ديني

السيدة خديجة الطاهرة

قصة السيدة خديجة كاملة

نسب خديجة بنت خويلد وأسرتها

هي خديجة بنت خُويلد بن أسيد بن عبد العُزّى بن قُصي القرشيّة، يلتقي نسبها مع النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في الجدّ الخامس؛ قُصي بن كلاب، كانت أقرب نساء النبي إليه في النسب، وأمّها هي: فاطمة بنت زائدة الأصمّ، قرشيّة النسب، ويلتقي نسبها مع النبي بجدّها لؤي بن غالب، وقد عُرفت السيدة خديجة -رضي الله عنها- بنسبها الشريف، فكانت أشرف نساء قريش نسباً، وأكثرهنّ أموالاً، فكان والدها خُويلد بن أسد من أشراف ووجهاء قريش، وكان من المشاركين في الوفد الذي أرسلته قريش إلى اليمن؛ لتهنئة الملك العربي سيف بن ذي يزن بنصرهم على الأحباش بعد عام الفيل بسنتين، وتوفّي قبل حرب الفِجار التي وقعت بين قريش وكنانة من جهةٍ، وقيس بن عيلان من جهةٍ أخرى.

تجارة خديجة بنت خويلد

عُرفت السيدة خديجة -رضي الله عنها – بأخلاقها الرفيعة، قال السُهيلي في وصفها: “خديجة بنت خُويلد كانت تسمّى الطاهرة في الجاهلية والإسلام”، كما سُميّت بسيدة نساء قريش كما ورد في سِيَر التيمي، وقال الإمام الذهبي فيها: “هي ممّن كَمُل من النساء، كانت عاقلةً جليلةً، ديّنةً مصونةً كريمةً”،وقد عملت في التجارة؛ وكانت تجارتها ذات رِبحٍ وفيرٍ، وسُمعةٍ حسنةٍ، وجودة عاليةٍ، وعُرف عنها استقلالها في أموالها وتجارتها، وحُسن إدراتها للأمور، واختيارها للرجال العاملين في تجارتهم؛ إذ اتصفوا بالأمانة، فقد وصلت تجارتها وسُمعتها الحسنة إلى بلاد الشام، والعراق، والفرس، والروم، وعُرف عنها أيضاً إحسانها للفقراء والمحتاجين، فكانت بمثابة يد العون لهم، كريمةً في عطائها، مُحسنةً للناس جميعاً. لم تكن السيدة خديجة -رضي الله عنها – تسافر للتجارة بأموالها، بل كانت تتفق على السفر للتجارة مع رجالٍ مقابل مبلغٍ معينٍ، أو تعقد معهم عقد مُضاربةٍ أو قِراضٍ؛ ويعني عقد اتفاقٍ مع طرفٍ آخرٍ بالخروج للتجارة مقابل نسبةٍ معينةٍ، على أن تملك المال، وتكون الخسارة عليها وحدها دون تأثّر الطرف الآخر، وفي ذلك يقول أبو زهرة -رحمه الله-: “كانت السيدة خديجة -رضي الله عنه- تتحرّى في أولئك العاملين لها الأمانة؛ لأنّهم في عملهم ينوبون عنها، لا تلقاهم إلّا في ذهابهم ومجيئهم”.

