ديني

ما اهمية العلم في الاسلام

فوائد العلم في الإسلام

ما أهمية العلم في الإسلام

  • يعتبر القرآن الكريم دين العلم، فقد كانت أول آية نزلت منه تأمر بالقراءة التي تعتبر المفتاح الأساسي لكل العلوم سواء أكانت علوماً دينية أم علوماً دنيوية، فقال الله عزّ وجل: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق: 1-5].
  • أوجب الله عزّ وجل العلم في الإسلام قبل العمل، فقال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) [محمد: 19].
  • حذّر الله تعالى من القول دون علم، فقال: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36].
  • جعل الله للعلماء منزلة عالية تعلو عن غيرهم من الناس في الحياة الدنيا وفي الآخرة، قال تعالى: (‏‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة:11]، واستشهدهم الله عزّ وجل على وحدانيته، فقال تعالى: ‏( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [ آل عمران: 18]، ومعرفة الله وخشيته تكون من خلال العلم بآياته ومخلوقاته المختلفة؛ والعلماء هم من يعلمون ذلك، ومدحهم الله عزّ وجل بقوله: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) [فاطر: 28].
  • أمر الله عزّ وجل رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بطلب العلم، وذلك نظراً لأهميته، فقال: ( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه: 114].
  • يعتبر أهل العلم هم أسرع الناس إدراكاً للحق وإيماناً به، فقال تعالى: ( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ۗ) [الحج: 54].
  • أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين بطلب العلم، فجعله فريضةً على كل مسلم ومسلمة، وبيّن فضل العلماء على الناس في الكثير من الأحاديث الشريفة، فجعل فضل العالم على العابد كفضل القمر على بقية الكواكب، كما أنه بيّن بأن العلماء هم ورثة الأنبياء، وأن من سلك طريق العلم سهل الله له بها طريقاً إلى الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم : ( من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ) [حديث صحيح].
  • دعا الإسلام إلى تعلم جميع العلوم النافعة التي لا تتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية، وجعل لكل علم درجةً، فجعل العلوم الشرعية أفضلها من حيث الأجر والثواب.
  • جعل الله عزّ وجل ثواب العالم مستمر لا ينقطع عند موته، بل يجري له بقدر انتفاع الناس به، فقال صلى الله عليه وسلم: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ) [صحيح مسلم].

العلم في الإسلام PDF

اضغط هنا لتحميل ملف مكانة العلم في الاسلام

مكانة العلم في الإسلام

لا يوجد دين رفع من قيمة العلم، وأعلى من شأن العلماء كالإسلام، في نصوص تتلى في كل آن وحين، فسورة القلم بدأها الله تعالى بقوله: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} (القلم:1)، كما أن أول آية نزلت من القرآن الكريم لم تأمر بالصلاة، ولا بالزكاة، ولا حتى بالجهاد، وإنما بالقراءة، يقول الله عزوجل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} (العلق:1-3).
وورثنا عن المصطفى عليه الصلاة والسلام، آثارا وسيرا متواترة في تقديم الفقهاء والعلماء والقراء من الصحابة على غيرهم في إدارة الدولة، وقيادة شؤون الجهاد والسرايا، وتحصيل الأموال وتوزيعها، وفي الحكم والقضاء.
وفي هذا المضمار فإننا نرفع آيات المعروف والتقدير لآبائنا وأجدادنا، الذين أورثونا قيما وحكما نبيلة، وأمثالا ممجدة للعلم والعلماء، فقد عرفوا حق العلم، وقدرته على تطويع الحياة،، وتذليل الصعاب.

