعة فائقة أمر بتقويض الخيام فسارع شمر بن ذي الجوشن مع أصحابه للهجوم على المخيم فتصدى له زهير بن القين في عشرة رجال من أصحاب الحسين  وكشفوهم عن البيوت.

واشتد القتال والتحم وكثر القتلى والجرحى في أصحاب أبي عبد الله الحسين  إلى أن زالت الشمس. وقد استشهد في هذه الحمل بالإضافة إلى مسلم بن عوسجة كل منعبد الله بن عمير الكلبي في ميمنة جيش الإمام  على يد هاني بن ثبيت الحضرمي وبكير بن حي التميمي. وعمرو بن خالد الصيداوي وجابر بن الحارث السلماني وسعد غلام عمرو بن خالد ومجمع بن عبد الله العائذي وابنه عائذ بن مجمع سقطوا عند مبارزة العدو. كما سقطت مجموعة من أنصار الإمام  أوصلتها بعض المصادر التاريخة إلى الخمسين شهيداً.

انظر: عبد الله بن عمير الكلبي‎، عمرو بن خالد الصيداوي، جابر بن حارث السلماني، سعد غلام عمرو بن خالد، مجمع بن عبد الله العائذئ، وعائذ بن مجمع.

وقائع ظهر العاشر من محرّم

استمر القتال بين الطرفين حتى زوال الشمس وحلول وقت الصلاة فلما رأى ذلك أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين : «يا أبا عبد الله، نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك وأحب أن ألقى الله ربي وقد صليت هذه الصلاة، فرفع الحسين  رأسه إلى السماء» وقال: «ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين، نعم هذا أوّل وقتها»، ثم قال: «سلوهم أن يكفوا عنا حتّى نصلي».فقال الحصين بن نمير: «إنها لا تقبل»، فقال حبيب بن مظاهر: «لا تقبل الصلاة زعمت من ابن رسول الله وتقبل منك يا حمار»، “وفي رواية يا ختار يعني يا غادر وفي رواية ثالثه يا فاسق”، فحمل عليه الحصين بن نمير وحمل عليه حبيب. ولم يزلْ حبيب يُقاتل حتّى حمَلَ عليه رجلٌ من بني تميم يُقال له بُديل بن صُرَيم فضربه برمحه فوقع وذهب ليقوم فضربه الحُصينُ بن نَمير على رأسه بالسّيف فسقط.

تقدّم الإمام  ببقيّة أصحابه وكانوا عشرين رجلاً اصطفوا للصلاة خلفه فلما أراد الصلاة قال  لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي: «تقدما أمامي حتى أصلي الظهر فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى صلّى بهم صلاة الخوف».وروي أن سعيد بن عبد الله الحنفي تقدم أمام الحسين  فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلّما أخذ الحسين  يمينا وشمالاً قام بين يديه، فما زال يرمى به حتى سقط شهيداً.

وبعد أن أتمّ الإمام صلاته استشهد سعيد بن عبد الله على أثر ما أصيب من جراح ثمّ برز كل من زهير بن القين، برير بن خضير الهمداني،نافع بن هلال الجملي، عابس بن أبي شبيب الشاكري، حنظلة بن سعد الشبامي فاستشهدوا واحداً تلو الآخر.

انظر: سعيد بن عبد الله‎، زهير بن القين، برير بن خضير الهمداني، نافع بن هلال الجملي، عابس بن أبي شبيب الشاكري، وحنظلة بن سعد الشبامي.

وقائع عصر يوم عاشوراء

بنو هاشم يتقدمون إلى الموت

تسجل لنا المصادر التاريخية أنه لمّا استشهد أصحاب الإمام الحسين  أخذ بنو هاشم بالخروج إلى المعركة وكان أوّل من طلب الخروج إلى الحرب علي بن الحسين  المعروف بعلي الأكبر فأذن له أبوه  مودعاً له بقوله: «اللهم اشهد على هؤلاء فانه قد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً و منطقاً برسولك».

وبعد أن سقط علي الأكبر شهيداً تقدم سائر إخوة الإمام  عبد الله وعثمان وجعفر قبل العباس  حتى استشهدوا جميعاً. ثم خرج سائربني هاشم واحداً تلو الآخر منهم أبناء عقيل بن أبي طالب وعبد الله بن مسلم بن عقيل بالإضافة إلى أبناء جعفر بن أبي طالب، وعدي بن عبد الله بن جعفر الطيار بالإضافة إلى أبناء الإمام الحسن  كالقاسم بن الحسن  وأخيه أبو بكر فسقطوا جميعهم شهداء واحداً تلو الآخر.

انظر: عبد الله بن مسلم بن عقيل، عبد الرحمن بن عقيل، القاسم بن الحسن، عدي بن عبد الله بن جعفر الطيار، أبو بكر بن حسن ، عبد الله بن علي ، عثمان بن علي ، وجعفر بن علي  وكان أبو الفضل العباس  صاحب راية الإمام  وقد تمكن من كسر الحصار المضروب على الخيام واقتحم الفرات لكنه استشهد في طريق عودته وقبل أن يوصل الماء إلى العيال.[52]

انظر: العباس بن علي

إصرار الإمام السجاد (ع) على خوض الحرب

ولما فجع الحسين  بأهل بيته وولده وأصحابه، ورأى جميع صحبه مجزرين على الأرض ولم يبق غيره وغير النساء والذراري نادى : «هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله ؟ هل من موحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟».[53]

ثم التفت  إلى أصحابه منادياُ: «يا حبيب بن مظاهر، ويا زهير بن القين، ويا مسلم بن عوسجة، يا أبطال الصفا، ويا فرسان الهيجاء، مالي أناديكم فلا تجيبوني، وأدعوكم فلا تسمعوني؟! أنتم نيام أرجوكم تنتبهون؟ أم حالت مودتكم عن إمامكم فلا تنصرونه؟ فهذه نساء الرسول  لفقدكم قد علاهن النحول، فقوموا من نومتكم، أيها الكرام، وادفعوا عن حرم الرسول الطغاة اللئام…».