زواج خديجة بنت خويلد من النبي

عُرف محمدٌ -صلّى الله عليه وسلّم- بأفضل الاخلاق وأكرمها، وحين عَلِمت السيدة خديجة -رضي الله عنها- بصدقه وأمانته وفطنته، أرسلت إليه وعرضت عليه خروجه للتجارة بمالها، على أن تُعطيه أفضل ممّا تعطي غيره، فقَبِل الرسول، وخرج تاجراً بمالها مع غلامٍ لها اسمه ميسرة، وحين عودتهم من رحلة التجارة أخبرها غلامها بما رأى من الرسول من كرم الأخلاق وحُسنها، كما أنّها رأت أمانةً وبركةً في أموالها لم ترَها من قبل، فأدركت أنّه الزوج المناسب لها، وأخبرت صديقتها نفيسة بنت منيّة بما وقع في نفسها تجاه الرسول، فذهبت نفيسة إلى الرسول تَعرِض عليه الزواج من خديجة، فقَبِل، وأخبر أعمامه بالأمر، وتقدّموا بخِطبة خديجة له من عمّها، وتمّ العقد بينهما بحضور بني هاشم ورؤساء مضر، وكان ذلك بعد رحلة التجارة إلى الشام بشهرين، وكانت السيدة خديجة قد بلغت من العمر أربعين سنةً، وبذلك كانت أول امرأةٍ تزوجها النبي، ولم يتزوّج عليها امرأةً أخرى إلى أن توفيت.وأنجبت السيدة خديجة من النبي القاسم، وقد كُنّي به، وعبد الله، الملّقب بالطيب الطاهر، وقد توفيا صغاراً قبل الاسلام، ومن البنات: زينب، ورقيّة، وفاطمة، وأمّ كلثوم، وقد أدركن الاسلام، فأسلمن، وهاجرن مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتوفين قبل وفاته، إلّا فاطمة؛ فقد توفيت بعده بستة أشهرٍ.

خديجة بنت خويلد في بيت النبوة

كانت السيدة خديجة -رضي الله عنها – أم المؤمنين، والزوجة الصالحة الكريمة، فحظيت بوصف الله -عزّ وجلّ- لها ولغيرها من زوجات النبي -عليه الصلاة والسلام- في كتابه بأمّهات المؤمنين، قال الله -تعالى-: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)، وسكنت مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في مكة المكرمة، في بيتٍ متواضعٍ كسائر البيوت، ولم يتميّز عن غيره، وسعت لتهيئة الراحة والسعادة للنبي، ولم تُكلف خدماً للقيام بأمورهما، بل كانت تخدمه بكلّ سعادةٍ ورضى، ورُوي أنّها لم تخرج عن أمره قطّ، ولم تخالف كلمته، فكان قلبها محبّاً له مُعينًا مُطيعاً، وكانت حسنةَ الوُدّ والخُلق في تعاملها معه، فكانت سيدة بيت النبي قبل وبعد بعثته؛ إذ كان بيتها بيت إسلامٍ حين مبعث النبي.

إسلام خديجة بنت خويلد ونُصرتها للنبي

كانت السيدة خديجة أول من آمن بالله -سبحانه-، وبرسالة محمدٍ -عليه الصلاة والسلام-، فقد صدّقت بما جاء به من عند ربه، فآمنت به وآزرته، وخفّفت عنه ما ألمّ به، ومن المواقف الشاهدة على ذلك؛ وقوفها إلى جانبه ومؤازرته حين نزل عليه الوحي أول مرةٍ بواسطة جبريل -عليه السلام-، وأخبرها بما رأى في غار حراءٍ، وفي ذلك روى الإمام البخاري في صحيحه: (دَخَلَ علَى خَدِيجَةَ، فَقالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حتَّى ذَهَبَ عنْه الرَّوْعُ، فَقالَ: يا خَدِيجَةُ، ما لي وأَخْبَرَهَا الخَبَرَ، وقالَ: قدْ خَشِيتُ علَى نَفْسِي فَقالَتْ له: كَلَّا، أبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ به خَدِيجَةُ حتَّى أتَتْ به ورَقَةَ بنَ نَوْفَلِ). كانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- نِعْم الزوجة في كلّ المواقف التي تعرّض لها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فخفّفت عن المسلمين ما أصابهم من المحن والابتلاءات، وخاصةً ما حلّ بهم من مقاطعة قريش لبني هاشم وبني عبد المطلب، بعدم تزويجهم أو الزواج منهم، وعدم بيعهم أو الشراء منهم، وعدم الرأفة بهم أو قبول الصُلح منهم، وقد استمرت المقاطعة مدة ثلاث سنواتٍ، وقد تحمّلت السيدة خديجة ذلك، وصبرت مع زوجها وساندته في ذلك، وعملت على تأمين الطعام للمسلمين المحاصرين في الشِعب بمعاونة ابن أخيها حكيم بن حزام، إذ كان يُرسل الطعام إلى عمّته ليلاً.