نعم، ربما كان بعض أجدادنا أميين، لكنهم لم يكونوا جهالا؛ لأن الجاهل من جهل حق الله وحق الناس، وكم من متعلمي اليوم، وحملة الشهادات يجحدون نعمة الله، وينكرون حق الأمة في رد الدين المناط بأعناقهم.
لقد ورثنا عن أجدادنا قيما ناظمة للحياة ممجدة للعلم، وكانوا يقدسون المسجد والكتاب، ويعتبرونهما من رياض الجنة. لكننا أهملنا هذه القيم، ما جعل أعداءنا ينتجون من العلوم والمعرفة أضعاف ما ينتجه العرب، رغم ماضينا المشرق في مجال العلم والعلوم.. فلماذا تراجعنا إلى هذا الحال؟
إن الواجب علينا دوما التذكير بالأولويات في ديننا الذي رفع العلماء إلى القمة إذ هم ورثة الأنبياء، ولا أشرف من النبوة، ولا أعظم من الرسالة المصطفاة.
الإسلام والعلم.

وفي ديننا: تعطى الزكاة لطالب العلم، ولا تعطى لمن يريد الانقطاع للعبادة؛ إذ لا رهبانية في الإسلام..

في ديننا يقدم الأحفظ لكتاب الله، والأفقه لإمامة الناس في الصلاة، كما جاء في الحديث (يؤم القوم أقرؤهم لِكِتَابِ اللَّهِ …)؛ لأنه أعلم بتدبير أمر الصلاة.

في ديننا: العلم خير من نفل العبادة، وقد جاء أن ابن وهب أراد أن يقوم من مجلس الإمام مالك من أجل الصلاة، فقال له الإمام مرشدا: “ليس هذا الذي أنت فيه دون ما تذهب إليه إذا صح فيه النية”.

في ديننا أيضا، العلم قبل الجهاد، ومداد العلماء يوزن بدماء الشهداء. وبالعلم يعرف فضل الجهاد، وبالعلماء يحشد الناس للقتال، ولولا العلم الرشيد لكان القتال خروجا مذموما أو انتحارا في سبيل الأهواء المضلة، كما فعل الخوارج قديما، وكما تفعل الحركات المتطرفة حاليا.

في ديننا: العلم طريق الجنة، وسبيل معرفة الله، ويدل على هذين النصين القاطعين من القرآن قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (آل عمران:190-191).
ومن السنة: أخرج الترمذي وأبو داود عن أبي الدرداء مرفوعا، قوله عليه الصلاة والسلام: (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا دينارا، ولا درهما إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر). 

أهمية العلم في الحياة

أهمّية العلم في حياة الإنسان بتطوُّر إمكانيّات الإنسان العلميّة، تتطوَّر المجتمعات، وترتقي الدُّول؛ فالعلم قوّة تُتيح لاقتصاديّات الدُّول العديد من الآفاق الصناعيّة، والاستثماريّة الهائلة، ففي التنافس التكنولوجيّ كان للعلم اليد الطولى في فتح مسارات لانهائيّة في المجالات التقنيّة، وحتى على المستوى الفرديّ، إذ إنّ مجالات التطوُّر كبيرة، ومُتاحة عن طريق الحاسوب، والإنترنت، حيث يمكن الحصول على آلاف المصادر، والمُتخصِّصين في كلّ مجال، كما أنّه عن طريق العلم ينعم البشر الآن بالكهرباء، ومصابيح الإنارة مثلاً، والتي غيَّرت مجرى التاريخ إلى الأبد، ومن الجدير بالذكر أنّ الحياة تتراجع بالجهل، وتتقدَّم بالعلم الذي أنقذ حياة الملايين؛ بسبب تطوُّر الصناعات الطبّية في الجراحة، والتعقيم، والتنظير، وتقنية الليزر، كما ساهم في ابتكار حلول سهَّلت التنقُّلات، ووفَّرت المعلومات، وحسَّنَت ثقافة، ومستوى تطلُّعات، وإمكانيّات الإنسان.