فخرج علي بن الحسين زين العابدين  وكان مريضاً لا يقدر أن يقل سيفه، وأم كلثوم تنادي خلفه: يا بني ارجع، فقال: يا عمتاه ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله : فقال الحسين : يا أم كلثوم خذيه لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمد .

استعداد الإمام الحسين للحرب

ولمّا قرّر الإمام النزول إلى المعركة جاء إلى المخيم فجمع إخواته وبناته والأطفال فودّعهم وأمرهم بالسكوت وطلب ثوباً عتيقاً لا يرغب فيه أحد، فخرّقه ولبسه تحت ثيابه؛ لئلا يُجرّد منه. فلمّا قُتل ، جرّدوه منه وتركوه عرياناً على وجه الصّعيد.[55] ثم إنّه  لما رأى ولده عبد الله الرضيع يجود بنفسه من العطش أتى به– حسب بعض المقاتل- نحو القوم يطلب له الماء، وقال: «إن لم ترحموني، فارحَموا هذا الطفل»، فاختلفَ العسكر فيما بينهم فصوب اليه حرملة بن كاهل السهم وهو في حِجر أبيه فذبحته من الوريد إلى الوريد.

قتال الحسين (ع) في عصر عاشوراء

بعد أن بقي الإمام الحسين  وحيداً صمم على منازلة القوم إلاّ أنهم أحجموا عن مواجهته رغم ما به من جراح، لكنهم حالوا بينه وبين الوصول إلى المشرعة فأصابه سهم في حَنَكه .[57] ورغم الجراح والآلام التي أصيب بها إلا أنّه  قاتل القوم ببسالة.[58] وصفها حُمَيد بن مسلم بقوله: «فوالله ما رأيت مكسورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جاشا ولا أمضى جنانا منه  إذ كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فينكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب».[59]

الحسين (ع) يصلي الظهر

وقال ابن طاووس: «لقد كان يحمل فيهم و لقد تكملوا ثلاثين ألفاً فيهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول: لا حول ولا قوّة إلا بالله».

ثم إنّه  ودّع عياله مرّة ثانية وأمرهم بالصبر ولبس الأزر وقال: «استعدوا للبلاء واعلموا أنّ الله حاميكم وحافظكم وسينجيكم من شرّ الأعداء ويجعل عاقبة أمركم إلى خير…».[61] ثم ودّع النساء قائلاً: «يا سكينة يا فاطمة يا زينب يا أم كلثوم، عليكنَّ مِنّي السلام».[62] ثم دخل خيمة ولده السجاد  ليودّعه.

ولما كان مشغولاً بوداع عياله صاح عمر بن سعد: «ويحكم اهجموا عليه ما دام مشغولاً بنفسه وحرمه فحملوا عليه يرمونه بالسهام حتى تخالفت السهام بين أطناب المخيم وشك سهم بعض أزر النساء فدهشن وأرعبن وصحن ودخلن الخيمة».

استشهاد الإمام الحسين

ثم إن الإمام الحسين  اتخذ له مركزاً ينطلق منه لمحاربة القوم والرجوع إليه فإذا رجع إلى مركزه يكثر من قول «لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم» ليُعلم النساء ببقائه حيّاً. فلما رأى الشمر ذلك حال بينه وبين عياله فصاح بهم الحسين  : «ويحكم إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً».

فأحاط به القوم يتقدّمهم شمر بن ذي الجوشن إلاّ أنهم أحجموا عن مواجهته  والشمر يحثّهم على ذلك. فأمر الشمر الرماة فتراجع الإمام إلى الخلف مثخناً بالجراح والسهام فأحاطوا به صفاً.

وقيل أنّ رجلاً من كنده ضربه على رأسه . وقالوا: «وقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال، فبينما هو واقف إذ أتاه حجر فوقع في جبهته، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه، فأتاه سهم محدد مسموم له ثلاث شعب، فوقع السهم في صدره- وفي بعض الروايات: على قلبه».

وروي أنّه لما ضعف عن القتال وقف، فكلّما أتاه رجل وانتهى إليه انصرف عنه حتى جاءه رجل من كندة يقال له: «مالك بن اليسر، فشتم الحسين  وضربه بالسيف على رأسه وعليه برنس فامتلأ دماً».وضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى، وضربه آخر على عاتقه المقدس بالسيف ضربة وطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته ثم رماه سنان أيضاً بسهم، فوقع السهم في نحره، وطعنه صالح بن وهب المرّي “وقيل سنان بن أنس” على خاصرته طعنة فسقط الحسين  عن فرسه إلى الأرض.

في تلك الحالة وبينما هو  يجود بنفسه وقد أحاط به العدو خرج عبد الله بن الحسن بن علي  وهو غلام لم يراهق من عند النساء يشتد حتى وقف إلى جنب الحسين فلحقته زينب بنت علي  لتحبسه فأبى وامتنع امتناعاً شديداً فقال: «لا والله لا أفارق عمّي فأهوى بحر بن كعب وقيل حرملة بن كاهل الأسدي إلى الحسين  بالسيف» فقال له الغلام: «ويلك يا ابن الخبيثة أتقتل عمّي!» فضربه بالسيف فاتقاها الغلام بيده فأطنها– أي قطعها- إلى الجلد فإذا هي معلقة… ورماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمّه الحسين .