وفاة السيدة خديجة

توفّيت السيدة خديجة -رضي الله عنها- في السنة العاشرة من البعثة، وذلك بعد انتهاء الحصار الذي فُرِض على بني هاشم في الشِّعب، وكانت قد بلغت من العمر حينها خمساً وستين سنةً

لقب السيدة خديجة

لقبت بـ (الطاهرة) لطهرها وعفافها

 

معلومات عن السيدة خديجة رضي الله عنها

اسم السيدة خديجة ونسبها

هي خديجة بنت خويلد بن أسْد القرشيَّة، وأمُّها فاطمة بنت زائدة العامرية، كنيتها أمُّ القاسم، وكانت تُلقَّب في الجاهليَّة بالطَّاهرة. وهي أمُّ المؤمنين وأولى زوجات النبيِّ محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأمُّ أولاده، وهي أوَّل من آمن به وصدَّقه عندما أنزل الله وَحيه عليه، وذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل الذي بشَّره بأنه نبيُّ الأمَّة. مولدالسيدة خديجة ونشأتها

ولدت السيدة خديجة -رضي الله عنها- في مكة سنة ثمانٍ وستينَ قبل الهجرة، وكانت تَكبُر النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بخمسة عشر عاماً. وقد نشأت وترعرعت في بيت جاهٍ وفخارٍ فكانت من أشراف قريشٍ وأكابرهم. كان ثراؤها وثراء آبائها وأجدادها معروفاً في بطون العرب، وكانت ترسل كلَّ عامٍ الرِّجال في تجارتها إلى بلاد الشَّام، وكانت ذات تدقيق وتبصُّرٍ فيمن تختاره منهم لتؤمِّنه على سلامة أموالها وربحها فتختار ذوي الخبرة المخلصين في عملهم والمعروفين بنزاهتهم وأمانتهم وعفَّة أنفسهم، فلما بلغها من صدق حديث محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- وعِظَم أمانته عرضت عليه أن يخرج في مالها إلى بلاد الشَّام فخرج في تجارتها إلى سوق بصرى بحوران ليتَّجر لها، وعاد غانماً رابحاً، ولفت نظرها ما كان عليه -صلَّى الله عليه وسلَّم- من خُلقٍ قويم، وحياءٍ وأمانة، فمالت نفسها إليه، ورغبت أن يكون زوجاً لها

شكل السيدة خديجة

  • الفراسة ونفاذ البصيرة: وتتجسد هذه الصفات فيها لاختيارها النبي محمد عليه الصلاة والسلام ليكون زوجها وشريكها لما رأت فيه من كمال الأخلاق، فكان خير زوج وخير مؤتَمن.
  • أول مؤمنة في الإسلام: فقد كانت حاضرة عند نزول الوحي قرآنًا وتكليفًا، وكانت موجودة حين نزل الوحي جبريل على النبي ليعلمه الوضوء والصلاة؛ فصلت معه في اليوم نفسه لتكون أول من توضأ وصلى، وأول من آمن من المؤمنين، وأول من ثبت.
  • الحكمة ورجاحة العقل وسداد الرأي: فقد كانت ذات حكمة وذكاء؛ ويتضح ذلك جليًا من موقفها عندما رجع اليها النبي عليه الصلاة والسلام من غار حراء مرتعشًا مرددًا عبارته: (زملوني، زملوني)، فسارعت إليه، وطمأنت قلبه وذكرته بصفاته الطيبة التي يحملها كصلة الرحم والصدق والوقوف مع الحق، لتكون صاحبة أثر عظيم في تثبيته والربط على قلبه.
  • الصبر وقوة التحمل: ويظهر ذلك عندما تحملت المرض والجوع مع النبي الكريم دون إبداء أي تذمر، تاركة أهلها بني أسد ذوي القوة والمنعة، ومحتسبة صبرها وتعبها في سبيل الله تعالى.

أولاد السيدة خديجة

أولاد السيدة خديجة من النبي

أنجبت السيدة خديجة -رضي الله عنها- جلّ أبناء النبي -عليه السلام- إلّا ابنه إبراهيم الذي رُزق به من مارية القبطية، وأولاد السيدة خديجة من النبي -عليه الصلاة والسلام- هم:

أبناء خديجة من النبي

رُزق النبي -عليه الصلاة والسلام- بابنين من خديجة رضي الله عنها، وهما:

  • القاسم: وهو بكر النبي -عليه السلام-، وبه كنّي، واختلف العلماء في المدة التي عاشها، والمؤكّد أنّه توفّي صغيراً بحدود عمر السبعة عشر شهراً.
  • عبد الله: واختُلف في ولادته؛ قبل البعثة أم بعدها، ولقّب بالطيّب الطاهر، وقد توفّي صغيراً أيضاً.

