الأسرة في الإسلام

آثار الطلاق

آثار الطلاق على الأطفال

تأثير الطلاق على الأطفال

ينتج عن الطلاق تأثيرات مُتباينة تختلف من طفلٍ لآخر، حسب طبيعته ونُضجه اعتماداً على عمره، وعلى طريقة انفصال الوالدين ودورهم في زيادة تقبّله لهذا القرار، وشعوره بالارتياح بعده، ومن آثار الطلاق على الأطفال، ما يأتي:

التأثير النفسي والعاطفي

قد يواجه الأطفال صعوبةً في السيطرة على مشاعرهم وتقبّل قرار الانفصال، فيتأثرون به نفسيّاً وعاطفيّاً، ومن هذه التأثيرات ما يأتي:

  • الشعور بالحزن والأسى وعدم التكيّف مع انفصال الوالدين، وتختلف هذه المشاعر بحسب نُضج وفهم الطفل للأمر، فقد يظن الأطفال في سنٍ صغيرٍ أنهم سبب الانفصال، ويشعرون بالألم والذنب، أما الأطفال الأكبر سناً فتختلف ردود أفعالهم، إذ يشعر البعض بالقلق والاكتئاب، أو كره الأسرة.
  • القلق والإجهاد النفسي بسبب التفكير المُتكرر والدائم بأسباب انفصال الوالدين وعدم فهمها جيّداً، فقد يظن الأطفال أن والديهما سيتوقفان عن حبهم، كما سبق وتوقفا عن حبّ بعضهم وافترقا بالنهايّة، مما يؤثّر على مشاعرهم الداخليّة ويزيد من شعورهم بالإحباط والخوف والتوتّر

التأثير الاجتماعي

يُمكن أن تظهر تأثيرات الطلاق الاجتماعيّة على الأطفال من خلال بعض العلامات والمظاهر الآتية:

  • ضعف قدرة الاتصال لدى الطفل: ويظهر ضعف الاتصال لدى الطفل من خلال عجزه عن التفاعل مع والديه، ومع الأفراد الآخرين المُحيطين به بسبب المشاعر السلبيّة التي تظل عالقةً به، والتي يكتسب بعضها من النزاعات والبيئة غير الصحيّة التي كان يعيش بها سابقاً، أو الناجمة عن تغّيرات ما بعد الطلاق؛ كارتباطه وتفاعله مع أحد والديه فقط وهو الحاضن له، وابتعاده عن الآخر، وعدم الالتقاء به أو محادثته فتراتٍ طويلة مما يجعله يشعر بالاستياء والكره والغضب منه، وبالمقابل يتعلق بالحاضن، ويخشى فقدانه وخسارته أو هجره له لاحقاً.
  • التأثير على علاقات الطفل المُستقبليّة: يتأثّر الأطفال داخلياً بالطلاق كما ذكر سابقاً، وبالتالي يؤثّر ذلك على نشأتهم وعلاقاتهم المُستقبلية مع مرور الوقت، كما تُظهر الدراسات النفسية التي أجريت على عدد من الأزواج من قبل مكتب الإحصاء الاجتماعي في الولايات المُتحدة الأمريكية، إلى أنّ الأطفال الذين نشأوا في ظروف الطلاق تكون علاقاتهم الزوجيّة لاحقاً أكثر عرضةً للطلاق أيضاً، ويُمكن أن يكون السبب في ذلك انعدام الثقة والأمان في الشُركاء لديهم، إضافةً لافتقارهم لبعض المهارات الاجتماعيّة المُكتسبة من الأسرة، ونقص العواطف والمشاعر الجميلة واستبدالها بمشاعر أكثر سلبيّةٍ، وبالتالي عدم قدرتهم على حل الخلافات الزوجيّة ومُعاناتهم من مشاكل تُشبه مشاكل ذويهم، فينتهي بهم الحال مع الأسف بنفس الطريقة التي انتهى بها الوالدين والانفصال، وهو ما يُعرف نفسيّاً بنظريّة “النمذجة الأبوية” أي السير على نموذج مُشابه للآباء.