التحصُّن بالعلم لم يعد أمراً ثانويّاً؛ ففي المدارس يتلقّى الطلبة تعليمهم، بالإضافة إلى ما يصلهم من معلومات، وفوائد في مختلف المناهج التي يدرسونها، كما أنّ هناك كمّية ليست بالبسيطة من المهارات، والمعرفة المُكتسَبة بطُرق غير مباشرة، إذ يمكن عن طريق نشاط بسيط أن يتعلَّم الطالب مهارة إدارة الفريق، والعمل الجماعيّ، والتفكير الإبداعيّ، وطُرق حَلّ المشكلات، واتِّخاذ القرارات، وعن طريق واجب منزليٍّ مُعيَّن يمكن للطالب تعلُّم أساليب البحث عن المعلومة، واكتشاف أفق آخر للحاسوب، والإنترنت، بالإضافة إلى اكتسابه طُرَق صياغة المعاني، وتنسيق الأفكار، ومهارة الاستدلال، والتلخيص، وبناء الفرضيّات، والبحث لها عن حلول، وتلك المهارات كلّها، وغيرها من المهارات تُعتبَر ثروة حقيقيّة تُنمِّي شخصيّة الطالب، وتزيد من وعيه، وسعيه إلى كَسب مزيد من المعرفة، والخبرة الحياتيّة، حيث إنّه كلّما اكتسبها وهو في سِنٍّ مُبكِّر، فإنّه يمكنه تحقيق الفائدة منها، وتوظيفها بما يعود عليه بالنَّفع.

يُعَدُّ تعلُّم القراءة، والكتابة الخطوة الأولى؛ لاكتساب العلم، إذ لا بُدّ من الدراسة، والتعلُّم؛ ليتمكَّن الإنسان من اكتساب معرفة حقيقيّة بأسلوب منهجيّ مُتسلسِل، وليحظى بفرصة تحقيق النجاحات العلميّة الذاتيّة؛ فالتعليم بوّابة العلم الأولى، وبه تترسَّخ المعرفة النظريّة، ممّا يُهيِّئ الطريق لمعارف علميّة، وتجارب حياتيّة واعية، وفيما يلي بعض فوائد، ومنافع العلم، والتعلُّم التي تدلُّ على مدى مِحوريّة دوره، وأثره في حياة البشر:

  • يساعد العلم على الشعور بالثقة الذاتيّة، والتقدير، مع السَّعي إلى الارتقاء الدائم بمستوى الحياة القِيَميّ، والمادّي، والمعنويّ. يساعهم العلم في صناعة الأهداف، والطموحات، مع توفُّر الإرادة اللازمة؛ لتحقيقها، وتذليل صعابها.
  • يساهم العلم في تحقيق التفاعُل الإيجابيّ مع قضايا الأسرة، والمجتمع، وتقدير دور الأسرة، والاهتمام بمُتطلَّباتها.
  • يُشكِّل العلم حِصناً يقي من يحتمي فيه من الاستغلال، والاستغفال، ويمنع التحيُّز، والعُنف، واتِّباع النمطيّة إن لم تكن صحيحة.
  • يُحفِّز التعلُّم صاحبه على مواجهة التحدّيات، ويزيد إيمانه بقدراته، فيمكّنه من أدواته المعرفيّة، ومهاراته؛ حتى تتحوّل إلى قوّة تزيد من مسؤوليّته الذاتيّة، ونجاحه الشخصيّ، والأسريّ، وعلى صعيد الدراسة، والعمل، والإنجاز أيضاً.
  • يُهيِّئ العلم للمجتمع مسارات تقدُّمه لفترات طويلة، ويُعِدُّه لقبول التنوُّع، والتعدُّد العِرقيّ، والثقافيّ، ويُعلي من قيمة التنمية، ويجعل خُطَط التطوُّر التقنيّ، والاقتصاديّ، والبيئيّ أكثر واقعيّة، وبالتالي يُحقِّق المجتمع المُتعلِّم تنمية شاملة، ويضمن مستقبلاً واعداً لكلّ أبنائه.