بنات خديجة من النبي

رُزقت السيدة خديجة بأربع بناتٍ من النبي عليه السلام، فيما يأتي ذكر شيءٍ من أخبارهنّ:

  • زينب -رضي الله عنها-، وهي أكبر أخواتها، ولدت حين كان عمر أبيها ثلاثين سنةً، تزوّجت من أبي العاص بن الربيع، بقي أبو العاص على كفره فترةً طويلةً حتّى لحقت زينب بالنبي -عليه السلام- إلى المدينة دونه، حتى أعلن إسلامه في السنة السادسة للهجرة.
  • رقية رضي الله عنها، وقيل إنّها ثاني بنات النبي -عليه السلام-، وُلدت بعد زينب بثلاث سنواتٍ، وكان عتبة بن أبي لهب قد عقد عليها ثمّ طلقها، فتزوّجها عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومكثت عنده إلى أن مرضت مرضاً شديداً، وتوفيت على إثره.
  • أم كلثوم، وهي الزوجة الثانية لعثمان بن عفان التي تزوجها بعد وفاة أختها، وتوفيت في السنة التاسعة للهجرة.
  • فاطمة، وهي زوجة علي رضي الله عنه، وأصغر أخواتها وأحبهنّ إلى قلب النبي عليه السلام، توفيت بعد وفاة أبيها بستة أشهرٍ، وكانت قد أنجبت الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم.

أولاد السيدة خديجة من غير النبي

كانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- قد تزوّجت مرتين قبل زواجها من النبي عليه السلام، أوّل زوجٍ كان لها أبو هالة بن زرارة بن النباش التميمي، وقد أنجبت منه هند وهالة، وثاني زوجٍ كان عتيق بن عائذ بن عمر بن مخزوم، وقد أنجبت منه هند بنت عتيق

متى تزوج الرسول خديجة وكم كان عمره

زواج الرَّسول من خديجة

عندما عاد ميسرة إلى سيدته خديجة وقصّ عليها القصص، وما شاهده من البركة التي حلَّت بالتِّجارة على يد النَّبي صلى الله عليه وسلم، وما امتاز به الرَّسول صلى الله عليه وسلم من كرم الشَّمائل وعذوبة الخِلال؛ فشعرت خديجة بالانبهار العظيم بشخص محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فما كان منها إلا أنْ أرسلت صديقةً لها للنَّبي صلى الله عليه وسلم تُخبره برغبة السَّيدة خديجة في الزَّواج به. وافق النَّبي صلى الله عليه وسلم على طلب خديجة، وذهب إلى أعمامه وحدَّثهم في الأمر؛ فخطبوها له من عمِّها عمرو بن أسد؛ فوافق عمُّها على هذا الزَّواج وتمّ في محضرٍ من بني هاشمٍ وزعماء قريشٍ، وكان صِداق السَّيدة خديجة عشرين بكرةً، وقيل: ستُّ بكراتٍ. كان من عادة العرب عند الزَّواج أنْ يتكلَّم أحدهم بخطبة النِّكاح، وقد ألقاها على الحشد عمُّ النَّبي صلى الله عليه وسلم أبو طالب؛ فبدأها بحمد الله والثَّناء عليه، ثُمّ ذكر شرف النَّسب وفضل النّبي صلى الله عليه وسلم، ثُمّ ذكر عقد الزَّواج وبيّن الصَّداق.

