ديني

أبو هريرة

متى توفي أبو هريرة

وفاة أبي هريرة

عندما كان أبو هريرة -رضي الله عنه- في أيامه الأخيرة، وكان قد دخل في مرض الموت، بكى، فقيل له: (ما يُبكيك يا أبا هريرة)، فقال: (أما إنّي لا أبكي على دنياكم هذه، ولكنّني أبكي لبعد السفر وقلة الزاد، لقد وقفت في نهاية طريقٍ يُفضي بي إلى الجنة أو النار، ولا أدري في أيّهما أكون)، ومن الجدير بالذكر أنّ أبا هريرة -رضي الله عنه- أوصى قبل موته ألّا يُضرب على قبره فسطاطاً، ولا يُتبع بنارٍ، وأن يُسرع به إلى المقبرة، وعلّل ذلك بقوله: (فإن أكن صالحاً تأتون بي إلى ربي، وإن أكون غير ذلك فإنّما هو شيء تطرحونه عن رقابكم)، ويُروى أن أبا سلمة بن عبد الرحمن ذهب في زيارةٍ إلى أبي هريرة -رضي الله عنه- وهو في مرض الموت، فدعى له بالشفاء، فقال أبو هريرة: (اللهم لا ترجعني)، وأعاد أبو سلمة الدعاء، فأعاد أبو هريرة القول، ثمّ قال أبو هريرة: (يا أبا سلمة إن استطعت أن تموت فمت، فوالذي نفس أبي هريرة بيده ليأتين زمان على الناس يمرّ الرجل بصاحب القبر فيتمنى لو أنّه مكانه)، فتوفي في العام السابع والخمسين للهجرة، عن عمرٍ يناهز الثامنة والسبعين عاماً.

متى أسلم أبو هريرة

دخل أبو هريرة رضي الله عنه إلى الإسلام في السنة السابعة للهجرة بعد أن دُعي إليه من قبل الطفيل بن عمرو الدوسي، وقد ذهب الاثنان فقط من قبيلة دوس اليمنية من أجل إعلان إسلامهم، وكان عمره آنذاك ثمانية وعشرين عاماً، وكان الطفيل قد طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو على قبيلته (دوس) بسبب عدم إسلام أحد منها، ولكن الرسول دعا بالقول: (اللهمَّ اهدِ دَوسًا وأَتِ بهم) [صحيح].

متى ولد أبو هريرة

تاريخ الميلاد: 603 م

قصة أبو هريرة والهرة

فضائل أبي هريرة

(1) كل ما ثبت في فضائل الصحابة عامة فهو ثابت في فضل أبي هريرة رضي الله عنه لأنه صحابي جليل رضي الله عنه .

(2) ثبت لأبي هريرة رضي الله عنه ما ثبت لليمن وأهلها من فضائل، لأنه دوسي يمني.

فقد أخرج البخاري ومسلم عَنِ الأَعْرَجِ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَضْعَفُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً؛ الْفِقْهُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ)).

وفي لفظ في الصحيحين عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ)).

والحديث له شاهد من حديث أبي مسعود رضي الله عنه أخرجه البخاري (3302) ومسلم رقم (51).

(3) أخرج البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ: ((بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا)) قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِي نَجْدِنَا قَالَ: ((اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا)).

(4) قول رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ودعائه له ولأمه رضي الله عنهما: ((اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا – يَعْنِى أَبَا هُرَيْرَةَ وَأُمَّهُ – إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ)).

(5) البركة في مزود أبي هريرة رضي الله عنه:

فقد أخرج أحمد و الترمذي حسنه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا بتمرات فقلت: ادع الله لي فيهن بالبركة، قال: فصفهن بين يديه ثم دعا، فقال لي: اجعلهن في مزود -وعاء من الجلد وغيره، ويجعل فيه الزاد- وأدخل يدك ولا تنثره، قال: فحملت منه كذا وكذا وسقًا في سبيل الله ونأكل ونطعم، وكان لا يفارق حقوي، فلما قتل عثمان رضي الله عنه انقطع حقوي فسقط.

وفي رواية في دلائل النبوة للبيهقي (6 /110-111): أنه قال: أُصبت بثلاث مصيبات في الإسلام لم أُصب بمثلهن:

موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت صويحبه؛ وقتل عثمان؛ والمزود.

قالوا: وما المزود يا أبا هريرة؟

قال: قلت تمر في مزود.