التأثير المادي على مستوى المعيشة

أحياناً يتسبب الطلاق في العديد من التغيّرات بالشؤون الماليّة والنفقات، مما ينتج عنه تغيّر المستوى المعيشي للأطفال، وذلك بسبب اختلاف مقدار وقيمة الدخل الذي كان الأبوين يُقدّمانه للأسرة معاً، بحيث قد يعجز أحدهما عن توفير احتياجات الأطفال وتحقيق رغباتهم لوحده، وهنا يجب التنويه لضرورة التعاون بين الأبوين في رعاية الأبناء وتوفير مصاريفهم وأساسياتهم، بالرغم من انفصال الزوجين، وانتقال الأطفال لحضانة أحدهما.

التأثير على المستوى التعليمي والأكاديمي

قد ينتج عن التغيّرات الحياتيّة المُختلفة والمرافقة للطلاق تدنيّ المستوى التعليمي والأكاديمي للأطفال، وهو أمرٌ يختلف من طفلٍ لآخر، لكنه يعود لعدّة أسباب منها:

  • شعور الأطفال بالارتباك والتشويش والإجهاد العقلي، وعدم القدرة على التركيز في الدراسة بشكّلٍ جيّدٍ بسبب التغيّرات الديناميكيّة والمشاعر السلبيّة التي قد تُرافق قرار الانفصال للأبوين.
  • عدم تأقلم الأطفال مع المدارس، وأماكن السكن والأحياء الجديدة، والأصدقاء والمعارف الجدد مما يُعيق رغبتهم في التعلّم أو الذهاب للمدرسة.
  • الحاجة لتلقيّ الدعم والتشجيع بشكلٍ أكبر من الوالدين، ومُساعدتهم على تقّبل حقيقة الطلاق وفهمها، والاهتمام بهم ورعايتهم أكثر، في حين أنّ الوالدين قد يكونان مُنشغلين بإعادة تنظيم الحياة وترتيبها أو توفير مستوى معيشة أفضل للأطفال، فقد يُهملونهم بعض الوقت بغير قصدٍ، مما ينعكس على أدائهم وتحصيلهم العلمي، وهو أمرٌ يجدر الانتباه له وعدم إهماله.

التأثير الصحي والسلوكي

رُبما ينعكس الطلاق على صحة وسلوك الأطفال النفسيّ والاجتماعيّ في بعض الحالات، وذلك كما يأتي:

  • زيادة مشاكل الصحة العقليّة للأطفال، ومنها الاكتئاب، والمشاكل النفسيّة الأخرى الناجمة عن القلق، والإجهاد، والتوتر، والتي قد تحتاج إلى تدخّلاً وعلاجاً طبيّاً حتى لا تتفاقم وتؤدي لأضرارٍ ومشاكل أكبر.
  • حدوث مشاكل واضطرابات سلوكيّة مختلفة، كالجنوح، والعنف، واللجوء للاشتباك والصراع مع باقي الأطفال من عمرهم، وقد تكون هذه التصرفات بغرض التنفيس عن الاستياء والغضب، والتعبير عن المشاعر السلبيّة التي تغمرهم وتؤلمهم من الداخل.

آثار الطلاق على المرأة pdf

اضغط لتحميل ملف آثار الطلاق على المرأة

حلول الطلاق

حلول لتجنّب مشكلة الطلاق

هنالك بعض الحلول التي يُمكن للزوجين اتّباعها لتجنّب الطلاق واستعادة العلاقة الصحيّة من جديد، ومنها:

التواصل الجيّد والحفاظ على مبادئ الزواج وأساسياته

يلعب التواصل الجيّد دوراً هاماً في الحفاظ على المودة والألفة والعلاقة المتوازنة المُترابطة بين الزوجين، ويُمكن الحفاظ عليه وتعزيزه باتباع النصائح الآتية:

  • الاهتمام وتحسين أسلوب التواصل: حيث إنّ انقطاع الاهتمام، وانشغال الزوجين بمسؤوليات الحياة، وظروف العمل، والعلاقات الاجتماعيّة الأخرى قد ينتج عنه مُباعدة المسافة بينهما، وشعور كل منهما بعدم اهتمام الطرف الآخر به وإهماله، أو الشك في مشاعره والخوف من الاستمرار معه، بالتالي لا بدّ من تعزيز أساليب التواصل، والعمل على التقرّب من بعضهما، وتشارك الاهتمامات، والمشاعر الجميلة، والصعوبات، والأحلام، والأهداف بشكلٍ مُنتظم.
  • التسامح والمغفرة: تنهار بعض العلاقات الزوجيّة بسبب عدم قدرة الزوجين على المُسامحة وإعطاء الفرص، رغم اعتذار الشريك واعترافه بخطأه وطلبه مغفرة الطرف الآخر، إلا أنه بالمقابل يرفض المُصالحة، وهنا يجب التنويه لضرورة تقبّل الخطأ كصفة بشريّة يقع بها الجميع، وأنّ العلاقة الزوجيّة الثمينة تتطلب تقديم التنازلات وإعطاء المزيد من الفرص لدعمها والحفاظ عليها، ويُمكن عتاب الشريك، وأخذ موقف وفرصة للتفكير لتأنيب الشريك على خطأه وإشعاره بالمسؤوليّة لكن بأسلوب ودّي ومُهذّب، ثم إكمال ومتابعة الحياة الزوجيّة بانسجامٍ وحبٍّ معاً.
  • الاحترام المُتبادل: يجب على الزوجين احترام بعضهما البعض، وتقدير كل منهما لشريكه، حيث إن الاحترام هو أحد أساسيات الزواج الصحي الناجح، وسبب رئيسي لاستمرار العلاقات ورضا الزوجين عن بعضهما، ويُمكن التعبير عنه باستمرار عن طريق تذكير الشريك بالمشاعر العظيمة التي يُكنها الطرف الآخر له، وامتنانه لوجوده، وتقديره لمكانته ودوره كنصفٍ مُكمّل له، وعدم الاكتفاء بالوقت والعشرة لإظهار مشاعر الاحترام بل التحدث عنها باستمرار، والتصّرف بطريقة تُعبر عنها

علاج الطلاق

  1. زيادة الصراحة والوضوح بين الزوجين، ومحاولة فهم الآخر؛ حقوقه، واجباته، مشاعره، احتياجاته، أفكاره، مشاكله، مخاوفه… إلخ. ففهم هذه التفاصيل العميقة يساعد حل مشكة الطلاق العاطفي مع الوقت.
  2. خلق لغة حوار وتفاهم بين الزوجين، والعمل دائماً على التوصل إلى حل يرضي كافة الأطراف في حالة وقوع المشاكل.
  3. محاولة الاستمتاع بالعلاقة الحميمة بين الزوجين والتغيير وكسر روتين المعتاد في العلاقة، وتفهم حاجات الآخر والبعد عن الأنانية.
  4. مشاركة الطرف الآخر اهتماماته وهواياته وشغفه.
  5. على كل من الزوجين مدح الآخر، وإشعاره بالامتنان وتقدير أعماله وأفعاله مهما كانت بسيطة.
  6. الاعتراف من قبل كل من الزوجين بأهمية الآخر في حياته، وإعطاؤه الأولوية دائماً.
  7. استعمال الكلمات الجميلة والرقيقة المحببة لكلا الطرفين بشكل دائم، مما يزيد من المحبة والود بينهما.
  8. كسر الروتين اليومي، ومحاولة تجربة أمور جديدة في الحياة، حتى لو كانت بسيطة جداً وغير مكلفة.

سلبيات الطلاق

الأضرار النفسيّة للطليقين

يُعد قرار الانفصال قراراً عاطفيّاً أكثر من كونه قانونيّاً، حيث إنّه انتهاءٌ لمسيرة الزواج المُقدّسة التي جمعت الزوجين بحبٍ وصدق سابقاً، وبالتالي تترتب عليها آثار نفسيّة كبيرة عليهما، ومنها:

  • شعور أحد أو كلا الزوجين بالألم والخسارة عندما تنتهي علاقته الحميمة بشريكه بغض النظر عن الأسباب، وبعيداً عن اللوم والاستياء من تصرفاته أو أخطائه.
  • الشعور بالذنب والخجل من الآخرين بعد الحصول على الطلاق، وقد تتفاقم تلك المشاعر لإحساسٍ بالخزيّ والعار والغضب والاستياء من نظرة المجتمع لتجربته التي انتهت بالفشل.
  • تمّلك الزوجين سلسة من المشاعر النفسيّة والعاطفيّة المُعقدة، أبرزها: الحزن، والقلق، والإجهاد، والاكتئاب والفوضى الداخليّة بعد تجربة الطلاق، بالتالي يكون بحاجة للدعم والمساعدة للوصول لاستقرار النفسيّ والاتزان العاطفيّ من جديد.