ثم جاء الشمر مع جماعة من جيش عمر بن سعد فيهم أبو الجنوب عبد الرحمن بن زياد وقشعم بن عمرو بن يزيد وصالح بن وهب اليزني وسنان بن أنس النخعي وخولي بن يزيد الأصبحي وهو يحثّهم على قتل الحسين . فلم يمتثل أمره أحد منهم فصاح شمر ما تنتظرون بالرّجل؟ ثم أمر خولى بن يزيد الأصبحي ليحتزّ رأسه فنزل ليحتّز رأسه فأرعد وامتنع عن ذلك، فقال شمر: «فتّ الله في عضدك ما لَك ترعد؟» فنزل شمر “وقيل سنان بن أنس” فقطع رأس الإمام  وناوله لخولي.وبعد استشهاده  وجد في بدنه: 34طعنة رمح و33 ضربة سيف وجراح أخرى من أثر النبال. ثم جردوا الإمام  من ثيابه وتركوه عارياً.

الخيول تطأ جسد الحسين

ثم نادى عمر بن سعد في أصحابه من ينتدب للحسين  فيوطئ الخيل ظهره وصدره فانتدب منهم عشرة وهم:

إسحاق بن حرية الذي سلب الحسين (ع) قميصه.

أخنس بن مرثد

وحكيم بن طفيل السنبسي

وعمر بن صبيح الصيداوي

ورجاء بن منقذ العبدي

وسالم بن خثيمة الجعفي

وواحظ بن ناعم #

وصالح بن وهب الجعفي

وهاني بن شبث الحضرمي

وأسيد بن مالك

فداسوا الحسين  بحوافر خيلهم حتى رضّوا صدره و ظهره.

قطع رؤوس الشهداء

وبعد أن قُطعت الرؤوس بعث عمرو بن سعد في نفس اليوم برأس الحسين  إلى عبيد الله بن زياد مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم الأزدي، ثم أمر بقطع الرؤوس المقدسة من شباب بني هاشم وأصحاب الحسين  وكانت 72 رأساً وأرسلها إلى الكوفة مع شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج.

حوادث ما بعد المعركة

نهب الخيام

لم يكتف جلاوزة بني أميّة، أعداء اللّه ورسوله ، بعد قتل الإمام  بسلبه ورضّ جسده الطاهر بحوافر الخيل، بل تجاوزوا الحدّ وعدّوا على المخيم ونهبوا ما فيه من خيول وجِمال ومتاع، وهتكوا سَتر حُرَم رسول الله  بسلب ما عليهن من حليّ وحجاب بصورة فجيعة يندى لها جبين كلّ أبيّ غيور. وكانوا يتسابقون في نهب بيوت آل الرسول .

وقصد شمر إلى الخيام مع جماعة من جيشه لغرض قتل الإمام السجاد  فتصدّت له السيدة زينب  ومنعته من ذلك وقيل الذي منعه جماعة من جيش عمر بن سعد حيث عابوا عليه موقفه هذا.

ثم أمر عمر بن سعد بجمع العيال والأطفال في خيمة واحدة وأمر بحراستهم.

الناجون من المعركة

سجّل لنا التاريخ عدّة أسماء تمكن أصاحبها من النجاة من المعركة هم: الضحاك بن عبد الله المشرقي الذي ترك المعركة هو وغلام عبد الرحمن بن عبد ربّه الأنصاري بعد أن بقي الحسين  وحيداً؛ ومنهم مرقع بن ثمامة الأسدي الذي سيره– أبعده- عبيد الله بن زياد؛ ومنهم عقبة بن سمعان خادم الربابزوج الحسين  حيث توسط له عمرو بن سعد لكونه عبداً.

سبي عائلة الحسين (ع)

ثم إنّ عمرو بن سعد أمر بسبي عائلة الإمام الحسين  وفيهم الإمام السجاد  الذي اشتد به المرض أثناء المعركة فأرسلهم إلى ابن زياد في الكوفة ومن الكوفة أرسلوا إلى الشام فأدخلوهم قصر يزيد بن معاوية.

سبب صيام يوم عاشوراء

لقد كان السّبب الرّئيسي وراء تشريع صيام يوم عاشوراء هو أنّ الله سبحانه وتعالى قد نجّى فيه سيّدنا موسى عليه السّلام وقومه بني إسرائيل من بطش فرعون وملئه، فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم، فصامه موسى – عند مسلم شكراً – فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فأنا أحقّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه). (3)

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – يصومه، فلمّا قدم المدينة صامه، وأمر النّاس بصيامه، فلمّا فرض رمضان قال: من شاء صامه ومن شاء تركه) رواه البخاري ومسلم ، وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – يقول: (إنّ هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم فمن شاء صام، ومن شاء فليفطر) رواه البخاري ومسلم .

ومن المستبحبّ أن يصوم المسلم اليوم التّاسع مع اليوم العاشر من محرّم (1)، وذلك لما ثبت في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (لمّا صام رسول الله يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنّه يوم تعظمه اليهود والنّصارى، فقال: إذا كان عام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل حتّى توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) رواه مسلم .