أنواع العلم في الإسلام

جاءت كلمة العلم في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم مطلقة، ودونما تقييد أو تحديد؛ فهي تشمل كل علمٍ نافعٍ يهدف إلى خير الدنيا وعمارة الأرض، وكل علمٍ يهدف إلى صلاح الناس، والقيام السليم بواجبات الخلافة البشرية على هذا الكوكب.

ويمكننا تقسيم العلوم إلى قسمين كبيرين يشملان كل علم نعرفه أو نحتاج إليه، وهذان القسمان هما: العلوم الشرعية والعلوم الحياتية.

العلوم الشرعية والعلوم الحياتية
أما العلوم الشرعية فهي العلوم التي يُعرَف بها الله تعالى، ويُعرَف بها كيف تكون العبادة الصحيحة، ويشمل ذلك كل العلوم المتعلقة بدراسة الدين وفقه الشريعة، مثل علوم القرآن، وعلوم السنة والحديث الشريف، وعلوم العقيدة، وعلوم الفقه وأصوله، وعلوم الأخلاق، وغير ذلك مما يتعلق بالشريعة والدين. ويرتبط بهذا القسم بعض العلوم الأخرى التي يُحتاج إليها في فقه تلك العلوم الشرعية، مثل علوم اللغة والأدب والتاريخ، ونحو ذلك.

أما العلوم الحياتية فهي العلوم النافعة التي يحتاج إليها الإنسان ليصلح بها حياته، ويعمِّر بها أرضه، ويستكشف بها كونه وبيئته، وذلك مثل علوم الطب والهندسة  والفلك والكيمياء والفيزياء والجغرافيا، وعلوم الأرض والنبات والحيوان، وغير ذلك من العلوم المشابهة.

فكلمة العلم التي كَثُرت الإشارة إليها في الكتاب والسنة إنما تعني -في أكثر الأحيان- العلم بشقيه الشرعي والحياتي، وكل ما جاء من مدحٍ للعلماء، فهو لكل عالمٍ نفع الناس بعلمه، سواء كان شرعيًّا أم حياتيًّا.

علوم فرض العين وعلوم فرض الكفاية
ثم إن هذه العلوم -سواء علوم الشرع أو علوم الحياة- تنقسم بدورها إلى قسمين: علوم فرض عين، وعلوم فرض كفاية.

وفرض العين هو ما طلب الشارع فعله طلبًا جازمًا من كل مكلف بعينه، فلا يكفي أن يقوم به البعض دون البعض الآخر، ومنه: الصلاة، والصيام، والوفاء بالعقود وغيرها.

وفرض الكفاية هو ما طلب الشارع حصوله طلبًا جازمًا من جماعة المكلفين، فإن أقامه أحدهم أو بعضهم على الوجه المطلوب، سقط الإثم عن الباقين، وإن لم يقمه أحد أثم الجميع، ومنه: الجهاد في سبيل الله، وإقامة الخلافة، والصلاة على الميت ودفنه، وغيرها .

وعليه فالعلوم التي تُعَد من فروض العين هي تلك التي يتعين على كل مسلم ومسلمة ممن اتصف بالعقل والبلوغ أن يُحصِّلَها ويتعلَّمها، وإذا لم يحصلها أثم بسبب ذلك، وركبته السيئات بحجم التفريط الذي فرّط.

فهذا النوع من العلوم حتميٌ على كل المسلمين، وليس هناك استثناء فيه، وهو الذي عناه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه وقال فيه: “طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ”.

وأما العلوم فرض الكفاية فهي تلك العلوم التي إن قام بها بعض المسلمين على الوجه الأكمل، واستطاعوا أن يكْفوا بقية الأمة فيها، فإنهم يثابون عليها ويسقط الإثم عن باقي الأمة، حتى أولئك الذين لم يقوموا بها، وأما إذا لم توفر الأمة من العلماء ما يكفي حاجتها في فرع معين، فإن الإثم يقع على الجميع إلى أن تكفي الأمة حاجتها في ذلك الفرع، فتوفر الكم والنوع اللازم لسد كل الثغرات.