الأضرار الاقتصاديّة والماليّة

لا يقتصر تأثير الطلاق على نفسيّة الأزواج وعواطفهم الداخليّة بل يؤثّر بشكلٍ كبير على حالتهم الماديّة والاقتصاديّة أيضاً، مما يُسبب انخفاض المستوى المعيشي للأسرة أحياناً، والناتج عن انخفاضٍ في مستوى الدخل خاصةً إذا كان الزوجين يتشاركان إعالة الأسرة ومسؤوليتها الماديّة من خلال دمج مُرتباتهما، وبالتالي يُصبح على كل منهما استخدام راتبه بشكلٍ فردي أكثر دقةً وتنظيماً، والادخار أو العمل مدّة أطول لزيادة دخله، خاصةً عند وجود الأطفال، وزيادة مسؤولياتهم وحاجاتهم مع الوقت، ولا ننسى الأضرار الماديّة المُترتبّة على الأتعاب القانونيّة لقضايا الطلاق وإجرائاته الحكوميّة المُكلفة.

الأضرار الاجتماعيّة

تؤثّر تجربة الطلاق على نفسيّة الأزواج كما ذكر سابقاً الأمر الذي يخلق لديهم مشاكل في التواصل مع الآخرين والتفاعل معهم كالمُعتاد، خاصةً بعد الانفصال مُباشرةً؛ لأنّ الطليق قد يرغب بالجلوس وحيداً ويتجنّب الجميع، أو أن يحصل العكس بحيث يرغب بالخروج من حالته النفسيّة والتخلّص من مشاعر الكآبة والحزن لديه، فيميل للانخراط مع الآخرين وتجربة علاقات جديدة بشكلٍ متهور، وبالتالي الانفصال والخسارة من جديد، بسبب عدم التركيز والوعي الجيّد والتأني والاعتبار من الأخطاء السابقة قبل الدخول بعلاقة جديدة، ومن ناحيّة اجتماعيّة أخرى فقد يتأثّر المرء بنظرة الآخرين له، ويشمل ذلك الأصدقاء والمُقرّبين، الذين قد يميلون لتجنّبه، أو إشعاره بالانزعاج، من خلال المظاهر الآتية:

  • تحيّز الأصدقاء للطرف الأضعف في الطلاق، أو عدم رغبتهم بسماع كلام مؤذي عن الزوج الآخر، خاصةُ إذا كانو أصدقاء لكلا الزوجين، مما يُصعب عليهم الاستمرار بالعلاقات مع الزوجين بشكلٍ فرديّ.
  • عدم شعور الأصدقاء بالراحة المُطلقة اتجاه الزوج بعد حصوله على الطلاق، وتغيّر نظرتهم له أو جعله موضعاً للشك، وبالتالي عدم القدرة على التعامل معه بشكلٍ مُريح كالسابق، والرغبة بالابتعاد عنه.
  • وجود ضغوطات أسريّة من قبل عائلة الطليق، أو عائلة الزوج نفسه والتي تشعر بالغضب والاستياء، وتدفعه لقطع العلاقات مع الطليق وجميع أصدقائه وأفراد عائلته، وتجنّب الاتصال معهم مجدداً.

بحث عن الطلاق

نتعرض في هذا المبحث لتعريف الطلاق والحكمة من مشروعيته ( مطلب أول) ثم نتناول في مطلب ثاني شروطه :
المطلب الأول : تعريف الطلاق والحكمة من مشروعيته :

الفقرة الأولى: تعريف الطلاق
الطلاق لغة: هو رفع القيد مطلقا حسيا كان أو معنويا ، وهو في اصطلاح الفقهاء ، رفع قيد النكاح في المال أو المآل بلفظ مخصوص ، فهو إذن بائن إن أزال الزوجية حالا، وهو رجعي إن كان يزيلها لعد انقضاء العدة ويقال امرأة طالق من نسوة طلق وطالقة من نسوة طوالق ، وأنشد الأعشى
أجا رتنا بيني ، فإنك طالقة !
كذلك أمور الناس غاد وطارقة .