عاشوراء عند اليهود

قصة يوم عاشوراء عند اليهود
قصة يوم عاشوراء عند اليهود، اتّخذ اليهود يوم عاشوراء يوم عيد لهم، فهو اليوم الذي أنجى الله -تعالى- فيه نبيّهم من عدوّه، فصاموا وعظّموه وقدّسوه، وكانت النساء يلبسن الحليّ والجميل من اللباس احتفالاً وابتهاجاً، وصامه النّصارى أيضاً وهم أتباع النبيّ عيسى عليه السّلام، في شرائع الإنجيل تُشابه شرائع التّوراة، فكانوا النّصارى يصومون يوم عاشوراء ويعظّمونه، كما صامه اليهود وعظّموه من قبلهم، وفُضّل عاشوراء على غيره من الأيام عظيم؛ لأنّ الله -تعالى- نجّى فيه نبيّه موسى -عليه السّلام- من فرعون، حيث أغرق فرعون في البحر ونجى موسى -عليه السّلام- ومن آمن معه، ولم يكن فرعون هيّناً أو عاديّاً؛ حيث نصّب نفسه إلهاً لبني إسرائيل واستعبدهم واستحيا نساءهم وقتل أطفالهم؛ حِرصاً على دوام حكمه، وطال ظلمه لعدّة سنين حتى وُلد موسى -عليه السّلام- خافت أمّه عليه فألهمها الله -تعالى- بإلقائه في اليمّ حِفْظاً له، فاستقرّ في قصر فرعون، ولمّا كبُر موسى -عليه السّلام- في قصر فرعون حصل حادث مفصليّ؛ حيث إنّ موسى -عليه السّلام- قتل قبطيّاً بالخطأ، فنصحه رجل بالخروج من مصر فذهب إلى مدين والتقى بالنبيّ شعيب -عليه السّلام- وتزوّج ابنته ومكث في أرض مدين عشر سنين. عاد موسى -عليه السّلام- إلى مصر بعد عشر سنسن حاملاً رسالة الله -تعالى- والمعجزات المؤيّدة له، فدخل أمام فرعون يدعوه إلى توحيد الله -تعالى- دون خوف ولا وجل ممّن يدّعي الألوهيّة، ووضع أمامه البراهين والمعجزات المؤيّدات له من ربّ العالمين، فاستهزأ فرعون وسخر منها وجادل موسى -عليه السّلام- في ربّه، فورد في القرآن الكريم:
(قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ*يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ)،
فألهم الله – تعالى- نبيّه موسى -عليه السّلام- بأن يجعل النّاس هم الحكم بينهما، فاختار موسى يوم عيدهم لعرض دينه ومعجزاته على الملأ، قال الله تعالى: (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى)، فوافق فرعون وأعدّ عدّته لذلك اليوم، واستدعى أمهر السّحرة للمبارزة المشهودة، ولم يكن لديه شكّ في النصر المؤزّر له، فتقابل موسى -عليه السّلام- مع السّحرة، فألقوا ما بأيديهم من عصيّ، وألقى موسى -عليه السّلام- عصاه التي لقفت عصيّ السّحرة على غير المعهود، قال الله تعالى:
(فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ)،
وحينها أدرك السّحرة أنّ الأمر ليس سحراً سحرهم وإنّما هو تأييد وقوّة غير عاديّة، فاستجابوا لدعوة موسى -عليه السّلام- وسجدوا لله تعالى؛ حيث ورد في القرآن الكريم:
(وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ*قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ العَالَمِينَ*رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ).
قصد فرعون وجيشه موسى -عليه السّلام- ومن آمن معه، فوصلوا إليهم وقت الشروق، وكان جيش فرعون كبير جدّاً، فمشى موسى ومن معه ولم يجدوا أمامهم إلّا البحر، فظنّ القوم أنّهم مدرَكون، لكنّ موسى -عليه السّلام- كان يقينه بأنّ الله -تعالى- معه وأنّه ناصره ومؤيّده، قال الله تعالى في القرآن الكريم:
(قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)،
فأوحى الله -تعالى- لموسى بأن يضرب البحر بالعصا، فانفلق البحر وفُتح لهم طريقاً يبساً بين جنبيه، فعبر موسى ومن معه إلى الضفة الأخرى، ولمّا وصل فرعون وجنوده همّوا أن يقطعوا البحر خلفهم، فحاول موسى -عليه السّلام- أن يضرب البحر مجدّداً بعصاه ليعود كما كان، فأوحى الله إليه أن يترك البحر لحِكمته وعلمه، حيث قال الله تعالى:
(وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ)،
فأقدم فرعون ومن معه لقطع البحر من خلف موسى وقومه، فلمّا وصلوا لقلب البحر وأوشك أوّلهم على الخروج منه أرسل الله البحر كما كان، فغرق فرعون وجيشه جميعهم، فكانت نهاية فرعون وظلمه لبني إسرائيل، قال الله تعالى:
(وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ*ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ*إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ*وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)
صيام يوم عاشوراء وحكمه
بعد أن جاء الإسلام وهاجر الرّسول – صلّى الله عليه وسلّم- إلى المدينة المنوّرة وجد اليهود يصومون عاشوراء، فأخبره الصّحابة -رضي الله عنهم- أنّ اليهود يصومون عاشوراء نجاة موسى -عليه السّلام- في ذلك اليوم، فقال الرّسول – صلّى الله عليه وسلّم- أنّه أحقّ بموسى – عليه السّلام- منهم، وأوصى الصّحابة -رضي الله عنهم- بصيامه، فكانوا يصومونه ويعلّمون أبنائهم أيضاً، وكانت بداية صيام عاشوراء في السنة الثانية للهجرة، وكان صيامه واجباً على كلّ مسلم، وعندما فرض الله صيام رمضان تُرك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء لم يصمه .

عاشوراء الحسين

عاشوراء..صرخة الحقّ والحرّيّة، جامعة كبرى ومدرسة للتضحية والفداء، عاشوراء..حركة إسلاميّة ناصعة انطلقت على أساس ان تبقى لله ولرسوله (صلى الله علية وآله)، وأن تبقى في كلّ الأجيال صرخة بوجه الظلم والطغيان، انتصارا للحق والعدالة ودحضاً للباطل.. ولذا فان الحسين (سلام الله عليه) ليس شخصا..بل هو مشروع، وليس فردا..بل هو منهج، وليس كلمة..بل هو راية.

عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام علمتنا، عدم الرضوخ إلى الذل والمهانة، أليس هو القائل عليه السلام “هيهات منا الذلة”. عاشوراء علّمتنا الحرية والكرامة أليس عليه السلام قال “ياشيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين، فكونوا احرارا في دنياكم”. الإمام الحسين عليه السلام، علمنا بان التضحية والشهادة في سبيل الله هي السعادة بعينها حيث قال عليه السلام “فإني لا ارى الموت إلا سعادة”. عاشوراء الحسين (سلام الله عليه) علمتنا مناصرة الحق في جميع الأحوال والظروف وفي ذلك يقول: ألا ترون إلى الحق لا يعمل به والباطل لا يُتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله حقاً.. حقاً..”، الحسين عليه السلام علمنا بان باب التوبة مفتوح حتى آخر لحظة، وقد تجلى ذلك في تعامله مع “الحر بن يزيد الرياحي”. وعلّمنا عليه السلام الوفاء، انه درس نتعلمه من وفائه لدينه ورسالة جده صلى الله عليه وآله وسلم وكما نتعلم هذا الدرس من كل أصحاب الحسين(سلام الله عليه) والمثال البارز فيه هو جون مولى أبي ذر الغفاري. واقعة الطف وعاشوراء الحسين عليه السلام علمتنا درس الإيثار والتضحية والثبات على المبدأ، وقد ضرب أبو الفضل العباس عليه السلام أروع الأمثال في ذلك. وكذلك علمتنا اهمية الأمر بالمعروف بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد أعلن الإمام عليه السلام، عن ذلك في خطابه المشهور (ألا وإني لم اخرج أشراً ولا بطراً، ولكن خرجت لطلب الأصلاح في أمة جدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر. واقعة الطف علمتنا، أهمية إشراك العنصرالنسوي في النهضة، وقد تمثل بأجلى صوره في الدور الذي قامت به عقيلة بني هاشم وسائرالهاشميات في فضح خطط يزيد، وتفنيد مزاعمه، وتوعية أبناء الأمة وإيقاظها من سباتها العميق.

وعلى هذا الاساس، لا يمكن ربط عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام، بسياقاتها التاريخية حصرا، مثلما لا يمكن فك ارتباطها عن ذلك التاريخ، فهي الثورة الإصلاحية الحية التي تفجرت لتصحح مسار الانحراف في الأمة الإسلامية، واستمر صداها يتخطى القرون عابرا الآفاق نحو المستقبل. كما لا يمكن ربطها بالإسلام حصرا، مثلما لا يمكن فك ارتباطها عنه وهي جاءت حاملة لمبادئه، باذلة التضحيات في سبيله. فهي ثورة إنسانية لكل أبناء البشرية، منبثقة عن الإسلام الذي هو دين الإنسانية المنزل من رب العالمين جميعا، وإليهم جميعا، في كل زمان ومكان. إن تاريخية عاشوراء الإِمام الحسين (سلام الله عليه) لا تعني ارتباطها بالماضي حصرا، وإن كانت قد حدثت فيه فعلا ضمن مفهومنا المعاصر، بل إن تاريخيتها تعني أزلية استمرارها. كما هي أزلية وجود الظلم والفساد، وأزلية تحقيق الإصلاح.. وكذا ارتباطها بالمكان، فمع أن كربلاء مهدها، ومركز انبثاقها، إلا أن مداها يعبر حدود الطف إلى سائر أرجاء المعمورة، وأينما يوجد من يعتز بإنسانيته ويشعر بها، ويريد أن يكون سيدا صالحا لا عبدا للفاسد.

ان عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام لم تنته عصر العاشر من محرم الحرام سنة 61 للهجرة، بل من هناك ابتدأت وانطلقت. فمبادئه (سلام الله عليه) لم تقتل لحظة استشهاده، مثلما أن أعداؤه لم ينتصروا حين قطعوا رأسه الشريف. وأن نداؤه عليه السلام: (هل مِن ناصِرٍ يَنصُرُنا؟) ما يزال موجها لجميع أبناء الإنسانية الذين يستشعرون العزة، وهي من خصال المؤمنين:(وَلله العِزَّةُ ولِرَسولِهِ وَلِلمؤمِنين)، ويهتفون: (هَيهات مِنّا الذِّلة)، كما هتف بها الإمام الحُسين (سلام الله عليه) وطبق مصداقها. إن الشعار الثوري الهادر:(لَبَّيكَ يا حُسَين) يجد مصداقه حصرا في التمسك بثورة الإمام الحُسين (سلام الله عليه) ونهجها الإصلاحي في مقارعة الظالمين ومحاربة الفاسدين. كانت ثورة الإمام الحسين(سلام الله عليه) ثورة خاسرة من الناحية العسكريّة، ولكنها صدمت الواقع وهزّت قواعده، لكي تركِز الخط الأصيل الذي يحفظ الحياة الإسلاميّة، ويؤكد العدل في داخلها، ومن هنا، فإنَّ الحسين(سلام الله عليه) يمثّل خطا ومنهجا وتجسيدا حيّا للقيم الإسلاميّة والإنسانية في العزة والكرامة والمحافظة على استقامة المسيرة التي جعلها الله أمانة في أعناقنا…

ان واقعة الطف المؤلمة، غيّرت مجرى تاريخ الشعوب الاِسلامية، وفتحت لها آفاقا مشرقة للتمرّد على الظلم والطغيان، وألهبت هذه الملحمة الخالدة عواطف الاَحرار، ودفعتهم إلى النضال المسلّح في سبيل تحرير المجتمع من نير العبودية والذلّ، وإنقاذه من الحكم اللاشرعي. لقد انتصرت أهداف الإمام الحسين عليه السلام في ثورته الخالدة، وانتصرت مبادئه العظيمة، وظلّ مثلا خالدا للكفاح المقدّس يطارد الظالمين والطغاة في كل عصر وزمان، ويمدّ الثوار بروح التضحية والفداء.

ان من الانتصارات الرائعة التي حقّقها أبي الضيم في ثورته أنه جرّد الحكم الاَموي من الشرعية. لقد وضع أبو الاَحرار العبوات الناسفة في أروقة الحكم الاَموي ففجّرتها، ونسفت معالم زهوهم وفجورهم وطغيانهم، وظلّوا مثلا أسودا لكل حكم منحرف عن سنن الحق والعدل.