وفروض الكفاية كثيرة جدًّا، والأمة النجيبة الواعية هي التي توزِّع فروض الكفاية على أفرادها بحيث تسد كل الثغرات لديها، وتكفى كل حاجاتها، بحيث لا يصبح هناك -مثلاً- تكدسٌ في أحد المجالات، ونقصٌ وقصورٌ في مجالات أخرى، وهذا يحتاج إلى اتساع أفقٍ وشمولِ نظرة.

ولنحاول أن نسقط هذه التعريفات على الواقع.

العلوم الشرعية

فالعلوم الشرعية منها ما هو فرض عين، “يتعين” على كل مسلمٍ ومسلمةٍ أن يتعلموه، ويأثمون بتركه، وذلك مثل العلم بالله تعالى على سبيل الإجمال، كالعلم بأنه سبحانه عليمٌ وخبيرٌ وقادرٌ على كل شيء، وأنه خالقٌ ورازقٌ ورحيمٌ وكريمٌ وغير ذلك.

وأيضًا مثل العلم بأمور الفقه الضرورية لأداء العبادات، فيتعلم المسلم كيف يتوضأ وكيف يصلِّي، وما هي نواقض الوضوء، وما هي نواقض الصلاة، وما الفرق بين الفرض والنافلة، وبين ما تصح الصلاة بدونه، وما لا تصح الصلاة إلا به، وأن يعرف الصيامَ وأحكامه، والزكاة وأحكامها، وأن يعرف أمور الحلال والحرام، وخاصة المشهور منها، والذي سمّاه العلماء “ما هو معلوم من الدين بالضرورة” كحرمة الزنا والخمر والخنزير والربا، وكذلك عليه أن يعرف رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ونبذة عن سيرته، وأيضًا يعرف القرآن وكيف يُتلى، ويعرف عن الساعة ويوم القيامة إجمالاً، وكذلك عن الجنة والنار وهكذا.

ومن العلوم الشرعية ما هو فرض كفاية على بعض علماء الأمة وليس مفروضًا على بقية المسلمين، مثل دقائق علم العقيدة، ودقائق الفقه مثل فقه المواريث، ودقائق فقه التجارة لغير التجار، وكيفية حساب الزكاة في الاحتمالات المختلفة، ودقائق الاقتصاد لغير الاقتصاديين، ودقائق تفسير القرآن، وأسباب النزول، وتفاصيل حياة الرسول وحياة أصحابه، وتخريج الأحاديث، والعلم برواتها، ودرجاتهم من حيث الجرح والتعديل، وتفاصيل التاريخ الإسلامي، وفنون اللغة ودقائقها [3].

فهذه العلوم هي من فروض الكفاية، والتي وجب على الأمة أن توجد طائفة من أفرادها ليقوموا بالخوض فيها، وإتقانها والتبحر فيها والتمكن منها، والقدرة على معرفة كافة أطرافها ودقائقها، وهو مصداق قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122].

وإذا لم توفر الأمة هؤلاء العلماء، وكانت تعاني  مثلاً- نقصًا في علماء التفسير أو علماء الفقه أو الحديث أو غيره، فإن الأمة جميعها تأثم إلى أن توفر هذه الطائفة.

العلوم الحياتية

والأمر هو نفسه بالنسبة للعلوم الحياتية، فمنها ما هو فرض عين، “يتعين” على كل مسلمٍ ومسلمةٍ أن يتعلموه، ويأثمون بتركه، ومنها ما هو فرض كفاية، إن قام به البعض سقط عن الجميع.

فمثلًا: علم الطب يُعد فرض عينٍ على الطبيب، وعلم الهندسة يُعد فرض عينٍ على المهندس، وعلم الكيمياء فرض عينٍ على الكيميائي وهكذا. فإذا تعلم كل واحدٍ من هؤلاء مهنته وأتقنها وبرع فيها، ووصل إلى درجة من الابتكار وحل المشكلات في مجاله، وهكذا في كل تخصص، فإن الفرض يُكفى، وبذلك يسقط الإثم عن المسلمين.