وفي القرآن الكريم :
ورد ذكر الطلاق في القرآن الكريم في آيات كثيرة منها قوله تعالى :
 الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان .
وقوله سبحانه وتعالى : لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن ، ويقول في محكم كتابه العزيز يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة

في السنة :
-أما السنة فهناك أحاديث كثيرة تتكلم عن الطلاق منها :
– أن النبي صلى الله عليه وسلم ” طلق حفصة ، ثم راجعها” ( رواه داود والنسائي وابن ماجة ) .
– ما روي عن عمر أنه قال :” كانت تحبني امرأة وأحبها وكان أبي يكرهها، فأمرني أن أطلقها فأبيت فذكر ذلك للنبي عليه السلام، فقال :” يا عبد الله بن عمر طلق امرأتك ” ( رواه البخاري ومسلم والترمذي )
المشرع المغربي في هذه المادة جعل ممارسة الطلاق من طرف الزوج أو الزوجة، بعد أن كان يمارسه الزوج فقط، وفي جميع الأحوال فإن الطلاق يتم تحت مراقبة القضاء، وفق الأحكام المفصلة في هذه المدونة .

فواقعة الطلاق ليست مجرم تصرف ثنائي، بل هي تصرف اجتماعي تنعكس آثارها على المجتمع، وتسيء استقراره وطمأنينته . ومن أجل ذلك نجد جميع التشريعات السماوية منهاو الوضعية اعتنتبتنظيم الطلاق وانطلاقا من ذلك نعرض فيما يلي:
أولا : موقف الشريعة الإسلامية من الطلاق .
ثانيا: موقف مدونة الأسرة من الطلاق .

أولا : موقف الشريعة الإسلامية من الطلاق
إذا كان الإسلام قد رخص بالطلاق ، فإنه اعتبره استثناء لا يجوز اللجوء إليه، إلا عند الضرورة القصوى وعند استنفاد كل الحلول الممكنة، وقد اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن ” أبغض الحلال عند الله الطلاق ” و ” ما أحل الله شيئا ابغض من الطلاق ” و” تزوجوا ولا تطلقوا ، فإن الله لا يحب الذواقين والدوقات”. كما أن الإسلام حرم الطلاق الذي لا مبرر له ، في محاولة للحد من الظاهرة السلبية فجاء في الآية الكريمة : فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا ، كما ورد في آيةأخرى: واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن و لا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ، كذلك دعا الإسلام إلى بذل كل الجهود لتفادي الطلاق ، فنصتالآية 35 من سورة النساء على قوله تعالى: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ، إن الله كان عليما خبيرا .

وقد قيد الإسلام الطلاق بعدة قيود لغل يد الرجل، الذي غالبا ما يكون هو المسؤول عن توقيعه. ومن ضمن هذه القيود ضرورة عدم توقيعه خلال فترات حيض المرأة بل وجب انتظار طهر المرأة وأن لا يكون الرجل قد مسها خلال فترة الطهر هاتة، وهذا القيد ثابت في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فقد روي: أن ابن عمر رضي الله عنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء امسكها بعد ذلك وإن شاء طلقها قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء “.
وهذا القيد من شأنه التقليل من مدة الفترة الزمنية المسموح فيها للرجل بالطلاق و يجعله ينتظر عند الرغبة في توقيعه توفر تلك الشروط وهو الأمر الذي قد يجعله يتراجع عن موقفه بعد التفكير جيدا خلال فترة الانتظار .وفعلا ثبت من الناحية العملية عدم احترام هذا القيد في غالبية الأحيان من قبل الطليقين والجهات المشرفة على الطلاق من عدول وقضاة .

ومن القيود التي فرضها الإسلام أيضا على الطلاق عدم اعتبار الطلاق حالا وقائما بمجرد توقيعه من قبل الزوج، بل الرابطة الزوجية تظل مستمرة بكل آثارها، باستثناء المعاشرة الزوجية، إلى حدود انتهاء فترة العدة هذا إذا لم يتعلق الأمر بالطلاق الثالث أو بطلاق قبل الدخول .
وهذا القيد تم تقريره كذلك لجعل الزوج يفكر جيدا في نتائج الطلاق المقبل عليه، ومن شان تواجد المرأة أمامه خلال هذه الفترة وقربها منه أنيجعله يتراجع عن فكرة الطلاق وفي هذا الصدد ورد في القرآن الكريم من سورة البقرة :
 والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق في الله في أرحامهن ن كن يؤمن بالله واليوم الآخر ، وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف .

كما ورد في سورة الطلاق الإشارة إلى ضرورة بقاء المرأة في البيت خلال فترة العدة، وذلك في الآية الأولى بنصها على أنه  لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، هذا القيد ثم إغفاله كذلك من الناحية العملية، ولا يتم احترامه سواء من قبل الأطراف أو العدول أو القضاة.

كذلك من ضمن القيود التي أقرها الإسلام لردع إقبال الرجل على الطلاق فرض المتعة وذلك بنص الآية من سورة البقرة : وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ، ويرى بعض الفقهاء ” أن المقصود بالمعروف هنا تقدير المتعة على حسب ما هو مألوف مع مراعاة فيه ما لحق المرأة من ضرر نتيجة تعسف الزوج في الطلاق.

كذلك لتقييد سلطة الرجل في الطلاق منحت الشريعة الإسلامية حضانة الأبناء بعد الطلاق للأم. وقد أكد هذه القاعدة حديث للنبي صلى الله عليه وسلم ورد فيه : ” إن امرأة قالت يا رسول اللهإن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وأن أباه طلقني فأراد أن ينزعه منيفقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت أحق به ما لم تنكحي ” . وإضافة إلى إسناد الحضانة إلى الأم يتكلف للأب بالنفقة عليهم وكل هذه القواعد من شأنها جعل الرجل يتردد كثيرا قبل توقيع الطلاق وعدم اللجوء إليه إذا أجبر على ذلك وكان مبرره معقولا.
غير أن تطبيق هذه القواعد الحمائية التي أقرها الإسلام ، يشوبه الكثير من العيوب من الناحية العملية، بحيث لا يتم احترامها في أحيان كثيرة ، مما يحول دون تحقيق الغاية التي أقرها من أجلها.

يظهر مما سلف أن الإسلام وضع قيودا حقيقية على سلطة الرجل في توقيع الطلاق في محاولة للحد من آفاتهذه الظاهرة، إلا أن عدم احترام هذه القواعد هو الذي أوصلنا إلى الوضعية الحالية والتي تتميز بارتفاع نسبة الطلاق في بلدنا والبلدان الإسلامية عامة بشكل أثر كثيرا على استقرار الخلية الأولى في المجتمع ( الأسرة) ونتج عنه تشريد الكثير من النساء والأطفال.

ثانيا: موقف مدونة الأسرة من الطلاق
تأسيسا على ما استجد من المقتضيات بشأن الطلاق في مدونة الأسرة ، فقد تم تقييد هذا الحق، بمعايير شرعية استثنائية تتجاوبوقصد الشرع الإسلامي من هذا الحق، وإلى ذلك تنص المادة 70 من المدونة :” لا ينبغي اللجوء إلى حل ميثاق الزوجية بالطلاق أو بالتطليق إلا استثناءا، وفي حدود الأخذ بقاعدة أخف الضررين، لما في ذلك من تفكيك الأسرة “… وحقيقة أن هذا التقييد إنما يعتبر ترجمة عملية لما استقر على وجوب الأخذ به – وعن صواب- بعض الرؤى الفقهية السديدة ، وذلك إنه إذا كان عموم الجمهور يقرون أن إخلال ميثاق الزوجية يشكل عملا مباحا فإن تيارا فقهيا موازيا أضفى صفة الحظر على الطلاق وليس الإباحة ، وإلى ذلك يقول الإمام أبو زهرة :
-“… ومع تقرير الفقهاء أن الطلاق حق للرجل ، واتفاقهم على أنه لا يكون إلا عند الحاجة إليه قد اختلفوا في الأصل في الطلاق أهو الحظر أم الإباحة.

ولقد قال المحققون من الفقهاء أن الأصل في الطلاق المنع حتى توجد حاجة إليه لقوله تعالى : فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ، ولا شك أن الطلاق مع عدم الحاجة إليه بغي عليها. واتخاذه سبيلا للفراق الظالم حمق، وقد روي عن أبو داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق ” وقد روي أنه قال :” لا تطلقوا النساء إلا من ريبة، فإن الله لا يحب الذواقين والذواقات … هذا وإن الزواج نعمة والطلاق قطع له ، وقطع النعمة لا يجوز إلا إذا زالت صفتها ، وأيضا فإن الزواج عقد أبدي لازم والقياس لا يوجب ألا ينهيه أحد العاقدين بإرادته المنفردة ولكن أجيز للحاجة فقط، فإذا لم تكن ثمة حاجة يبقى القياس هو المنع … .
“… ومن جهته يقول الإمامميارة الفاسي ” … والطلاق مباح من حيث هو في الجملة وقال بعض الشيوخ إنه مكروه، لما ورد عن أبي داوود قوله عليه السلام قال :” إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق ” ولأشكال أنه قد يعرض له الوجوب والتحريم والندب “… أما عليا ابنأ طالب فقد ورد في البهجة قوله :” لا تطلقوا فإن الطلاق يهتز له عرش الرحمان …” .