فسلام عليك ياعبير البطولة.. والسلام علی التراب الذي رفع المبدأ لواءا تمر الانسانية به فستجد لبريقه وروعته اجلالا واکبارا. والسلام علی تلك البقاع وعلی شواطيء نهر شهدت شفاه عطشی وقلوب حری ولكنها  شبعت من رحمة الله وارتوت من عطاء الله.. ثم السلام علی تراب شهدت دمعة للنساء ولكنها لم تكن بدمع بل نار احرقت الظالمين .. والسلام علی رمال شهدت صرخة لامرأة عزلاء ولکنها کانت ولاتزال سيفا بتارا علی الطغاة بجانب سيف اخيها الحسين.

السلام على الشيب الخضيب السلام على الخد التريب، السلام على الجسد السليب ، السلام على الرأس القطيع، السلام على المرمّل بالدماء ..السلام على المهتوك الخباء …السلام على خامس أصحاب الكساء …السلام على غريب الغربلاء …السلام على شهيد الشهداء …السلام على قتيل الأدعياء … السلام على ساكن كربلاء … السلام على من بكته ملائكة السماء…السلام عليك يامولاي يااباعبد الله …السلام عليك وعلى الارواح التي حلت بفنائك.. عليك مني سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار و رحمة الله وبركاته.

آية عن يوم عاشوراء

ثبت في الصحيحين عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: لما قدم النبي – صلى الله عليه وسلم – المدينة، وجد اليهود يصومون عاشوراء، فسئلوا عن ذلك فقالوا: هذا اليوم الذي أظفر – وفي رواية: أظهر- الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، ونحن نصومه تعظيماً له.

فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (نحن أولى بموسى منكم ثم أمر بصومه).

وخبر إظهار موسى وقومه على فرعون وجنده، مذكور في مواضع من القرآن: (وَجَاوَزنَا بِبَنِي إِسرَائِيلَ البَحرَ فَأَتبَعَهُم فِرعَونُ وَجُنُودُهُ بَغيًا وَعَدوًا حَتَّى إِذَا أَدرَكَهُ الغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَت بِهِ بَنُو إِسرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ المُسلِمِينَ آلآنَ وَقَد عَصَيتَ قَبلُ وَكُنتَ مِنَ المُفسِدِينَ فَاليَومَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَن خَلفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَن آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ).. وصدق الله: (وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون)!

أخا العقيدة والملة! إذا طالت الغمة، وواطنت الكربة، وادلهمت الظلمة، وخمد السراج، وتباطأ الانفراج، وقال المؤمن: (هذه مهلكتي)! هذه هذه، يأت الله بأمره فينكشف ما شاء أن ينكشف.

إذا اشتملت على اليأس القلوب *** وضاق بما به الصدر الرحيب

وأوطنت المكاره واطمأنـت *** وأرست في مكامنها الخطوب

ولم نر لانكشاف الضر وجهاً *** ولا أغنى بحيـلته الأريب

أتاك على قنوط منك غوث *** يمن به اللطيف المستجيب

 ويوم عاشوراء خير شاهد، لمّا رأى القوم (الآليات) وجموع العساكر، وقل عندهم الناصر، وبلغت القلوب الحناجر، صاح الجمع من أصحاب موسى: (إِنَّا لَمُدرَكُونَ).. قال الله: (وَأَنجَينَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجمَعِينَ  ثُمَّ أَغرَقنَا الآخَرِينَ)، ثم يأت الخطاب الرباني للمؤمنين في أرض الإسراء، وفي الشيشان، وفي أفغانستان، وفي أرض العراق، بل للمؤمنين في كل زمان ومكان: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مٌّؤمِنِينَ  وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ).

نعم إنها آية.. وعاها محمد – صلى الله عليه وسلم -، فشرحها وألقاها درساً عملياً يوم الأحزاب إذ جاءوهم من فوقهم – وليس ثمت طائرات – ومن أسفل منهم – وليس ثمت غواصات – وإذ زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر،فأخذ المعول: (فضرب ضربة فكسر ثلث الحجر وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب أخرى فكسر ثلث الحجر، فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب ضربة أخرى فقلع بقية الحجر، فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا).

لقد فقه قول الله – تعالى -: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مٌّؤمِنِينَ ~ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ) أولئك النفر (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَد جَمَعُوا لَكُم فَاخشَوهُم فَزَادَهُم إِيمَاناً وَقَالُوا حَسبُنَا اللّهُ وَنِعمَ الوَكِيلُ).

واليوم ومع بقاء الآية، بل مع تكرر الآيات، ومع قراءة القراء: (فَاليَومَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَن خَلفَكَ آيَةً) بل مع شخوص العيون عند قوله: (وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَن آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ)، يظل كثير من الناس عن آيات ربهم غافلون..

تراهم ينظرون إليك جهراً *** وهم لا يبصرون من العماء!

أخا الإسلام.. إن الغفلة عن آية عاشوراء، تكون بالغفلة عن أمور، ذكرها الله في خبر إظهار موسى وقومه على فرعون وجنده، ومنها:

1- الغفلة عن التأثير في القوم المخالفين، والاستعانة بهم – وإن كانوا قلة – في التخدير والتخذيل، وقد قص الله علينا خبر تابع موسى من آل فرعون: (وَقَالَ رَجُلٌ مٌّؤمِنٌ مِّن آلِ فِرعَونَ يَكتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ….).وحكى موعظته البليغة: (وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَومِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيكُم مِّثلَ يَومِ الأَحزَابِ  مِثلَ دَأبِ قَومِ نُوحٍ, وَعَادٍ, وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعدِهِم وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلمًا لِّلعِبَادِ وَيَا قَومِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيكُم يَومَ التَّنَادِ ~ يَومَ تُوَلٌّونَ مُدبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِن عَاصِمٍ, وَمَن يُضلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن هَادٍ,).

