الحياة والمجتمع

تعريف التسامح

تعريف التسامح الديني

التسامح هو اللين في التعامل والترفّع عن أخطاء الآخرين وتقبّلها، والتسامح الدينيّ هو مفهوم أعمق من ذلك، إذ يعني تقبّل كافة الأشخاص من جميع الأديان والثقافات، ولعلّ الإسلام هو أكثر الأديان تطبيقاً لهذا المفهوم، حيث ضرب لنا أجمل المواقف والأمثلة التي تدلّ على التسامح الديني الذي كان موجوداً في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلّم وفي الحضارة الإسلامية كذلك.

عاش الناس في ظلّ الحكم الإسلامي بمحبّة وتعاون بين مختلف الأفراد من جميع الأجناس والأديان، ووضعت أحكام تضمن حقوق كل فردٍ يعيش في الدولة الإسلامية، ولا زالت تعاليم الإسلام موجودة وقادرة على النهوض بالشعوب نحو تحقيق المنفعة العامة التي تتّخذها الدول غير الإسلامية شعاراً لها.

مظاهر التسامح

من مظاهر التسامح ما وُجد بين المسلمين من محبّةٍ ورباطٍ وأخوّةٍ، وهو ما يظهر من الرابط الأساسي الذي يربطهم، وهو عقيدة التوحيد، فقال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)،[٨] فلا رباط أقوى من العقيدة، ولا عقيدة أقوى من عقيدة التوحيد، ومن ثمرات هذه الأخوّة المساندة والتعاون، وهذا هو المظهر العملي الذي يظهر على أرض الواقع للأخوّة والرباط، ومن مظاهر التسامح والتعاون، فينهض الضعيف بالقوي، ولا يبقى في المجتمع أي فقيرٍ، ومن أدلّ الأمثلة على ذلك؛ الزّكاة التي تعدّ الركن الثالث من أركان الإسلام، ويظهر التسامح في التواصي والتناصح، فيعتبر المسلم مسؤولاً عمّن حوله، ينصحهم ويتقبّل النصيحة منهم، وتطهّر المجتمع، فيكون المجتمع خالياً من كلّ ما يعترض للعفّة، والطهارة، ويظهر التسامح في العدالة بأنواعها، سواءً كانت فيما يتعلّق بشؤون الناس في حياتهم اليومية، أو بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية؛ حتى لا يطغى الأغنياء على الفقراء، كذلك بالعدالة القانونية؛ حتى يصل كلّ حقٍّ إلى أهله، ويستوفي كلّ ظالمٍ عقوبته من وليّ الامر.

أهمية التسامح

إنّ للتسامح فوائد جمّةً، وآثارٌ عظيمة على الفرد والمجتمع، وفيما يأتي بيان البعض منها:

  • العفو عن المسيء يعدّ رحمةً به، ومراعاةً لجانبه الإنساني، وأنّه ضعيف لكونه إنساناً، وهو امتثالٌ لأمر الله تعالى، وطلب العفو والمغفرة والرحمة منه. العفو والتسامح سبباً من أسباب نيل مرضاة الله تعالى.
  • يعدّ التسامح سبباً من أسباب التقوى، وصفةً للمتّقين؛ لقول الله تعالى: (وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ).
  • الشعور بالراحة النفسية، والاطمئنان الداخلي، والسلام، وشرف النفس.
  • العفو سبباّ من أسباب نيل العزّة؛ فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلَّا عزًّا).
  • كسب الرفعة والمكانة عند الله تعالى، وعند الناس.

التسامح في الإسلام

دعت رسالة الإسلام إلى التسامح، وورد الحثّ عليه في العديد من آيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ومن مظاهر التسامح برّ المسلم بغير المسلم، إن لم يؤذي المسلمين، كما أنّ الإسلام منح الذميين الحرية، وأمر المسلمين بعدم التعرّض لهم في عقيدتهم، فأمر الإسلام المسلمين بترك الذميين على دينهم، حيث قال الله تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)،[١] ومع ذلك فإنّ الإسلام أمر بخطابهم والتحدّث معهم بإحسان، حيث قال الله تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)،[٢] فامتثل المسلمون لأوامر الله تعالى، فكانوا يعاملون أهل الكتاب أحسن معاملةٍ، كما أنّهم كانوا يعطفون عليهم، ويحكمون عليهم بالعدل، ومما يؤيد ذلك إباحة الله -تعالى- طعامهم، وذبائحهم، للمسلمين، ودليل ذلك قول الله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ)،[٣] ومن مظاهر التسامح التي أقرّها الإسلام، الأمر بالدعوة إلى الله تعالى، برفقٍ ولينٍ ولطفٍ، والمناقشة بالإحسان، وذلك كان النهج الذي سار عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم، حيث إنّه كان يدعو إلى توحيد الله تعالى، وإلى الإسلام، بالتبليغ فقط دون اللجوء إلى القوة، أو العنت، أو الإجبار، حيث إنّ الأساس الذي يقوم عليه الإسلام، الحجة والبرهان والدليل، وليس الإكراه والقوة، ومما يدلّ على ذلك ما حدث يوم فتح مكة المكرمة، عندما عفا الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عن أهل مكة بعد أن آذوه، إلّا أنّ الإسلام أجاز ردّ السيئة بمثلها، ومعاقبة المسيء على ما فعله وأساء به للآخرين، حيث قال الله تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)،[٤] ولكنّ الأفضل التسامح بين الناس، وعفوهم عن بعضهم البعض.

التسامح في القرآن

آثار التسامح

التسامح مبدأ من مبادئ الإسلام الأصيلة، شرعه الإسلام لما له الكثير من الآثار النافعة التي تعود على المجتمع والفرد، منها:

الآثار النفسية

لاحظ علماء الطبّ السلوكيّ أنّ للتسامح آثاراً إيجابيّةً كثيرةً تعود على الفرد من الناحية النفسية، وهي: انخفاض ضغط الدم، والتقليل من التوتر، حيث أشارت دراسة أجريت على مئةٍ وسبعة طالبٍ جامعيٍّ لقياس مدى التسامح عندهم من خلال تذكّر مواقف شعروا فيها بالخيانة، فوجدوا أنّ عشرين طالباً ممن صنفوا على أنّهم غير متسامحين؛ أظهروا نتائج سلبيةً في معدلات ضغط الدم، وازداد لديهم التوتر العضلي في الجبهة، وذلك مقارنةً مع عشرين من الطلاب المتسامحين، هذا ويشار إلى أنّ التسامح يزيد احترام ومحبة الآخرين، وينشر الطمأنينة والرخاء بين أفراد المجتمع، عدا عن محبة الله -عزّ وجلّ- للفرد المتسامح، لقول الله تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

الآثار الاجتماعية

تخلّق الأنبياء في دعوتهم بخلق التسامح؛ لما له من أثرٍ في إزالة البغض والكراهية بين الناس، وتزكية النفوس، وتطهير القلوب، والدعوة إالى قَبول الطرف الآخر حتى وان اختلف معه في توجّهاته ومعتقداته، والحدّ من المشاعر السلبية، كما يلعب التسامح دوراً مهماً في بناء العلاقات الاجتماعية، وتوثيق الصلة بين أفراد المجتمع، وتأصيل مبدأ التكافل والتكاتف المجتمعيّ.

السابق
خصائص التنمية المستدامة
التالي
ما هو وادي الويل

اترك تعليقاً