أما إذا فشلت الأمة في إخراج عدد مناسب، وبكفاءة متميزة يكْفون حاجة المسلمين، فإن الإثم يقع على الأمة جميعًا؛ وذلك لفشلها في تحقيق ذلك الأمر [4]!!

وليس غريبًا بعد ذلك أن يكون من نتيجة ذلك الفشل أن تتخلف الأمة عن ركب الحضارة، وأن تكثر أزماتها ومشكلاتها، فضلا عن سقوطها في أعين غيرها من الأمم الأخرى، فتصبح وقد اقتادها غيرها، وقد أضحت فريسة سهلة للطامعين، فلا يُستبعد أن تنتهك سيادتها، وأن تحتل أرضها، وأن تسلب ثرواتها.. حتى تضيع تحت أقدام الغزاة!!

والشاهد من ذلك أن المرء المسلم واقع بين نوعين من العلوم يتعين عليه أن يتقنهما: الأول خاص بمعرفة دينه المعرفة التي توصله إلى العبادة الصحيحة كما ذكرنا سابقا، وهو ما لابد للجميع منه. والثاني خاص بمجال التخصص الذي هو فيه، أيًّا كان مجاله وطبيعة عمله. والذنب والإثم في كلٍ هو بحجم التقصير الذي يحصل.

ومن هذا المنطلق لا يستقيم لطالب رفعةٍ لهذه الأمة، وراجي التمكين لها في الأرض، أن يكون فاشلاً في مجاله، متخلفًا في صنعته أو في مهنته أو في علمه الذي وُكِّل به؛ إذ أن تقدم الأمة معتمدٌ على تقدمه، وتخلفها هو نتيجة لتخلفه.

موقف الإسلام من العلم

يُعلي الإسلام من شأن العقل ويحرره، ويؤيد العلم، ويشيد بالبحث ويحث على النظر في الكون، بل ينشئ العقلية العلمية، ويرفض تلك المستسلمة لكل ما يتوارثه الناس دون مناقشة له.

ولقد اعتنى علماء الأمة ودعاتها ومفكروها بموقف الإسلام من العقل والعلم، وعلى درب هؤلاء سار الدكتور يوسف القرضاوي فأفرد لهذه القضية كتابًا خاصًا تناولها من جوانبها المتعددة.
ويعد هذا الكتاب هو الأول لفضيلته، الذي يصدره المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف المصرية بعد الثورة ليعالج قضية جد خطيرة تعد من أكبر الإشكاليات التي حظيت باهتمام وتفكير العلماء وعنايتهم على مر العصور ألا وهي قضية موقف الإسلام من العقل ومن العلم، وحدود التقارب والتباعد أو الاتفاق والتعارض بينهما إن وجدت.
يجدر بالذكر أن هذه المحاولة ليست المحاولة الأولى للدكتور القرضاوي في بحث قضايا العلم والمعرفة في ضوء الرؤية الوسطية الإسلامية.

حث الإسلام على طلب العلم

حثّ الإسلام الحنيف المؤمنين على طلب العلم ونبّههم على فضله بطرقٍ عديدةٍ، من أهمّها:

  • أخبر القرآن الكريم أنّ الله كتب رفعةً خاصةً لأهل العلم. دلّت السنة المطهرة على أنّ من من سلك طريقاً في طلب العلم سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة.
  • دلّت النصوص الشرعية على بقاء أجر وثواب صاحب العلم إن مات، وعدم انقطاعه؛ بسبب بركة علمه الذي علّمه.
  • أخبرت النصوص أنّ من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله.
السابق
سطح العالم الاسلامي – تضاريس العالم الاسلامي
التالي
ما المقصود بعلم القراءات

اترك تعليقاً