2- الغفلة عن بذل ما في الوسع، والاعتذار بعدم القدرة على الكل، في ترك المقدور عليه من الكل، فقوم موسى فروا إلى جهة البحر وهم يعلمون أن أمامهم بحراً، ولكنهم بذلوا ما في وسعهم، وسعوا إلى تأخير ما قد يظنه البعض قدراً واقعاً بهم، ولم يقل منهم قائل أبقى في مكاني فإن البحر أمامي، فلم النصب! بل اجتمعت كلمتهم وبذلوا ما في قدرتهم.

3- الغفلة عن الثقة بالله، وحسن الظن به (فَلَمَّا تَرَاءى الجَمعَانِ قَالَ أَصحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهدِينِ):

يا صاحب الهمِّ إنّ الهَمَّ مُنفرجٌ *** أبشر بخير ٍ,كَأن قَد فَرّجَ الله

إذا ابتليت فثق بالله وارض به *** إنَّ الذي يكشف البلوى هو الله

اليأس يقطع أحياناً بصاحبه *** لا تيأسَنَّ فإنَّ الصانع الله

هنَّ البلايا ولكن حسبنا الله *** والله حسبك في كل لك الله

4- الغفلة عن صدق الالتجاء لمن لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وذلك بجمع تعلق القلب به وحده، فلا شعبة منه عند فلان، بل كله مجتمع عند الواحد الديان، يتضرع إليه، ويبتهل في دعائه، فرداً ويجعله همّاً مع الناس، وأنت تقرأ في آيات عاشوراء: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيتَ فِرعَونَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَموَالاً فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا رَبَّنَا لِيُضِلٌّوا عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطمِس عَلَى أَموَالِهِم وَاشدُد عَلَى قُلُوبِهِم فَلاَ يُؤمِنُوا حَتَّى يَرَوُا العَذَابَ الأَلِيمَ) ثم قال: (قَالَ قَد أُجِيبَت دَّعوَتُكُمَا) ثم ذكر مآل آل فرعون: (وَجَاوَزنَا بِبَنِي إِسرَائِيلَ البَحرَ فَأَتبَعَهُم فِرعَونُ وَجُنُودُهُ بَغيًا وَعَدوًا…) الآيات.

5- الغفلة عن اتباع أهل العلم والتحقيق، والتماس بنيات الطريق، (قَالَ قَد أُجِيبَت دَّعوَتُكُمَا فَاستَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعلَمُونَ)، وحقاً من أعجب برأيه ضل، ومن استغنى بعلمه زل، ومن تكبر على العلماء ذل، وقد قال الله: (وَإِذَا جَاءهُم أَمرٌ مِّنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدٌّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم وَلَولاَ فَضلُ اللّهِ عَلَيكُم وَرَحمَتُهُ لاَتَّبَعتُمُ الشَّيطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)، فسر في ركب الأنبياء واتبع ورثتهم من العلماء، واحذر سبيل أهل الجهل والأهواء.

6- الغفلة عن السنة الربانية، والناموس بل القانون الذي وضعهº أعني قانون الأسباب، نعم قد يقع السبب وتتخلف النتيجة، وقد يقدر الله خلق أمر بغير سببه، ولكن واجب المسلم أن يبذل ما بيده من أسباب، قال الله: (فَأَوحَينَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضرِب بِّعَصَاكَ البَحرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلٌّ فِرقٍ, كَالطَّودِ العَظِيمِ)، ما وراء ضرب بحر خضم، بعصى يُهَشٌّ بها على غنم؟ الجواب: (إن في ذلك لآية) (وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَن آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ).

أخا الإسلام، صم يوم عاشوراء شكراً لله، واتباعاً لسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – واعلم أن الفرح بنجاة الأنبياء، أولى من تجديد المواجع على فقد الأولياء، فإن الأولى هو سنة نبينا – صلى الله عليه وسلم -، فقد صام هذا اليوم شكراً لله إذ نجى موسى وهارون ومن اختارهم بعدهم للقيام بأمره في بني إسرائيل، وبالمقابل لم يجعل لمن قتل من سادات الصحابة بل سيد الشهداء حمزة – رضي الله عنه – يوماً يهيج فيه الأحزان.

وخير الأمور السالفات على الهدى *** وشر الأمور المحدثات البدائع

أخا الإسلام: ليوقظ فيك هذا اليوم عقيدة الولاء للمؤمنين وبخاصة المستضعفين، وليأجج نار البغض للكافرين وبخاصة تلاميذ فرعون من المستكبرين، فإذا صدقت في ذلك فسيفتح الله عليك فيما تصنع تجاه إخوانك، أياً كان مجالك، واعلم أن الأمة محتاجة لكل فرد من أبنائها وبناتها، أياً كان تخصصه، ولا مجال فيها للمنظرين القاعدين الذين يلقون بالأئمة على غيرهم وكأنهم غير مكلفين، فاحذر – عبد الله – أن تكون من هؤلاء الغافلين: (وَقُلِ اعمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنُونَ وَسَتُرَدٌّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ).

أسأل الله – عزوجل – أن يجعلنا من العالمين العاملين، وأن يجنبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يظهر الإسلام والمسلمين، ويعلي راية الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تاريخ يوم عاشوراء بالهجري

فانه هو اليوم العاشر من شهر مُحَرَّم بحسب ترتيبه في تواريخ ايام التقويم الهجري الاسلامي “ام القرى” واسمه المشهور عند سائر المسلمين بيوم عاشوراء , وهذا اليوم عظيم الشان لما حدثت فيه من احداث تاريخيه , ومنها..

  • هو اليوم الذي نجّىٰ الله فيه موسى من فرعون.
  • هو اليوم الذي قتل فيه الامام الحسين بن علي عليهما السلام حفيد النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم في معركة كربلاء، ولهذا السبب فان هذا اليوم يوم عزاء وحزن عند ابناء الطائفة الشيعية .