عُمر الرَّسول عند زواجه

تمّ زواج الرَّسول صلى الله عليه وسلم بالسَّيدة خديجة بعد شهرين من رجوعه من الشَّام بتجارتها، وكان هذا هو الزَّواج الأول للنَّبي صلى الله عليه وسلم، وكان عُمر النَّبي حينذاك خمساً وعشرين سنةً، أمّا السَّيدة خديجة فكان هذا الزَّواج الثَّالث لها؛ فكان زوجها الأول عُتيق بن عائذ المخزوميّ، وبعد وفاته تزوّجت من أبو هالة التَّيميّ فمات عنها ولها منه ولدٌ، ثُمّ تزوجت بالنّبي صلى الله عليه وسلم، وأنجبت له جميع أولاده عدا إبراهيم، وكانت تبلغ من العُمر أربعين سنةً؛ فسعدت بزواجها بالنَّبي صلى الله عليه وسلم سعادةً يغبطها عليها الأولون والآخرون، فلم يتزوّج عليها غيرها حتى ماتت رضي الله عنها وأرضاها.

مواقف السيدة خديجة مع الرسول

كيف دعمت السيدة خديجة رضي الله عنها رسول الكريم صلى الله عليه وسلم في أول أسبوع من نزول الوحي عليه.

السيدة خديجة وقفت ثلاثة مواقف متتالية ، فيها قدوة لكل زوجة تريد أن تقتدي بسيدة نساء أهل الجنة ، في حسن استقبالها لزوجها حين عودته إلى بيته ، والتهدئة من روعه وتطمينه إلى أن الله تعالى ما يخزيه أبداً

“وجاء الموقف الثاني حين قال النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة – رضي الله عنها – : (( لقد خشيت على نفسي )) . فكيف تمسح من نفسه هذه الخشية ؟ وكيف تشيع مكانها الطمأنينة ؟ هل تكتفي بدعوته إلى ترك هذه الخشية بقولها : لا تخشَ على نفسك شيئاً ؟ وهل يكفي هذا القول لتزول من نفسه صلى الله عليه وسلم الخشية وتشيع فيها الطمأنينة ؟
إنها – رضي الله عنها – تنفي هذه الخشية بالاعتماد على خلقه الكريـم صلى الله عليه وسلم (( إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكَلَّ ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق )) ، ومَن هذا خلقه ؛ فإن الله تعالى لا يخزيه أبداً .
أن مقدمات خلقية عظيمة ؛ تجعل خديجة – رضي الله تعالى عنها – تقسم بالله ، أنه سبحانه لا يمكن أن يخزيه صلى الله عليه وسلم ومن ثمَّ فلْتنجلِ الخشية وتتبدد ، ولتحل محلها الطمأنينة والسكينة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم .
“ويأتي الموقف الثالث من خديجة – رضي الله عنها – في انطلاقها بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ابن عم لها (( يكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء أن يكتب )) ، فقد يكون قادراً على تفسير ما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء ، ويزيده من ثم طمأنينة إلى أن ما أتاه ليس إلا الحق . وها هي – رضي الله عنها – حين تكون مع النبي صلى الله عليه وسلم عند ورقة بن نوفل تقول قولاً تؤكد فيه أدبها العظيم : (( يا ابن عم ! اسمع من ابن أخيك )) . ويظهر هذا الأدب في أمرين :
1- أنها – رضي الله عنها – لم تحدّث ابن عمها ورقة بن نوفل بما جرى مع زوجها النبي صلى الله عليه وسلم بل تركت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم نفسه حتى لا يفوتها شيء من حديثه صلى الله عليه وسلم أو تزيد فيه ، وحتى تترك له صلى الله عليه وسلم يعبر بنفسه عما لقيه في غار حراء ، وهذا بلا شك مما يزيده راحة وطمأنينة ورضاً .
2- لم تخاطب النبي صلى الله عليه وسلم موجهة الطلب إليه : حدّث عمّك بما جرى لك . بل وجهت الخطاب إلى ورقة بن نوفل بقولها : (( اسمع من ابن أخيك )) وفي هذا تكريم للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ فالطلب من أحد الطرفين أن يسمع لا شك في أن فيه تكريماً للطرف المتحدث . ولا شك أيضاً في أن هذا يزيد من طمأنينة النبي صلى الله عليه وسلم حين يجد من يسمع له باهتمام ؛ مؤكداً له أن الذي نزل عليه هو الناموس الذي نزل على موسى عليه السلام .

السابق
ما هي عوامل ظهور الفلسفة الاسلامية
التالي
مفهوم بين العقيدة والشريعة والسلوك

اترك تعليقاً