قال: جئ به، فأخرجت تمرًا فأتيته به

قال: فمسه ودعا فيه ثم قال: ادع عشرة، فدعوت عشرة فأكلوا حتى شبعوا، ثم كذلك حتى أكل الجيش كله وبقي من تمر معي في المزود.

فقال: يا أبا هريرة إذا أردت أن تأخذ منه شيئًا، فأدخل يدك فيه ولا تكفه

قال: فأكلت منه حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت منه حياة أبي بكر كلها، وأكلت منه حياة عمر كلها، وأكلت منه حياة عثمان كلها، فلما قتل عثمان انتهب ما في يدي، وانتهب المزود، ألا أخبركم كم أكلت منه، أكلت منه أكثر من مائتي وسق.

(6) أخرج البخاري مسلم عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (( يَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ وَيَقُولُونَ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي فَأَحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا:لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ مِنْكُمْ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ ثُمَّ يَجْمَعَهُ إِلَى صَدْرِهِ فَيَنْسَى مِنْ مَقَالَتِي شَيْئًا أَبَدًا، فَبَسَطْتُ نَمِرَةً لَيْسَ عَلَيَّ ثَوْبٌ غَيْرُهَا حَتَّى قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ، ثُمَّ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَتِهِ تِلْكَ إِلَى يَوْمِي هَذَا، وَاللَّهِ لَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا أَبَدًا ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ﴾ [البقرة: 159]… – إِلَى قَوْلِهِ – ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163])).

(7) شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة بأنه حريص على طلب العلم، فقد أخرج البخاري وأحمد وغيرهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ((قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟)) فَقَالَ: ((لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ)).

وسيأتي في عنوان بيان طلبه للعلم وشهادة الصحابة له رضي الله عنه.

(8) شهادة النبيصلى الله عليه وسلم له بالإسلام والإيمان: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ كُنْتُ جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَخَذَ بِيَدِي فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ فَانْسَلَلْتُ فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ فَاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ؟ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَبَا هِرٍّ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ.

رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعوده في مرضه ويرقيه

أخرج أحمد وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَشْتَكِي يَعُودُنِي فَقَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَلَا أَرْقِيكَ بِرُقْيَةٍ رَقَانِي بِهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام قُلْتُ: بَلَى بِأَبِي وَأُمِّي قَالَ: “بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ وَاللَّهُ يَشْفِيكَ مِنْ كُلِّ دَاءٍ يُؤْذِيكَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ كُلِّ دَاءٍ فِيكَ”.

نصح النبي صلى الله عليه و سلم لأبي هريرة

أخرج أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((يا أبا هريرة كن ورعاً تكن أعبدَ الناس. وكن قنعاً تكن أشكرَ الناس. وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمناً. وأحسن جوار من تكن مسلماً. وأقل الضحك فإن كثرةَ الضحكِ تميتُ القلبَ)).

عبادته رضي الله عنه

كان رضي الله عنه صواماً قوامًا يتناوب قيام الليل، هو وزوجته، وخادمه، فيما رواه عنه أبو عثمان النهدي قَالَ: تَضَيَّفْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ سَبْعًا فَكَانَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَخَادِمُهُ يَعْتَقِبُونَ اللَّيْلَ أَثْلَاثًا يُصَلِّي هَذَا ثُمَّ يُوقِظُ هَذَا، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابهِ تَمْرًا فَأَصَابَنِي سَبْعُ تَمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ حَشَفَةٌ . أخرجه البخاري.

وزاد أحمد: قَالَ قُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كَيْفَ تَصُومُ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ ثَلَاثًا فَإِنْ حَدَثَ لِي حَادِثٌ كَانَ آخِرُ شَهْرِي قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ تَمْرًا فَأَصَابَنِي سَبْعُ تَمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ حَشَفَةٌ وَمَا فِيهِنَّ شَيْءٌ أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْهَا أَنَّهَا شَدَّتْ مَضَاغِي.

وذكر ابن سعد بسند صحيح عن عكرمة أن أبا هريرة كان يسبح في كل يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة ويقول: أسبح بقدر ذنبي.

وفي تاريخ دمشق (67 /362) عن ابن جريج قال: قال أبو هريرة: إني أجزئ الليل ثلاثة أجزاء، فجزء لقراءة القرآن، وجزء أنام فيه، وجزء أتذكر فيه حديث رسول الله.

وجاء في تاريخ دمشق تاريخ دمشق (67 /363) عن شراحيل: أن أبا هريرة كان يصوم الاثنين والخميس.