وتجدر الاشارة الى ان يوم عاشوراء يعتبر يوم عطلة واجازة رسميه في كثير من الدول , ومنها ايران والعراق والهند ولبنان وباكستان وفي البحرين والجزائر .

صوم يوم عاشوراء في السنة النبوية

أَمرَ النبي –صلى الله عليه وسلم- بصيام يوم عاشورا في الحديث السابق ورتب على صيامه تكفير ذنوب سنة كاملة، وهذا من فضل الله علينا، وهو بهذه المنزلة يأتي بعد صيام يوم عرفة؛ حيث رتب على صيامه تكفير ذنوب سنتين، ففي صيام عرفة قال كما في حديث أَبِي قَتَادَةَ -رضي الله عنه-: «…صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ”، ثم قال في نفس الحديث عن صيام عاشوراء: “وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُوراء أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ”(2).
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامه وسنة خلفه، ومن صام عاشوراء غفر له سنة”(3).

 

والمقصود من قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ) أي: أرجوه من الله وأدخره عنده عز وجل، والاحتساب في الأعمال الصالحة كما قال ابن الأثير: “البدار إلى طلب الأجر، وتحصيله باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبًا للثواب المرجو فيها”(4).

 

فحري بكل مسلم ومسلمة أن يحرص أشد الحرص على صيام هذا اليوم؛ ليكفر الله عنه سيئاته وآثامه وذنوبه، التي لا يسلم كل أحد من اقتراف شيء منها، وهذا فضل عظيم منَّ الله به علينا، أن أعطانا بصيام يوم واحد فقط تكفير ذنوب سنة كاملة، لا سيما وأننا نعيش في هذه الأيام الأجواء الباردة، قصيرة النهار، لا مشقة ولانصب في صيامها.

 

ثالثا: مخالفة اليهود في صيام عاشوراء

عن عبد اللّه بن عبّاس – رضي الله عنهما – يقول حين صام رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول اللّه إنّه يوم تعظّمه اليهود والنّصارى. فقال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- «فإذا كان العام المقبل – إن شاء اللّه – صمنا اليوم التّاسع. قال فلم يأت العام المقبل حتّى توفّى رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-“(5).

 

ففي هذا الحديث أمر منه –صلى الله عليه وسلم- صريح بمخالفة اليهود والنصارى في الصيام وفي كل شيء، وقد استدل بعض العلماء على مشروعية صيام يوم التاسع أيضا (تاسوعا) حتى تحصل هذه المخالفة لهم حتى وإن كان النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يصم التاسع ولم يفعله ومات من عامه، إنه هدي وسنة متبعة.

 

وفي شرح المخالفة الواردة في الحديث كلام جميل للإمام النووي –رحمه الله- حيث ذكر أن للعلماء في ذلك عدة وجوه:
أحدها: أن المراد من مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر.
الثاني: أن المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم، كما نهى أن يصام يوم الجمعة وحده.
الثالث: الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال ووقوع غلط، فيكون التاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر.
وأقوى هذه الأوجه هو مخالفة اليهود كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى(6).

 

وقال ابن حجر -رحمه الله- في تعليقه على الحديث “لئن بقيت إلى قابل لأصومنّ التاسع”: وما همّ به من صوم التاسع يحتمل معناه ألا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطا له وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح، وبه يشعر بعض روايات مسلم”(7).

 

فصيام يوم عاشوراء تأكيد على وجوب مخالفة هدي المشركين حتى في العبادة ومن تأمل الأحاديث في يوم عاشوراء تبين له أن أصل مخالفة المسلمين للمشركين أمر مقرر عند الصحابة، ويدل على ذلك أنهم لما علموا صيام أهل الكتاب مع صيامهم مباشرة سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا “إن اليهود والنصارى يصومون هذا اليوم” فكأنهم قالوا: أنت يا رسول الله علمتنا مخالفة اليهود والنصارى، وهم الآن يصومون، فكيف نخالفهم؟ فقد أمر بمخالفتهم، ونهي عن موافقتهم، فعزم على ألا يصوم عاشوراء مفردا، فكانت مخالفته لهم في ترك إفراد عاشوراء بالصوم ويشهد لذلك أحاديث منها كما ورد في حديث ابن عباس “فإن كان العام المقبل” إذا فالغرض هو مخالفة اليهود والنصارى في كل شيء وليس الصيام فقط.

 

رابعا: مراحل تشريع صيام عاشوراء(8)

المرحلة لأولى: وجوب الصيام على النبي -صلى الله عليه وسلم- لوحده

وذلك لما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكه، فقد كان يصوم عاشوراء بمفرده، ولا يأمر الناس بصومه وكان -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيامه؛ لما له من المكانة، فعن ابن عبّاس -رضي اللّه عنهما- قال:”ما رأيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يتحرّى صيام يوم فضّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء”(9).

 

المرحلة الثانية: وجوب صيام عاشوراء على الناس

لما قدم النبي- صلى الله عليه وسلم – المدينة وجد اليهود يصومونه، فصامه وأمر الناس بصيامه، حتى أمر من أكل في ذلك اليوم أن يمسك بقية ذلك اليوم. وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة؛ لأنه قدم المدينة في ربيع الأول، ودليل ذلك من السنة حديث الرّبيّع بنت معوّذ قالت: أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة:”من كان منكم صائما فليتمّ صومه، ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه”، فكنا بعد ذلك نصومه ونصوّم صبياننا الصغار منهم، إن شاء الله، ونذهب بهم إلى المسجد، ونصنع لهم اللعبة من العهن، فنذهب به معنا، فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم، حتى يتموا صومهم”(10).

السابق
ما هو مسجد القبلتين
التالي
وصفات طبيعية للتخلص من حب الشباب

اترك تعليقاً