-وتماشيا مع هذا المعطى فقد تم تقييد أحقية الرجل في ممارسة حق الطلاق بضوابط شرعية، لتفادي جميع أشكال التعسف في أثناء سلوكه، تنويحا لقوله عليه السلام :” إن أبغض الحلال عند الله الطلاق … “.
ومن خلال ما سبق تطرح مشروعية التساؤل الآتي : ما هي أهم التطبيقات القانونية لهذه الضوابط في ظل القانون الجديد؟ وهل هذه القيود الشرعية من شأنها كبح جماح حالات الطلاق التعسفي والحد من آثارها السلبية – يمكن القول أن مدونة الأسرة أقرت جملة من المقتضيات القانونية والأليات القضائية التي تحول دون التعسف في استعمال حق الطلاق ، نذكر منها على الخصوص:
أ- جعل مسطرة حل ميثاق الزوجية تحت الإشراف الفعلي والمراقبة الميدانية للمؤسسةالقضائية بكيفية تصون كرامة المرأة وتحافظ على حقوقها المكتسبة سواء الشخصية منها والمقررة لفائدة أبنائها منه

ب-تقوية سبل الإصلاح بين الأطراف المتخاصمة ، وتعزيز آليات التوفيق والوساطة بتدخل الأسرة والقاضي ، وفي هذا الصدد تنص المادة 82 من مدونة الأسرة في فقرتها الثانية :” للمحكمة أن تقوم بكل الإجراءات بما فيها انتداب حكمين أو مجلس العائلة، أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين، وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما، إذا تم الإصلاح بين الزوجين حرر به محضر وتم الإشهاد به من طرف المحكمة …” .

ج-ضمان حق المرأة المطلقة بعد الطلاق في حالة تعذر الإصلاح بين الزوجين، مع الالتزام بموازاة ذلك بالحفاظ على حقوق الأطفال ومكتسباتهم بعد حل ميثاق الزوجية، وعليه ففي حالة ما لم تسفر مبادرة إصلاح ذات البين عن أية نتيجة إيجابية، فإن المحكمة تحدد مبلغا من المال يودعه الزوج لزوما بكتابة الضبط بالمحكمة داخل أجل أقصاه 30 يوما لأداء مستحقات المطلقة وأبنائها، مع العلم أن الواجبات المقررة لهذه الأخيرة تتضمن مؤخرا الصداق متى وجد ونفقة العدة، والمتعة المراعي في تقديرها مجموعة من المعايير الجديدة كاعتبار طول فترة الزواج من قصرها، والوضعية المالية للزوج، وأسباب الطلاق ومدى تعسف الزوج في توقيع الطلاق ، مع الاحتفاظ للمطلقة في فترة عدتها بالاستمرار في شغل مسكن الزوجية، وفي حالة تعذر ذلك فإن المطلق ملزم بتوفير مسكن ملائم لها يتناسب ووضعه المالي، وإلا حددت المحكمة تكاليف السكن في مبلغ مالي يودع أيضا ضمن المستحقات المالية المقررة للمطلقة بكتابة ضبط المحكمة التي يتواجد بها بيت الزوجية أو مواطن الزوجة ، أو محل إقامتها أو التي أبرم فيها عقد الزواج حسب الترتيب

– الفقرة الثانية: مشروعية الطلاق وحكمته
لقد بني التشريع الإسلامي مختلف مؤسساته الشرعية على مجموعة من الأحكام ذات الغايات والمقاصد المحددة، ولذلك فإن تشريع الطلاق قد بني على حكمةعظيمة نتولى بيانها في النقطة الأولى من هذا المطلب ، كما أنها تتوازن مع حكمة في التشريع الإسلامية على نحو ما في النقطة الثانية .

السابق
تعرف علي طبقات جلدالانسان
التالي
أهداف الزواج

اترك تعليقاً