وقال سعيد بن المسيب – رحمه الله -: رأيت أبا هريرة يطوف بالسوق، ثم يأتي أهله فيقول: هل عندكم من شيء؟ فإن قالوا: لا قال: فإني صائم.[حلية الأولياء (1 /382) والبيهقي في السنن الكبرى (8172)].

وأخرج أحمد وأبو داود وابن أبي شيبة وغيرهما عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الطُّفَاوَةِ قَالَ نَزَلْتُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَلَمْ أُدْرِكْ مِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا أَشَدَّ تَشْمِيرًا وَلَا أَقْوَمَ عَلَى ضَيْفٍ مِنْهُ فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهُ وَهُوَ عَلَى سَرِيرٍ لَهُ وَأَسْفَلَ مِنْهُ جَارِيَةٌ لَهُ سَوْدَاءُ، وَمَعَهُ كِيسٌ فِيهِ حَصًى وَنَوًى يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ حَتَّى إِذَا أَنْفَذَ مَا فِي الْكِيسِ أَلْقَاهُ إِلَيْهَا فَجَمَعَتْهُ فَجَعَلَتْهُ فِي الْكِيسِ ثُمَّ دَفَعَتْهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي: أَلَا أُحَدِّثُكَ عَنِّي وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَإِنِّي بَيْنَمَا أَنَا أُوعَكُ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: مَنْ أَحَسَّ الْفَتَى الدَّوْسِيَّ مَنْ أَحَسَّ الْفَتَى الدَّوْسِيَّ؟ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: هُوَ ذَاكَ يُوعَكُ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ حَيْثُ تَرَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَجَاءَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيَّ وَقَالَ لِي مَعْرُوفًا فَقُمْتُ.

أخرج الإمام أحمد في الزهد (ص 192) بسنده عن ابي أيوب وهو عبد الله ابن أبي سليمان مولى عثمان بن عفان يقول كان لأبي هريرة في مخدعه مسجد وفى بيته مسجد وفي حجرته مسجد وفي داره مسجد وعلى باب داره مسجد إذا دخل صلى فيها جميعا وإذا خرج صلى فيها جميعاً.

بره بأمه

أخرج مسلم بسنده عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلاَمِ وَهِىَ مُشْرِكَةٌ فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا أَكْرَهُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا أَبْكِى قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلاَمِ فَتَأْبَى عَلَىَّ فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِىَ أُمَّ أَبِى هُرَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- ((اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِى هُرَيْرَةَ )). فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِىِّ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَىَّ فَقَالَتْ مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ. وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ قَالَ – فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا فَفَتَحَتِ الْبَابَ ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ – قَالَ – فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِى مِنَ الْفَرَحِ – قَالَ – قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْشِرْ قَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِى هُرَيْرَةَ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْرًا – قَالَ – قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا – قَالَ – فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم-: ((اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا – يَعْنِى أَبَا هُرَيْرَةَ وَأُمَّهُ – إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ )). فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلاَ يَرَانِي إِلاَّ أَحَبَّنِي.

وفي طبقات ابن سعد (4 / 328، 329) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجت يوماً من بيتي إلى المسجد، فوجدت نفراً، فقالوا: ما أخرجك؟ قلت: الجوع.

فقالوا: ونحن والله ما أخرجنا إلا الجوع.

فقمنا، فدخلنا على رسول الله، فقال: ” ما جاء بكم هذه الساعة “؟ فأخبرناه ; فدعا بطبق فيه تمر، فأعطى كل رجل منا تمرتين.

فقال: ” كلوا هاتين التمرتين، واشربوا عليهما من الماء، فإنهما ستجزيانكم يومكما من هذا “.

فأكلت تمرة، وخبأت الأخرى، فقال: ” يا أبا هريرة، لم رفعتها؟” .

قلت: لأمي.

قال: ” كلها، فسنعطيك لها تمرتين “.

عتق أبي هريرة رضي الله عنه للعبيد

كان رضي الله عنه محبًا لأعمال الخير والبر؛ مسارعًا في القربات والخيرات، ومن ذلك عتق الرقاب؛ لما له من فضل عظيم وثواب جزيل، فقد أخرج الإمام أحمد في الزهد (ص 221) عن أبي المتوكل أن أبا هريرة كانت له زنجية فدعمتهم بعملها فرفع عليها السوط يوما فقال: لولا القصاص لأغشيتك به ولكن سأبيعك ممن يوفيني ثمنك اذهبي فأنت لله عز وجل.

وأخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ((لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ فِي الطَّرِيقِ: يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ، قال: وَأَبَقَ غُلَامٌ لِي فِي الطَّرِيقِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْتُهُ، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ الْغُلَامُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا غُلَامُكَ ))، فَقُلْتُ: هُوَ لِوَجْهِ اللَّهِ فَأَعْتَقْتُهُ )).

زهد أبي هريرة رضي الله عنه

أخرج البخاري (5414) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ فَدَعَوْهُ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ؛ وَقَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الدُّنْيَا وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ.

وأخرج الإمام أحمد في الزهد (ص 221) عن أنس عن أبي هريرة قال: ألا أدلكم على غنيمة باردة؟؛ قالوا: ماذا يا أبا هريرة؟ قال: الصوم في الشتاء.

وأخرج أيضًا (ص 221) عن أبي السليل قال: قال أبو هريرة: ما صدقتكم أنفسكم تأملون مالا تبلغون، وتجمعون مالا تأكلون، وتبنون ما لا تسكنون.

وأخرج أيضًا (ص 222) عن أبي المتوكل عن أبي هريرة قال أعطاني رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئًا من تمر فجعلته في مكتل لنا فعلقناه في سقف البيت فلم نزل نأكل منه، آخره أصابه أهل الشام حيث أغاروا بالمدينة .

وأخرج أيضًا (ص 222) حدثنا يزيد بن الأصم قال سمعت ابا هريرة يقول: يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع أو الجذل في عينه.

وأخرج أيضًا (ص 223) عن ابن شوذب قال: لما حضرته الوفاة بكى، فقيل له: يا أبا هريرة ما يبكيك، قال: بعد المفازة وقلة الزاد وعقبة كؤود المهبط منها إلى الجنة أو النار.

ورعه وتقواه

أخرج البخاري عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ وَأَنَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي الْعَنَتَ وَلَا أَجِدُ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ؛ فَسَكَتَ عَنِّي؛ ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ؛ فَسَكَتَ عَنِّي؛ ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ؛ فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ.

صفات أبي هريرة

صفات أبي هريرة

  • لزم أبو هريرة الرسول صلَى الله عليه وسلَم منذ إسلامه حتى مات، وصحبه أينما كان، ودار معه حيث يدور، ولزمه في بيته يخدمه، وشهد معه غزواته كلَها التي حدثت بعد إسلامه، ودامت مدّة صحبته للرسول أربعة أعوام، وكان رضي الله عنه من أحفظ الصَحابة وأقواهم ذاكرة، وأكثرهم حرصاً على العلم والحديث، فحفظ من الحديث النبوي الشيء الكثير، وكان أعلم النَاس به، وشهد مع الرَسول صلَى الله عليه وسلَم الكثير من المشاهد الَتي لم يشهدها أحدٌ غيره من الصحابة من المهاجرين والأنصار.
  • كان أبو هريرة كثير الصلاة والصيام والذِكر، ومن عبّاد الصَحابة، وكان كريماً ومتواضعاً، وكان ممَن اعتزل الفتنة التي وقعت بين الصحابة بعد وفاة عثمان بن عفَان رضي الله عنه؛ فلم يشهد واقعة الجمل ولا واقعة صفين، وشارك في حروب الرِدَة في عهد أبي بكر الصَدِيق، وفي الفتوحات الإسلاميَة لفارس في عهد عمر بن الخطَاب، وتولَى رضي الله عنه إمارة البحرين في عهد عمر بن الخطاب.
  • رُوى عن أبي هريرة خلقُ كثيرٍ من الصَحابة والتَابعين، وقد بلغ عدد الأحاديث التي رواها أبي هريرة المتَفق عليها في صحيحي بخاري ومسلم 325 حديثاً، وانفرد البخاري بتسعةٍ وسبعين حديثاً، ومسلم بثلاثةٍ وتسعين حديثاً.

موقف أبو هريرة من الفتنة

اعتزل أبو هريرةالفتنة و لم يلابسها ،و يبدوا أنه اتخذ هذا الموقف تمسكا بالحديث المشهور عن اعتزال الفتنة ، لأنه هو أحد رواته ، فقد جاء في صحيح البخاري أن رسول الله –صلى الله عليه و سلم- قال : (( ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ،و القائم فيها خير من الماشي، و الماشي فيها خير من الساعي ،و من تشرّف لها تستشرفه ، فمن وجد فيها ملجأ أو معاذا فليعذبه

السابق
دواء ساروتين ريتارد – saroten retard يستخدم في تخفيف أعراض الاكتئاب
التالي
متى توفي خالد بن الوليد

اترك تعليقاً